الجزء الثاني - ذكر مناقضات الأناجيل الأربعة

والكذب الظاهر الموضوع فيها قال أبو محمد أول ذلك مبدأ الخلق مبدأ إنجيل متى اللاواني الذي هو أول الأناجيل بالتأليف والرتبة مصحف نسبة يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم وإبراهيم ولد إسحق وإسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا وإخوته ويهوذا ولد من ثامان فارض وتارخ ثم إن فارض ولد حضروم وحضروم ولد آرام وآرام ولد عمينا ذاب وعمينا ذاب ولد بخشون الخارج من مصر أخو زوجة هارون وبخشون ولد أشلومون وأشلومون ولد له من راحاب بوعز وبوعز ولد له من روث عوبيذ وعوبيذ ولد له ايشاي وايشاي ولد له داود الملك وولد داود الملك أشلومون وأشلومون ولد رجيعام ورجيعام ولد البيوت والبيوت ولد أشا وأشا ولد يهوشافاظ ويهوشافاظ ولد يهورام ويهورام ولد أحزياهو وأحزياهو ولد يوثام ويوثام ولد أحاز وأحاز ولد أحزيا وأحزيا ولد منشا ومنشا ولد أمون وأمون ولد يوشياهو ويوشياهو ولد نحنيا وإخوته وقت الرحلة إلى بابل وبعد ذلك ولد لنحنيا صلتيايل وصلتيايل ولد روباييل وروباييل ولد أبيوث وأبيوث ولد ألياحيم وألياحيم ولد أزور وأزور ولد صدوق وصدوق ولد أحيم وأحيم ولد أليوث وأليوث ولد العزار والعزار ولد مثان ومثان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف خطيب مريم التي ولدت يسوع الذي يدعى مسيحاً فصار من إبراهيم إلى داود أربعة عشر أباً ومن داود إلى وقت الرحلة أربعة عشر أباً ومن وقت الرحلة إلى المسيح أربعة عشر أباً فجميع المواليد من إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً قال أبو محمد رضي الله عنه ففي هذا الفصل خلاف لما في التوراة وكتب اليهود التي هي عندهم في النقل كالتوراة وهما كتاب ملاخيم وكتاب وبراهياميم فقال هاهنا تارخ بن يهوذا وفي التوراة زارح بن يهوذا وهذا اختلاف في الاسم وكذب من أحد الخبرين والأنبياء لا يكذبون وقال ههنا أحزيا هو بن هورام وفي كتب اليهود أحزيا بن يورام وهذا اختلاف في الأسماء ووحي الله تعالى لا يحتمل هذا فأحد النقلين كاذب بلا شك وقال ههنا يوثام بن أحزيا هو وفي كتب اليهود المذكورة يوثام ابن عزريا بن أمصيا بن أش بن أحزيا فأسقط ثلاثة آباء مما في كتب اليهود وهذا عظيم جداً فإن صدقوا كتب اليهود وهم مصدقون بها فقد كذب متى وجهل وإن صدقوا متى فإن كتب اليهود كاذبة لابد من أحد ذلك فقد حصلوا على التصديق بالشيء وضده معاً وقال ههنا أحزياهو بن أحاز بن يوثام وفي كتب اليهود المذكورة حزقيا بن أحاز بن يوثام وهذا اختلاف في الاسم والوحي لا يحتمل هذا فأحد النقلين كاذب بلا شك وقال هاهنا نحليا بن يوشياهو بن أمون وفي كتب اليهود التي ذكرنا نحنيا بن الياقيم بن موشيا بن أموز فأسقط متى الياقيم وخالف في اسم يوشيا بن أمون وهذا عظيم وكما قدمنا من كذبهم ولابد إذ يصدقون بالشيء والضد له معاً وهم لا يختلفون في أن متى رسول معصوم أجل عند الله من موسى ومن سائر الأنبياء كلهم وهو قد قال في أول كلمة من إنجيله مصحف نسبة المسيح بن داود بن إبراهيم ثم لم يأت إلا بنسب يوسف النجار زوج مريم الذي عندهم هو ربيب إلههم زوج أمه فكيف يقول أنه يذكر نسبة المسيح ثم يأتي بنسبة يوسف النجار والمسيح عند هذا التيس البوال ليس هو ولد يوسف أصلاً فقد كذب هذا القذر كذباً لا خفاء به ولا مدخل للمسيح في هذا النسب أصلاً بوجه من الوجوه إلا أن يجعلوه ولد يوسف النجار وهم لا يقولون هذا ولا نحن ولا جمهور اليهود أما هم فيقولون أنه ابن الله من مريم وأنه إله وابن إله وامرأة تعالى الله عن هذا وأما نحن فنقول والعيسوية من اليهود معنا والأريوسية والبولقانية والمقدونية من النصارى أنه عبد آدمي خلقه الله تعالى في بطن مريم عليها السلام من غير ذكر وأما جمهور اليهود لعنهم الله فيقولون أنه لغير رشدة حاشى لله من ذلك بل إن طائفة قليلة من اليهود يقولون أنه ابن يوسف النجار وما نرى متى إلا شاهداً لقولهم ومحققاً له وإلا فكيف يبدأ بأنه يذكر نسب المسيح إلى داود ثم لا يذكر إلا يوسف النجار إلى داود ولو أنه ذكر نسب أمه مريم لكان لقوله مخرج ظاهر لكنه لم يذكر نسب مريم أصلاً ثم لم يستحي النذل من أن يحقق ما ابتدأ به فبعد أن أتم نسب يوسف النجار قال من الرحلة إلى المسيح أربعة عشر اباً فجميع المواليد من إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً فأكد هذا الملعون كذبه وأن المسيح ولد يوسف ولابد ضرورة من أحدهما وإلا فكيف يكون من الرحلة إلى المسيح أربعة عشر أباً والمسيح ليس هو ابناً لأحدهم ولا هم آباء له فكيف يكون من إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً ولا مدخل للمسيح في تلك الولادات إلا كمدخله في ولادات أهل الصين وأهل الهند وأهل طلعة وسقر وسقرال ولا فرق‏.‏

هذه فضائح الدهر وما لا يأتي به إلا أنجس البرية ونعوذ بالله من الخذلان ثم كذب آخر وجهل زايد وهما قوله فبين إبراهيم إلى داود أربعة عشر أباً قال أبو محمد رضي الله عنه هذا كذب إنما هم على ما ذكر ثلاثة عشر إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويهوذا وزارح وحضروم وآرام وعمينا ذاب وبخشون وأشلومون وبوعز وعوبيذ وايشاي فهؤلاء ثلاثة عشر اباً ثم داود ولا يجوز البتة أن يعد داود في آباء نفسه فيجعل أباً لنفسه فهذه ملحنة ثم قال ومن داود إلى الرحلة أربعة عشر اباً وليس كذلك لأن نحنيا هو الراحل بنص قول متى وأنه لم يولد له على قول صلتيايل إلا بعد الرحلة فهم أشلومون ورجيعام وأبيوث وأشا ويهوشافاظ ويهورام وأحزياهو ويوثام وأحاز وأحزياهو وميشا وأمون وبوشاهو ونحنيا وقد عد داود قبل فإن عده ههنا فقد حققوا الكذب في الفصل الذي قبله وإن عده هناك فقد كذبوا في العدد الثاني أو جعلوا نحنيا أباً لنفسه وهذا هوس ثم قال ومن الرحلة إلى المسيح أربعة عشر أباً وهذا فصل جمع كذبتين عظيمتين أحدهما أنه إذا عد صلتيايل ثم من بعده إلى يوسف النجار فليسوا إلا اثني عشر رجلاً فقط وهم صلتيايل ووروباييل وأبيوث والياخيم وأزور وصدوق وأجيم وأليوث والعازر وماثان ويعقوب ويوسف فإن عد فيهم نحنيا كانوا ثلاثة عشر وهو يقول أربعة عشر فاعجبوا لهذا الحمق وهذا الضلال واعجبوا لرعونة من جاز هذا عليه واعتقده ديناً ثم إن كان عنى أنهم آباء المسيح فيوسف والد المسيح وكفي بهذا عندهم كفراً فقد كفر متى أو كذب وجهل لابد من أ د ذلك ثم قوله فمن إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً فهذا كذب فاحش وجهل مفرط لأنه إذا عد إبراهيم ومن بعده إلى يوسف وعد يوسف أيضاً فإنما هم أربعون فقط فإن عد المسيح وجعله ولد يوسف لم يكونوا أيضاً إلا واحد وأربعين فقط فاعجبوا ممن يدين لله تعالى بهذا الحمق واحمدوه على السلامة هذا إلى الكذب المفضوح الذي في نسب داود عليه السلام إلى بخشون بن عمينا ذاب لأن بخشون بنص توراتهم هو الخارج من مصر وهو مقدم بني يهوذا ولم يدخل بنص التوراة أرض القدس لأن كل من خرج من مصر ابن عشرين سنة فصاعداً ماتوا كلهم في التيه بنص التوراة فإذا عدت الولادات من أشلومون ابن بخشون الذي دخل أرض المقدس إلى داود عليه السلام وجدوا أربعة فقط وهم داود بن أشاي ابن عوبيذ بن بوعر بن أشلمون الداخل مصر المذكور ولا يختلفون يعني اليهود والنصارى معاً من أن دخول أشلمون المذكور مع يوشع وبني إسرائيل الأرض المقدسة إلى مولد داود عليه السلام خمسمائة سنة وثلاثاً وسبعين سنة فيجب على هذا أن يقول أن أشلومون لم يدخل الأرض المقدسة إلا وهو أقل من سنة وأنه لم يولد لكل واحد منهم ولده المذكور إلا وله مائة سنة ونيف وأربعون سنة وكتبهم تشهد ككتاب ملاخيم وبراهياميم وغيرهما وتقطع أنه لم يعش أحد من بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام مائة سنة وثلاثين سنة إلا يهوراع الكوهن الهاروني وحده فكم هذا الكذب وهذا الافتضاح فيه وهذه الشهرة العظيمة لا ينفكون من كذبة إلا إلى أخرى ومن سوأة إلا إلى سوأةٍ ونعوذ بالله من البلاء فاعجبوا لما افتتح به هذا الكذاب وأحسن ما في خالد وجهه فقس على الغائب بالشاهد ثم ذكر لوقا الطبيب في الباب الثالث منه نسب المسيح عليه السلام فقال أنه كان يظن أنه ابن يوسف النجار المنسوب إلى علي إلى ماثان إلى لاوي إلى ملكي إلى يمتاع إلى يوسف إلى متاتيا إلى حاموص إلى ماحوم إلى أشلا إلى أنحا إلى فاهاث إلى منيشا إلى صمغي إلى مصداق إلى يهندع إلى يوحنا إلى رشا إلى روباييل إلى صلتيايل إلى بادي إلى ملكي إلى مر إلى أريع إلى قرصام إلى اليران إلى هار إلى يشوع إلى لونا إلى الياخيم إلى ملكا اياز إلى يمتاع إلى متاتا إلى ناثان إلى داود النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نسب داود كما ذكره متى حرفاً حرفاً قال أبو محمد رضي الله عنه فاعجبوا لهذه المصيبة الحالة بهم ما أفحشها وأوحشها وأقذرها وأوضرها وأرذلها وأنذلها متى الكذاب ينسب المسيح إلى يوسف النجار ثم ينسب يوسف إلى الملوك من ولد سليمان بن داود عليهما السلام أباً فأباً ولوقا ينسب يوسف النجار إلى آباء غير الذي ذكر متى حتى يخرجه إلى ناتان بن داود أخي سليمان بن داود ولابد ضرورة من أن يكون أحد النسبين كذباً فيكذب متى أو لوقا أو لابد أن يكون كلا النسبين كذباً فيكذب الملعونان جميعاً ولا يمكن البتة أن يكون كلا النسبتين حقاً ولوقا عندهم لوق الله صورهم والاق وجوههم ولقاهم البلاء وألقى عليهم الدمار واللعنة في الجلالة فوق جميع الأنبياء عليهم السلام فهذه صفة أناجيلهم فاحمدوا الله تعالى أيها المؤمنون على السلامة والعصمة وقال بعض أكابر من سلف منهم من مضليهم أن أحد هذين النسبين هو نسب الولادة والنسب الآخر نسب إلى إنسان تبناه على ما قد كان في قديم زمن بني إسرائيل من أن من مات ولا ولد له وتزوج آخر امرأته نسب إلى الميت من ولدت من هذا الحي فقلنا لمنا عارضنا منهم بهذا الهوس من لك بهذا وأين وجدته للوقا أو لمتى والدعوى لا يعجز عنها أحد وهي باطلة إلا أن يعضدها برهان وبعد هذا فأي النسبين هو نسب الولادة وأيهما هو نسب الإضافة لا الحقيقة فأيهما قال قلب عليه قوله وقيل له هذه دعوى بلا برهان فإن قال أن لوقا لم يقل أن فلاناً ولد فلاناً كما قاله متى لكن قال المنسوب إلى علي قلنا وهكذا قال في آباء علي أباً فأباً إلى داود ثم إلى إبراهيم ثم إلى نوح ثم إلى آدم سواءً بسواءٍ في اسم بعد اسم وفي أب بعد أب ولا فرق افترى نسب داود إلى إبراهيم وإبراهيم إلى نوح ونوح إلى آدم كان أيضاً على الإضافة لا على الحقيقة كما قلت في نسب يوسف إلى علي هذا عجب فإذ لا سبيل إلى تصحيح هذه الدعوى فهي كذب ووضح الكذب في أحد النسبين ضرورة عياناً والحمد لله رب العالمين‏.‏

فصل وفي الباب الثالث من إنجيل متى فلحق يسوع يعني المسيح بالمفاز وساقه الروح إلى هنالك ولبث فيه ليقيس إبليس نفسه فيه فلما أن مضى أربعين يوماً بلياليها جاع فوقف إليه الجساس وقال له إن كنت ولد الله فأمر هذه الجنادل تصير لك خبزاً فقال يسوع قد صار مكتوباً بأن عيش المرء ليس بالخبز وحده ولكن في كل كلمة تخرج من فم الله تعالى وبعد هذا أقبل إبليس في المدينة المقدسة وهو واقف في أعلى بنيانها وقال له إن كنت ولد الله فترام من فوق فإنه قد صار مكتوباً بأنه سبيعث ملائكة يرفدونك ويدفعون عنك حتى لا يصيب قدمك مكروه فأجابه يسوع وقال له قد صار مكتوباً أيضاً أن لا يقيس أحد العبيد إلهه ثم عاد إليه إبليس وهو في أعلى جبل منيف فأظهر له زينة جميع الدنيا وشرفها وقال له إني سأملكك كل ما ترى إن سجدت لي فقال له يسوع اذهب يا منافق مقهقراً فقد كتب أن لا يعبد أحد غير السيد إلهه ولا يخدم سواه فتأيس عنه إبليس عند ذلك وتنحى عنه وأقبلت الملائكة وتولت خدمته‏.‏

