ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث

مقتل خبيب وأصحابه

قال ‏‏:‏‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة ، قال ‏‏:‏‏ قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عَضَل والقارة ‏‏.‏‏

نسب عضل والقارة

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عضل والقارة ، من الهون بن خزيمة بن مدركة ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏.‏‏ الهُون ، بضم الهاء ‏‏.‏‏

النفر من المسلمن الذين ذهبوا لتعليمهم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فقالوا ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ، ويقرئوننا القرآن ، ويعلموننا شرائع الإسلام ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه ، وهم ‏‏:‏‏ مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، حليف حمزة بن عبدالمطلب ؛ وخالد بن البكير الليثي ، حليف بني عدي بن كعب ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، أخو بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ؛ وخبيب بن عدي ، أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة بن معاوية ، أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غصب بن جشم بن الخزرج ؛ وعبدالله بن طارق ، حليف بني ظفر بن الخزرج بن عمرو بن ملاك بن الأوس ‏‏.‏‏ غدر عضل والقارة بمن أرسلهم الرسول وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، فخرج مع القوم ، حتى إذا كانوا على الرجيع ، ماء لهذيل بناحية الحجاز ، على صدور الهدأة غدروا بهم ، فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم ، وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم ، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم ، فقالوا لهم ‏‏:‏‏ إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم ‏‏.‏‏

من قتل منهم

فأما مرثد بن أبي مرثد ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت ، فقالوا ‏‏:‏‏ والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا ؛ فقال عاصم بن ثابت ‏‏:‏‏

ما علتي وأنا جلد ونابـل

 

والقوس فيها وتر عنـابـل

تزل عن صفحتها المعابل

 

الموت حق والحياة باطـل

وكل ما حم الإله نـازل

 

بالمرء والمـرء إلـيه آئل

إن لم أقاتلكم فأمي هابل ‏قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هابل ‏‏:‏‏ ثاكل ‏‏.‏‏ وقال عاصم بن ثابت أيضاً ‏‏:‏‏

أبو سليمان وريش المقـعـد

 

وضالة مثل الجحيم الـمـوقـد

إذا النواجي افترشت لم أرعد

 

ومجنأ من جلـد ثـور أجـرد

ومؤمن بما على مـحـمـد

 

 

وقال عاصم بن ثابت أيضاً ‏‏:‏‏

أبو سليمان ومثلي رامى

 

وكان قومي معشرا كراما

وكان عاصم بن ثابت يكنى ‏‏:‏‏ أبا سليمان ‏‏.‏‏ ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه ‏‏.‏‏ حماية الدبر عاصما

فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد ‏‏:‏‏ لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر ، فمنعه الدبر ، فلما حالت بينه وبينهم ، قالوا ‏‏:‏‏ دعوه يمسي فتذهب عنه ‏‏.‏‏ فنأخذه فبعث الله الوادي ، فاحتمل عاصما ، فذهب به ‏‏.‏‏ وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا ، تنجسا ؛ فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ‏‏:‏‏ حين بلغه أن الدبر منعته ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ يحفظ الله العبد المؤمن ‏‏"‏‏ كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته ، كما امتنع منه في حياته ‏‏.‏‏ ‏

بيع خبيب وابن الدثنة وقتل عبدالله بن طارق

وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي ، وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة ، فأعطوا بأيديهم فأسروهم ، ثم خرجوا إلى مكة ، ليبيعوهم بها ، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القران ، ثم أخذ سيفه ، واستأخر عنه القوم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره ، رحمه الله ، بالظهران ؛ وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فابتاع خبيبا حُجير بن أبي إهاب التميمي ، حليف بني نوفل ، لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه لقتله بأبيه ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الحارث بن عامر ، خال أبي إهاب ، وأبو إهاب أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ؛ ويقال ‏‏:‏‏ أحد بني عدس بن زيد بن عبدالله بن دارم ، من بني تميم ‏‏.‏‏

