الجزء الثاني - الكلام في الوجه واليد والعين والجنب والقدم

والتنزل والعزة والرحمة والأمر والنفس والذات والقوة والقدرة والأصابع قال أبو محمد قال الله عز وجل‏.‏

ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏.‏

فذهبت المجسمة إلى الاحتجاج بهذا في مذهبهم وقال الآخرون وجه الله تعالى إنما يراد به الله عز وجل قال أبو محمد وهذا هو الحق الذي قام البرهان بصحته لما قدمنا من إبطال القول بالتجسيم وقال أبو الهذيل وجه الله هو الله قال أبو محمد وهذا لا ينبغي أن يطلق لأنه تسمية وتسمية الله تعالى لا تجوز إلا بنص ولكنا نقول وجه الله ليس هو غير الله تعالى ولا نرجع منه إلى شيء سوى الله تعالى برهان ذلك قول الله تعالى حاكياً عمن رضي قوله‏.‏

إنما نطعمكم لوجه الله‏.‏

فصح يقيناً أنهم لم يقصدوا غير الله تعالى وقوله عز وجل‏.‏

أينما تولوا فثم وجه الله‏.‏

إنما معناه فثم الله تعالى بعلمه وقبوله لمن توجه إليه وقال تعالى‏.‏

يد الله فوق أيديهم‏.‏

وقال تعالى‏.‏

لما خلقت بيدي‏.‏

وقال تعالى‏.‏

مما عملت أيدينا أنعاماً‏.‏

وقال‏.‏

بل يداه مبسوطتان‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين فذهبت المجسمة إلى ما ذكرنا مما قد سلف من بطلان قولهم فيه وذهبت المعتزلة إلى أن اليد النعمة وهو أيضاً لا معنى له لأنها دعوى بلا برهان وقال الأشعري إن المراد بقول الله تعالى أيدينا إنما معناه اليدان وإن ذكر الأعين إنما معناه عينان وهذا باطل مدخل في قول المجسمة بل نقول إن هذا إخبار عن الله تعالى لا يرجع من ذكر اليد إلى شيء سواه تعالى ونقر أن لله تعالى كما قال يداً ويدين وأيدي وعين وأعيناً كما قال عز وجل‏.‏

ولتصنع على عيني‏.‏

وقال تعالى‏.‏

فإنك بأعيننا‏.‏

ولا يجوز لأحد أن يصف الله عز وجل بأن له عينين لأن النص لم يأت بذلك ونقول إن المراد بكل ما ذكرنا الله عز وجل لا شيء غيره وقال تعالى حاكياً عن قول قائل‏.‏

قال يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله‏.‏

وهذا معناه فيما يقصد به إلى الله عز وجل وفي جنب عبادته وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلتا يديه يمين وعن يمين الرحمن فهو مثل قوله‏.‏

وما ملكت أيمانكم‏.‏

يريد وما ملكتم ولما كانت اليمين في لغة العرب يراد بها الحظ للأفضل كما قال الشماخ إذا ما راية رفعت لمحمدٍ تلقاها عرابه باليمين يريد أنه يتلقاها بالسعي الأعلى كان قوله وكلتا يديه يمين أي كل ما يكون منه تعالى من الفضل فهو الأعلى وكذلك صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أن جهنم لا تمتلىء حتى يضع فيها قدمه وصح أيضاً في الحديث حتى يضع فيها رجله ومعنى هذا ما قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر صحيح أخبر فيه أن الله تعالى بعد يوم القياممة يخلق خلقاً يدخلهم الجنة وأنه تعالى يقول للجنة والنار لكل واحدة منكما ملؤها فمعنى القدم في الحديث المذكور إنما هو كما قال تعالى‏.‏