وفي الباب الرابع من إنجيل لوقا فانصرف يسوع من الأردن محشواً من روح القدس وقاده الروح إلى القفار ومكث فيه أربعين يوماً وقايسه إبليس فيه ولم يأكل شيئاً في تلك الأربعين يوماً فلما أكملها جاع فقال له إبليس إن كنت ابن الله فأمر هذا الحجر أن يصير خبزاً فأجابه يسوع وقال له قد صار مكتوباً أنه ليس عيش الآدمي في الخبز وحده إلا في كل كلمة لله ثم قاده إبليس إلى جبل منيف عال وعرض عليه ملك جميع الدنيا من وقته وقال له سأملكك هذا السلطان وأنزلك بعظمته لأني قد ملكته وأنا أعطيه من وافقني فإن سجدت لي كان لك أجمع فأجابه يسوع وقال له قد صار مكتوباً أن تعبد السيد إلهك وتخدمه وحده ثم ساقه إلى بلاشلام وصعده ووقفه على صخرة البيت في أعلاه وقال له إن كنت ولد الله فتسبسب من ههنا لأنه مكتوب أن يبعث ملائكة لحرزك وحملك في الأكف حتى لا تعثر بقدمك في حجر ولا يصيبك مكروه فأجابه يسوع وقال له قد كتب أيضاً أن لا تقيس السيد إلهك قال أبو محمد رضي الله عنه في هذا الفصل عجائب لم يسمع بأطم منها أولها إقرار الصادق عندهم بأن إبليس قاد المسيح مرة إلى جبل منيف وانقاد له ومضى معه وقاده مرة أخرى إلى أعلى صخرة في بيت المقدس فما نراه إلا ينقاد لإبليس حيث قاده ولا يخلو من أن يكون قاده فانقاد له مطيعاً سامعاً فما نراه إلا منصرفاً تحت حكم الشيطان وهذه والله منزلة رذيلة جداً أو يكون قاده كرهاً فهذه منزلة المصروعين الذين يتخبطهم الشيطان من المس حاشى للأنبياء من كلتا الصفتين فكيف إله وابن إله بزعمهم وما سمع قط بأحمق من هذا الهوس ونحمد الله على عظيم منته ثم الطامة الأخرى كيف يطمع إبليس عند هؤلاء النوكي في أن يسجد له خالقه وفي أن يعبده ربه وفي أن يخضع له من فيه روح اللاهوت أم كيف يدعو إبليس ربه وإلهه إلى أن يعبده والله إني لأقطع أن كفر إبليس وحمقه لم يبلغا قط هذا المبلغ فهذه آبدة الدهر ثم عجب آخر كيف يمني إبليس رب الدنيا وخالقها ومالكها ومالكه وإلهنا وإلهه في أن يملكه زينة الدنيا فهذه كما تقول عامتنا أعطه من خبزه كسيرة ما هذه الوساوس التي لا ينطلق بها إلا لسان من حقه سكنى المارستان أو عيار كافر مستخف بقوم نوكي يوردهم ولا يصدرهم ما شاء الله كان فإن قالوا إنما دعا الناسوت وحده وإياه عنى إبليس وحده قلنا فإن اللاهوت والناسوت عندكم متحدان بمعنى أنهما صارا شيأ واحداً والمسيح عندكم إله معبود وقد قلتم هاهنا أن إبليس قاد المسيح فانقاد له المسيح ودعاه إبليس إلى عبادته والسجود له ومناه إبليس بملك الدنيا وقال للمسيح وقال له المسيح أو قال ليسوع وقال له يسوع وعلى قولكم أنه إنما خاطب الناسوت إنما دعا نصف المسيح ونصف يسوع وإنما مني بزينة الدنيا نصف المسيح فقد كذب لوقا ومتى على كل حال وأهل الكذب هما فكيف ونص كلامهما جزت ألسنتهما في لظى يمنع من هذا ويوجب أن إبليس إنما دعا اللاهوت لأنه قال له إن كنت ابن الله فافعل كذا ولو لم يكن من هذا في الأناجيل إلا هذا الفصل الأبخر وحده لكفى فكيف وله فيها نظائر جمة ونحمد الله على السلامة فصل قال أبو محمد رضي الله عنه وذكر في الفصل الذي تكلمنا عليه أن المسيح عليه السلام احتشى من روح القدس وفي أول باب من إنجيل لوقا أن يحيى بن زكريا احتشى من روح القدس في بطن أمه وأن أم يحيى احتشت أيضاً من روح القدس فما نرى للمسيح من روح القدس إلا كالذي ليحيى ولأم يحيى من روح القدس ولا فرق فأي فضل له عليهما فصل قال أبو محمد في الباب الثالث من إنجيل متى فلما بلغه حبس يحيى بن زكريا تنحى إلى جلجال وتخلى من مدينة ناصرة ورحل وسكن في كفر ناحوم على الساحل في رابلون وتفتالي ليتم قول شعيا النبي حيث قال أرض رابلون وتفتالي وطريق البحر خلف الأردن وجلجال الأجناس وكل من كان بها في ظلمة يبصرون نوراً عظيماً ومن كان ساكناً في ظلل الموت بها يطلع النور عليهم ومن ذلك الموضع ابتدأ يسوع بالوصية وقال توبوا فقد تدانى ملكوت السماء وبينا هو يمشي على ريف البحر بحر جلجال إذ بصر بأخوين أحدهما يدعى شمعون المسمى باطرة والآخر باطرة والآخر أندرياس وهما يدخلان شباكهما في البحر وكانا صيادين فقال لهما اتبعاني أجعلكما صيادي الآدميين فتخليا وقتهما ذلك من شباكهما واتبعاه ثم تحرك من ذلك الموضع وبصر بأخوين أيضاً وهما يعقوب ويوحنا بن سيذاي في مركب مع أبيهما يعدان شباكهما فدعاهما فتخليا ذلك الوقت من شباكهما ومن أبيهما ومتاعهما واتبعاه هذا نص كلام متى في إنجيله حرفاً حرفاً وفي أول باب من إنجيل مارقش قال فبعد أن بلي يحيى أقبل يسوع إلى جلجال ملك الله وقال إن الزمان قد تم وتدانى ملك الله فتوبوا وتقبلوا الإنجيل فلما خطر جوار بحر جلجال نظر إلى شمعون وأندرياس وهم يدخلان شبكتهما في البحر وكانا صيادين فقال لهما يسوع اتبعاني أجعلكما صيادين للآدميين فتركا ذلك الوقت الشبكة واتبعاه ثم تمادى قليلاً فأبصر يعقوب بن سيذاي وأخاه يوحنا وهما في المركب يهندمان شبكتهما فدعاهما فتركا والدهما مع العمالين بأجرة في المركب واتبعاه هذا نص كلام مارقش في إنجيله حرفاً حرفاً وقال في الباب الرابع من إنجيل لوقا وبينما الجماعات يوماً تزدحم عليه رغبة في استماع كلام الله وكان في ذلك الوقت واقفاً على ريف بحيرة بشيرات إذ بصر بمركبين في البحيرة قد نزل عنهما أصحابهما لغسل شباكهم فدخل يسوع أحدهما الذي كان لشمعون وسأله أن يتنحى به عن الريف قليلاً فقعد في المركب وجعل يوصي الجماعات منه فلما أمسك عن الوصية قال لشمعون لحج وألقوا جرافاتكم الصيد فقال له شمعون يا معلم قد عنينا طول الليل ولم نصب شيئاً ولكنا سنلقي الجرافة بأمرك وقولك فلما ألقاها قبضت على حيتان كثيرة جليلة فكادت تقطع الجرافة من كثرتها فاستعانوا بأصحاب المركب الثاني وسألوهم أن يعينوهم على إخراجهم لها فاجتمعوا عليها وشحنوا منها المركبين حتى كادا أن يغرقا فلما بصر بذلك شمعون الذي يدعى باطرة سجد ليسوع وقال اخرج عني يا سيدي لأني إنسان مذنب وكان قد حار وكل من كان معه لكثرة ما أصابوا من الحيتان وحار يعقوب ويوحنا ابنا سيذاي فقال يسوع لشمعون لا تخف فإنك ستصطادد من اليوم الآدميين فخرجوا إلى الريف الآخر مركبهم وتخلوا من جميع ما كان لهم واتبعوه هذا نص كلام لوقا في إنجيله حرفاً حرفاً وفي أول باب من إنجيل يوحنا بن سبذاي قال وفي يوم آخر كان يحيى بن زكريا المعمد واقفاً ومعه تلميذان من تلاميذه فبصر بيسوع ماشياً فقال هذا خروف الله فسمع ذلك منه التلميذان واتبعا يسوع فالتفت إليهما يسوع إذ رآهما يتبعانه وقال لهما ما الذي طلبتما قالا له يا معلم أين مسكنك فقال لهما أقبلا فأبصرا فتوجها معه ورأيا مسكنه وباتا عنده ذلك اليوم وكانا في الساعة العاشرة وكان أحد التلميذين اللذين اتبعاه أندرياش أخو شمعون المسمى باطره أحد الاثني عشر فلقي أخاه شمعون وهو أحد اللذين سمعا من يحيى واتبعاه إذ نظر إليه وقال له وجدنا المسيح ثم أقبل إليه به فلما بصر به المسيح قال له أنت شمعون بن يوثا وأنت تسمى كيفا وترجمته الحجر وهذا نص كلام يوحنا في إنجيله حرفاً حرفاً قال أبو محمد رضي الله عنه فاعجبوا لهذه الفضائح وتأملوها اتفق متى ومارقش على أن أول ما كانت صحبة شمعون باطره وأخيه أندرياش ابني يوثا للمسيح فإنها كانت بعد أن سجن يحيى بن زكريا إذ وجدهما المسيح وهما يدخلان شبكتهما في البحر للصيد وقال لوقا أنه وجدهما ما صحباه إذ وجدهما قد نزلا من المركب لغسل شباكهما وأنهما كانا قد تعبا طول الليل ولم يصيدا شيأ وقال يوحنا إن أول ما صحباه إذ رآه أندرياش أخو شمعون باطره وهو واقف مع يحيى بن زكريا وأنه كانت تلميذاً ليحيى وأن يحيى حينئذ كان يعمد للناس فلما سمع أندرياش قول يحيى إذ رأى المسيح هذا خروف الله ترك يحيى وصحب المسيح وذلك في الساعة العاشرة وبات عنده تلك الليلة ثم مضى إلى أخيه شمعون باطره وأخبره وأتى به إلى المسيح فصحبه وهي أول صحبته له فبعضهم يقول أول صحبة باطره وأخيه أندرياش للمسيح كانت بعد سجن يحيى بن زكريا وهو قول متى ومارقش وبعضهم يقول أن أول صحبة شمعون باطره وأندرياش للمسيح كانت قبل أن يسجن يحيى وهو قول يوحنا وبعضهم يقول أول صحبة باطرة وأندرياش للمسيح كانت إذ وجدهما يدخلان شبكتهما للصيد جميعأً فتركاها وصحباه من حينئذ وهو قول متى ومارقش وبعضهم يقول إن أول صحبة باطره وأندرياش للمسيح كانت إذ رآه أندرياش وهو واقف مع يحيى وهو تلميذ يحيى يومئذ فرأى المسيح ماشياً فقال يحيى هذا خروف الله فترك أندرياش يحيى وصحب المسيح من حينئذ ثم مضى إلى أخيه شمعون وعرفه أنه قد وجد المسيح وأتى به إليه فصحبه من حينئذ وهو قول يوحنا فهذه أربع كذبات في نسق إحداها في الوقت الذي كان ابتدأ صحبتهما للمسيح فيه والأخرى في الموضع الذي كانت أول صحبتهما للمسيح فيه والثالثة في رتبة صحبتهما للمسيح امعاً أم أحدهما قبل الثاني والرابعة في صفة الحال التي وجدهما عليها أول ما صحباه وبالضرورة ندري أن أحد هذه الاختلافات الأربعة كذب بلا شك ومثل هذا لا يمكن ألبتة أن يكون من عند الله عز وجل ولا من عند نبي ولا من عند صادق بل من كذاب عيار لا يبالي بما حدث وأغرب شيء في ذلك قولهم كلهم أن يوحنا بن سيذاي هو ترجم إنجيل متى من العبرانية إلى اليونانية فإذا رأى هذه القصص في إنجيل متى بخلاف ما عنده فلابد ضرورة من أن يكون عرف أن قول متى كذب أو عرف أنه حق لابد من أحدهما ضرورة فإن كان قول متى كذباً فقد استجاز يوحنا أن يورد الكذب عن صاحبه المقدس الذي هو عندهم أكبر من موسى ومن سائر الأنبياء وإن كان قول متى حقاً فقد قصد يوحنا لإيراد الكذب فيما أخبر هو به في إنجيله لابد من أحدهما ولقد كانت هذه وحدها تكفي في بيان أن الأناجيل من عمل كذا بين ملعونين شاهت وجوههم وحاقت بهم لعنة الله فصل وفي الباب الرابع من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه لا تحسبوا أني جئت لنقض التوراة وكتب الأنبياء إنما أتيت لإتمامها أمين أقول لكم إلى أن تبيد السماء والأرض لا تبيد باء واحدة ولا حرف واحد من التوراة حتى يتم الجميع فمن حلل عهداً من هذه العهود الصغيرة وحمل الناس على تحليله فسيدعى في ملكوت السموات صغيراً ومن أتمه وحض الناس على إتمامه فسيدعى في ملكوت السموات عظيما وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى ستحول السموات قال أبو محمد رضي الله عنه وهذه نصوص تقتضي التأبيد وتمنع من النسخ جملة ثم لم يمض بعد الفصل الأول المذكور إلا أسطار يسيرة حتى ذكر متى أنه قال لهم المسيح قد قيل من فارق امرأته فليكتب لها كتاب طلاق قال وأنا أقول لكم من فارق امرأته إلا لزنا فقد جعل لها سبيلاً إلى الزنا ومن تزوج مطلقة فهو فاسق وهذا نقض لحكم التوراة الذي ذكر أنه لم يأت لنقضها لكن لإتمامها ثم يحكون عن بولس الملعون أنه نهى عن الختان وهو من أوكد شرائع التوراة وعن شمعون باطرة المسخوط أنه أباح أكل الخنزير وكل حيوان وطعام حرمته التوراة ثم هم قد نقضوا شرائع التوراة كلها أولها عن آخرها من السبت وأعياد اليهود وغير ذلك وهم مع هذا العمل لا يختلفون في أن المسيح وجميع تلاميذه بعده لم يزالوا يتلزمون السبت وأعياد اليهود وفصحهم إلى أن ماتوا على ذلك وأن المسيح إنما أخذ ليلة الفصح وهو يفصح على سنة اليهود وشريعتهم فكيف هذا فلا بد لهم من أن يضيفوا الكذب إلى المسيح جهاراً إذ أخبر أنه لم يأت لنقض التوراة ثم نقضها فصح أنه أتى لما أخبر أنه لم يأت له من نقضها وهذا كذب لا مذحل عنه ولابد لهم من أن يقروا من أن المسيح مسخوط يدعى في ملكوت السموات صغيراً لا عظيماً لأنه هكذا أخبر هو عمن حلل عهداً صغيراً من عهودها وهو قد حل عهوداً كباراً من عهودها إذ حرم الطلاق وقد أباحته التوراة ونهى عن القصاص الذي جاءت به التوراة فقل قد قيل العين بالعين والسن والسن وأنا أقول لا تكافئوا أحداً بسيئة ولكن من لطم خدك الأيمن فانصب له الأيسر قال أبو محمد رضي الله عنه ولابد لهم من أن يشهدوا على أنفسهم أولهم عن آخرهم وسالفهم عن خالفهم بمعصية الله تعالى ومخالفة المسيح وأنهم يدعون في ملكوت السموات صغاراً إذ نقضوا حكم التوراة أولها عن آخرها ولا يمكنهم ههنا دعوى النسخ البتة لأنهم حكوا كما أوردنا عن المسيح أنه قال أقول لكم إلى أن تبيد السماء والأرض لا تبيد باء واحدة ولا حرف واحد من التوراة حتى يتم الجميع فمنع من النسخ جملة وأن في هذا لعجباً لا نظير له وحمقاً وضلالاً ما كنا نصدق بأن أحداً يدين به لولا أنا شاهدناهم ونسأل الله السلامة ثم ذكر في الباب الثامن عشر من إنجيل متى أن المسيح قال للحواريين الاثني عشر بأجمعهم ومن جملتهم يهوذا الأشكر يوطا الذي دل عليه اليهود برشوة ثلاثين درهماً كل ما حرمتموه في الأرض يكون محرماً في السماء وكل ما حللتموه في الأرض يكون محللاً في السماء وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى أنه قال هذا القول لباطره وحده قال أبو محمد رضي الله عنه وهذا تناقض عظيم كيف يكون التحليل والتحريم للحواريين أو لباطره مع قوله أنه لم يأت لتبديل التوراة لكن لإتمامها وأنه من نقض من عهودها عهداً صغيراً دعي في ملكوت السموات صغيراً وأن السماء والأرض تبيدان قبل أن تبيد من التوراة باء واحدة أو حرف واحد ولئن كان صدق في هذا فإن في نص التوراة أن الله تعالى قد لعن من صلب في خشبة وهم يقولون أنه صلب في خشبة ولاشك في أن باطرة شمعون أخا يوسف وأندرياش أخو باطرة وفليش وبولس صلبوا في الخشب فعلى قول المسيح لا يبيد شيء من التوراة حتى يتم جميعها فكل هؤلاء ملعونون بلعنة الله تعالى فاعجبوا لضلال هذه الفرقة المخذولة فما سمع بأطم من هذه الفضائح أبداً فصل وفي الرابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لهم أنا أقول لكم كل من سخط على أخيه بلا سبب فقد اتسوجب القتل وإ أضرت إليك عينك اليمنى فافقأها وأذهبها عن نفسك فذهابها عنك أحسن من إدخال جسدك الجحيم وإن أضرت إليك يدك اليمنى فابرأ منها فذهابها منك أحسن من إدخال جسدك النار قال أبو محمد رضي الله عنه وهذه شرائع يقرون أن المسيح عليه السلام أمرهم بها وكفهم عنها بلا خلاف بين أحد منهم ولا يرون القضاء بشيء منها فهم على مخالفة المسيح بإقرارهم وهم لا يرون الختان والختان كان ملة المسيح وكان مختوناً والمسيح وتلاميذه لم يزالوا إلى أ ماتوا يصومون صوم اليهود ويفصحون فصحهم ويلتزمون السبت إلى أن ماتوا وهم قد بدلوا هذا كله وجعلوا مكان السبت الأحد وأحدثوا صوماً آخر بعد أزيد من مائة عام بعد رفع المسيح فكفى بهذا كله ضلالاً وكفراً وليس منهم أحد يقدر على إنكار شيء من هذا فإن قالوا إن المسيح أمرهم باتباع أكابرهم قلنا لا عليكم أرأيتم لو أن بطارقتكم اليوم أجمعوا على إبطال ما أحدثه بطارقتكم بعد مائة عام من رفع المسيح وأحدثوا لكم صياماً آخر ويوماً آخر غير يوم الأحد وفصحاً آخر وردوكم إلى ما كان عليه المسيح من تعظيم السبت وصوم اليهود وفصحهم أكان يلزمكم اتباعهم فإن قالوا لا قلنا ولم وأي فرق بين اتباع أولئك وقد خالفوا ما نص عليه المسيح والحواريون وبين اتباع هؤلاء فيما أحدثوه آنفاً فإن قالوا إن أولئك لعنوا ومنعوا من تبديل ما شرعوا قلنا لهم وأي لعن وأي منع أعظم من منع المسيح من تبديل شيء من عهود التوراة ثم قد بدله من أطعتموه في تبديله له فقد صار منع من بعد المسيح أقوى من منع المسيح وإن قالوا نعم كنا نتبعهم أقروا أن دينهم لا حقيقة له وإنه إنما هو اتباع ما رع أكابرهم من تبديل ما كانوا عليه ويقال لهم أرأيتم إن أحدث بعض بطارقتكم شرائع وأحدث الآخرون منهم أخر ولعنت كل طائفة منهم من عمل بغير ما شرعت فكيف يكون الحال فأي دين أوسخ وأضل وأفسد من دين من هذه صفته ولقد كان لهم فيما أوردنا من هذا الفصل كفاية في بطلان كل ما هم عليه لو كان لهم مسكة عقل وحق لكل دين مرجعه إلى متى الشرطي ويوحنا المستخف ومارقش المرتد ولوقا الزنديق وباطره اللعين وبولس الموسوس الاضلال لهم في دينهم أن تكون هذه صفته والحمد لله على عظيم نعمته علينا فصل وفي الباب الخامس من إنجيل متى أن المسيح قال لهم ليكن دعاؤكم على ما أصف لكم أبانا السماوي تقدس اسمك ثم قال بعد ذلك وقد علم أبوكم أنكم ستحتاجون إلى جميع هذا وفي آخر الإنجيل أنه قال لهم أنا ذاهب إلى أبي وأبيكم إلهي وإلهكم فما نرى للمسيح من البنوة لله تعالى إلا ما لسائر الناس ولا فرق فمن أين حصره بأنه ابن الله عز وجل دون سائرهم كلهم إلا أن كذبوه في هذا القول فليختاروا أحد الأمرين ولابد‏.‏
من أين خصوا كل من سوى المسيح بأن الله تعالى إلهه ولم يقولوا أن الله إله المسيح كما قال هو بلسانه فلابد ضرورة من الإقرار بأن الله هو إله المسيح وأن سائر الناس أبناء الله تعالى أو يكذبوا المسيح في نصف كلامه وحسبك بهذا فساداً وضلالاً تعالى الله عن أن يكون أباً لأحد أو أن يكون له ابن لا المسيح ولا غيره بل هو تعالى إله المسيح وإله كل من هو غير المسيح أيضاً فصل وكثير ما يحكون في جميع الأناجيل في غير ما موضع أنه إذا أخبر المسيح عن نفسه سمي نفسه ابن الإنسان ومن المحال والحمق أن يكون الإله ابن إنسان أو أن يكون ابن إله وابن إنسان معاً وأن يلد إنسان إلهاً ما في الحمق والمحال والكفر أكثر من هذا ونعوذ بالله من الضلال فصل وفي الباب التاسع من إنجيل متى فبينا يسوع هذا إذ أقبل إليه أحد أشراف ذلك الموضع وقال له إن ابنتي توفيت وأنا أرغب إليك أن تذهب إليها وتمسها بيدك لتحيى ثم ذكر أنه لما دخل بيت القائد وأبصر بالنوايح والبواكي قال لهن اسكتن فإن الجارية لم تمت ولكنها راقدة فاستهزأت الجماعة به ولما خرجت الجماعة عنها دخل عليها وأخذ بيدها ثم أقامها حية وذكر هذه القصة نفسها في الباب السابع من إنجيل لوقا إلا أنه قال فيها إن أباها قال له قد أشرفت على الموت وأنه نهض معه فلقيه رسول يخبره بأن الجارية قد ماتت فلا تعنه وأن المسيح قال لأبيها لا تخف وآمن فتحيى فلما بلغا البيت لم يدخل مع نفسه في البيت إلا باطرة ويوحنا ويعقوب وأبو الجارية وكانت الجماعة تبكي وتلتدم فقال لهم لا تبكوا فإنها راقدة وليست ميتة فاستهزؤا به معرفة بموتها فأخذ بيدها ودعاها وقال يا جارية قومي فانصرف عنها زوجها وقامت من وقتها وأمر أن تطعم طعاماً وجاء أبواها وأمرهما أن لا يعلما أحداً بما فعل وذكر مثل هذا في الباب الخامس من إنجيل مارقش قال أبو محمد في هذا الفصل مصايب جمة أحدها كان يكفي في أنه إنجيل موضوع مكذوب أولها حكايتهم عن المسيح أنه كذب جهاراً إذ قال لهم لم تمت إنما هي حية راقدة ليست ميتة فإن كان صادقاً في أنها ليست ميتة فلم يأت بآية لا بعجيبة وحاشى لله أن يكذب نبي فكيف إله وليس لهم أن يقولوا أن الآية هي إبراؤها من الإغماء لأن في نص إنجيلهم أنه قال لأبيها آمن فتحيا بانتك فلابد من الكذب في أحد القولين والثانية أن متى ذكر أن أباها جاء إلى المسيح وهي قد ماتت وأخبره بموتها ودعاه ليحييها ولوقا يقول إن اباها أتى إلى المسيح وهي مريضة لم تمت وأتى به ليبريها بعد وأن الرسول لقيه في الطريق وقال له لا تعنه فقد ماتت فأحد النذلين كاذب بلا شك فعليهما لعاين الله وسخطه فلا يجوز أخذ الدين عن كذاب والثالثة انفراد المسيح عن الناس عند مجيئه بهذه الآية حاشى أبويها وثلاثة من أصحابه ثم استكتامه إياهم ذلك والآيات لا تطلب لها الخلوات ولا تستر عن الناس وفي الأناجيل من هذا كثير من أنه لم يقدر في بعض الأوقات على آية مرة بحضرة بلاطس ومرة بحضرة اليهود وأنه قال لمن طلب منه آية إنكم لا ترون آية إلا آية يونس إذ بقي في بطن الحوت ثلاثاً وما كان هكذا فإنما هي أخبار مسترابة وكذبات مفتعلة ونقل عمن لا خير فيه وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب العاشر من إنجيل متى أن المسيح جمع إلى نفسه اثني عشر رجلاً من تلاميذه وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة ينفوها وأن يبرؤا