من قوة إيمان ابن الدثنة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، أمية بن خلف ، وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له ، يقال له نسطاس ، إلى التنعيم ، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه ‏‏.‏‏ واجتمع رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب ؛ فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل ‏‏:‏‏ أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ‏والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأني جالس في أهلي ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول أبو سفيان ‏‏:‏‏ ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا ؛ ثم قتله نِسطاس ، يرحمه الله ‏‏.‏‏

دعوة خبيب ومقتله

وأما خبيب بن عدي ، فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، أنه حُدّث عن ماوية ، مولاة حجير بن أبي إهاب ، وكانت قد أسلمت ، قالت ‏‏:‏‏ كان خبيب عندي ، حبس في بيتي ، فلقد اطلعت عليه يوما ، وإن في يده لقطفا من عنب ، مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي نجيح جميعا أنها قالت ‏‏:‏‏ قال لي حين حضَره القتل ‏‏:‏‏ ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل ؛ قالت ‏‏:‏‏ فأعطيت غلاما من الحي الموسى ؛ فقلت ‏‏:‏‏ ادخل بها على هذا الرجل البيت ؛ قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه ؛ فقلت ‏‏:‏‏ ماذا صنعت ، أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ، فيكون رجلا برجل ، فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال ‏‏:‏‏ لعمرك ، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ، ثم خلى سبيله ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ إن الغلام ابنها ‏‏.‏‏  قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال عاصم ‏‏:‏‏ ثم خرجوا بخبيب ، حتى إذا جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه ، قال لهم ‏‏:‏‏ إن رأيتم ان تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ، قالوا ‏‏:‏‏ دونك فاركع ، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال ‏‏:‏‏أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم رفعوه على خشبة ، فلما أوثقوه ، قال ‏‏:‏‏ اللهم إنّا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا ، ثم قال ‏‏:‏‏ اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم احدا ‏‏.‏‏ ثم قتلوه رحمه الله ‏‏.‏‏ فكان معاوية بن أبي سفيان يقول‏‏:‏‏ حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان ، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب، وكانوا يقولون ‏‏:‏‏ إن الرجل إذا دعي عليه ، فاضطجع لجنبه زالت عنه ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عقبة بن الحارث ، قال سمعته يقول ‏‏:‏‏ ما أنا والله قتلت خبيبا، لأني كنت أصغر من ذلك ، ولكن أبا ميسرة ، أخا بن عبدالدار ، أخذ الحربة فجعلها في يدي ، ثم أخذ بيدي وبالحربة ، ثم طعنه بها حتى قتله ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أصحابنا ، قال ‏‏:‏‏ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية، وهو بين ظهري القوم ، فذكر ذلك لعمر ابن الخطاب ، وقيل ‏‏:‏‏ إن الرجل مصاب ، فسأله عمر في قدمة قدمها عليه ، فقال ‏‏:‏‏ يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل ، وسمعت دعوته ، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي ، فزادته عند عمر خيرا ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أقام خبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم ، ثم قتلوه ‏‏.‏‏

ما نزل في سرية الرجيع من القرآن

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان مما نزل من القرآن في تلك السرية ، كما حدثني مولى لآل زيد ابن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قال ابن عباس ‏‏:‏‏ لما أُصيبت السرية التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع ، قال رجال من المنافقين ‏‏:‏‏ يا ويح هؤلاء المقتولين الذي هلكوا ، لا هم قعدوا في أهليهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قول المنافقين ، وما أصاب أولئك النفر من الخير بالذي أصابهم ، فقال سبحانه ‏‏:‏‏ ‏‏ {"‏‏ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ‏‏"} ‏‏‏‏:‏‏ أي لما يُظهر من الإسلام بلسانه ، ‏‏ "‏‏ ويشهد الله على ما في قلبه ‏‏" ‏‏ وهو مخالف لما يقول بلسانه ، ‏‏ "‏‏ وهو ألد الخصام ‏‏" ‏‏ أي ‏‏:‏‏ ذو جدال إذا كلمك واجعك ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الألد ‏‏:‏‏ الذي يشغب ، فتشتد خصومته ، وجمعه ‏‏:‏‏ لُدّ ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏ "‏‏ وتنذر به قوما لدا ‏‏" ‏‏ ‏‏.‏‏ وقال المهلهل‏ بن ربيعة التغلبي ‏‏:‏‏ واسمه امرؤ القيس ، ويقال ‏‏:‏‏ عدي بن ربيعة ‏‏:‏‏

