قال أبو محمد فمما احتجوا به قول الله عز وجل " وعصى آدم ربه فغوى وقوله تعالى " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " قال وا فقربها آدم فكان من الظالمين وقد عصى وغوى و قال تعالى " فتاب عليه " والمتاب لا يكون إلا من ذنب و قال تعالى " فأزلهما الشيطان " وإزلال الشيطان معصية وذكروا قول الله تعالى " فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " هذا كل ما ذكروا في آدم عليه السلام.
قال أبو محمد وهذا كله بخلاف ما ظنوا أما قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى فقد علمنا أن كل خلاف لأمر آمر فصورته صورة المعصية فيسمى معصية لذلك وغواية إلا أنه منه ما يكون عن عمد وذكر فهذه معصية على الحقيقة لأن فاعلها قاصد إلى المعصية وهو يدري أنها معصية وهذا هو الذي نزهنا عنه الأنبياء عليهم السلام ومنه ما يكون عن قصد إلى خلاف ما أمر به وهو يتاول في ذلك الخير ولا يدري أنه عاص بذلك بل يظن أنه مطيع لله تعالى أو أن ذلك مباح له لأنه يتاول أن لأمر الوارد عليه ليس على معنى الإيجاب ولا على التحريم لكن أما على الندب أن كان بلفظ الأمر أو الكراهية إن كان بلفظ النهي وهذا شيء يقع فيه العلماء والفقهاء والأفاضل كثيراً وهذا هو الذي يقع من الأنبياء عليهم السلام ويؤاخذون به إذا وقع منهم وعلى هذا السبيل أكل آدم من الشجرة ومعنى قوله تعالى " فتكونا من الظالمين " أي ظالمين لأنفسكما والظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه فمن وضع الأمر أو النهي في موضع الندب أو الكراهة فقد وضع الشيء في غير موضعه وهذا الظلم من هذا النوع من الظلم الذي يقع بغير قصد وليس معصية لا الظلم الذي هو القصد إلى المعصية وهو يدري أنها معصية وبرهان هذا ما قد نصه الله تعالى من أن آدم عليه السلام لم يأكل من الشجرة إلا بعد أن أقسم له إبليس أن نهى الله عز وجل لهما عن أكل الشجرة ليس على التحريم وإنهما لا يستحقان بذلك عقوبة أصلاً بل يستحقان بذلك الجزاء الحسن وفوز الأبد قال تعالى حاكياً عن إبليس أنه " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ " وقد قال عز وجل " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ".
قال أبو محمد فلما نسي آدم عليه السلام عهد الله إليه في أن إبليس عدو له أحسن الظن بيمينه.
قال أبو محمد ولا سلامة ولا براءة من القصد إلى المعصية ولا أبعد من الجراءة على الذنوب أعظم من حال من ظن أن أحداً لا يحلف حانثاً وهكذا فعل آدم عليه السلام فإنه إنما أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها ناسياً بنص القرآن ومتأولا وقاصداً إلى الخير لأنه قدر أنه يزداد حظوة عند الله تعالى فيكون ملكا مقرباً أو خالداً فيما هو فيه أبدا فأداه ذلك إلى خلاف ما أمره الله عز وجل به وكان الواجب أن يحمل أمر ربه عز وجل على ظاهره لكن تأول وأراد الخير فلم يصبه ولو فعل هذا عالم من علماء المسلمين لكان مأجور ولكن آدم عليه السلام لما فعله ووجد به خراجه عن الجنة إلى نكد الدنيا كان بذلك ظالماً لنفسه وقد سمى الله عز وجل قاتل الخطأ قاتلاً كما سمى العامد والمخطئ لم يتعمد كعصية وجعل في الخطأ في ذلك كفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين لمن عجز عن الرقبة وهو لم يتعمد ذنباً وأما قوله عز وجل " فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " فهذا تكفير لآدم عليه السلام ومن نسب لآدم عليه السلام الشرك والكفر كفراً مجرداً بلا خلاف من أحد من الأمة ونحن ننكر على من كفر المسلمين العصاة العشارين القتالين والشرط الفاسقين فكيف من كفر الأنبياء عليهم السلام وهذا الذي نسبوه إلى آدم عليه السلام من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة من تأليف من لا دين له ولا حياء لم يصح سندها قط وإنما نزلت في المشركين على ظاهرها وحتى لو صح أنها نزلت في آدم وهذا لا يصح أصلاً لما كانت فيه للمخالف حجة لأنه كان يكون الشرك أو الشركاء المذكورون في الآية حينئذ على غير الشرك الذي هو الكفر لكن بمعنى أنهما جعلا مع توكلهما شركة من حفظه ومعناه كما قال يعقوب عليه السلام " يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وأنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون " فأخبرنا عز وجل أن يعقوب عليه السلام أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة إشفاقاً عليهم أما من إصابة العين وإما من تعرض عدو أو مستريب باجماعهم أو ببعض ما يخوفه عليهم وهو عليه السلام معترف أن فعله ذلك وأمره إياهم بما أمرهم به من ذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً يريده عز وجل بهم ولكن لما كانت طبيعة البشر جارية في يعقوب عليه السلام وفي سائر الأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى حاكياً عن الرسل أنهم قال وا " إن نحن إلا بشر مثلكم " حملهم ذلك على بعض النظر المخفف لحاجة النفس ونزاعها وتوقها إلى سلامة من يحب وإن كان ذلك لا يغني شيئاً كما كان عليه السلام يحب الفال المحسن فكان يكون على هذا معنى الشرك والشركاء أن يكون عوذة أو تميمة أو نحو هذا فكيف ولم تنزل الآية قط إلا في الكفار لا في آدم عليه السلام.
الكلام في نوح عليه السلام
قال أبو محمد ذكروا قول الله عز وجل لنوح " فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ".
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن نوحاً عليه السلام تاول وعد الله تعالى أن يخلصه وأهله فظن أن ابنه من أهله على ظاهر القرابة وهذا لو فعله أحد لكان مأجوراً ولم يسأل نوح تخليص من أيقن أنه ليس من أهله فتفرع على ذلك نهى عن أن يكون من الجاهلين فتندم عليه السلام من ذلك ونزع وليس هاهنا عند للمعصية البتة وبالله تعالى التوفيق.