إن لهم قدم صدق عند ربهم‏.‏

يريد سالف صدق فمعناه الأمة التي تقدم في علمه تعالى أنه يملأ بها جهنم ومعنى رجله نحو ذلك لأن الرجل الجماعة في اللغة أي يضع فيها الجماعة التي قد سبق في علمه تعالى أنه يملأ جهنم بها وكذلك الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن قلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الله عز وجل أي بين تدبيرين ونعمتين من تدبير الله عز وجل ونعمه إما كفاية تسره وإما بلاء يأجره عليه والاصبع في اللغة النعمة وقلب كل واحد بين توفيق الله وجلاله وكلاهما حكمه عز وجل وأخبر عليه السلام أن الله يبدوا للمؤمن يوم القيامة في غير الصورة التي عرفوها وهذا ظاهر بين وهو أنهم يرون صورة الحال من الهول والمخافة غير التي يظنون في الدنيا وبرهان صحة هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور غير الذي عرفتموه بها وبالضرورة نعلم أننا لم نعلم لله عز وجل في الدنيا صورة أصلاً فصح ما ذكرناه يقيناً وكذلك القول في الحديث الثابت خلق الله آدم على صورته فهذه إضافة ملكٍ يريد الصورة التي تخيرها الله سبحانه وتعالى ليكون آدم مصور عليها وكل فاضل في طبقته فإنه ينسب إلى الله عز وجل كما نقول بيت الله عن الكعبة والبيوت كلها بيوت الله تعالى ولكن لا يطلق على شيء منها هذا الاسم كما يطلق على المسجد الحرام وكما نقول في جبريل وعيسى عليهما السلام روح الله والأرواح كلها لله عز وجل ملك له وكالقول في ناقة صالح عليه السلام ناقة الله والنوق كلها لله عز وجل فعلى هذا المعنى قيل على صورة الرحمن والصور كلها لله تعالى هي ملك له وخلق له وقد رأيت لابن فورك وغيره من الأشعرية في الكلام في هذا الحديث أنهم قالوا في معنى قوله عليه السلام أن الله خلق آدم على صورته إنما هو على صفة الرحمن من الحياة والعلم والاقتدار واجتماع صفات الكمال فيه وأسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه وجعل له الأمر والنهي على ذريته كما كان لله كل ذلك قال أبو محمد هذا نص كلام أبي جعفر السمعاني عن شيوخه حرفاً حرفاً وهذا كفر مجرد لا مرية فيه لأنه سوى بين الله عز وجل وآدم في الحياة والعلم والاقتدار واجتماع صفات الكمال فيهما والله يقول ليس كمثله شيء ثم لم يقنعوا بها حتى جعلوا سجود الملائكة لآدم كسجودهم لله عز وجل ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن سجودهم لله تعالى سجود عبادة ولآدم سجود تحية وإكرام ومن قال إن الملائكة عبدت آدم كما عبدت الله عز وجل فقد اشرك ثم زاد في الأمر والنهي لآدم على ذريته كما هو لله تعالى وهذا شرك لا خفاء به ولوددنا أن نعرف ما هي صفات الكمال التي ذكر هذا الإنسان أنها اجتمعت في آدم كما اجتمعت في الله عز وجل أن هذا الإلحاد والاستخفاف بالله تعالى لا ندري كيف تكلم وأنطق لسانه من يعرف أن الله تعالى لم يكن له كفواً أحد ووالله إن صفات الكمال في الملائكة لأكثر منها في آدم وإن صفات الاثنين التي شاركوا فيها آدم عليه السلام كصفات الجن ولا فرق بين الحياة والعلم والقوة والتناسل وغير ذلك فالكل على هذا على صورة الله تعالى هذا القول الملعون قائلة ونعوذ بالله من الضلال وكذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة أن الله عز وجل يكشف عن ساق فيخرون سجداً فهذا كما قال الله عز وجل في القرآن‏.‏

يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود‏.‏

وإنما هو إخبار عن شدة الأمر وهو الموقف كما تقول العرب قد شمرت الحرب عن الأدب سامي الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا والعجب مما ينكر هذه الأخبار الصحاح وإنما جاءت بما جاء به القرآن نصاً ولكن من ضاق علمه أنكر ما لا علم له به وقد عاب الله هذا فقال‏.‏

بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله‏.‏

واختلف الناس في الأمر والرحمة والعزة فقال قوم هي صفات ذات لم تزل وقال آخرون لم يزل الله تعالى الله العزيز الرحمن الرحيم بذاته وأما الرحمة والأمر فمخلوقان قال أبو محمد والرجوع عند الاختلاف إنما هو إلى القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى‏.‏

فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر‏.‏

ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول‏.‏

وكان أمر الله مفعولا‏.‏

والمفعول مخلوق بلا خلاف وقال الله تعالى‏.‏

والله غالب على أمره‏.‏

وبلا شك في أن المغلوب عليه مخلوق وأنه غير الغالب عليه وقال تعالى‏.‏

لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً‏.‏

وهذا بيان جلي لا إشكال فيه على أن الأمر محدث وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث من أمره ما شاء فصح بيقين أن أمر الله تعالى محدث مخلوق وقال الأشعرية لم يزل الله تعالى آمراً لكل من أمره بما يأمره به إذا وجد قال أبو محمد وهذا باطل متيقن لأنه لو كان كذلك لكان الله تعالى لم يزل آمراً لنا بالصلاة إلى بيت المقدس لم يزل آمراً لنا بأن لا نصلي إلى بيت المقدس لكن إلى الكعبة فيكون آمراً بالفعل للشيء والترك له معاً وهذا تخليط جل الله تعالى عنه وأيضاً قاله يلزمهم في نهي الله تعالى عما نهى عنه أنه لم يزل لأنه لا فرق بين أمره تعالى وبين نهيه فإن قالوا بل نهيه محدث وأمره قديم قلنا لهم ما قولكم فيمن عكس عليكم فقال بل نهيه لم يزل وأما أمره فمحدث وكلا القولين تخليط وأيضاً فإنهم مقرون بأن القديم لا يتغير ولا يبطل وقد صحح أمره تعالى لنا بالصلاة إلى بيت المقدس ثم قد بطل الأمر بذلك وعدم وانقطع فلو كان أمره تعالى لم يزل لوجب أن لا يبطل ولا يعدم وهذا كفر مجرد ممن أجازه وإن قالوا إن أمره تعالى لنا بالصلاة إلى بيت المقدس باق أبداً لم يسقط ولا نسخ ولا بطل ولا أحاله تعالى بأمر آخر كفروا بلا خلاف والذي يدخل على هذا القول الفاسد أكثر من هذا وقال تعالى‏.‏

قل الروح من أمر ربي‏.‏

فلو كان الأمر غير مخلوق ولم يزل لكان الروح كذلك لأنه منه ومعاذ الله من هذا ولا خلاف بين المسلمين في أن أرواحهم مخلوقة وكيف لا يكون كذلك وهي معذبة في النار أو منعمة في الجنة وقال‏.‏

يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً‏.‏

وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال أبو محمد والمربوب مخلوق بلا شك فإن اعترض معترض بقول الله عز وجل‏.‏

الإله الخلق والأمر‏.‏

ورام بهذا إثبات أن الخلق غير الأمر فلا حجة له في هذا لأن الله عز وجل قال‏.‏

يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك‏.‏

فقد فرق الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بين الخلق والتسوية والتعديل والتصوير ولا خلاف في أن كل هذا خلق مخلوق وقال تعالى‏.‏

خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم‏.‏

فعطف تعالى الرزق والإماتة والإحياء على الخلق بلفظة ثم فلو كان عطف الأمر على الخلق دليلاً على أن الأمر غير الخلق لوجب ولا بد أن يكون الرزق والإماتة والإحياء والتصوير كلها غير الخلق وغير مخلوقات وهذا لا يقوله مسلم فبطل استدلالهم على أن الأمر غير مخلوق لعطفه على الخلق وقد عطف تعالى جبريل على الملائكة فليس العطف على الشيء مخرجاً له عنه إذا قام برهان على أنه داخل فيه وقد قام برهان النص بأن أمر الله تعالى مخلوق وأنه قدر مقدور مفعول وأما إذا لم يأت برهان يدخل المعطوف في المعطوف عليه فهو غيره بلا شك هذا حكم اللغة وبالله تعالى التوفيق وأما العزة فقد قال الله تعالى‏.‏

سبحان ربك رب العزة عما يصفون‏.‏

قال أبو محمد والمربوب مخلوق بلا شك وليس قوله تعالى‏.‏

فلله العزة جميعاً‏.‏

بموجب أن العزة لم تزل لأنه تعالى قال‏.‏

فلله المكر جميعاً‏.‏

وقال تعالى‏.‏

قل لله الشفاعة جميعاً‏.‏

وليس هذان النصان بلا خلاف موجبين أن الشفاعة غير مخلوق إلا أن ها هنا عزة ليست غير الله تعالى فهي غير مخلوقة وهي التي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام حلف بها فقال وعزتك في حديث خلق الجنة والنار قال أبو محمد ومن الباطل أن يحلف جبريل بغير الله عز وجل وأما الرحمة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله خلق مائة رحمة فقسم في عباده رحمة واحدة فبها يتراحمون ورفع التسعة والتسعين ليوم القيامة يرحم بها عباده أو كما قال عليه السلام وهذا رفع للإشكال جملة في أن الرحمة مخلوقة ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن إدخال الله عز وجل الجنة من أدخله فيها برحمته تعالى وأن بعثته محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة لمن آمن به وكل ذلك مخلوق بلا شك وأما القدرة والقوة فقد قال عز وجل‏.‏