إن تحت الأحجار حدا ولينا

 

وخصيما ألـد ذا مـعـلاق

ويروي ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ ذا مغلاق ‏‏"‏‏ فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ؛ وهو الألندد ‏‏.‏‏ قال الطرماح بن حكيم الطائي يصف الحرباء ‏‏:‏‏ يوفي على جذم الجذول كأنه خصم أبر على الخصوم ألندد وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال تعالى ‏‏ "‏‏ وإذا تولى ‏‏" ‏‏‏‏:‏‏ أي خرج من عندك ‏‏ "‏‏ سعى في الأرض ليفسد فيها ، ويهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد ‏‏" ‏‏ أي ‏‏:‏‏ لا يحب عمله ولا يرضاه ‏‏ "‏‏ وإذ قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ‏‏.‏‏ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد ‏‏" ‏‏‏‏:‏‏ أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله ، والقيام بحقه ، حتى هلكوا على ذلك ، يعني تلك السرية ‏‏.‏‏ تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يشري نفسه ‏‏:‏‏ يبيع نفسه ، وشروا ‏‏:‏‏ باعوا ‏‏.‏‏ قال يزيد ابن ربيعة بن مفرغ الحميري ‏‏:‏‏

وشريت بردا ليتني

 

من بعد برد كنت هامة

برد ‏‏:‏‏ غلام له باعه ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وشرى أيضاً ‏‏:‏‏ اشترى ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏

فقلت لها لا تجزعي أم مالك

 

على ابنيك إن عبد لئيم شراهما

شعر خبيب قبل صلبه

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان مما قيل في ذلك من الشعر ، قول خبيب بن عدي ، حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا لصلبه ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له ‏‏.‏‏

لقد جمّع الأحزاب حولـي وألـبـوا

 

قبائلهم واستجمـعـوا كـل مـجـمـع

وكلهم مـبـدي الـعـداوة جـاهـد

 

علـي لأنـي فـي وثـاق بـمـضـيع

وقد جمعوا أبنـاءهـم ونـسـاءهـم

 

وقُربت مـن جـذع طـويل مـمـنـع

إلى الله أشكو غربتي ثم كـربـتـي

 

وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعـي

فذا العرش ، صبرني على ما يراد بي

 

فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمـعـي

وذلـك فـي ذات الإلـه وإن يشــأ

 

يبارك على أوصـال شـلـو مـمـزع

وقد خيروني الكفر والمـوت دونـه

 

وقد هملت عيناي مـن غـير مـجـزع

وما بي حذار الموت إنـي لـمـيت

 

ولكن حذاري جـحـم نـار مـلـفـع

فوالله ما أرجو إذا مت مـسـلـمـا

 

على أي جنب كان في الله مصـرعـي

فلست بمبدٍ لـلـعـدو تـخـشـعـا

 

ولا جزعا إني إلى الله مـرجـعـي ‏‏"‏‏ ‏‏.‏‏

حسَّان يرثي خبيبا

وقال حسَّان بن ثابت يبكي خبيبا ‏‏:‏‏

ما بال عينك لا ترقا مدامعهـا

 

سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق

على خبيب فتى الفتيان قد علموا

 

لا فشل حين تـلـقـاه ولا نـزق

فاذهب خبيب جزاك الله طـيّبة

 

وجنة الخلد عند الحور في الرفـق

ماذا تقولون إن قال النبي لكـم

 

حين الملائكة الأبرار في الأفـق

فيم قتلتم شهيد الله فـي رجـل

 

طاغ قد أوعث في البلدان والرفق

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويروى ‏‏"‏‏ الطرق ‏‏"‏‏ ‏‏.‏‏ وتركنا ما بقي منها ، لأنه أقذع فيها قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يبكي خبيبا ‏‏:‏‏

يا عين جودي بدمع منك منسكب

 

وابكي خبيبا مع الفـتـيان لـم يؤب

صقرا توسط في الأنصار منصبه

 

