الجزء الرابع - هل تعصى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

قال أبو محمد اختلف الناس في هل تعصى الأنبياء عليهم السلام أم لا فذهبت طائفة إلى أن رسل الله صلى الله عليه وسلم يعصون الله في جميع الكبائر والصغائر عمداً حاشى الكذب في التبليغ فقد وهذا قول الكرامية من المرجئة وقول ابن الطيب الباقلاني من الأشعرية ومن اتبعه وهو قول اليهود والنصارى وسمعت من يحكي عن بعض الكرامية أنهم يجوزون على الرسل عليهم السلام الكذب في البتليغ أيضاً وأما هذا الباقلاني فانا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني قاضي الموصل أنه كان يقول أن كل ذنب دق أو جل فإنه جائز على الرسل حاشى الكذب في التبليغ فقط قال وجائز عليهم أن يكفروا قال وإذا نهى النبي عليه السلام عن شيء ثم فعله فليس ذلك دليلاً على أن ذلك النهي قد نسخ لأنه قد يفعله عاصياً لله عز وجل قال وليس لأصحابه أن ينكروا ذلك عليه وجوز أن يكون في أمة محمد عليه السلام من هو أفضل من قال أبو محمد وهذا كله كفر مجرد وشرك محض وردة عن الإسلام قاطعة للولاية مبيحة دم من دان بها وما له موجبة للبراءة منه في الدنيا ويوم يقوم الإشهاد وذهبت طائفة إلى أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلاً وجوزوا عليهم الصغائر بالعمد وهو قول ابن فورك الأشعري وذهبت جميع أهل الإسلام من أهل السنة والمعتزلة والنجارية والخوارج والشيعة إلا أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فورك والباقلاني المذكورين‏.‏

قال أبو محمد وهذا قول الذي يدين الله تعالى به ولا يحل لأحد أن يدين بسواه ونقول أنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد ويقع منهم أيضاً قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب به منه فيوافق خلاف مراد الله تعالى إلا أنه تعالى لا يقرهم على شيء من هذين الوجهين أصلاً بل ينبههم على ذلك ولا يداثر وقوعه منهم ويظهر عز وجل ذلك لعباده ويبين لهم كما فعل نبيه صلى الله عليه وسلم في أمر زينب أم المؤمنين وطلاق زيد لها رضي الله عنهما وفي قصة ابن مكتوم رضي الله عنه وربما يبغض المكروه في الدنيا كالذي أصاب آدم ويونس عليهما الصلاة والسلام والأنبياء عليهم السلام بخلافنا في هذا فإننا غير مؤآخذين بما سهونا فيه ولا بما قصدنا به وجه الله عز وجل فلم يصادف مراده تعالى بل نحن مأجورون على هذا الوجه أجراً واحداً وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قرن بكل أحد شيطاناً وأن الله تعالى أعانه على شيطانه فاسلم فلا يأمره إلا بخير وأما الملائكة فبرآء من كل هذا لأنهم خلقوا من نور محض لا شوب فيه والنور خير كله لا كدر فيه حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى حدثنا أحمد بن محمد بن علي حدثنا مسلم بن الحجاج عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن عمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قال ت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف‏.‏

قال أبو محمد واحتجت الطائفة الأولى بآيات من القرآن وأخبار وردت ونحن إن شاء الله عز وجل نذكرها ونبين غلطهم فيها بالبراهين الواضحة الضرورية وبالله تعالى التوفيق‏.‏