الجزء الرابع - الكلام في الوعد والوعيد

قال أبو محمد اختلف الناس في الوعد والوعيد فذهبت كل طائفة لقول منهم من قال أن صاحب الكبيرة ليس مؤمناً ولكنه كافراً وفاسق وأن كل من مات مصراً على كبيرة من الكبائر فلم يمت مسلماً وإذا لم يمت مسلماً فهو مخلد في النار أبداً وإن من مات ولا كبيرة له أة تاب عن كبائره قبل موته فإنه مؤمن من أهل الجنة لا يدخل النار أصلاً ومنهم من قال بأن كل ذنب صغير أو كبير فهو مخرج عن الإيمان والإسلام فإن مات عليه فهو غير مسلم وغير مسلم مخلد في النار وهذه م قال ات الخوارج والمعتزلة إلا أن بكر ابن أخت عبد الواحد ابن زيد قال في طلحة والزبير رضي الله عنهما أنهما كافران من أهل الجنة لأنهما من أهل بدر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فأهل بدر إن كفروا فمغفور لهم لأنهم بخلاف غيرهم و قال بعض المرجئة لا تضر مع الإسلام سيئة كما لا ينفع مع الكفر حسنة قالوا فكل مسلم ولو بلغ على معصية فهو من أهل الجنة لا يرى ناراً وإنما النار للكفار وكل هاتين الطائفتين تقربان أحداً لا يدخل النار ثم يخرج عنها بل من دخل النار فهو مخلد فيها أبداً ومن كان من أهل الجنة فهو لا يدخل النار و قال أهل السنة والحسين النجار وأصحابه وبشر بن غياث المريسي وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن كيسان الأصم البصري وغيلان ابن مروان الدمشقي القدري ومحمد بن شبيب ويونس بن عمران وأبو العباس الناشي والأشعري وأصحابه ومحمد بن كرام وأصحابه أن الكفار مخلدون في النار وأن المؤمنين كلهم في الجنة وإن كانوا أصحاب كبائر ماتوا مصرين عليها وأنهم طائفتان طائفة يدخلون النار ثم يخرجون منها أي من النار إلى الجنة‏.‏

وطائفة لا تدخل النار إلا أن كل من ذكرنا قالوا لله عز وجل أن يعذب من شاء من المؤمنين أصحاب الكبائر بالنار ثم يدخلهم الجنة وله أن يغفر لهم ويدخلهم الجنة بدون أن يعذبهم‏.‏

ثم افترقوا ف قال ت طائفة منهم وهو محمد بن شبيب ويونس والناشي إن عذب الله تعالى واحداً من أصحاب الكبائر عذب جميعهم ولا بد ثم أدخلهم الجنة‏.‏