سمح السجية محضا غير مؤتشـب

قد هاج عين على علات عبرتها

 

إذ قيل نص إلى جذع من الخشـب

يا أيها الراكب الغادي لطـيتـه

 

أبلغ لديك وعيدا لـيس بـالـكـذب

بني كهيبة أن الحرب قد لقحـت

 

محلو بها الصاب إذ تمري لمحتلـب

فيها أسود بني النجار تقدمـهـم

 

شهب الأسنة في معصوصب لجب

فكان معاوية بن أبي سفيان يقول ‏‏:‏‏ حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان ، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب ، وكانوا يقولون ‏‏:‏‏ إن الرجل إذا دعي عليه ، فاضطجع لجنبه زالت عنه ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذه القصيدة مثل التي قبلها ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسَّان ، وقد تركنا أشياء قالها حسَّان في أمر خبيب لما ذكرت ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أصحابنا ، قال ‏‏:‏‏ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية ، وهو بين ظهري القوم ، فذكر ذلك لعمر ابن الخطاب ، وقيل ‏‏:‏‏ إن الرجل مصاب ، فسأله عمر في قدمة قدمها عليه ، فقال ‏‏:‏‏ يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين‏ قتل ، وسمعت دعوته ، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي ، فزادته عند عمر خيرا ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً‏‏:‏‏

لو كان في الدار قرم ماجد بطل

 

ألوى من القوم صقر خالـه أنـس

إذن وجدت خبيبا مجلسا فسحـا

 

ولم يشد عليك السجن والـحـرس

ولم تسقك إلى التنعيم زعـنـفة

 

من القبائل منهم من نفـت عـدس

دلوك غدرا وهم فيها أولو خلف

 

وأنت ضيم لها في الدار محتبـس

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أنس الأصم السلمي ‏‏:‏‏خال مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏من نفت عدس ‏‏"‏‏ يعني حجير بن أبي إهاب ؛ ويقال ‏‏:‏‏ الأعشى بن زرارة بن النباش الأسدي ، وكان حليفا لبني نوفل بن عبد مناف ‏‏.‏‏

من اجتمعوا لقتل خبيب

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قتل من قريش ، عكرمة بن أبي جهل، وسعيد بن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود ،والأخنس بن شريق الثقفي ،حليف بني زهرة ، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، وأمية بن أبي عتبة ، وبنو الحضرمي ‏‏.‏‏

حسَّان يهجو هذيل لقتلهم خبيبا

وقال حسَّان أيضاً يهجو هذيلا فيما صنعوا بخيب بن عدي ‏‏:‏‏

أبلغ بني عمرو بأن أخاهـم

 

شراه امرؤ قد كان للغدر لازما

شراه زهير بن الأغر وجامع

 

وكانا جميعا يركبان المحارمـا

أجرتم فلما أن أجرتم غدرتـم

 

وكنتم بأكتاف الرجيع لهـاذمـا

فليت خبيبا لم تخنـه أمـانة

 

وليت خبيبا كان بالقوم عالـمـا

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ زهير بن الأغر ،وجامع ‏‏:‏‏ الهذليان اللذان باعا خبيباً قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ‏‏:‏‏

إن سرَّك الغدر صرفا لا مزاج له

 

فأت الرجيع فسل عن دار لـحـيان

قوم تواصوا بأكل الجار بينـهـم

 

فالكلب والقرد والأنسـان مـثـلان

لو ينطق التيس يوما قام يخطبهـم

 

وكان ذا شـرف فـيهـم وذا شـان

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وأنشدني أبو زيد الأنصاري قوله

لو ينطق التيس يوما قال يخطبهم

 

وكان ذا شرف فـيهـم وذا شـان

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يهجو هذيلا ‏‏:‏‏

لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك

 

أحاديث كانت في خبيب وعـاصـم

أحاديث لحيان صلو بقبـيحـهـا

 

ولحيان جرَّامـون شـر الـجـرائم

أناس هم من قومهم في صميمهم

 

بمنزلة الزمعـان دبـر الـقـوادم

هم غدروا يوم الرجيع وأسلمـت

 