ألم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة‏.‏

وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي حدثنا القربري حدثنا محمد ابن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا معن بن عيسى حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الموال سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن قال أخبرني جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة فذكر الحديث وفيه اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك قال أبو محمد والقول في القدرة والقوة كالقول في العلم سواء بسواء في اختلاف الناس على تلك الأقوال وتلك الحجاج ولا فرق وقولنا في هذا هو ما قلناه هنالك من أن القدرة والقوة لله تعالى حقاً وليستا غير الله تعالى ولا يقال هما الله تعالى وقال تعالى‏.‏

كتب على نفسه الرحمة‏.‏

وقال تعالى‏.‏

ويحذركم الله نفسه‏.‏

فنفس الله تعالى إخبار عنه لا عن شيء غيره أصلاً فإن ذكر ذاكر قول الله عز وجل حكاية عن عيسى عليه السلام أنه يقول لربه تعالى‏.‏

تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب‏.‏

قلنا هذا على ظاهره وعلى الحقيقة لأن كل غيب فهو معلوم في علم الله العليم بكل شيء فجرى الكلام على ما يتخاطب به الناس مما لا يتوصلون إلى العبارة عما يريدون لا به وهذا معهود من القول أن يقول القائل نفس الشيء وحقيقته يراد بذلك الشيء لا ما سواه وكذلك القول في الذات ولا فرق فقوله عليه السلام ولا أعلم ما في نفسك إنما معناه بلا شك ولا أعلم ما عندك وما في علمك وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن الله تعالى ينزل كل لية إذا بقي ثلث الليل إلى سماء الدنيا قال أبو محمد وهذا إنما هو فعل يفعله الله تعالى في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء وإن تلك الساعة من مظان القبول والإجابة والمغفرة للمجتهدين والمستغفرين والتائبين وهذا معهود في اللغة تقول نزل فلان عن حقه بمعنى وهبه لي وتطول به علي ومن البرهان على أنه صفة فعل لا صفة ذات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق التنزل المذكور بوقت محدود فصح أنه فعل محدث في ذلك الوقت مفعول حينئذٍ وقد علمنا أن ما لم يزل فليس متعلقاً بزمان البتة وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور ما ذلك الفعل وهو أنه ذكر عليه السلام أن الله يأمر ملكاً ينادي في ذلك الوقت بذلك وأيضاً فإن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع والمغارب يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه فصح ضرورة أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق وأما من جعل ذلك نقلة فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم بعون الله وتأييده ولو انتقل تعالى لكان محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمكان وهذه صفة المخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وقد حمد الله إبراهيم خليله ورسوله وعبده صلى الله عليه وسلم إذا بين لقومه بنقلة القمر أنه ليس رباً فقال‏.‏

فلما أفل قال لا أحب الآفلين‏.‏

وكل منتقل عن مكان فهو آفل عنه تعالى الله عن هذا وكذلك القول في قوله تعالى‏.‏

وجاء ربك والملك صفاً صفاً‏.‏

وقوله تعالى‏.‏

هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر‏.‏

فهذا كله على ما بينا من أن المجيء والإتيان يوم القيامة فعل يفعله الله تعالى في ذلك اليوم يسمى ذلك الفعل مجيئاً وإتياناً وقد روينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال وجاء ربك إنما معناه وجاء أمر ربك قال أبو محمد لا تعقل الصفة والصفات في اللغة التي بها نزل القرآن وفي سائر اللغات وفي وجود العقل وفي ضرورة الحس إلا أعراضاً محمولة في الموصوفين فإذا جوزوها غير أعراض بخلاف المعهود فقد تحكموا بلا دليل إذ إنما يصار إلى مثل هذا فيما ورد به نص ولم يرد قط نص بلفظ الصفات ولا بلفظ الصفة فمن المحال أن يؤتى بلفظ لا نص فيه يعبر به عن خلاف المعهود وقال تعالى‏.‏

للذين لايؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم‏.‏

ثم قال تعالى‏.‏

فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون‏.‏

فلو ذكروا الأمثال مكان الصفات لذكر الله تعالى لفظة المثل لكان أولى ثم قد بين الله تعالى غاية البيان فقال فلا تضربوا لله الأمثال وقد أخبر الله تعالى بأن له المثل الأعلى فصح ضرورة أنه لا يضرب له مثل إلا ما أخبر به تعالى فقط ولا يحل أن يزاد على ذلك شيء أصلاً وبالله تعالى التوفيق