وإن غفر لواحد منهم غفر لجميعهم ولا بد‏.‏

و قال ت طائفة بل يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وإن كانت ذنوبهم كثيرة مستوية وقد يغفر لمن هو أعظم جرماً ويعذب من هو أقل جرماً‏.‏
و قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يغفر لمن يشاء من أصحاب الكبائر ويعذب من يشاء منهم إلا القاتل عمداً فإنه مخلد في النار أبداً و قال ت طائفة منهم من لقى الله عز وجل مسلماً تائباً من كل كبيرة أو لم يكن عمل كبيرة قط فسيئآته كلها مغفورة وهو من أهل الجنة لا يدخل النار ولو بلغت سيئآته ما شاء الله أن يبلغ ومن لقى الله عز وجل وله كبيرة لم يتب منها فالحكم في ذلك الموازنة فمن رجحت حسناته على كبائره وسيئآته كلها تسقط وهو من أهل الجنة ولا يدخل النار وإن استوت حسناته مع كبائره وسيئآته فهؤلاء أهل الأعراف ولهم وقفة ولا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة ومن رجحت كبائره وسيئآته بحسناته فهؤلاء مجازون بقدر ما رجح لهم من الذنوب فمن لفحة واحدة إلى بقاء خمسين ألف سنة في النار ثم يخرجون منها إلى الجنة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرحمة الله تعالى وكل من ذكرنا يجازون في الجنة بعد بما فضل لهم من الحسنات وأما من لم يفضل له حسنة من أهل الأعراف فمن دونهم وكل من خرج من الناس خاصة لأن إبراهيم ومحمداً صلى الله عليهما وسلم كانا أبواهما كافرين مشركين وقد ولدا خير الأنس والجن من المؤمنين وأكمل الناس إيماناً ولكن الأزارقة كانوا أعراباً جهالاً كالأنعام بل هم أضل سبيلاً وهكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الأسود بن سريع التميمي أنه عليه السلام قال أوليس خياركم أولاد المشركين‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وهل كان أفاضل الصحابة رضي الله عنهم الذين يتولاهم الأزارقة كابن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وخديجة أم المؤمنين وغيرهم رضي الله عنهم إلا أولاد الكفار فهل ولد آباؤهم كفاراً وهل ولدوا إلا أهل الإيمان الصريح ثم آباء الأزارقة أنفسهم كوالدنا نافع ابن الأزرق وغيرهم من شيوخهم هل كانوا إلا أولاد المشركين ولكن من يضلل الله فلا هادي له وأما حديث خديجة رضي الله عنها فساقط مطرح لم يروه قط من فيه خير وأما حديث الوائدة فإنه جاء كما نذكره حدثنا يوسف بن عبد البر أنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن اصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد عن المعتمر بن سليمان التميمي قال سمعت داود بن أبي هند يحدث عن عامر الشعبي عن علقمة بن قيس عن سلمة بن يزيد الجعفي قال أتيت أنا وأخي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا له أن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقرى الضيف وتصل الرحم فهل ينفعها من عملها ذلك شيء قال لا قلنا فإن أمنا وأدت أختاً لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الموءودة والوائدة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وهذه اللفظة يعني لم تبلغ الحنث ليست بلا شك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها من كلام سلمة بن يزيد الجعفي وأخيه فلما أخبر عليه السلام بأن تلك الموءودة في النار كان ذلك إنكاراً وإبطالاً لقولهما أنها لم تبلغ الحنث وتصحيحها لأنها قد كانت بلغت الحنث بخلاف ظنها لا يجوز إلا هذا القول لأن كلامه عليه السلام لا يتناقض ولا يتكاذب ولا يخالف كلام ربه عز وجل بل كلامه عليه السلام يصدق بعضه بعضاً ويوافق لما أخبر به عز وجل ومعاذ الله من غير ذلك وقد صح أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن أطفال المشركين في الجنة قال الله تعالى ‏"‏ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ‏"‏ فنص تعالى على أنه لا ذنب للموءودة فكان هذا مبين لأن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن تلك الموءودة في النار أخبار عن أنها قد كانت بغت الحنث بخلاف ظن أخويها وقد روي هذا الحديث عن داود بن أبي هند محمد بن عدي وليس هو دون المعتمر ولم يذكر فيه لم تبلغ الحنث ورواه أيضاً داود بن أبي هند عبيدة بن حميد فلم يذكر هذه اللفظة التي ذكرها المعتمر فأما حديث عبيدة فحدثناه أحمد بن محمد بن الجسور قال أنا وهب بن ميسرة قال حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيدة ابن حميد عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة بن قيس عن سلمة بن يزيد قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأخي فقلنا يا رسول الله إن أمنا كانت تقرى الضيف وتصل الرحم في الجاهلية فهل ينفعها ذلك شيئاً قال لا قال فإنها وأدت أختاً لنا في الجاهلية فهل ينفع ذلك أختنا شيئاً قال لا الوائدة والموءودة في النار إلا أن تدرك الإسلام فيعفوا الله عنها وأما حديث ابن أبي عدي فحدثناه أحمد بن عمر بن أنس العذري حدثنا أبو بدر عبد بن أحمد الهروي الأنصاري حدثنا أبو محمد سعيد الخليل بن أحمد السجستاني حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود ابن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال انطلقت أنا وأخي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله إن مليكة كانت تصل الرحم وتقرى الضيف وتفعل هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً قال لا قال فإنها وأدت أختاً لها في الجاهلية فهل قال أبو محمد‏:‏ هكذا رويناه لها بالهاء على أنها أخت الوائدة‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وهذا حديث قد رويناه مختصراً كما حدثاه عبد الله ابن ربيع التميمي حدثنا عمر ابن عبد الملك الخولاني حدثنا محمد ابن بكر الوراق البصري حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر الشعبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوائدة والموءودة في النار قال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال أبي فحدثني أبو إسحاق بن عامر حدثه بذلك عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وهذا مختصر وهو على ما ذكرنا أنه عليه السلام إنما عنى بذلك التي بلغت لا يجوز غير هذا لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق وأما احتجاجهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هم من آبائهم فإنما قال ه عليه السلام في الحكم لا في الدين ولله تعالى أن يفرق بين أحكام عباده ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه وأيضاً فلا متعلق لهم بهذا اللفظ أصلاً لأنه إنما فيه أنهم من آبائهم وهذا لا شك فيه أنهم توالدوا من آبائهم ولم يقل عليه السلام أنهم على دين آبائهم وأما قولهم ينبغي أن تصلوا على أطفال المشركين وتورثوهم وترثوهم وأن لا تتركونهم يلتزموا دين آبائهم إذا بلغوا فإنها ردة فليس لهم أن يعترضوا على الله تعالى فليس تركنا الصلاة عليهم يوجب أنهم ليسوا مؤمنين فهؤلاء الشهداء وهم أفاضل المؤمنين لا يصلى عليهم وأما انقطاع المواريث بيننا وبينهم فلا حجة في ذلك على أنهم ليسوا مؤمنين فإن العبد مؤمن فاضل لا يرث ولا يورث وقد يأخذ المسلم مال عبده الكافر إذا مات وكثير من الفقهاء يورثون الكافر مال العبد من عبيده يسلم ثم يموت قبل أن يباع عليه وكثير من الفقهاء يورثون المسلمين مال المرتد إذ مات كافراً مرتداً وقتل على الردة وهذا معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان ومسروق بن الأجدع وغيرهم من الأئمة رضي الله عنهم يورثون المسلمين من أقاربهم الكفار إذا ماتوا ولله تعالى أن يفرق بين أحكام من شاء من عباده وإنما نقف حيث أوقفنا النص ولا مزيد وكذلك دفنهم في مقابر آبائهم أيضاً وكذلك تركهم يخرجون إلى أديان آبائهم إذا بلغوا فإن الله تعالى أوجب علينا أن نتركهم وذلك ولا نعترض على أحكام الله عز وجل ولا يسأل عما يفعل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود على الملة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه‏.‏