أمـانـتـهـم ذا عـفة ومـكـارم

رسول رسول الله غدراً ولم تكن

 

هذيل توقَّى منكـرات الـمـحـرم

فسوف يرون النصر يوماًعليهـم

 

بقتل الذي تحـمـيه دون الـحـرائم

أبابيل دبر شمس دون لـحـمـه

 

حمت لحم شهاد عظام الـمـلاحـم

لعل هزيلاً أن يروا بمـصـابة

 

مصارع قتلى أو مقامـاً لـمـاتـم

ونوقع فيهم وقـعة ذات صـولة

 

يوافي بها الركبان أهل المـواسـم

بأمر رسول اللـه إن رسـولـه

 

رأى رأى ذي حزم بلحيان عـالـم

قبيلة ليس الـوفـاء يهـمـهـم

 

وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظـالـم

إذا الناس حلوا بالقضاء رأيتهـم

 

بمجرى مسيل الماء بين المـخـارم

محلهـم دار الـبـوار ورأيهـم

 

إذا نابهم أمـر كـرأي الـبـهـائم

وقال حسَّان بن ثابت يهجو هذيلا

لحى الله لحيانا فليست دماؤهم

 

لنا من قتيلـى غـدرة بـوفـاء

همو قتلوا يوم الرجيع ابن حرة

 

أخـا ثـقة فـي وده وصـفـاء

فلو قتلوا يوم الرجيع بأسرهـم

 

بذي الدبر ما كانوا له بـكـفـاء

قتيل حمته الدبر بين بيوتـهـم

 

لدى أهل كفر ظاهـر وجـفـاء

فقد قتلت لحيان أكرم منـهـم

 

وباعوا خبيبا ويلـهـم بـلـفـاء

فأف للحيان على كـل حـالة

 

على ذكرهم في الذكر كل عفـاء

قبيلة باللؤم والغدر تغـتـري

 

فلم تمس يخفى لؤمها بـخـفـاء

فلو قتلوا لم توف منه دماؤهـم

 

بلى إن قتل القاتـلـيه شـفـائي

فإلا أمت أذعر هذيلا بغـارة

 

كغادي الجهام المغتـدي بـإفـاء

بأمر رسول الله والأمر أمـره

 

يبيت للحيان الـخـنـا بـفـنـاء

يصبح قوما بالرجيع كأنـهـم

 

جداء شتاء بـتـن غـير دفـاء ‏‏.‏‏

وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يهجو هذيلا فلا والله ما تدرى هذيل أصاف ماء زمزم أم مشوب

‏ولا لهم إذا اعتمروا وحجوا

 

من الحجرين والمسعى نصيب

ولكن الرجيع لهم محل

 

به اللؤم المبين والعـيوب

كأنهم لدى الكنَّات أصلاً

 

تيوس بالحجاز لها نـبـيب

هم غروا بذمتهم خبيبـا

 

فبئس العهد عهدهم الكذوب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ آخرها بيتا عن أبي زيد الأنصاري

حسَّان يرثي خبيباً وأصحابه

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت يبكي خبيبًا وأصحابه ‏‏:‏‏

صلى الإله على الذين تتابعوا

 

يوم الرجيع فأكرموا وأثـيبـوا

رأس السرية مرثد وأميرهـم

 

وابن البكير إمامهـم وخـبـيب

وابن لطارق وابن دثنة منهـم

 

وافاة ثم حمامه الـمـكـتـوب

والعاصم المقتول عند رجيعهم

 

كسب المعالي إنه لـكـسـوب

منع المقادة أن ينالوا ظهـره

 

حتى يجـالـد إنـه لـنـجـيب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويروى ‏‏:‏‏ حتى يجدل إنه لنجيب قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان

حديث بئر معونة في صفر سنة أربع

بعث بئر معونة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون والمحرم - ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر ، على رأس أربعة أشهر من أحد ‏‏.‏‏

سبب إرسال بعث معونة

وكان من حديثهم ، كما حدثني أبي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره من أهل العلم ، قالوا ‏‏:‏‏ قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام ، وقال ‏‏:‏‏ يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد ؛ فدعوهم إلى أمرك ، رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إني أخشى عليهم أهل نجد ، قال أبو براء ‏‏:‏‏ أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك ‏‏.‏‏