من كل مرض وهذه أسماؤهم أولهم شمعون المسمى بباطرة وأندرياش أخوه ويعقوب ابن سيذاي ويوحنا أخوه وفيلبس وبرتلوما وطوما ومتى الجابي ويعقوب ويهوذا أخوه وشمعون الكنعاني ويهوذا الأشكريوطا الذي دل عليه بعد ذلك فبعث يسوع هؤلاء الاثني عشر وقال لهم لا تسلكوا في سبيل الأجناس ولا تدخلوا في مداين السامريين ولكن احتضروا إلى الضان التالفة من بني إسرائيل ففي هذا الفصل طامتان إحداهما قوله أنه أعطى أولئك الاثني عشر وسماهم بأسمائهم كلهم سلطاناً على الأرواح النجسة وأن يبرؤا من كل مرض وسمى فيهم يهوذا ولم يدع للانتكال وجهاً بل صرح بأنه هو الذي دل عليه بعد ذلك اليهود حتى أخذوه وصلبوه بزعمهم وضربوه بالسياط ولطموه واستهزؤا به وقد كذبوا لعنهم الله فكيف يجوز أن يقرب الله تعالى ويعطي السلطان على الجن والإبراء من كل مرض من يدري أنه هو الذي يدل عليه ويكفر بعد ذلك هذا مع قول يوحنا في إنجيله أن يهوذا المذكور كان سارقاً وأنه كان يخطف كل ما كان يهدى إلى المسيح ويذهب به فلابد ضرورة من أحد وجهين بلا ثالث أصلاً إما أن يكون المسيح اطلع على ما اطلع عليه يوحنا من سرقة يهوذا وخبث باطنه وأعطاه مع ذلك الآيات والمعجزات وجعله واسطة بينه وبين الناس وجعله أن يحرم ويحلل فيكون ما حرم وحلل محرماً ومحللاً في السموات فهذه مصيبة وتوقيع بالكفار وتقديم لمن لا يستحق وسخرية بالدين وليس هذه صفة الإله ولا من فيه خير أو يكون خفي على المسيح من خبث نية يهوذا ما عرف غيره فهذه عظيمة أن يكون الإله يجهل ما خلق فهل سمع قط بأحمق من هذه القصص وممن يعتقدها حقاً والثانية قوله لا تسلكوا في سبيل الأجناس ولا تدخلوا مداين السامريين واحتضروا إلى الضأن المبددة التالفة من نسل بني إسرائيل وأنه لم يبعث إلا إلى الضأن التالفة من بني إسرائيل وهذا إنما أمرهم بأن يكملوه بعد رفعه بإقرارهم كلهم أنه طول كونه في الأرض لم يفارقه أحد منهم ولا نهضوا داعين إلى بلد آخر البتة فقد خالفوه وعصوه لأنهم لم يذهبوا إلا إلى الأجناس فهم عصاة لله عز وجل فساق بإقرارهم فصل وفي هذا الباب نفسه بإقرارهم أن المسيح قال لتلاميذه وإذا طلبتم في هذه المدينة فاهربوا إلى أخرى أمين أقول لكم لا تستوعبون مداين بني إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان يعني رجوعه إلى الدنيا ظاهراً بعد رفعه إلى جميع الناس وفي الباب السابع من إنجيل مارقش وفي أول الباب التاسع من إنجيل لوقا أن المسيح قال لهم إن من هؤلاء الوقوف بعض قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ملك الله مقبلاً بقدرة قال أبو محمد وكذب هذا المقول قد ظهر علانية فقد استوعبوا مداين بني إسرائيل وغيرها ولم يروا ما وعدهم به من رجوعه بالقدرة علانية قبل أن يموت كل من بحضرته يومئذ وحاش لله أن يكذب نبي فكيف غله ففي هذا الفصل وحده كفاية لو كان ثم عاقل في أن الذين كتبوا هذه الأناجيل كانوا كذا بين قوم سوء فإن في صحيح حديثكم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال وأشار إلى ذلك الغلام في حد الصبا وأنه كان يقول للأعراب إذا سألوه متى تقوم الساعة فيشير إلى أصغرهم ويقول أن يستكمل هذا عمره لم يأته الموت حتى تقوم الساعة قلنا هذا لفظ غلط فيه قتادة ومعبد ابن هلال فحدثا به عن أنس على ما توهماه من معنى الحديث ورواه ثابت ابن أسلم البناني عن أنس كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه فقال قامت عليكم ساعتكم وهكذا رواه الثقاة أيضاً عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه ثابت عن أنس وقال أنه عليه السلام قال أن هذا لا يستوفي عمره حتى تقوم عليه ساعتكم يعني وفاة أولئك المخاطبين له وهذا هو الحق الذي لا شك فيه ولا خلاف في أن ثابتاً البناني أثقف لألفاظ الأخبار من قتادة ومعبد فكيف وقد وافقته أم المؤمنين ونحن لا ننكر غلط الرواة إذا قام عليه البرهان أنه خطأ وقد صح في القرآن والأخبار الثابتة من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنه وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدري متى تقوم الساعة أحد إلا الله ولو قال النصارى واليهود مثل هذا في نقلة كتبهم ما عنفناهم ولا أنكرنا عليهم وجود الغلط في نقلهم وإنما ننكر عليهم أن ينسبوا يعني اليهود والنصارى إلى الله تعالى الكذب البحت ويقطعون أنه من عند الله تعالى وننكر على النصارى أن يجعلوا من صح عنه الكذب معصوماً يأخذون عنه دينهم وأن يحققوا كل خبر متناقض وكل قضية يكذب بعضها بعضاً ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي هذا الباب نفسه أن المسيح قال لهم لا تحسبوا أني جئت لأدخل بين أهل الأرض الصلح لا السيف وإنما قدمت لأفرق بين المرء وابنه وبين الابنة وأمها وبين الكنة وختنتها وأن يعادي المرء أهل خاصته وفي الباب الثاني عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال لهم إنما قدمت لألقي في الأرض ناراً وإنما أراد لي إشعالها والتعطش فيها جميعها وأنا بذلك منتصب إلى تمامه أتظنون أني أتيت لأصلح بين أهل الأرض لا ولكن لأفرق بينهم فيكون خمسة متفرقين في بيت ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة الأب على الولد والولد على الأب والابنة على الأم والأم على الابنة والختنة على الكنة والكنة على الختنة فهذان فصلان كما ترى وفي الباب التاسع من إنجيل لوقا أن المسيح قال لهم لم نبعث لنلف الأنفس لكن لسلامتها وفي الباب العاشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال من سمع كلامي ولم يحفظه فلست أحكم أنا عليه فإني لم آت لأحكم على الدنيا وأعاقبها لكن إلى تبليغ أهل الدنيا قال أبو محمد هذان الفصلان ضد الفصلين اللذين قبلهما وكل واحد من المعنيين يكذب الآخر صراحاً فإن قيل إنه إنما أراد أنه لم يبعث لتلف الأنفس التي آمنت به قلنا قد عم ولم يخص وبرهان بطلان تأويلكم هذا من أنه إنما عني أنه لم يبعث لتلف النفوس المؤمنة به إنما هو نص هذا الفصل في الباب التاسع من إنجيل لوقا هو وكما نورده إن شاء الله تعالى قال عن المسيح أ ه بعث بين يديه رسلاً وجعلوا طريقهم على السامرية ليعدوا له بها فلم يقبلوه لتوجهه إلى بلاشلام فلما رأى ذلك يوحنا ويعقوب قالا له يا سيدنا أيوافقك أن تدعو فتنزل عليهم ناراً من السماء وتحرق عامتهم كما فعل الياس فرجع إليهم وانتهرهم وقال الذي أنتم له أرواح لم يبعث الإنسان لتلف الأنفس لكن لسلامتها ثم توجهوا إلى حصن آخر قال أبو محمد فارتفع الإشكال وصح أنه لم يعن بالأنفس التي بعث لسلامتها بعض النفوس دون بعض ولكن عنى كل نفس كافرة به ومؤمنة بل لا كما يسمعون إنما قال ذلك إذ أراد أصحابه هلاك الذين لم يقبلوه فظهر تكاذب الكلام الأول وحاشى لله أن يكذب الرسول المسيح عليه السلام لكن الكذب بلا شك من الفساق الأربعة الذين كتبوا تلك الأناجيل المحرفة المبدلة ثم في هذا الفصل نص جلي على أنه مبعوث مأمور فصح أنه نبي كما يقول أهل الحق إن كانوا صدقوا في هذا الفصل وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب المذكور نفسه أن المسيح قال من قبل نبياً على اسم نبي فإنه يكافأ بمثل أجر النبي قال أبو محمد وهذا كذب ومحال لأنه لا تفاضل للناس عند الله تعالى في الآخرة إلا بأجورهم التي يعطيهم الله تعالى فقط لا بشيء آخر أصلاً فمن كان أجره فوق أجر غيره فهو بالضرورة أفضل منه والآخر بلا شك دونه ومن كان أجره مثل أجر آخر فهما بلا شك سواء في الفضل هذا يعلم ضرورة بالحس فلو كان كل من اتبع نبياً له مثل أجر النبي لكان أهل الإيمان كلهم في الآخرة سواء لا فضل لأحد على أحد عند الله تعالى وهذا يعلم أنه كذب ومحال وبالضرورة ولو كان هذا لوجب أن يكون أجر كل من النصارى مثل أجر باطرة والتلاميذ وبولس ومارقش ولوقا وليس منهم أحد يقول بهذا ولا يدخله في الممكن فكلهم متفق على أن إلههم كذب وحاش لله من أن يكذب نبي من أنبيائه أو رجل صادق من أهل الإيمان وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل متى أن المسيح قال وقد ذكر يحيى بن زكريا أنا أقول لكم أنه أكثر من نبي وهو الذي قيل فيه وأنا باعث ملكي بين يديك ليعدلك طريقك قال أبو محمد في هذا الفصل كذب في موضعين أحدهما قوله في يحيى أنه أكثر من نبي وهذا محال لأنه لا يخلو يحيى وغير يحيى من الناس من أن يكون أوحى إليه أو لم يوحي إليه ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كان أوحى إليه فهو نبي ولا يمكن وجود أكثر من نبي في الناس إلا أن يكون رسولاً نبياً ويحيى رسول الله بإجماعهم وإن كان لم يوح إليه فهذه منزلة يستوي فيها الكافر والمؤمن ولا يجوز أن يكون من لا يوحي الله إليه مثل من استخلصه الله عز وجل بالوحي إليه فكيف أن يكون أكثر منه والكذبة الثانية قوله أن يحيى هو الذي قيل فيه وأنا باعث ملكي بين يديك لأن يحيى على هذا القول ملك وهذا كذب بحت لأنه إنسان ابن رجل وامرأة عاش إلى أن قتل وليس هذه صفة الملك ويحيى لم يكن ملكاً وفي هذا الفصل لكن بعد هذا أنه قال أن يحيى آدمي فهذا القول كذب على كل حال وحاشا لله أن يكذب نبي لا ولا رجل فاضل فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم أمين أقول لكم لم يولد من الآدميين أحد أشرف من يحيى المعمد ولكن من كان صغيراً في ملكوت السماء فهو أكبر منه قال أبو محمد تأملوا هذا الفصل تروا مصيبة الدهر فيهم وقرة عيون الأعداء وهو لا يمكن أن يقوله ولا ينطق به صبي يرجى فلاحه ولا أمة وكعاء إلا أن تكون مدخولة العقل أثبت أنه لم يولد في الآدميين أشرف من يحيى وغذا كان كما زعم أن الصغير في ملكوت السماء أكبر من يحيى فكل من يدخل ملكوت السماء ضرورة فهو أكبر من يحيى فوجب من هذا أن كل مؤمن من بني آدم فهو أفضل من يحيى وأن يحيى أرذل وأصغر من كل مؤمن فما هذا الهوس وما هذا الكذب وما هذه الغباوة السمجة في الدين وكم هذا التناقض والله ما قال المسيح قط شيئاً من هذه الرعونة وما قالها إلا الكذاب متى ونظراؤه عليهم لعنة الله ولقد كانوا في غاية الوقاحة والاستخفاف بالدين فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم كل كتاب ونوبة فإن منتهاها إلى يحيى قال أبو محمد رضي الله عنه وفي هذا الفصل على صغره كذبتان إحداهما قوله قيل أن يحيى أكبر من نبي مع ما في الإنجيل من أن يحيى سئل فقيل له أنبي أنت قال لا وقال ههنا إن كل نبوة منتهاها إلى يحيى فمرة ليس هو نبياً ومرة هو نبي آخر الأنبيا ومرة هو أكبر من نبي تبارك الله كم هذا التخليط والكذب الفاحش والأخرى قوله فيه إن كل نبوة فمنتهاها إلى يحيى وليس بعد النهاية شيء فهو على هذا آخر الأنبياء وفي الباب الرابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لهم إني باعث إليكم أنبياء وعلماء ستقتلون منهم وتصلبون فقد كذب القول بأن يحيى آخر الأنبياء ومنتهى النبوة إليه والنصارى مقرون بأنه قد كان بعده أنبياء وأن نبياً أتى إلى بولس فأنذره بأنه سيصلب ذكر ذلك لوقا في الافركسيس فقد حصلوا على تكذيب المسيح في قوله وفي بعض هذا كفاية فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم أتاكم يحيى وهو لا يأكل ولا يشرب فقلتم هو مجنون ثم أتاكم ابن الإنسان يعني نفسه يأكل ويشرب فقلتم هذا خواف شروب للخمر خليع صديق للمستخرجين والمذنبين قال أبو محمد رضي الله عنه في هذا الفصل كذب وخلاف لقول النصارى أما الكذب فإنه قال ههنا أن يحيى كان لا يأكل ولا يشرب حتى قيل فيه أنه مجنون من أجل ذلك وفي الباب الأول من إنجيل مارقش أن يحيى ابن زكريا هذا كان طعامه الجراد والعسل الصحراوي وهذا تناقض وأحد الخبرين كذب بلا شك وأما خلاف قول النصارى فإنه ذكر أن يحيى كان لا يأكل ولا يشرب وأن المسيح كان يأكل ويشرب وبلا شك إن من أغناه الله عز وجل عن الأكل والشرب من الناس فقد أبانه ورفع درجته عمن لم يغنه عن الأكل والشرب منهم فيحيى أفضل من المسيح بلا شك على هذا وقصة ثالثة وهي اعتراف المسيح على نفسه بأنه يأكل ويشرب وهو عندهم إله فكيف يأكل الإله ويشرب ما في الهوس أكثر من هذا فإن قالوا إن الناسوت منه هو الذي يأكل ويشرب قلنا وهذا كذب منكم على كل حال لأنه إذا كان المسيح عندكم لاهوتاً وناسوتاً معاً فهو شيئان فإن كان إنما يأكل الناسوت وحده فإنما أكل الشيء الواحد من جملة الشيئين ولم يأكل الآخر فقولوا إذا أكل نصف المسيح وشرب نصف المسيح وإلا فقد كذبتم بكل حال وكذب أسلافكم في قولهم أكل المسيح ونسبتم إلى المسيح الكذب بخبره عن نفسه أنه يأكل وإنما يأكل نصفه لا كله والقول أنذال بالجملة فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لا يعلم الولد غير الأب ولا يعلم الأب غير الولد قال أبو محمد رضي الله عنه هذا عجب جداً لأن المسيح عندهم ابن الله بلا خلاف بينهم والله تعالى عن كفرهم هو والد المسيح وأبوه وهكذا يطلق النذل باطرة في رسائله المنتنة متى ذكر الله فإنما يقول قال الله والد ربنا المسيح أمراً كذا وكذا ثم ها هنا قال إن المسيح قال إنه لا يعلم الأب إلا الابن ولا يعلم الابن إلا الأب فقد وجب ضرورة أن التلاميذ وسائر النصارى لا يعلمون الله تعالى أصلاً ولا يعرفون المسيح البتة فهم جهلاء بالله تعالى وبالابن ومن جهل الله تعالى ولم يعرفه فهو كافر فهم كفار كلهم أسلافهم وأخلافهم أو كذب المسيح في هذا الكلام أو كذب النذل متى لابد والله من أحدها وقد أعاذ الله تعالى عبده ورسوله المسيح من الكذب فبقيت الاثنتان وهما والذي سمك السماء حق أن النصارى جهال بالله تعالى وأن الشرطي متى ملفق جاهل فعلى جميعهم ما يستحقون من الله نعم وفي هذا القول الملعون الذي أضافوه إلى المسيح عليه السلام القطع بأن الملائكة والأنبياء السالفين كلهم ليس منهم أحد يعرف الله تعالى فاعجبوا لعظيم فسق هذا الأحمق متى وعظيم حماقة من قلده في دينه ونحمد الله على السلامة كثيراً فصل وفي الباب المذكور أن بعض التوراويين قال للمسيح يا معلم إنا نريد أن نأتينا بآية فقال لهم المسيح يا نسل السوء ويا نسل الزنا تسألون آية ولا ترون منها آية غير آية يونس النبي فكما أن يونس النبي كان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال كذلك يكون ابن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة أيام بلياليها قال أبو محمد رضي الله عنه لو لم يكن في إنجيلهم إلا هذا الفصل الملعون وحده لكفى في بطلان جميع أناجيلهم وجميع دينهم فإنه قد جمع عظيمتين إحداهما تحقيق أنه لم يأت مخالفيه قط بآية وإقرار المسيح بذلك بزعمهم وأن آياته التي يذكرون إنما كانت خفية وفي السر بحضرة النزر القليل الذين اتبعوه ومثل هذا لا تقوم به حجة على المخالف أو تحقيق الكذب على المسيح في أنه يخبر أنهم لا يرون آية وهو يريهم الآيات لابد من إحداهما والفصل الثاني وهو الطامة الكبرى حكايتهم عن المسيح أنه قال عن نفسه كما بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام بليالها كذلك يبقى هو في جوف الأرض ثلاثة أيام بلياليها وهذه كذبة شنيعة لا حيلة فيها لأنهم مجمعون وفي جميع أناجيلهم أنه دفن قرب مغيب الشمس من يوم الجمعة مع دخول ليلة السبت وقام من القبر قبل الفجر من ليلة الأحد فلم يبق في جوف الأرض إلا ليلة وبعض أخرى ويوماً ويسيراً من يوم ثان فقط وهذه كذبة لا خفاء بها فيما أخبر به المسيح لابد منها أو كذب أصحاب الأناجيل وهم أهل الكذب وحسبنا الله فصل وفي الباب الثالث عشر من إنجيل متى أن المسيح قال يشبه ملكوت السماء بحبة خردل ألقاها رجل في فدانه وهي أدق الزراريع كلها فإذا نبتت استعلت على جميع البقول والزراريع حتى ينزل في أغصانها طير السماء ويسكن إليها قال أبو محمد حاشى للمسيح عليه السلام أن يقول هذا الكلام لكن النذل الذي قاله كان قليل البصارة بالفلاحة وقد رأينا نبات الخردل ورأينا من رأه في البلاد البعيدة فما رأينا قط ولا أخبرنا من رأى شيئاً منه يمكن أن يقف عليه طائر ومثل هذه المسامحات لا تقع لنبي أصلاً فكيف لله عز وجل فصل وفي آخر الباب المذكور أن المسيح رجع إلى بلاده وجعل يوصي جماعتهم بوصايا يعجبون منها وكانوا يقولون من أين أوتي هذه العلوم وهذه القدرة أما هذا ابن الحداد وأمه مريم وإخوته يعقوب ويوسف وشمعون ويهوذا واخواته أما هؤلاء كلهم عندنا فمن أين أوتي هذا وكانوا يشكون فيه فقال لهم يسوع ليس يعدم النبي حرمته إلا في بيته وبلده ولتشككهم وكفرهم لم يطلع في ذلك الموضع عجايب كثيرة وفي الباب الخامس من إنجيل مارقش قال وكانت الجماعة تسمع منه وتعجب منه العجب الشديد من وصيته ويقولون من أين أوتي هذا وما هذه الحكمة التي رزقها ومن أين هذه الأعاجيب التي ظهرت على يديه أليس هو ابن الحداد وابن مريم أخو يوسف ويعقوب وشمعون ويهوذا ليس اخواته هن ههنا معنا وكان يقول لهم يسوع ليس يكون نبي بغير حرمة إلا في وطنه وبين عشيرته وفي أهل بيته وليس كان يقوى أن يفعل هنالك آية لكن وضع يديه على مرضى قليل فأبرأهم وفي الباب الثامن من إنجيل لوقا فلما دخل والد المسيح البيت وبعد هذا بيسير قال فكان يعجب منه أبوه وأمه وبعده بيسير قول مريم أمه له فقد طلبك أبوك وأنا معه وفي الباب السابع منه أقبلت إليه أمه وإخوته وفي الباب الثامن عشر من إنجيل يوحنا وبعد هذا نزل إلى قفر ناحوم ومعه أمه وإخوته وتلاميذه وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا وكان إخوته لا يؤمنون به قال أبو محمد في هذه الفصول ثلاث طوام نذكرها طامة طامة إن شاء الله تعالى أولها اتفاق الأناجيل الأربعة على أنه كان له والد معروف من الناس وإخوة وأخوات سمى الإخوة بأسمائهم وهم أربعة رجال سوى الأخوات ولا يعول في ذلك إلا على إقرار أمه بأن له والداً طلبه معها وهو يوسف الحداد أو النجار فأما أمه فقد اتفقنا نحن واليهود وجمهور النصارى على أنها حملت به حمل النساء وولدته كما تلد النساء أولادهن إلا طايفة من النصارى قالت لم تحمل به ولكن دخل من أذنها وخرج من فرجها في الوقت كالماء في الميزاب ولكن بقي علينا أن نعرف كيف تقول أمه عليها السلام عن النجار أو الحداد أنه أبوه ووالده فإن قالوا إن زوج الأم يسمى في اللغة أباً قلنا هبكم أن هذا كذلك كيف العمل في هؤلاء الذين اتفقت الأناجيل على أنهم إخوته وأخواته وإنما هم أولاد يوسف النجار أو الحداد وما وجد قط في اللغة العبرانية أن ولد الربيب من غير الأم يسمى أخاً إلا أن يقولوا إن مريم ولدتهم من النجار فقد قال هذا طائفة من قدمائهم منهم بليان مطران طليطلة ونحن نبرأ إلى الله تعالى مما يقول هؤلاء الكفرة أن يكون لآله معبود أم أو خال أو خالة أو ابن خالة أو ربيب أو أخ أو أخت وتباً لعقول يدخل هذا فيها من أن الله تعالى ربيباً هو زوج أمه وليس يمكنهم أن يقولوا إنما أراد كتاب الأناجيل أنهم إخوته في الإيمان والدين لأن يوحنا قد رفع الإشكال في ذلك وقال ومعه إخوته وتلاميذه فجعلهم طبقتين وقال أيضاً إن إخوته كانوا لا يؤمنون به وتالله لولا أنا شاهدنا النصارى ما صدقنا أن من يلعب بقذره وما يخرج من سفله يصدق بشيء من هذا الحمق ولكن تبارك من أرانا بهذا أنه لا ينتفع أحد ببصره ولا بسمعه ولا بتمييزه إلا أن يهديه خالق الهدى والضلال نسأل الله الذي هدانا لملة الإسلام البيضاء الواضحة السليمة من كل ما ينافره العقل أن لا يضلنا بعد إذ هدانا حتى نلقاه على ملة الحق ونحلة الحق ومذهب الحق ناجين من خلل الكفر ونحل الضلال ومذاهب الخطأ وفي كل ما أوردنا بيان واضح في أن الذين ألفوا الأناجيل كانوا عيارين مستخفين بمن أضلوه متلاعبين بالدين والطامة الثانية إقرارهم بأن المسيح لم يكن يقوى في ذلك المكان على آية ولو كان لهم عقل لعلموا أن هذه ليست صفة آله يفعل ما يشاء بل صفة عبد مخلوق مدبر لا يملك من أمره شيئاً كما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قل إنما الآيات عند الله‏.‏