قال أبو محمد فبطل أن يكون لهم في شيء مما ذكرنا متعلق وإنما هو تشغيب موهوا به لأن كا ما ذكرنا فإنما هي أحكام مجردة فقط وليس في شيء من هذه الاستدلالات نص على أن أطفال المشركين كفار ولا على أنهم غير كفار وهذه النكتتان هما اللتان قصدنا بالكلام فقط وبالله تعالى التوفيق وأما من قال فيهم بالوقف فإنهم احتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن الأطفال يموتون فقال عليه السلام الله أعلم بما كانوا عاملين وبقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ مات صبي من أبناء الأنصار فقال ت عصفور من عصافير الجنة فقال لها عليه السلام وما يدريك يا عائشة أن الله خلق خلقاً للنار وهم في أصلاب آبائهم‏.‏

قال أبو محمد وهذان الخبران لا حجة لهم في شيء منهما إلا أنهما إنما قال هما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه أنهم في الجنة وقد قال تعالى آمراً لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ‏"‏ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ‏"‏ قبل أن يخبره الله عز وجل بأنه قد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخير وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه وما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي وكان هذا قبل أن يخبره الله عز وجل بأنه لا يدخل النار من شهد بدر أو هو عليه السلام لا يقول إلا ما جاء به الوحي كما أمر الله عز وجل أن يقول ‏"‏ أن اتبع إلا ما يوحى إلي ‏"‏ فحكم كل شيء من الدين لم يأت به الوحي أن يتوقف فيه المرء فإذا جاء للبيان فلا يحل التوقف عن القول بما جاء به النص وقد صح الإجماع على أن ما علمت الأطفال قبل بلوغهم من قتل أو وطئ أجنبية أو شرب خمر أو قذف أو تعطيل صلاة أو صوم فإنهم غير مؤاخذين في الآخرة بشيء من ذلك ما لم يبلغوا وكذلك لا خلاف في أنه لا يؤاخذ الله عز وجل أحداً بما لم يفعله بل قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه فمن المحال المنفي أن يكون الله عز وجل يؤاخذ الأطفال بما لم يعملوا مما لو عاشوا بعده لعملوه وهم لا يؤاخذهم بما عملوا ولا يختلف اثنان في أن إنساناً بالغاً مات مما لو عاشوا بعده لعملوه وهم لا يؤاخذهم بالزنا الذي لم يعمله وقد أكذب الله عز وجل من ظن هذا بقوله الصادق ‏"‏ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏"‏ وبقوله تعالى ‏"‏ هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ‏"‏ فصح أنه لا يجزي أحد بما لم يعمل ولا مما لم يسن فصح أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما كانوا عاملين به مما لم يعملوه بعد وفي هذا اختلفنا لا فيما عداه وإنما فيه أن الله تعالى يعلم ما لم يكن وما لا يكون لو كان كيف كان يكون فقط ونعم هذا حق لا يشك فيه مسلم فبطل أن يكون لأهل التوقف حجة في شيء من هذين الخبرين إذ لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة بيان وأما من قال أنهم يعذبون بعذاب آبائهم فباطل لأن الله تعالى يقول ‏"‏ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ‏"‏ وأما من قال أنهم توقد لهم نار فباطل لأن الأثر الذي فيه هذه القصة إنما جاء في المجانين وفيمن لا يبلغه ذكر الإسلام من البالغين على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى‏.‏