من رجال البعث

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة ، المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه ، من خيار المسلمين ، منهم الحارث بن الصمة ، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار ، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ، ونافع ابن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة ؛ مولى أبي بكر الصديق ، في رجال مسمَّين من خيار المسلمين ‏‏.‏‏ فساروا حتى نزلوا ببئر معونة ،وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم ، كلا البلدين منها قريب ، وهي إلى حرة بني سليم أقرب ‏‏.‏‏ غدر عامر بالبعث فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل ؛ فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ، ثم استصرخ عليهم بني عامر ، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ، وقالوا ‏‏:‏‏ لن نخفر أبا براء ، وقد عقد لهم عقدا وجوارا ، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم من عصية ورعل وذكوان ، فأجابوه إلى ذلك ، فخرجوا حتى غشوا القوم ، فأحاطوا بهم في رحالهم ، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ، ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند أخرهم ، يرحمهم الله ، إلا كعب بن زيد ، أخا بني دينار بن النجار ، فإنهم تركوه وبه رمق الموت ، فارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا ، رحمه الله ‏‏.‏‏

ابن أمية و المنذر و موقفهما من القوم بعد علمهما بمقتل أصحابهما

وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ، ورجل من الأنصار ، أحد بني عمرو بن عوف ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ‏‏.‏‏  قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر ، فقالا ‏‏:‏‏ والله إن لهذه الطير لشأنا ‏‏:‏‏ فأقبلا لينظرا ، فإذا القوم في دمائهم ، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة ‏‏.‏‏ فقال الأنصاري ‏‏:‏‏ لعمرو بن أمية ‏‏:‏‏ ما ترى ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري ‏‏:‏‏ لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، وماكنت لتخبرني عنه الرجال ؛ ثم قاتل القوم حتى قتل ، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا ، فلما أخبرهم أنه من مضر ، أطلقه عامر بن الطفيل ، وجز ناصيته ، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه ‏‏.‏‏

ثأر عمرو بن أمية من العامريين

فخرج عمرو بن أمية ، حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة ، أقبل رجلان من بني عامر ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ثم من بني كلاب ، وذكر أبو عمرو المدني ، أنهما من بني سليم ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حتى نزلا معه في ظل هو فيه ‏‏.‏‏ وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار ،لم يعلم به عمرو بن أمية ،وقد سألهم حين نزلا ،ممن انتما ‏‏؟‏‏ فقالا ‏‏:‏‏ من بني عامر فأمهلهما ، حتى إذا ناما ، عدا عليهما فقتلهما ، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر ، فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لقد قتلت قتيلين لأدينهما ‏‏.‏‏‏

حزن الرسول من عمل أبي براء

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ هذا عمل أبي براء ، قد كنت لهذا كارها متخوفا ، فبلغ أبا براء، فشق عليه إخفار عامر إياه ، وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عله وسلم بسببه وجواره ؛ وكان فيمن أصيب عامر أبن فهيرة ‏‏.‏‏

أمر ابن فهيرة بعد مقتله

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عمر ابن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه قالوا هو عامر بن فهيرة ‏‏"‏‏

سبب إسلام جبار بن سلمى

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد حدثني بعض بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، قال ‏‏:‏‏ وكان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر ، ثم أسلم قال ‏‏:‏‏ فكان يقول ‏‏:‏‏ إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلاً منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه ، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول ‏‏:‏‏ فزت والله فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ ما فاز ألست قد قتلت الرجل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ حتى سألت بعد ذلك عن قوله ، فقالوا ‏‏:‏‏ للشهادة ؛ فقلت‏‏:‏‏ فاز لعمر الله ‏‏.‏‏

شعر حسَّان في تحريض بني براء على عامر بن الطفيل

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت يحرض بني براء على عامر ابن الطفيل ‏‏:‏‏

بني أم البنين ألم يرعـكـم

 

وأنتم من ذوائب أهل نـجـد

تهكم عامر بأبـي بـراء

 