والثالثة إقرارهم أن المسيح سمعهم ينسبونه إلى ولادة الحداد وأنه أبوه ولم ينكر ذلك عليهم فقد حققوا عليه أحد شيئين لا ثالث لهما البتة إما أنه سمع الحق من ذلك فلم ينكره وفي هذا ما فيه من خلاف قولهم جملة وإما أنه سمع الباطل والكذب فأقر عليه ولم ينكره وهذه صفة سوء وتلبيس في الدين قال أبو محمد وفي هذه الفصول مما لم يطلق الله تعالى أيديهم على تبديله من الحق قوله لا يعدم النبي حرمته إلا في وطنه وأهل بيته فيا عقول الأطفال ويا أدمغة الإوز لو عقلتم أما كان يكفيكم أن تقولوا فيه ما قال في نفسه وما شهد العيان بصدقه وصحته فيه وتتركوا الرعونة التي لم تقدروا منذ ألف عام على بيان ما تعتقدونه منها بقلوبكم ولا قدرتم على العبادة عنها بألسنتكم وكلما رمتم وجهاً من وجوه النوك انفتق عليكم باب منه لا قبل لكم به ونعوذ بالله من الضلال فصل وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لباطرة إليك أبرأ بمفاتيح السموات فكل ما حرمته في الأرض يكون محرماً في السموات وكل ما أحللته على الأرض يكون حلالاً في السموات وبعد هذا الكلام بأربعة أسطر أن المسيح قال لباطرة نفسه متصلاً بالكلام المذكور اتبعني يا مخالف ولا تعارضني فإنك جاهل بمرضاة الله وإنما تدري مرضاة الآدميين قال أبو محمد في هذا الفصل على قلته وأنه قليل ومنتن كبعض ما يشبهه مما نكره ذكره سوءتان عظيمتان إحداهما أنه بريء إلى باطرة النذل بمفاتيح السموات وولاه خطة إلاهية التي لا تجوز لغير الله تعالى وحده لا شريك له من أن كل ما حرمه في الأرض كان حراماً في السموات وكل ما حلله في الأرض كان حلالاً في السموات والثانية أنه إثر براءته إليه بمفاتيح السموات وتوليته خطة الربوبية إما شريكاً لله تعالى في التحريم والتحليل وإما منفرداً دونه عز وجل بهذه الصفة قال له في الوقت أنه مخالف معارض له جاهل بمرضات الله عز وجل لا يدري إلا مرضات الآدميين فوالله لئن كان صدق في الآخرة لقد حزق في الأولى إذ ولي ما لا ينبغي إلا لله تعالى جاهلاً بمرضاة الله مخالفاً له لا يدري إلا رضاء الناس وأن هذه لسوأة الأبد إذ من هذه صفته لا يصلح أن يبرأ إليه بمفاتيح كنيف أو بيت زبل ولئن كان صدق وأصاب في الأولى لقد كذب في الثانية ووالله ما قال المسيح قط شيئاً مما ذكروا عنه في الأولى لأنها مقالة كافر شر خلق الله عز وجل وما يبعد أنه قال له الكلام الثاني فهو والله كلام حق يشهد المنافق على اللعين به باطرة شاه وجهه وعليه سخط وغضبه ثم عجب ثالث أننا قد ذكرنا قبل أن في الباب الثاني عشر من إنجيل متى أن المسيح أشرك مع باطرة في هذه الخطة التي أفرده بها ها هنا سائر الاثني عشر تلميذاً وفي جملتهم السارق الكافر الذي دل عليه اليهود برشوة ثلاثين درهماً أخذها منهم وأنه قال لجميعهم ما حرمتموه في الأرض كان حراماً في السموات وما حللتموه في الأرض كان حلالاً في السموات فيا ليت شعري كيف يكون الحال إن اختلفوا فيما ولاهم من ذلك فأحل بعضهم شيئاً وحرمه آخر منهم كيف يكون الحال في السموات وفي الأرض لقد يقع أهلهما مع هؤلاء السفلة في شغل وفي حرمة وحل معاً فإن قيل لا يجوز أن يختلفوا قلنا سبحان الله وأي خلاف أعظم من تحليل يهوذا إسلامه إلى اليهود وأخذه ثلاثين درهماً رشوة على ذلك إلا أن كان عزله عن خطة إلاهية بعد أن ولاه إياها فلعمري إن من قدر أن يوليها أنه لقادر على العزل عنها ولعمري لقد رذلت هذه المنزلة عند هؤلاء الأرذال حقاً إذ يليها السراق ومن لا خير فيه ثم يعزلون عنها بلا مؤنة تعالى الله والله لو دكت الجبال والأرض دكاً وخرت السموات العلى وصعق بكل ذي روح عند سماع كفر هؤلاء الخساس لما كان ذلك بكبير وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا يخلو هذا القول من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أنه أراد أنا باطرة والتلاميذ المولين هذه الخطة لا يحللون شيئاً ولا يحرمون إلا بوحي من الله عز وجل فإن كان هذا فقد كذب في قوله الذي ذكرنا قبل أن كل نبوة فمنتهاها إلى يحيى بن زكريا لأن هؤلاء أنبياء على هذا القول وإما أنه أراد أنه قد جعل لباطرة وأصحابه ابتداء الحكم في التحريم والتحليل من عند أنفسهم بلا وحي من الله تعالى فيجب على هذا أنهم متى حرموا شيئاً حرمه الله تعالى اتباعاً لتحريمهم ومتى حللوا شيئاً حلله الله تعالى اتباعاً لتحليلهم فلئن كان هكذا فإن لخطة خسف ونرى لباطرة النذل وأصحابه الأوغاد قد صاروا حكاماً على الله تعالى ولقد صار عز وجل تابعاً لهم وحاشى لله تعالى من هذا كله وما نرى باطرة المنتن وأصحابه الرذلة حصلوا من مفاتيح السموات ومن خطة إلاهية إلا على حلق اللحى بالنتف وعلى ضرب الظهور بالسياط والصلب أما باطرة فدبره إلى فوق ورأسه إلى أسفل والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد ليعلم كل مسلم أن هؤلاء الذين يسمونهم النصارى ويزعمون أنهم كانوا حواريين للمسيح عليه السلام كبارة ومتى الشرطي ويوحنا ويعقوب ويهوذا الاخساء لم يكونوا قط مؤمنين فكيف حواريين بل كانوا كذابين مستخفين بالله تعالى إما مقرين بإلاهية المسيح عليه السلام معتقدين لذلك غالين فيه كغلو السبائية وسائر فرق الغالية في علي رضي الله عنه وكقول الخطابية بإلاهية أبي الخطاب وأصحاب الحلاج بإلهية الحلاج وسائر كفار الباطنية عليهم اللعنة من الله والغضب وإما مدسوسين من قبل اليهود كما تزعم اليهود لإفساد دين أتباع المسيح عليه السلام وإضلالهم كانتصاب عبد الله بن سبأ الحميري والمختار بن أبي عبيد وأبي عبد الله العجاني وأبي زكريا الخياط وعلي النجار وعلي بن الفضل الجندي وسائر دعاة القرامطة والمشارقة لإضلال شيعة علي رضي الله عنه فوصلوا من ذلك إلى حيث عرف وسلم الله من ذلك من لم يكن من الشيعة وأما الحواريون الذين أثني عليهم فأولئك أولياء الله حقاً ندين الله عز وجل ولا ندري أسماءهم لأن الله تعالى لم يسمهم لنا إلا إننا نبت ونوقن ونقطع بأن باطرة الكذاب ومتى الشرطي ويوحنا المستخف ويهوذا ويعقوب النذلين ومارقس الفاسق ولوقا الفاجر وبولس الجاهل ما كانوا قط من الحواريين لكن من الطائفة التي قال الله فيها‏.‏