قال أبو محمد فلما بطلت هذه الأقاويل كلها وجب النظر فيما صح من النصوص من حكم هذه المسألة ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال ‏"‏ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ‏"‏ و قال عز وجل ‏"‏ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ‏"‏ فنص عز وجل على أن فطر الناس على الإيمان وأن الإيمان هو صبغة الله تعالى و قال عز وجل ‏"‏ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ‏"‏ فصح يقيناً أن كل نفس خلقها الله تعالى من بني آدم ومن الجن والملائكة فمؤمنون كلهم عقلاً مميزون فإذ ذلك كذلك فقد استحقوا كلهم الجنة بإيمانهم حاشا من بدل هذا العهد وهذه الفطرة وهذه الصبغة وخرج عنها إلى غيرها ومات على التبديل وبيقين ندري أن الأطفال لم يغيروا شيئاً من ذلك فهم من أهل الجنة وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كل مولود يولد على الفطرة وروي عنه عليه السلام أنه قال على الملة فأباه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاً وهل يجدون فهيا من جدعاء حتى تكونوا أنتم الذي تجدعونها وهذا تفسير الآيات المذكورات حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا محمد بن إسحاق السكن حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا الحسن بن علي حدثنا الحجاج بن المنهال قال سمعت حماد بن سلمة يفسر حديث كل مولود يولد على الفطرة فقال هذا عندنا حيث أخذ الله العهد عليهم في أصلاب آبائهم حيث قال ‏"‏ ألست بربكم قالوا بلى ‏"‏ وقد صح أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق عياض بن حمار المجاشعي قال عن الله تعالى أنه قال خلقت عبادي حفناء كلهم فاجتالهم الشياطين عن دينهم فصح يقيناً أنه كل من مات قبل أن تجتاله الشياطين عن دينه فقد مات حنيفاً وهذا حديث تدخل فيه الملائكة والجن والإنس عباد له عز وجل مخلوقين وأيضاً فإن الله عز وجل أخبر بقول إبليس له تعالى أن يغوي الناس فقال تعالى ‏"‏ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ‏"‏ فصح يقيناً أن الغواية داخلة على الإيمان وأن الأصل من كل واحد فهو الإيمان وكل مؤمن ففي الجنة وأيضاً فإن الله تعالى قال ‏"‏ فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ‏"‏ وليست هذه صفة الصبيان فصح أنهم لا يدخلون النار ولا دار إلا الجنة أو النار فإذا لم يدخلوا النار فهم بلا شك في الجنة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا الكبيرة التي رآها أنه رأى إبراهيم عليه السلام في روضة خضراً مفتخر وفيها من كل نور ونعيم وحواليه من أحسن صبيان وأكثرهم فسأل عليه السلام عنهم فأخبر أنهم من مات من أولاد الناس قبل أن يبلغوا فقيل له يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين فارتفع الإشكال وصح بالثابت من السنن وصحيحها أن جميع من لم يبلغ من أطفال المسلمين والمشركين ففي الجنة ولا يحل لأحد تعدى ما صح بالقرآن والسنن وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل إذا قلتم أن النار دار جزاء فالجنة كذلك ولا جزاء للصبيان قلنا وبالله تعالى التوفيق إنما نقف عندما جاءت به النصوص في الشريعة قد جاء النص بأن النار دار جزاء فقط وأن الجنة دار جزاء وتفضل فهي لأصحاب الأعمال دار جزاء بقدر أعمالهم ولمن لا عمل له دار تفضل من الله تعالى مجرد وقد قال قوم أن الصبان هم خدم أهل الجنة وقد ذكر الله تعالى الوالدان المخلدين في غير موضع من كتابه وأنهم خدم أهل الجنة فلعلهم هؤلاء والله أعلم‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وأما المجانين لا يعقلون حتى يموتوا فإنهم كما ذكرنا يولدون على الملة حفناء مؤمنين ولم يغيروا ولا بدلوا فماتوا مؤمنين فهم في الجنة حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي بالثغري قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن المفرج القاضي حدثنا محمد بن أيوب السموط البرقي أنبأنا محمد بن عمر بن عبد الخالق البزاز حدثنا محمد بن المثني أبو موسى الزمن حدثنا معاذ بن هشام الدستواني حدثنا أبي عن قتادة عن الأسود بن سريع التميمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يعرض على الله الأصم الذي لا يسمع شيئاً والأحمق والهرم ورجل مات في الفترة فيقول الأصم رب جاء الإسلام ولم أسمع شيئاً ويقول الأحمق جاء الإسلام وما أعقل شيئاً ويقول الذي مات في الفترة ما أتانا لك من رسول قال البزاز وذهب عني ما قال الرابع قال فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل الله إليهم ادخلوا النار فوا الذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلام‏.‏