ليخفره وما خطأ كعـمـد ‏‏"‏‏

ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي

 

فما أحدثت في الحدثان بعدي

أبوك أبو الحروب أبو براء

 

وخالك ماجد حكم بن سـعـد

نسب حكم و أم البنين قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حكم بن سعد من القين بن جسر ؛ وأم البنين بنت عمرو بن ربيعة بن عامر بن صعصة ، وهي أم أبي براء ‏‏.‏‏

طعن ربيعة عامر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل ، فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ، فأشواه ووقع عن فرسه ، فقال ‏‏:‏‏ هذا عمل أبي براء ، إن أمت فدمي لعمي ، فلا يتبعن به ، وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلي ‏‏.‏‏ وقال أنس بن عباس السلمي ‏‏:‏‏ وكان خال طعيمة بن عدي بن نوفل ، وقتل يومئذ نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي‏‏:‏‏

تركت ابن ورقاء الخزاعي ثاويا

 

بمعترك تسفي عليه الأعـاصـر

ذكرت أبا الريان لـمـا رأيتـه

 

وأيقنت أنـي عـنـد ذلـك ثـائر

وأبو الريان ‏‏:‏‏ طعيمة بن عدي

عبدالله بن رواحة يرثي نافع بن بديل

وقال عبدالله بن رواحة يبكي نافع بن بديل بن ورقاء ‏‏:‏‏

رحم الله نافع بن بـديل

 

رحمه المبتغي ثواب الجهاد

صابر صادق وفيّ إذا ما

 

أكثر القوم قال قول السداد ‏‏.‏‏

رثاء حسَّان قتلى بئر معونة

وقال حسَّان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة ويخص المنذر بن عمرو ‏‏:‏‏

على قتلي معونة فاستهلـي

 

بدمع العين سحـا غـير نـزر

على خيل الرسول غداة لاقوا

 

مناياهـم ولاقـتـهـم بـقـدر

أصابهم الفناء بعـقـد قـوم

 

تخون عقد حبـلـهـم بـغـدر

فيا لهفي لمنـذر أذ تـولـى

 

وأعنق في منيتـه بـصـبـر

وكائن قد أصيب غداة ذاكـم

 

من أبيض ماجد من سر عمرو

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أنشدني آخرها بيتاً أبو زيد الأنصاري ‏‏.‏‏

شعر كعب بن مالك في يوم بئر معونة

وأنشدني لكعب بن مالك في يوم بئر معونة يعِّير بني جعفر بن كلاب ‏‏:‏‏

تركتم جاركم لبني سلـيم

 

مخافة حربهم عجزا وهونا

فلوا حبلاً تناول من عقيل

 

لمد بحبلها حبـلا مـتـينـا

أو القرطاء ما إن أسلموه

 

وقدما ما وفوا إذا لا تفونا ‏‏.‏‏

نسب القرطاء

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القرطاء قبيلة من هوازن ، فيروى ‏‏"‏‏من نفيل ‏‏"‏‏ مكان ‏‏"‏‏من عقيل ‏‏"‏‏ ، وهو الصحيح ؛ لأن القرطاء من نفيل قريب ‏‏.‏‏

أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع
محاولتهم الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر ، اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما ، كما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف ‏‏.‏‏ فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين ، قالوا ‏‏:‏‏ نعم ، يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه ‏‏.‏‏ ثم خلا بعضهم ببعض ، فقالوا ‏‏:‏‏ إنكم ‏لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت ، فيلقي عليه صخرة ، فيريحنا منه ‏‏؟‏‏ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، أحدهم ، فقال ‏‏:‏‏ أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، رضوان الله عليهم ‏‏.‏‏

علمه صلى الله عليه وسلم بغدرهم واستعداده لحربهم

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء ؛ بما أراد القوم ، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه عنه ، فقال ‏‏:‏‏ رأيته داخلا المدينة ‏‏.‏‏ فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم ، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم ، والسير إليهم ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم قال ابن إسحاق‏‏:‏‏ ثم سار بالناس حتى نزل بهم ‏‏.‏‏