وكفرت طائفة‏.‏

وبالله تعالى التوفيق فصل وفي آخر الباب السادس عشر من إنجيل متى وأعلم يسوع من ذلك الوقت تلاميذه بما ينبغي له أن يفعله من دخول برشلام وحمل العذاب من أكابر أهلها وعلمائهم وقتلهم له وقيامه في الثالث فخلا به باطرة وقال له تعفى عن هذا يا سيدي ولا يصيبك منه شيء وفي الباب السابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه سيبلى ابن الإنسان في أيدي الناس ويقتل ويحيا في الثالث يعني نفسه فحزنوا لذلك حزناً شديداً وفي أول الباب الثامن من إنجيل مارقش أن المسيح قال لتلاميذه إن ابن الإنسان يبلى به في أيدي الآدميين فيقتلونه فإذا قتل يقوم في اليوم الثالث وإنهم لم يفهموا مراده بهذا الكلام وفي قرب آخر الباب الثامن من إنجيل لوقا أن المسيح قال للاثني عشر تلميذاً أنا متصعد إلى برشلام ونكمل كل ما نبأت به الأنبياء عن ابن الإنسان ويسيرون به إلى الأجناس يستهزؤن به ويجلدونه ويبصقون فيه وبعد جلدهم إياه يقتلونه ويحيا في اليوم الثالث فلم يفهموا عنه مما ألقي إليهم شيئاً وكان هذا عندهم معقداً لا يفهمونه قال أبو محمد رضي الله عنه في هذه الفصول ثلاث كذبات من طوام الكذب إحداها اتفاق الأناجيل المذكورة كما أوردنا على أن المسيح أخبرهم عن نفسه أنه يقتل وجميع الأناجيل الأربعة متفقة عند ذكرهم لصلبه على أنه مات على الخشبة حتف أنفه ولم يقتل أصلاً إلا أن في بعضها أنه طعنه بعد موته أحد الشرط برمح في جنبه فخرج من الطعنة دم وماء وفي هذا إثبات الكذب على المسيح لاتفاقهم كما أوردنا على أنه أخبرهم بأنه يقتل واتفاقهم كلهم على أنه لم يقتل وهذه سوءة جداً وحاشى لله أن يكذب نبي أو ينذر بباطل هذه علامة الكذابين لا علامة أهل الصدق وثانيها اتفاق الأناجيل المذكورة كما أوردنا على أنه قال ويقوم في الثالث ثم اتفقت الأناجيل كلها على أنه لم يحيى ولا قام إلا في الليلة الثانية فإنه دفن في آخر يوم الجمعة مع دخول ليلة السبت وحسبك أنهم ذكروا أنه لم يحنط استعجالاً لئلا تدخل عليهم ليلة السبت وأنه قام ليلة الأحد قبل الفجر وهذه كذبة فاحشة نسبوها إلى المسيح وحاشى له من مثلها وكذبة ثالثة وهي إخبار متى أنهم فهموا مراده بهذا القول وأنهم حزنوا حزناً شديداً لذلك وأن باطرة قال له تعفي عن هذا يا سيدي ولا يصيبك منه شيء وإخبار مارقس ولوقا أنهم لم يفهموا مراده بهذا الكلام وهذا تكاذب فاحش لا يجوز أن يقع من صادقين فكيف من معصومين فلاح يقيناً عظيم الكذب من الذين وضعوا هذه الأناجيل وأنهم كانوا فساقاً لا خير فيهم وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب السابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه لئن كان لكم إيمان على قدر حبة الخردل لتقولن للجبل ارحل من هنا فيرحل ولا يتعاصى عليكم شيء وقبله متصلاً به أن تلاميذه عجزوا عن برائه قال لتشككم وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متى أن المسيح دعا على شجرة تين خضراء فيبست من وقتها فعجب التلاميذ فقال لهم المسيح أمين أقول لكم لئن آمنتم ولم تشكوا ليس تفعلون هذا في التينة وحدها ولكن متى قلتم لهذا الجبل انقلع وانطرح في البحر تم لكم وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال لتلاميذه من آمن بي سيفعل الأفاعيل التي أفعلها أنا وسيفعل أعظم منها قال أبو محمد رضي الله عنه في هذه الفصول ثلاث طوام من الكذب عظيمة لا تخلو التلاميذ المذكورون ثم هؤلاء الأشقياء بعدهم إلى اليوم من أن يكونوا مؤمنين بالمسيح أو غير مؤمنين ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كانوا مؤمنين فقد كذب المسيح فيما وعدهم به في هذه الفصول جهاراً وحاشى له من الكذب وما منهم أحد قط قدر أن تأتمر له ورقة فكيف على قلع جبل وإلقائه في البحر وإن كانوا غير مؤمنين به فهم بإقرارهم هذا كفار ولا خير في كافر ولا يجوز أن يصدق كافر ولا أن يؤخذ الدين عن كافر ولابد لهم من أن يجيبوا إذا سألناهم في قلوبكم مقدار حبة خردل من إيمان أم لا وتؤمنون بالمسيح أم لا فإن قالوا نعم نحن مؤمنون به والإيمان في قلوبنا قلنا كذب المسيح يقيناً فيما أخبر به من أن من في قلبه مقدار حبة خردل من إيمان يأمر الجبل بأن ينقلع فينقلع والله ما منكم أحد يقدر على تيبيس شجرة بدعائه ولا على قلع جبل من موضعه وإن قالوا ليس في قلوبنا قدر حبة خردل من إيمان ولا نحن مؤمنون به قلنا صدقتم والله حقاً‏.‏

وشهدوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون‏.‏

صدق الله عز وجل وأنبياؤه وكذب متى وباطرة ويوحنا ومارقش ولوقا وسائر النصارى الكذابون ولقد قلت هذا لبعض علمائهم فقال لي إنما عني بشجرة الخردل التي تعلو على جميع الزرايع حتى يسكن الطير فيها لقلت له لم يقل في الأناجيل مثل شجرة الخردل إنما قال مثل حبة الخردل وقد وصفها المسيح بإقرارهم بأنها أدق الزرايع وأيضاً فإنه ليس إلا مؤمن أو كافر وأما الشاك فإنه متى دخل الإيمان شك بطل وحصل صاحبه في الكفر فكيف ولم يدعنا المسيح بإقرارهم في شك من هذا التأويل الفاسد بل زعموا أنه قال لهم لتشككم لئن كان لكم إيمان قدر حبة الخردل لتقولن للجبل وقال في إنجيل يوحنا كما أوردنا لئن آمنتم ولم تشكوا فإنما أراد بيقين بهذه النصوص التصديق الذي هو خلاف الشك لا غاية العمل الصالح وقال كما أوردنا في إنجيل يوحنا من آمن بي سيفعل الأفاعيل التي أفعل أنا فعن هذا الإيمان به سألناكم أفي قلوبكم هو أم لا فقولوا ما بدا لكم قال أبو محمد وأما أنا فلو سمعت هذا القول ممن يدعي النبوة لما ترددت في اليقين بأنه كذاب ووالله ما قالها المسيح قط ولا اخترع هذا الكذب إلا أولئك السفلة متى ويوحنا وأمثالهم والعجب كله إقرار متى في الفصل المذكور كما أوردنا أن المسيح قال له ولأصحابه أنهم إنما عجزوا عن إبراء المجنون لشكهم فشهد عليهم بالشك وأنه لو كان لهم إيمان لم يعجزوا عن ذلك فلا يخلو المسيح عليه السلام فيما حكوا عنه من الكذب أن يكون كاذباً أو صادقاً فإن كان كاذباً فهذه صفة سوء والكاذب لا يكون نبياً فكيف إلهاً وإن كان صادقاً فإن الذين أخذوا عنهم دينهم ويسمونهم تلاميذ وأنهم فوق الأنبياء كفار شكاك فكيف يأخذون دينهم عن كفار شكاك لا مخرج لهم من إحداهما ولو لم تكن إلا هذه في أناجيلهم كلها لكفت في إبطالها وإبطال جميع ما هم عليه من دينهم المنتن ثم العجب كله كيف يشهد عليهم بالشك وهم يحكون أنه قد ولاهم خطة إلاهية وولاهم رتبة الربوبية في أن كلما حرموه في الأرض كان حراماً في السموات وكلما حللوه في الأرض كان حلالاً في السموات فكيف يجتمع هذا مع هذا وهل يأتي بهذا التناقض من دماغه سالم أو فيه آفة يسيرة بل هذا والله توليد آفك كاذب واختراع عيار متلاعب ونعوذ بالله عز وجل من الخذلان فصل في قرب آخر الباب الثامن عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه إذا اجتمع اثنان منكم على أمر فليس يسألان شيئاً على الأرض إلا أجابهم إليه أبي السماوي وحيث اجتمع اثنان أو ثلاثة على اسمي فأنا متوسطهم قال أبو محمد في هذا الفصل ظريف جداً وكذب لا يمطل ظهوره ولا يخلو أن يكون عني بهذه المخاطبة تلاميذه خاصة أو كل من آمن به وأي الأمرين كان فهو كذب ظاهر وما يشك أحد في أن تلاميذه سألوا أن يجيبهم من دعوه إلى ما دعوه إليه من دينهم وأن يتخلص من فتن من أصحابه فما أعطاهم شيئاً من ذلك الذي سماه أباه السماوي‏.‏

فإن قيل لم يسألون قط شيئاً من ذلك قلنا هذه طامة أخرى لئن كان هذا فهم غاشون للناس غير مرتدين لصلاحهم بل ساعون في هلاكهم هيهات هذه منزلة ما أعطاها الله تعالى قط أحدا من خلقه صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذ أخبرنا أن ربه تعالى قال له‏.‏
سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم‏.‏

وأخبرنا عليه السلام أنه دعا أن لا يجعل بأسنا بيننا بعده فلم يجبه الله تعالى إلى ذلك هذا هو الحق الذي لا مزيد فيه والقول الذي صحبه الصدق والحمد لله رب العالمين لم يفخر بما لم يعط ولا أنزل نفسه فوق قدرها صلى الله عليه وسلم فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم إن أساء إليك أخوك المؤمن فعاقبه وحدك فيما بينك وبينه فإن سمع منك فقد ربحته وإن لم يسمع فخذ إلى نفسك رجلاً أو رجلين لكيما تثبت كل كلمة بشهادة شاهدين أو ثلاثة فإن لم يسمع فاعلم بخبره الجماعة فإن سمع الجماعة فليكن عندك بمنزلة المجوسي والمستخرج ثم بعده بأسطار يسيرة قال وعند ذلك تداني إليه باطرة وقال يا سيدي فإن أساء إلي أخي أتأمرني أن أغفر له سبعاً فقال له يسوع لست أقول لك سبعاً ولكن سبعين في سبعة قال أبو محمد هذا ضد قوله في الثالثة فليكن عندك بمنزلة المجوسي والمستخرج ولا سبيل إلى الجمع بينهما فصل وفي الباب الموفى عشرين من إنجيل متى إن أم ابني سيذاي أقبلت إليه مع ولديها فحنت ورغبت إليه فقال لها ما تريدين فقالت له أحب أن تقعد ابني هذين أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك في ملكك فقال يسوع تجهلين السؤال أيصبران على شرب الكأس التي اشرب فقالا نصبر فقال لهما ستشربان بكأسي وليس إلى تجليسكما عن يميني وشمالي إلا لمن وهب ذلك إلى أبي قال أبو محمد ففي هذا الفصل بيان أنه ليس إليه من الأمر شيء وأنه غير الأب كما يقولون بخلاف دينهم فإذ هو غير الأب وكلاهما إله فهما إلهان اثنان متغايران أحدهما قوي والآخر ضعيف لأنه بإقراره ليس له قدرة على تقريب أحد إلا من وهب له ذلك الذي يسمونه أباً وليت شرعي كيف يجتمع ما ينسبون إليه ههنا من الاعتراف بأنه ليس بيده أن يجلس أحداً عن يمينه ولا عن شماله وإنما هو بيد الله تعالى مع ما ينسبون إليه من أنه قدر على إعطاء مفاتيح السموات والأرض لأنذل من وجد وهو باطرة وأنه يفعل كل ما يفعله الأب وأن الله تعالى قد تبرأ إليه من الحكم وأن الله تعالى ليس يحكم بعد على أحد وسائر تلك الفضائح المهلكة مع تكاذبها وتدافعها وشهادتها بأنها ليست من عند الله ولا من عند نبي أصلاً لكن توليد كذاب كافر ونعوذ بالله تعالى فصل وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متى فلما تداني المسيح من برشلام وكان في موضع يقال له تتفيا جوار جبل الزيتون بعث رجلين من تلاميذه وقال لهما امضيا إلى الحصن الذي يقابلكما وستجدان فيه حمارة مربوطة بفلوها فحلا عنهما وأقبلا إلي بهما فإن تعرضكما أحد فقولا إن السيد يريدهما فيدعكما من وقته وكان ذلك ليتم به قول النبي القائل لابنه صهيون سيأتيك ملكك متواضعاً على حمارة وابن أتان فتوجه التلميذان وفعلا كما أمرهما به واقبلا بالحمارة وفلوها وألقوا ثيابهم عليها وأجلسوه من فوقها وفي الباب التاسع من آخر إنجيل مارقش فلما بلغ المسيح تتفيا إلى جبل الزيتون أرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى الحصن الذي بحيا لكما فإذا دخلتما ستجدان فلو أمر بوظالم يركبه بعد أحد من الآدميين حلاه واقبلا به إلي فإن قال لكما أحد ما هذا الذي تفعلان فقولا له إن السيد يحتاج إليه فيخليه لكما فانطلقا ووجدا الفلو مربوطاً قبالة رحبة الباب في زقاقين فحلاه فقال لهما بعض الوقوف هنالك ما لكما تحلان الفلو فقالا له كالذي أمرهما يسوع فتركوه لهما وساقا الفلو إلى يسوع فحملوا عليه ثيابهم وركب من فوق قال أبو محمد فهاتان قضيتان كل واحدة منهما تكذب الأخرى متى يقول ركب حمارة ومارقش يقول ركب فلواً والعجب كله من استشهادهم لذلك بقول النبي يأتيك ملكك راكباً على حمارة وابن أتان وما كان المسيح قط ملك برشلام فهذه كذبة أخرى وأظرف شيء استشهادهم لصحة أمره بركوبه حمارة أتراه لم يدخل قط برشلام إنسان على حمارة سواه هذه والله مضحكة من مضاحك السخفاء ولقد أخبرني الحسين بن بقي صاحبنا نور الله وجهه أنه وقف عالماً من علمائهم على هذا الفصل قال فقال إنما هذا رمز والحمارة هي التوراة قال فأضحكني قوله وقلت له فالإنجيل هو الفلو قال فسكت وعلم أنه أتى بما يوجب السخرية منه فصل وفي الباب الثالث عشر من إنجيل متى أن يسوع قال لهم إذا قام الناس لا يتزوجون ولا يتناكحون لكنهم يكونون كأمثال ملائكة الله في السماء وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى وأيضاً في الباب الثاني عشر من إنجيل مارقش أن المسيح قال لتلاميذه ليلة أخذه لا شربت بعدها من نسل الزرجون حتى أشربها معكم جديدة في ملكوت الله وفي الباب الرابع عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال للحواريين الاثني عشر أنتم الذين صبرتم معي في جميع مصائبي فإني ألخص لكم الوصية على ما لخصها لي أبي لتطعموا وتشربوا على مائدتي في الملك وتجلسوا على عروش حاكمين على اثني عشر سبطاً من بني إسرائيل قال أبو محمد ففي الفصل الأول أن الناس في الآخرة لا يتناكحون وفي الفصول الثلاثة بعده أن في الجنة أكلاً وشرباً للخبز والخمر على الموائد والنصارى ينكرون كل هذا ولا مؤنة عليهم في تكذيبهم للمسيح مع إقرارهم بعبادتهم له وأنه ربهم لاسيما وفي الفصل الأول أن الناس في الجنة كالملائكة وفي التوراة التي يصدقون بها أن الملائكة أكلت عند لوط وعند إبراهيم الفطاير واللحم واللبن والسمن وإذا كانت الملائكة يأكلون والناس في الجنة مثلهم فالناس في الجنة يأكلون ويشربون بلا شك بموجب التوراة والإنجيل ولا سيما وقد أخبروا أن المسيح بعد أن مات ورجع إلى الدنيا ولقي تلاميذه طلب منهم ما يأكل فأتوه بحوت مشوي فأكل معهم وشرب شراب عسل بعد موته فإذا كان الإله يأكل الحيتان المشوية ويشرب عليها العسل فأي فكرة في شرب الناس وأكلهم في الجنة وإذا كان الله تعالى عندهم اتخذ ولداً من امرأة اصطفاها فأي عجب في اتخاذ الناس النساء في الجنة وهذا هو طبعهم الذي بناهم الله عليه إلا أن في رعونة هؤلاء النوكي لعبرة لمن اعتبر والحمد لله رب العالمين وعجب آخر وهو وعده الاثني عشر تلميذاً بأنهم يقعدون على عروش حاكمين على الاثني عشر سبطاً من بني إسرائيل فوجب ضرورة كون يهوذا الاشكريوطا فيهم ولا يجوز أن يخاطب بهذا أصحابه دونه لأنه قد أوضح أنهم اثنا عشر على اثني عشر سبطاً من بني إسرائيل فوجب ضرورة كونه فيهم وهو الذي دل عليه اليهود برشوة ثلاثين درهماً فلابد من أنه لم يذنب في ذلك وهذا كذب لأنه قد قال في مكان آخر ويل لذلك الإنسان الذي كان أحب إليه لو لم يخلق أو كذب المسيح في هذا الوعد المذكور ولابد من إحداهما فصل وفي الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى أن المسيح كاشف علماء بني إسرائيل وقال ما تقولون في المسيح وابن من هو قالوا هو ابن داود فقال لهم كيف يسميه داود بالروح إلاهاً حيث كنت قال الله لالاه اقعد على يميني حتى أجعل من أعدائك كرسياً لقدميك فإن كان داود يدعوه إلاهاً كيف هو ولده فلم يقدر منهم أحد على مراجعته قال ابو محمد هذا هو الحق من قول المسيح عليه السلام ولقد أنكر عليه السلام المنكر حقاً والعجب أن هؤلاء الأنذال المنتمين إلى أتباعه عليه السلام لا يختلفون في الاحتجاج بهذا الفصل المذكور وهو عليه السلام قد أنكر أن يكون المسيح ابن داود وهم يسمونه في الأناجيل كلها بأنه ابن داود فاعجبوا فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لتلاميذه أنتم إخوان ولا تنتسبوا إلى أب على الأرض فإن أباكم السماوي واحد قال أبو محمد في هذا الفصل فضيحتان عظيمتان إحداهما إخباره أن الله تعالى هو أبو التلاميذ فتراهم مثله سواء بسواء فلم خصه النصارى بأن يقولوا أنه ابن الله دون أن يقولوا عن تلاميذه متى ذكروهم أنهم أبناء الله تعالى الله عن هذا الكفر وعن أن يكون أباً أو ابناً والأخرى قوله لهم لا تنتسبوا إلى أب على الأرض والنصارى والأناجيل يطلقون أن شمعون بن يوثا ويعقوب ويوحنا ابنا سيذاي ويهوذا ويعقوب ابنا يوسف فقد أقروا بثباتهم على معصية المسيح إذ نهاهم أن ينتسبوا إلى أب على الأرض وهم أبداً ملازمون مخالفة أمره في ذلك متدينون بعصيانه فصل وفي الباب الخامس عشر من إنجيل متى أن المسيح أنذر تلاميذه بما يكون في آخر الزمان من الزلازل والبلاء وقال لهم فادعوا أن لا يكون هروبكم في شتاء ولا في سبت قال أبو محمد هذا بيان واضح بلزومهم حفظ السبت إلى انقضاء أمرهم وإلى حلول الزلازل بهم وهم على خلاف ذلك هذه أمة لا عقول لهم فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم سيتور مسحاء الكذب وأنبياء الكذب ويطلعون العجائب العظيمة والآيات حتى يغلط من يظن به الصلاح وفي الباب الحادي عشر من إنجيل مارقش سيقوم مسيخون كذابون وأنبياء كذابون ويأتون بالآيات والبدائع ليخدعوا إن أمكن أيضاً إلا المختارين‏.‏
قال أبو محمد‏.‏

هذا الفصل مع الفصل الأخير الذي في توراة اليهود في السفر الخامس الذي نصه‏.‏

إن طلع فيكم نبي وادعى أنه رأى رؤيا وأتاكم بخبر ما يكون وكان ما وصفه ثم قال لكم بعد اتبعوا إلهة الأجناس فلا تسمعوا له مع الفصل الذي فيه من التوراة إن السحرة عملوا مثل ما عمل موسى في قلب العصا حية وإحالة الماء دماً والمجيء بالضفادع كاف في إبطال ما أتى به موسى والمسيح عليهما السلام وكل نبي يقرون بنبوته لأنه إذا جاز أن يأتي نبي كاذب بالمعجزات وأمكن أن يكذب النبي الصادق فيما ينذر به وأمكن أن يعمل السحرة مثل شيء من آيات نبي فقد امتزج الحق بالباطل ولم يكن إلى تمييز أحدهما من الآخر طريق أصلاً وهذا إفساد الحقائق وإبطال موجب الحق وتكذيب الحواس وإذا أمكن عند اليهود والنصارى ما ذكرناه مما في توراتهم وأناجيلهم فما الذي يؤمنهم من أن موسى عليه السلام والمسيح وسائر أنبيائهم إنما كانوا سحرة وكاذبين شهدنا بالله شهادة الحق أن هذه الفصول المذكورة من عمل برهمي مكذب بالنبوة جملة أو مناني مكذب بنبوة الأنبياء المذكورين عليهم السلام وأن موسى وعيسى عليهما السلام لم يقولا قط شيئاً مما في هذه الفصول الخبيثة الملعونة وأما نحن فلا نجيز البتة أن يكذب نبي ولا أن يأتي غير نبي بمعجزة ولا ساحر ولا كذاب ولا صالح الصناعة فإن قيل أنكم تقولون أن الدجال يأتي بالمعجزات قلنا حاش لله من هذا وما الدجال إلا صاحب عجائب كأبي العجائب ولا فرق إنما هو محيل يتحيل بحيل معروفة كل من عرفها عمل مثل عمله وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المغيرة بن شعبة سأله هل مع الدجال نهر ماء وخبز ونحو ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أهون على الله من ذلك وصح أيضاً عنه عليه السلام أن الدجال صاحب شبه وبالله التوفيق فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال فمن ذلك اليوم وذلك الوقت لا يدري أحد ما بعده لا الملائكة ولا أحد غير الأب وحده وفي الباب الحادي عشر من إنجيل مارقش أن المسيح قال السموات والأرض تذهب وكلامي لا يبيد أبداً ومن ذلك اليوم وتلك الساعة لا يدري أحد ما بعده ولا الملائكة في السماء ولا ابن الإنسان ما عدا الأب قال أبو محمد في هذا الفصل يوجب ضرورة أن المسيح هو غير الله تعالى لأنه أخبر أن هاهنا شيأ يعلمه الله تعالى ولا يعلمه هو وإذا كان بنص إنجيلهم الابن لا يعلم متى الساعة والأب يعلم متى هي فبالضرورة القاطعة نعلم أن الابن غير الأب وإذا كان كذلك فهما اثنان متغايران أحدهما يجهل ما لا يجهله الآخر وهذا الشرك الذي عليه يحومون وهذا ما يبطله العقل أن يكون إلهان أحدهما ناقص فصح ضرورة أن من هو غير الله تعالى فهو مخلوق مربوب وبطل هوسهم وتخليطهم والحمد لله رب العالمين أو يكذبوا المسيح في هذا الفصل ولابد فصل وفي الباب السادس والعشرين من إنجيل متى أن المسيح قال لباطرة ليلة أخذ أمين أقول لكم ستجحدني هذه الليلة قبل صرخة الديك ثلاثاً فقال باطرة لا يكون هذا ولو بلغت القتل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل مارقش أن المسيح قال لباطرة أمين أقول لك إنك أنت اليوم في هذه الليلة قبل أن يرفع الديك صوته مرتين ستجحدني ثلاثاً فكان باطرة يعيد القول حتى لو أمكنني أن أموت معك لست أجحدك وفي الباب التاسع عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال لباطرة أنا أعلمك أنه لا يصرخ الديك هذه الليلة حتى تجحدني ثلاثاً وأنك لم تعرفني وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال أمين أقول لك لا يصرخ الديك حتى تجحدني ثلاثاً فاتفق متى ولوقا ويوحنا على أنه قال له أنك تجحدني ثلاث مرات قبل أن يصرخ الديك وهكذا أوصف كل واحد منهم عن باطرة أنه هكذا فعل اذمين الغلام والأمة والقوم الذين كانوا يصطلون على النار وقال مارقش أنه قال له قبل أن يصرخ الديك مرتين تجحدني ثلاث مرات وهكذا وصف مارقش عن باطرة وأنه فعل ليلتئذٍ فإن خادمه الكوهن قالت له أنت من أصحاب يسوع فجحد ثم صرخ الديك ثم قالت للخادمين الواقفين هنالك هذا من أولئك فجحد ثانية ثم قال له الواقفون هنالك حقاً أنت منهم فجحد ثالثة أيضاً ثم صرخ الديك ثانية فعلى قول مارقش كذب متى ولوقا ويوحنا لأن الديك صرخ قبل أن يجحده ثلاث مرات أو كذب المسيح في إخباره بذلك إن كان هؤلاء صدقوا لابد من إحداهما وعلى قول متى ولوقا ويوحنا كذب مارقش أيضاً كذلك لأن الديك صرخ قبل أن يجحده ثلاث مرات أو كذب المسيح ولابد من إحداهما والكذب واقع في أحد الخبرين فلا بد ثم طامة أخرى وهي اتفاق متى ومارقش على أن المسيح أخبر باطرة بأنه سيجحده تلك الليلة وأن باطرة رد خبره وقال له لا يكون هذا فلولا أن المسيح كان عند باطرة ممن يكذب في خبره ما كذبه مواجهة مرة بعد مرة أو كفر باطرة إذ كذب ربه أو نبياً لابد من إحداهما فإن كان كفر باطرة فكيف يعطي مفاتيح السموات لمرتد كافر مكذب بالله تعالى أو لنبي من الأنبياء جهاراً أم كيف تولي مرتبة التحريم والتحليل من يكذب الله تعالى أو نبيه أو كيف يؤخذ الدين عمن كذب ربه أو كذب خبر نبي عن الله تعالى جهاراً في آخر ساعة كان فيها معه وختم بذلك عمله ما سمعنا بأوسخ عقولاً من أمة هذه صفة دينهم وكتابهم وأئمتهم ونعوذ بالله من الخذلان وفي الباب الثامن والعشرين من إنجيل متى أن الخشبة التي صلب عليها المسيح أخذ لحملها سخرة سيمون وفي الباب الثامن عشر من إنجيل مارقش أن تلك الخشبة التي صلب عليها يسوع أخذ لحملها سيمون القيرواني والد الإسكندر وورفه وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل لوقا أنه سخر لحمل تلك الخشبة شمعون القيرواني وفي الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا أن يسوع نفسه هو الذي حملت عليه الخشبة التي صلب فيها وهذا خلاف ما حكى أصحابه ولقد قررت بعض علمائهم على هذا فقال لي كانت طويلة جداً فحملها هو وشمعون المذكور فقلت له ومن أين لك هذا وأين وجدته وسياق أخبار مؤلفي الإنجيل لا تدل على هذا ولو قلت أنه ممكن أن يسخر كل واحد منها لحملها بعض الطريق لكان أدخل في سياق الخبر فصل وفي الباب الثامن والعشرين من إنجيل متى أنه صلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وكان يشتمانه ويتناولانه محركين رؤسهما ويقولان يا من يهدم البيت ويبنيه في ثلاث سلم نفسك إن كنت ابن الله فانزل عن الصلب وفي الباب الثالث عشر من إنجيل مارقش أنه صلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله واللذان صلبا معه كانا يستعجزانه وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل لوقا وكان أحد اللصين المصلوبين معه يسبه ويقول إن كنت أنت المسيح فسلم نفسك وسلمنا فأجابه الآخر وكشر عليه وقال أما تخاف الله وأنت في آخر عمرك وفي هذه العقوبة أما نحن فكوفئنا بما استوجبنا وهذا لا ذنب له ثم قال ليسوع يا سيدي اذكرني إذا نلت ملكك فقال له يسوع أمين أقول لك اليوم تكون معي في الجنة قال أبو محمد إحدى القضيتين كذب بلا شك لأن متى ومارقش أخبرا بأن اللصين جميعاً كانا يسبانه ولوقا يخبر بأن أحدهما كان يسبه والآخر كان ينكر على الذي يسبه ويؤمن به والصادق لا يكذب في مثل هذا وليس يمكن هاهنا أن يدعي أن أحد اللصين سبه في وقت وآمن به في آخر لأن سياق خبر لوقا يمنع من ذلك ويخبر أنه أنكر على صاحبه سبه إنكار من لم يساعده قط على ذلك وكلهم متفق على أن كلام اللصين وهم ثلاثتهم مصلوبون على الخشب فوجب ضرورة أن لوقا كذب أو كذب من أخبره أو أن متى كذب وكذب مارقش أو الذي أخبره ولابد فصل وفي آخر إنجيل متى بعد أن ذكر صلب المسيح وإنزاله برغبة يوسف الارمازي العريف ودفنه في قبر جديد محفور في صخرة وغطاه بصخرة عظيمة وفي آخر إنجيل مارقش بعد أن ذكر صلب المسيح وإنزاله برغبة يوسف الأرمازي العريف ودفنه في قبر عشي الجمعة والسبت وفي آخر إنجيل لوقا بعد أن ذكر صلب المسيح وأن يوسف الأرمازي أتى أول الليل فرغب فيه فأجابه بلاطش إلى إنزاله فأنزله وجعله في قبر جديد وفي آخر إنجيل يوحنا بعد أن ذكر صلب المسيح وأن يوسف الأرمازي رغب فيه وأنزله ودفنه في قبر في بستان ثم قال متى وعند عشاء ليلة السبت التي تصبح في يوم الأحد اقبلت مريم المجدلانية ومريم الأخرى لمعاينة القبر فتزلزل بهما الموضع زلزلة عظيمة ثم نزل ملك السيد من السماء وأقبل ورفع الصخرة وقعد عليها وكان منظره كمنظر البرق وثيابه أنصع بياضاً من الثلج فمن خوفه صعق الحرس وصاروا كالأموات فقال الملك للمرأتين لا تخافا قد علمت أنكما أردتما يسوع المصلوب ليس هو هاهنا قد حيى وقد تقدمكم إلى جلجال كما قال فانظرا إلى الموضع الذي جعل فيه السيد وانهضا إلى تلاميذه وقولا لهم أنه قد حيى وفيها ترونه فنهضتا مسرعتين بفرح عظيم وأقبلتا إلى التلاميذ وأخبرتاهم الخبر فتلقاهما يسوع وقال السلام عليكما فوقفتا وترامتا إلى رجليه وسجدتا له فقال لهما يسوع لا تخافا واذهبا أعلما إخواني ليتوجهوا إلى جلجال وفيها يروني فأقبل بعض الحرس إلى المدينة وأعلم قواد القسيسين بما أصابهم فرشوهم بمال عظيم ليقول الحرس إن تلاميذه طرقوهم ليلاً وسرقوه وذهبوا به وهم رقود ففعلوا وانتشر الخبر في اليهود إلى اليوم وتوجه الأحد عشر تلميذاً إلى جلجال إلى الجبل الذي كان دلهم عليه يسوع فلما بصروا به خنعوا له وبعضهم شكوا فيه وقال مارقش فلما خلا يوم السبت اشترت مريم المجدلانية ومريم أم يعقوب وشلوما حنوطاً ليأتين به ويدهنه فأقبلن يوم الأحد بكرة جداً إلى القبور وبلغن هنالك وقد طلعت الشمس وهن يقلن من يحول لا الحجر عن القبر فنظرت فإذا بالحجر قد حول فدخلن في القبر فأبصرن فتتى جالساً عن اليمين متغطياً بثوب أبيض فقال لهن لا تفزعن فإن يسوع الناصري المطلوب قد قام وليس هو هاهنا فانطلقن وقلن لتلاميذه ولباطرة أنه قد حيى وقد تقدمكم إلى ججال وهنالك تلقونه فقام بكرة يوم الأحد وتراءى لمريم المجدلانية فمضت وأعلمت الذين كانوا معه فلم يصدقوها وبعد هذا تظاهر لاثنين منهم وهما مسافران إلى قرية في صفة أخرى فأخبرا سائرهم فلم يصدقوا أيضاً وآخر الأمر بينما الأحد عشر تلميذاً متكئين إذ تظاهر لهم وفتح كفرهم وقسوة قلوبهم وقال لوقا فلما انفجر الصبح يوم الأحد بكرة جداً أقبل النسوة إلى القبر يحملن حنوطاً فوجدن الحجر مقلوعاً عن القبر فدخلن فيه فلم يجدن السيد فيه فتحيرن فوقف إليهن رجلان في ثياب بيض فقالا لهن لا تطلبن حياً بين أموات قد قام ليس هو هاهنا فانصرفن وأعلمن الأحد عشر تلميذاً ومن كان معهم فلم يصدقوهن فقام باطرة مسرعاً إلى القبر فرأى الكفن وحده فعجب وانصرف ثم تراءى المسيح لرجلين منهم كانا ناهضين إلى حصن يقال له أماوس على سبعة أميال ونصف من أورشلم فلم يعرفاه حتى ارتفع عنهما وغاب فانصرفا في الوقت إلى أورشلم ووجد الأحد عشر تلميذاً مجتمعين مع أصحابهم فأخبراهم بالخبر فبينما هم يخوضون في هذا وقف يسوع في وسطهم فقال السلام عليكم أنا هو فلا تخافوا فجزعوا وظنوه شيطاناً فقال لهم لم فزعتم أبصروا قدمي ويدي أنا هو فإن الشيطان ليس له لحم ولا عظام ثم قال أعندكم شيء يؤكل فأتوه بقطعة حوت مشوي وشربة عسل فأكل وبرىء إليهم بالبقية ثم أوصاهم وارتفع عنهم وقال يوحنا ففي يوم الأحد أقبلت مريم صباحاً والظلمات لم تنجل بعد إلى القبر فرأت الصخرة مقلوعة عن القبر فرجعت إلى شمعون باطرة وإلى التلميذ الآخر يعني يوحنا بهذا نفسه وقالت لهما نزع سيدي من القبر فوجدا الأكفان موضوعة ثم رجعوا فوقفت مريم باكية إلى القبر فرأت ملكين منتصبين فقالا لها من تريدين فظنت أنه الحسان فقالت له سيدي إن كنت أنت أخذته فقل لي أين وضعته فقال لها يا مريم فالتفتت وقالت معلمي فقال لها يسوع لا تمسيني لم أصعد بعد إلى أبي اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني صاعد إلى أبي وأبيكم إلهي وإلهكم قالت فأخبرتهم ثم بينما التلاميذ مجتمعون أقبل يسوع ووقف في وسطهم وقال السلام عليكم وعرض عليهم يديه وجنبه ثم ذكر أن طوما أحد الاثني عشر تلميذاً لم يكن حاضراً فيهم في هذا الظهور فلما أتى وأخبروه فقال لئن لم أبصر في يديه الصاق المسامير ولم أدخل اصبعي في موضع المسامير في جنبه لآمنت فلما كان بعد ثمانية أيام اجتمعوا كلهم والأبواب مغلقة فأقبل يسوع ووقف وسطهم وقال لطوما أدخل اصبعك وأبصر كفي وهات يدك وأدخلها إلى جنبي ولا تكن كافراً بل كن مؤمناً فقال له طوما سيدي وإلهي ثم تراءى عند بحيرة الطبرية لشمعون باطرة وطوما وبطنها لي وابني سيذاي واثنين من التلاميذ سواهم وهم يصيدون في مركب في البحر قال أبو محمد فاعجبوا لهذه القصة وما فيها من الكذب والشنع يقول متى إن مريم ومريم أتتا إلى القبر عشاء ليلة السبت التي تصبح في يوم الأحد فوجدتاه قد قام ويقول مارقش إن مريم ومريم وغيرهما أتا إلى القبر بعد طلوع الشمس من يوم الأحد فوجدته قد قام والظلمة لم تنجل بعد فهذه كذبات منهم في وقت بلوغهن إلى القبر وفيمن جاء إلى القبر أمريم وحدها أم مريم ومريم أخرى معها أم كلتاهما ومعهما نسوة أخر ويقول متى إن مريم ومريم رأتا الملك إذ نزل من السماء ورفع الصخرة بحضرتهما بزلزلة عظيمة وصعق الحرس وقال الملك للمرأتين لا تخافا إنه قد قام ويقول مارقش إن النسوة وجدن الصخرة قد قلعت بعد وأنه وقف إليهن رجلان مبيضان فاخبراهن بقيامه ويقول يوحنا أن مريم وحدها أتت ووجدت الصخرة قد قلعت ولم تر أحداً ورجعت حائرة فأخبرت شمعون ويوحنا حاكي القصة فنهضا معاً إلى القبر فلم يجدا فيه أحداً وانصرفا فالتفتت هي فإذا بالمسيح نفسه واقفاً وسلم عليها وأخبرها بقيامه فهذا كذب آخر في وقت قلع الصخرة وهل وجد عند القبر ملك واحد أو ملكان اثنان أم لم يوجد فيه أحد أصلاً ويقول متى إن المرأتين أتياهم بوصيته فصدقوهما وأنهم نهضوا كلهم إلى جلجال وهنالك اجتمعوا معه ويقول مارقش أنه تراءى لمريم وأخبرتهم ولم يصدقوها ثم تراءى لاثنين فأخبراهم فلم يصدقوهما ثم نزل عليهم كلهم ويقول لوقا إنهم لم يصدقوا النساء وأن باطرة نهض إلى القبر ولم يجد شيئاً ولا رأى أحداً وأنه نزل بينهم بأوراشلم فرأوه حينئذٍ وأكل معهم الحوت المشوي وهذه صفة من لم يقصده إليهم إلا الجوع وطلب الأكل ويقول يوحنا أنه تراءى لعشرة منهم حاشى طوما ثم تراءى لهم ولطوما قال أبو محمد ومثل هذا الاختلاف في قصة واحدة عن مقام واحد كذب لا شك فيه لا يمكن أن يقع من معصومين فصح أنهم كذابون لا يتحرون الصدق فيما حدثوا به وما كتبوه ثم في هذه القصة قول مارقش عن المسيح أنه بعد موته فتح كفر تلاميذه وقسوة قلوبهم فإذا شهد المسيح على تلاميذه بعد رفعه بالكفر وقسوة القلوب فكيف يجوز أخذ الدين عنهم أم كيف يجوز أن يعطي الإله مفاتيح السموات ويولي منزلة التحريم والتحليل كافراً قاسي القلب فكل هذا برهان واضح على أن أناجيلهم كتب مفترات من عمل كذابين كفار ثم في القصة أن مريم والتلاميذ كلهم كانوا يلتزمون بعد المسيح صيانة السبت وتعظيمه وترك العمل فيه وكذلك آخر حمل الحنوط إليه حين دخل يوم الأحد فقد صح يقيناً أن هؤلاء المخاذيل ليسوا على دين المسيح ولا على ما مضى عليه تلاميذه بل على دين آخر فسحقاً لهم وبعداً والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته علينا معشر الإسلام فصل وفي الثامن من إنجيل مارقش أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه أن دخول الجمل في سم الخياط أيسر من دخول المثري في ملكوت الله قال أبو محمد هذا قطع من كلامه بأن كل غني فإنه لا يدخل الجنة أبداً وفي اتباعه أغنياء كثيرة وما رأينا قط أمة أحرص على جمع المال من الدراهم وغير ذلك وادخاره ومنعه دون أن ينتفعوا منه بشيء ولا أن يتصدقوا منه بشيء من الأساقفة والقسيسين والرهبان في كل دير وكل كنيسة في كل بلد وكل وقت فعلى موجب كلام إلاههم أنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فهذا والله حق وأنا على ذلكم من الشاهدين فصل وفي الثامن من إنجيل مارقش أن باطرة قال ليسوع المسيح ها نحن قد خلينا الجميع واتبعناك فأجابه يسوع وقال له أمين أقول لكم ليس من أحد ترك بيتاً أو إخوة وأخوات أو والد ووالدة أو أولاد لأجل الإنجيل إلا ويعطى مائة ضعف مثله الآن في هذا الزمان من البيوت والأخوة والأخوات والأمهات والأولاد والفدادين مع التبعات وفي العالم الكائن الحياة الدائمة قال أبو محمد هذا موعد كاذب مضمون لا يمكن الوفاء به وهبك خيرجون هذا على أنه يعوض هذا من أهل دينه أولاداً وإخوة وأخوات وأمهات كيف الحيلة في وعده من آمن به وترك ماله أن يعوض عن الفدان الذي يتركه مائة فدان وعن البيت مائة بيت الآن عاجلاً في الدنيا سوى ما له في الآخرة وهذا كما ترى فصل وفي الباب الثامن من إنجيل مارقش أن رجلاً قال للمسيح أيها المعلم الصالح فقال له المسيح لم تقول لي صالح الله هو الصالح وحده وفي التاسع من إنجيل يوحنا أن المسيح قال أنا الراعي الصالح فمرة ينكر أن يكون صالحاً وأن لا صالح إلا الله ومرة يقول أنه صالح وكل هذا كذب عليه من توليد هؤلاء الأنذال فصل وفي آخر إنجيل مارقش أن المسيح قال لتلاميذه اذهبوا إلى جميع الدنيا وبشروا جميع الخلائق بالإنجيل فمن آمن يكون سالماً ومن لم يؤمن يعاقب وهذه الآيات تصحب الذين يؤمنون وهي سيماهم على أسمى ينفون الجن ويتكلمون باللغات الجديدة ويقلعون الثعابين وإن شربوا شربة قتالة لم تضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فينقهون قال أبو محمد في هذا الفصل أعجوبتان من الكذب إحداهما قوله بشروا بالإنجيل فدل هذا على إنجيل أتاهم به المسيح وليس هو عندهم الآن وإنما عندهم أناجيل أربعة متغايرة من تأليف أربعة رجال معروفين ليس منها إنجيل لا ألف بعد رفع المسيح عليه السلام بأعوام كثيرة ودهر طويل فصح أن ذلك الإنجيل الذي أخبر المسيح بأنه أتاهم به وأمرهم بالدعاء إليه قد ذهب عنهم لأنهم لا يعرفونه أصلاً هذا ما لا يمكن سواه والفصل الثاني قولهم أنه وعد كل من آمن بدعاء التلاميذ فإنهم يتكلمون بلغات لم يعرفوها وأنهم ينفون الجن عن المجانين وأنهم يضعون أيديهم على المرضى فينقهون وأنهم يقلعون الثعابين وإن شربوا شربة قتالة لا تضرهم قال أبو محمد وهذا وعد ظاهر الكذب جهاراً ما منهم أحد يتكلم بلغة لم يعلمها ولا منهم أحد ينفي جنياً ولا منهم أحد يضع يده على مريض فيبرأ ولا منهم أحد يقلع ثعباناً ولا منهم أحد يسقي السم فلا يؤذيه وهم معترفون بأن يوحنا صاحب الإنجيل قتل بالسم وحاشى لله أن يأتي نبي بمواعيد خاسئة كاذبة فكيف إله فاعلموا أن الأنذال الذين كتبوا هذه الأناجيل كان أسهل شيء عليهم نسبة الكذب إلى المسيح عليه السلام فصل وبعد هذا الفصل متصلاً به والرب لما أن تكلم بهذا قبض إلى السماء وجلس عن يمين الله قال أبو محمد هذا شرك أحمق رب يقبض أن هذا العجب ورب يجلس عن يمين الله هذان ربان وإلهان الواحد أجل من الثاني لأن المقعود عن يمينه أسنى مرتبة من المقعد على اليمين بلا شك ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي أول إنجيل لوقا أن نفراً قبلنا راموا وصف الأشياء التي كملت فينا كالذي دلنا عليه معشر الذين عاينوا الأمر وكانوا حملة الحديث فرأيت أن أقفو آثارهم من أوله على التجويد وأكتبه لك أيها الكريم لأن تفهم حق الكلام الذي علمته واطلعت عليه وأنت به ماهر هذا يبين أن الأناجيل تواريخ مؤلفة كما ترى بنص كلام لوقا فصل وفي أول إنجيل لوقا الذي هو تاريخه المؤلف في أخبار المسيح قال لوقا كان بعد هردوس والي بلد يهوذا كوهن يدعي زكريا من دولة إيحا وزوجته من بنات هارون تسمى اليشبات ثم ذكر كلاماً فيه مجيىء جبرائيل الملك عليه السلام إلى مريم عليها السلام أم المسيح عليه السلام وأنه قال لها في جملة كلام كثير وقد حبلت اليشبات قرينتك على قدمها وعقرها فأخبر أن اليشبات هارونية وأنها قرينة لمريم فعلى هذا فمريم أيضاً هارونية والنصارى كلهم متفقون على ما في جميع الأناجيل من أن المسيح هو ابن داود من نسل داود عليه السلام وفي مواضع كثيرة منها يورثه الله ملك أبيه داود وأن العمي والمباطين والمرضى والمجانين والجن كانوا يقولون له يا ابن داود فلا ينكر ذلك عليهم ولا يختلف النصارى واليهود في أن المسيح المنتظر هو من ولد داود والمسيح مع هذا كله قد أنكر في الباب الثالث عشر من إنجيل متى كما أوردنا قبل أن يكون المسيح من ولد داود فكيف هذا الاختلاط والتلون ومع هذا كله فلا نرى على ما ذكرنا تنسبه النصارى إلا إلى أنه ولد يوسف النجار الداوودي الذي يزعمون أنه كان زوج مريم وهذه طامة وسوءة لا يدري لها وجه أن ينسبوه إلى رجل ولم يلده وأقل ما في هذا الكذب الذي هو في الدنيا عار وبرهان على الضلال وفي الآخرة نار ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي الباب الثاني من إنجيل لوقا فلما دخل أبو المسيح به البيت ليقربا عنه ما أمرا به أخذه شمعون في يديه وبعد ذلك في الباب المذكور وكان أبواه مختلفين إلى بورشلام كل سنة أيام الفصح فلما بلغ ثنتي عشرة سنة وصعدا إلى بورشلام على حال سنتهما في يوم العيد وهبطا عند انقراضه بقي يسوع في بورشلام وجهل ذلك أبواه وظناه في الطريق مقبلاً فسارا يومهم وهما يطلبانه عند الأقارب والإخوان فلما لم يجداه انصرفا إلى بورشلام طابين له فوجداه في الثالث قاعداً مع العلماء في البيت وهو يسمع منهم ويكاشفهم فكان يعجب منه كل من سمعه ومن يراه من حسن حديثه وحسن مراجعته فقالت له أمه لم أشخصتنا يا بني وقد طلبك أبوك وأنا معه محزونين فقال لهما لم طلبتماني أتجهلان أنه يجب علي ملازمة امرآي فلم يفهما عنه جوابه فانطلق معهما إلى ناصرة وكان بطوع لهما قال أبو محمد كيف يطلق لوقا وهو عندهم أجل من موسى عليه السلام أن يوسف النجار والد المسيح في غير ما موضع ويكرر ذلك كأنه يحدث بحديث معهود أم كيف تقول مريم لابنها طلبك أبوك تعني زوجها بزعمك وكيف يكون أباه ولا أب له وإنما يطلق هذا الإطلاق في الربيب فيمن يعرف أبوه فيقال له أبوك عن ربيبه بمعنى كافله لأنه لا إشكال فيه وأما من لا أب له من بني آدم فإطلاق الأبوة فيه على زوج أمه إشكال وتلبيس وتطريق إلى البلاء أم كيف تبقى مريم العذارء مع زوجها بزعمهم فض الله أفواههم أزيد من ثلاث عشرة سنة كما يبقي الرجل مع امرأته يغقان عليهما باباً واحداً أم كيف يصح مع هذا عند هؤلاء أنه مولود من غير ذكر أين هذا الزور المفتري من النور المقتفي قول الله حقاً في وحيه الناطق إلى رسوله الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حيث قال‏.‏

فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آيةً للناس ورحمةً منا وكان أمراً مقضياً فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً‏.‏

إلى قوله‏.‏

فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغياً فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً‏.‏

قال أبو محمد هذا هو الحق الواضح الذي يصدق بعضه بعضاً لا الكذب المتناقض وهذا الذي لا يمكن سواه لأنه لو كان لها زوج لم ينكر أحد ولادتها ولو لم يقم برهان بكلامه في المهد لما جاز عندنا ولا عند أحد من الناس أنها حملت به من غير ذلك ولكان ذلك دعوى كاذبة لا يجوز أن يصدقها أحد لاسيما مع زعمهم أنها سكنت مع زوجها أزيد من ثلاثة عشر عاماً في بيت واحد يهديان عند ولادته ما يهدي الأبوان من اليهود بحكم التوراة عن ابنيهما وتقول له أمه هذا أبوك وفعل أبوك ثم أطم من هذا إقرارهم بأن له أربعة إخوة ذكور شمعون ويهوذا ويعقوب ويوسف وأخوات ثم لا يذكرون للنجار امرأة غير مريم تكون هؤلاء الأولاد للنجار من تلك المرأة وهذه فضيحة الدهر وقاصمة الظهر ومطلق السنة القائلين أنها أتت من زوج أو من عهر وحاشا لله من ذل تصحح هذا كله أنهم مدسوسون من عند اليهود لإفساد مذاهبهم ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي الباب الرابع من إنجيل لوقا وكانت العامة تشهد له وتعجب لقوله وما كان يوصيهم به وكانت تقول أما هذا ابن يوسف النجار فقال لهم نعم قد علمت أنكم ستقولون لي يا طبيب داو نفسك وافعل في موضعك كما بلغنا أنك فعلته بقفر ناحوم أمين أقول لكم أنه لا يقبل أحد من الأنبياء في موضعه قال أبو محمد في هذا الفصل ثلاث عطايم أحدها قولهم له أما هذا ابن يوسف فقال نعم فهذا تحقيق أنه ولد النجار وحاشى لله من ذلك والثانية اعترافه واتفاقهم على أنه لم يأت بآية بحضرة الجماعة وإنما ذكر أنه أتى بالآيات في القفار والثالثة وهي الحق قوله لهم أنه نبي وهذا الذي أفلت من تبديلهم وأبقاه الله عز وجل حجة عليهم والحمد لله رب العالمين فصل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال من قال شيئاً في ابن الإنسان يغفر له ومن سب روح القدس لا يغفر له قال أبو محمد هذا إبطال لقولهم كاف لأن ابن الإنسان عند هؤلاء هو روح القدس نفسه ونص كلام المسيح ها هنا يبين أنهما شيئآن متغايران أحدهما يغفر لمن سبه والآخر لا يغفر لمن سبه وهذا بيان رافع للإشكال جملة فإن كان المسيح هو ابن الإنسان فليس هو روح القدس أصلاً بنص كلامه وإن كان هو روح القدس فليس هو ابن الإنسان كذلك أيضاً ولئن كان ابن الإنسان هو روح القدس فقد كذب المسيح إذ فرق بينهما فجعل أحدهما يغفر لمن سبه والآخر لا يغفر لمن سبه وفي هذا كفاية فصل وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل لوقا فلما بلغوا إلى الموضع الذي يدعي الأجرد صلبوه فيه وصلبوا معه السارقين العاصين عن يمينه وشماله فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم يجهلون ما يصنعون ولا يدرون فعلهم قال أبو محمد في هذا الفصل شنعتان عظيمتان على النصارى كافيتان في وساخة دينهم وبيان فساد كل ما هم عليه جهاراً أولها أن نسألهم فنقول لهم المسيح إله عندكم أم لا فمن قولهم نعم فيقال لهم فإلى من دعا ورفع طلبته فإن كان دعا غيره فهو إله يدعو إلهاً آخر وهذا شرك وتغاير بين الآلهة وهم لا يقولون هذا وإن كان دعا نفسه فهذا هوس إنما حكمه أن يقول قد غفرت لكم وهم يصرحون في الأناجيل بأنه يغفر ذنوب من شاء فأين كان عن هذه الصفة إذ دعا إلهاً غيره والثانية أن يقال لهم هل أجيبت دعوته هذه أم لا فإن قالوا لم تجب دعوته قلنا ليس في الخزي أكثر من إله يدعو فلا يستجاب له ولا في النحس فوق هذا وعلى هذا فما بيده من الربوبية إلا كذنب ثور شارد في جدور كما بيد سائر المخلوقين يدعو فيجاب مرة ولا يجاب مرة وإن قالوا بل أجيبت دعوته قلنا لهم فاعلموا أنكم وأسلافكم كلكم في سبكم اليهود الذين صلبوه ظالمون لهم وكيف يستحلون سب قوم قد غفر لهم إلههم وأسقط عنهم الملامة في صلبهم له أما لكم عقول تعرفون بها مقدار ما أنتم عليه من الضلال الذي ليس في العالم أحد على مثله بل كان ضلالة فهي دونه فإن قيل وما أنكرتم من هذا وأنتم تقولون إن الله تعالى دعا الكفار إلى الإيمان منهم إنما أمرهم أمر تعجيز فأخبرونا أنتم من هو المدعو لهم ليغفر لهم فنجيبه أو نعصيه ولا مخلص من هذا فصل وفي آخر إنجيل لوقا أنه بعد صلبه ترآى لرجلين من تلاميذه وهما لا يعرفانه فقال لهما ما هذا الذي تخوضان فيه وتحزنان له فقال أحدهما وهو الذي يسمي كلوباش أنت وحدك غريب بيرشلام إذ تجهل ما كان بها هذه الأيام فقال لهما وما ذلك فقالا له من خبر يسوع الناصري الذي كان نبياً مقتدراً في أفعاله وكلامه عند الله وعند الناس وكيف اجتمع قواد القسيسين على قتله وصلبه إلى آخر كلامهما وأنه قال لهما يا جهال ويا من عجزت عن فهم مقالة الأنبياء قلوبهم أما كان هذا واجباً أن يلقاه المسيح وبعد ذلك يبلغ إلى عظمته قال أبو محمد فهؤلاء أصحابه يقولون أنه كان نبياً عند الله وعند الناس وهو يسمع بزعمهم ولا ينكر ذلك فهلا قالوا فيه هكذا لقد طمس الشيطان أبصار قلوبهم ولوي ألسنتهم عن أن يقولوا ذلك ولا مرة في الدهر بل يكذبونه أشد التكذيب وحسبنا الله ونعم الوكيل فصل وفي إنجيل متى ومارقش ولوقا أنه قبل أخذه سجد ودعا وقال يا أبي كل شيء عندك ممكن فاعفني من هذه الكأس لكن لا أسأل إرادتي لكن إرادتك زاد لوقا في إنجيله قال فتراى له ملك السيد معزياله فأطال صلاته حتى سال العرق منه وتساقطت نقطه كتساقط نقط الدم إذا انسكب في الأرض وفي إنجيل متى ومارقش أنه صاح بأعلى صوته وهو مصلوب إلهي إلهي لم اسلمتني ثم فاضت نفسه قال أبو محمد فيا للناس أهذه صفة إله وهل يحتاج الإله إلى ملك يعزيه وهل يدعو الإله في أن يصرف عنه كأس المنية وإله يعرق من صعوبة الحال إذا أيقن بالموت وإله يسلمه إله أفي الحمق شيء يفوق هذا فإن قالوا لنا إنما هذا كله خبر عن الطبيعة الناسوتية قلنا لهم أنتم تقولون في كل هذا فعل المسيح وقال المسيح والمسيح عندكم طبيعتان ناسوتية ولاهوتية وعند اليعقوبية منكم طبيعة واحدة وكلكم تقولون أن اللاهوت اتحد بالناسوت فأنتم كذبتم وأنتم طرقتم إلى هذا وأنتم أضفتم كل هذا إلى اللاهوت وإنما كان الحق على أصلكم هذا الملعون أن تقولوا فعل نصف المسيح وقال نصف المسيح فعلى كل حال قد كذبتم وسخفتم وفي هذا كفاية لمن عقل فصل وفي أول إنجيل يوحنا وهو أعظم الأناجيل كفراً وأشدها تناقضاً وأتمها رعونة فأول كلمة فيه في البدء كانت الكلمة والكلمة كانت عند الله والله كان الكلمة بها خلقت الأشياء ومن دونها لم يخلق شيء فالذي خلق فهو حياة فيها قال أبو محمد فهل سمع بأعظم سخفاً وأتم تناقضاً من هذا الكلام كيف تكون الكلمة هي الله وتكون عند الله فالله إذاً كان عند نفسه ثم قوله أن الذي خلق بالكلمة هو حياة فيها فعلى هذا حياة الله مخلوقة فروح القدس على نص كلام هذا الرجل مخلوق لأن روح القدس عند جميعهم هو حياة الله وهذا خلاف قول جميع النصارى لأن الحياة التي في الكلمة مخلوقة بنص كلام يوحنا والله بنص كلام يوحنا هو الكلمة وهذا هدم لملة النصارى من قرب ثم أطم من هذا كله إذ كانت حياة الكلمة مخلوقة والكلمة هي الله فالله حامل لأعراض مخلوقة فيه فاعجبوا ثم اعجبوا وبعد هذا الفصل على ما نورد إن شاء الله تعالى والكلمة كانت بشراً مع قوله الكلمة هي الله فالله بشر على نص كلام هذا النذل يوحنا عليه من الله اللعائن المتواترة فصل وبعد ذلك ذكر المسيح فقال فإنه كان في الدنيا وبه خلقت الدنيا ولم يعرفه أهل الدنيا قال أبو محمد هذا من الحمق المزور كيف يكون في الدنيا وبه خلقت الدنيا لئن كان إلهاً كما يقولون فهو خلق الدنيا ولا يجوز أن تخلق به وإن كان إنما به خلقت الدنيا ولم يخلقها هو فليس هو إلاهاً ولا خالقها وإنما هو آلة من الآلات خلقت الدنيا به وحاشى لله أن يخلق بآلة لكن كما قال في وحيه الناطق إلى رسوله الصادق الذي لا يتناقض كلامه ولا يتعارض اخباره‏.‏

إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون‏.‏

وأين يجتمع قوله ها هنا إن به خلقت الدنيا مع الكذب الذي يصفونه إلى المسيح من أنه قال بزعمهم أنا أخلق وأبي يخلق وإن لم أعمل كما يعمل أبي فلا تصدقوني حاشى لله من أن يقول نبي هذا الكذب وهذا الحمق إذاً كان يكونان إلهين متغايرين اثنين كل واحد منهما غير الآخر وكل واحد منهما يخق كما يخلق الآخر ثم مرة هو إله يخلق ومرة هو آلة يخلق به ألا هذا هو الضلال المبين والخبال المتين فصل وبعد ذلك قال فمن يقبله منهم وآمن باسمه أعطاهم سلطاناً أن يكونوا أولاد الله أولئك المؤمنون به الذين لم يتوالدوا من دم ولا من شهوة اللحم ولا باءة رجل لكن توالدوا من الله فالتحمت الكلمة والكلمة كانت بشراً وسكنت فينا ورأينا عظمتها كعظمة ولد الله قال أبو محمد وفي هذا الفصل من الكفر ما لو انهدمت الجبال منه لكان غير نكير نسأل الله العافية أيها الناس فتأملوا قول هذا النذل أن المؤمنين بالمسيح هم أولاد الله فالنصارى إذاً كلهم أولاد الله فأي منزلة للمسيح عندهم إذ هو ولد الله وهم أولاد الله فاعجبوا لقول هذا المستخف المستهزىء بالسفلة الذين قلدوا دينهم مثله إن المؤمنين بالمسيح لم يتوالدوا من دم ولا من شهوة اللحم ولا باءة الرجل لكن توالدوا من الله هكذا هم هكذا فكيف تولد يوحنا من سيذاي وامرأته الأحياء ما هذا إلا من عظيم المجاهرة بالباطل والكذب فإن قالوا هذا مجاز قلنا مجاز في ماذا بل هو الكذب البحت البارد والحمق وهذا نفسه قلتم عن المسيح فما الفرق بين القولين ولعل ذلك أيضاً مجاز كما هو مجاز ما رأينا قط أحمق من هؤلاء ولا أوقح من خدودهم ثم اعجبوا لقوله فالتحمت الكلمة وسكنت فينا فكيف تصير الكلمة لحماً وقد قال إنها هي الله فالله إذاً صار لحماً ودماً وسكن في أولئك الأقذار حسبنا الله ونعم الوكيل فصل ثم قال إثر هذا إن الله لم يره أحد قط ما عدا ما وصف عنه الولد الذي هو في حجر أبيه قال أبو محمد هذا عجب آخر قد قال آنفاً أن الكلمة هي الله وأنها التحمت وصار لحماً وسكنت فيهم فالله عز وجل على قولهم صار لحماً وسكن فيهم فكيف لم يره أحد ثم قوله إلا ما وصف عنه الولد الفرد الذي هو في حجر أبيه فوجب من هذا أن الولد هو غير الأب لأن من المحال الممتنع أن يكون الله في حجر نفسه فصح ضرورة أن الابن عندهم على نصوص الأناجيل هو غير الأب وهم لا يثبتون على هذا بل مرة هو والأب عندهم شيء واحد وكل هذا منصوص في أناجيلهم وكل قضية منها تكذب الأخرى فكلها كذب بلا شك ونعوذ بالله من الضلال فصل وفي الباب الأول من إنجيل يوحنا إذ ذكر شهادة يحيى بن زكريا إذ بعث إليه اليهود من برشلام الكهنة واللاونيين وكاشفوه عن نفسه فأقر ولم يجحد وقال لهم لست أنا المسيح قالوا أيراك الياس قال لا قالوا فأنت نبي قال لا قال أبو محمد كيف يكون هذا مع قول المسيح في إنجيل متى ومارقش كما أوردنا قبل أن كل نبوة وكل كتاب فمنتهاها إلى يحيى وقوله فيه أنه أكثر من نبي فمرة هو نبي وانتهت إليه كل نبوة ومرة هو أكثر من نبي ومرة يقول هو عن نفسه أنه ليس نبياً فلا بد ضرورة من الكذب في إحدى هذه الأقوال وحاشى لله أن يكذب المسيح ويحيى عليهما السلام لكن كذب والله النذلان متى الشرطي ويوحنا العيار فصل وبعده في الباب نفسه قال ويوماً آخر رأى يحيى المسيح مقبلاً إليه فقال هذا صار خروف الله قال أبو محمد هذه طامة أخرى بينما كان كلمة الله وابن الله وإلهاً يخلق صار خروف الله وحاشى لله أن يضاف إليه خروف إلا على سبيل الخلق والملك إنما يضاف الخروف إلى من يتخذه للأكل أو الذبح أو لمن يربيه للعجلة أو لصبي يلعب به ويصبغه بالحنا وتعالى الله عز وجل عن كل هذا فصح أنها من عمل عيار مستخف ونعوذ بالله من الضلال فصل وبعده بيسير في الباب نفسه أن يحيى بن زكريا قال عن عيسى شهدت بأن هذا سليل الله قال أبو محمد شهدت أنا بنفسي وعقلي وجسدي بشهادة الله التامة أن هذه كذبة كذبها اللعين يوحنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رسوله يحيى بن زكريا وأن الله تعالى وجل عن أن يكون له سليل وأعجب شيء نسبتهم إلى يحيى عليه السلام أنه قال في المسيح هذا خروف الله هذا سليل الله وإنما الخروف سليل النعجة والكبش اللهم العن هؤلاء الأنتان فما سمعنا بأعظم استخفافاً بالله تعالى وبرسله عليهم السلام منهم فصل وفي الباب الثالث من إنجيل يوحنا أن يحيى عليه السلام قال عن المسيح قد رضي الأب عن الولد وبرىء إليه بجميع الأشياء وفي الباب الخامس من إنجيل يوحنا أيضاً ولهذا كانت اليهود تريد قتله لأنه ليس كان يفسخ عليهم سنة السبت فقط لكنه كان يدعي الله أباً ويسوي نفسه به وبعده بيسير أن المسيح قال كما يحيي الموتى ويقيمهم كذلك يحيي الابن من وافقه وما يحكم الأب على أحد لأنه يرد الحكم إلى سليله قال أبو محمد هذه الطامة أنست كل طامة سلفت ولا حول ولا قوة إلا بالله كيف ينطلق لسان أحد بهذا الكفر الفاحش الفظيع من أن الله تعالى قد اعتزل الحكم فلا يحكم على أحد لأنه برىء بالحكم وبجميع الأشياء إلى ولده حاشى لله من هذا إنما عهدنا هذا من فعل الملوك إذا شاخوا وضعفوا وأرادوا الانفراد لراحاتهم ولذاتهم وترتيب الأمر لأولادهم لئلا ينازعهم الأمر بعدهم غيرهم فحينئذ يسلمون الأمر إليهم في الظاهر وأما في الباطن فلا هذا كفر ما قدرنا أحداً ينطلق به لسانه حتى سمعناه من قبل هذا الكافر يوحنا لعنه الله والحمد لله على عظيم نعمته علينا كثيراً فصل وبعده بيسير في الباب الخامس من إنجيل يوحنا أن المسيح قال فكما احتوى الأب الحياة في ذاته كذلك ملك ولده الاحتواء على الحياة في ذاته وأعطاه سلطاناً وملكه الحكومة والسلطان والحياة كما هي للأب لأنه ابن الإنسان قال أبو محمد فهل سمع قط بأسخف من هذه المقالة إذ أخبر أن من أجل أن المسيح هو ابن الإنسان ساواه الله بنفسه وهذا كله يوجب أنه غير الله ولا بد لأن المعطي المملك هو غير المعطي المملك بلا شك فصل وبعده بيسير في الباب نفسه أن المسيح قال ولا أقوى أن أفعل من ذاتي شيئاً لكن أحكم بما اسمع وحكمي عدل لأني لست أنفذ إرادتي إلا إرادة أبي الذي بعثني فإن كنت أشهد لنفسي فإن شهادتي غير مقبولة ولكن غيري يشهد لي وفي الباب السادس من إنجيل يوحنا أيضاً أن المسيح قال إنما نزلت من السماء لأتم إرادة أبي الذي بعثني لا إرادتي وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا أنه قال المسيح ليس علمي لي لكن للذي بعثني وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أيضاً أن المسيح قال لهم لو أحببتموني لفرحتم بمسيري إلى الأب لأن الأب أكبر مني قال أبو محمد فهل في العبودية والتذلل بالحق لله تعالى أكثر من هذا وكيف يجتمع هذا الكلام مع الذي قبله بأسطار من أنه مساو لله وأن الله لا يحكم بعد على أحد لكن يبرأ بالحكم كله إلى ولده أما في هذه المناقضات السخيفة عبرة لمن اعتبر ثم عجب آخر قوله ها هنا إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة ثم قال في آخر الباب السابع من إنجيل يوحنا إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق فاعجبوا لهذا الاختلاط وهكذا ذكر في الباب السادس من إنجيل يوحنا أن جماعة من تلاميذه لما سمعوا هذه الأقوال المختلطة ارتدوا وفارقوه كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فصل وفي الباب السادس من إنجيل يوحنا أنه لما أطعم الخمسة آلاف إنسان من خمس خبز وحوتين وفضل من شبعهم اثنتا عشرة سلة من خبز قال الجماعة هذا النبي حقاً فيا للعجب هلا قالوا فيه مثل هذا القول ولو مرة واحدة فصل ثم ذكر السادس المذكور أنه أتى بكلام كثير لا يعقل من جملته أنه قال لهم أمين أقول لكم لئن لم تأكلوا لحم ابن الإنسان وتشربوا دمه لن تنالوا الحياة الدائمة فيكم فمن أكل لحمي وشرب دمي ينال الحياة الدائمة وأنا أقيمه يوم القيامة فلحمي هو طعام صادق ودمي شراب صادق فمن أكل لحمي وشرب دمي كان في وكنت فيه ثم ذكر يوحنا أنه قال جماعة من التلاميذ هذا كلام شاق ومن أجل ذلك ارتد جماعة من التلاميذ وذهبوا عنه قال أبو محمد وهذا الكلام وسواس صحيح لا يقوله إلا مختلط وقد أعاذ الله نبيه منه فصل وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا أن إخوة يسوع قالوا اذهب إلى بلد يهوذا واخرج من ها هنا لتعاين تلاميذك عجايبك التي تطلع فليس يختفي أحد بفعل يريد أن يطلع عليه فإذا كنت تريد هذا فاطلع علي نفسك أهل الدنيا وكانوا إخوته لا يؤمنون قال أبو محمد ففي هذا أنه كان يختفي بمعجزاته كما ترى فصل وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا أنه أتى إلى المسيح بامرأة قد زنت فلم يوجب عليها شياءً وأطلقها قال أبو محمد وهم على خلاف هذا فقد زوروا المسيح وجوروه أو فليشهدوا على أنفسهم بالجور والظلم فصل وفي آخر الباب السابع من إنجيل يوحنا أن المسيح قال أنا لا أحكم على أحد وإن حكمت فحكمي عدل لأني لست وحيداً ولكني أنا وأبي الذي بعثني وقيل في توراتكم أن شهادة رجلين مقبولة فإني أؤدي الشهادة عن نفسي ويشهد لي الذي بعثني قال أبو محمد ليت شعري كيف يجتمع هذا الفصل مع الذي أوردنا في الباب الثالث من إنجيل يوحنا أيضاً من أن الله تعالى لا يحكم بعد على أحد لأنه قد براء بالحكم كله إلى ولده المسيح فصل وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا أن المسيح قال لهم أنا رجل أديت إليكم الحق الذي سمعته عن الله فهذا إقراره بأنه رجل يؤدي ما سمع فقط مع استشهادهم في الباب الثاني عشر من إنجيل متى بقول شعيا النبي في المسيح من أن الله تعالى قال فيه هذا غلامي المصطفى وحبيبي اذي تخيرته فصح أنه نبي من الأنبياء وعبد الله فصل وفي الباب التاسع من إنجيل يوحنا أن اليهود قالوا للمسيح لسنا نرجمك لعمل صالح إلا للشتيمة ولا دعائك الربوبية وأنت إنسان فقال لهم المسيح أما قد كتب في كتابكم الزبور حيث يقول أما قلتم أنتم آلهة وبنو العلي كلكم فإن كان سمى الله الذي كلمهم آلهة ولا سبيل إلى تحريف الكتاب وتبديله فلم تقولون فيمن بارك الله عليه وبعثه إلى الدنيا أنه شتم إذا قلت أني ابن الله إن كنت لا أفعل أفعال أبي فلا تصدقوني إلى قوله لتعلموا أني في الأب والأب في وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أن بلش الحواري قال للمسيح يا سيدنا أرنا الأب ويكفينا فقال له المسيح طول هذا الزمان كنت معكم ولم تعرفوني يا بلش من رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب أليس تؤمن أني أنا في الأب وأن الأب هو في فكيف هذا مع قول يوحنا الذي ذكرنا في أول إنجيله أن الأب لم يره أحد قط فصل وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا المذكور أن المسيح قال لتلاميذه أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم قال أبو محمد إذا كان هو في الأب والأب فيه وهو في التلاميذ والتلاميذ فيه فالأب في التلاميذ والتلاميذ في الأب ضرورة فأي مزية له عليهم وهل هو وهم إلا سواء في كونه وكونهم في الله وكون الله فيهم وفيه ثم هذا الكلام لا يعقل ولا يفهم منه إلا الاستخفاف والكفر فقط لأنه إن كان فيهم بذاته فقد صاروا له مكاناً وصار تعالى محدوداً وهذه صفة المحدث وإن كان فيهم بتدبيره فهكذا يدبر في كل حي وميت وكل جماد وكل عرض ولا فرق ولا فضيلة في هذا أصلاً فصل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال لهم لست أسميكم بعد عبيد الآن العبد لا يدري ما يصنع سيده قد سميتكم إخواناً وفي آخر الباب المذكور أن المسيح قال أنا من الله خرجت ومن الأب انبثقت ففي أحد هذين الفصلين أن التلاميذ قد أعتقوا من عبودية الباري وأنهم إخوانه وهو خرج من الله ومنه انبثق فيهم كذلك أيضاً فأي مزية له عليهم مع سخف هذا الكلام وأنه لا يدري لهذا الانبثاق معنى أصلاً والانبثاق لا يكون إلا من الأجسام ضرورة فصل وفي الباب الثالث عشر من إنجيل يوحنا في أوله أن المسيح قال رافعاً عينيه إلى السماء يا أبتاه قد آن الوقت فشرف ولدك لكيما يشرفك ولدك وبعده بيسير أن المسيح قال لله أنا شرفتك على الأرض قال أبو محمد هذه مصيبة الدهر لم يقنعوا للمسيح بنبوة الله حتى وصفوه بمساواته لله تعالى ثم لم يقنعوا بمساواته لله تعالى حتى قالوا إن الله تعالى قد انعزل له عن الحكم وليس يحكم على أحد وأنه قد برىء بالملك والحكم كله إلى المسيح ثم لم يقنعوا له بالعزلة والخمول حتى جعلوا المسيح يشرف الله تعالى يا للناس هل سمعتم بأعظم من هذا الكفر والله والله قطعاً ما قال هذا الكلام قط مؤمن بالله أصلاً وما كانوا إلا دهرية مستخفين رقعاء فعليهم أضعاف كل لعنة لعنها الله تعالى من سواهم من الكفرة قال أبو محمد وفي إنجيل يوحنا أن المسيح قال أنا أميت نفسي وأنا أحييها فليت شعري كيف يمكن أن يحيي نفسه وهو ميت قال أبو محمد فهذه سبعون فصلاً في أناجيلهم من كذب بحت ومناقضة لا حيلة فيها ومنها فصول يجمع الفصل منها ثلاث كذبات فاقل على قلة مقدار أناجيلهم وجملة أمرهم في المسيح عليه السلام أنه مرة بنص أناجيلهم ابن الله ومرة هو ابن يوسف وابن داود وابن الإنسان ومرة هو آلة يخلق ويرزق ومرة هو خروف الله ومرة هو في الله والله فيه ومرة هو في تلاميذه وتلاميذه فيه ومرة هو علم الله وقدرته ومرة لا يحكم على أحد ولا ينفذ إرادته ومرة هو نبي وغلام الله ومرة أسلمه الله إلى أعدائه ومرة قد انعزل الله له عن الملك وتولاه هو وصار يشرف الله تعالى ويعطي مفاتيح السموات لباطرة ويولي أصحابه خطة التحريم والتحليل في السموات والأرض ومرة يجوع ويطلب ما يأكل ويعطش ويشرب ويعرق من الخوف ويلعن الشجرة إذا لم يجد فيها تيناً يأكله ويفشل فيركب حماره ويؤخذ ويلطم وجهه ويضرب رأسه بالقصبة ويزق في وجهه ويضرب ظهره بالسياط ويميته الشرط ويتهكمون به ويسقي الخل في الحنظل ويصلب بين سارقين ويسمر يداه ومات في الساعة ودفن ثم يحيى بعد الموت ولم يكن له هم إذ حيى بعد الموت واجتمع بأصحابه إلا طلب ما يأكل فأطعموه الخبز والحوت المشوي وسقوه العسل ثم انطلق إلى شغله هذا كله نص أناجيلهم وهم قد اقتصروا في دينهم من هذا كله على أنه آلة معبود فقط وهم ينفون من إله مع الله وأناجيلهم وأماناتهم توجب أن المسيح آلة آخر غير الله بل يقعد عن يمين الله وأنه أكبر منه وهو يخلق كما يخلق ويحيى كما يحيى الله والضرورة توجب أنهم قائلون