الجزء الرابع - الكلام في الصلاة خلف الفاسق والجهاد معه والحج

ودفع الزكاة إليه ونفاذ أحكامه من الأقضية والحدود وغير ذلك قال أبو محمد‏:‏ ذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز الصلاة إلا خلف الفاضل وهو قول الخوارج والزيدية والروافض وجمهور المعتزلة وبعض أهل السنة و قال آخرون إلا الجمعة والعيدين وهو قول لعض أهل السنة وذهبت طائفة الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم وأكثر من بعدهم وجمهور أصحاب الحديثوهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم إلى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها وبهذا نقول وخلاف هذا القول بدعة محدثة فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد والحجاج وعبيد الله بن زياد وحبيش بن دلجة وغيرهم عن الصلاة خلفهم وهؤلاء أفسق الفساق وأما المختار فكان متهما في دينه مظنوناً به الكفر‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ احتج من يقول بمنع الصلاة خلفهم بقول الله تعالى ‏"‏ إنما يتقبل الله من المتقين ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ في قال لهم كل فاسق إذا نوى بصلاته رحمة الله تعالى فهو في ذلك من المتقين فصلاته متقبلة ولو لم يكن من المتقين إلا من لا ذنب له ما استحق أحد هذا الاسم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ‏"‏ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ‏"‏ ولا يجوز القطع على الفاسق بأنه لم يرد بصلاته وجه الله تعالى ومن قطع بهذا فقد قفا ما لا علم له به و قال ما لا يعلم وهذا حرام و قال تعالى ‏"quot;‏ ولا تقف ما ليس لك به علم ‏"‏ و قال عز وجل ‏"‏ وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ‏"‏ و قال بعضهم إن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وهذا غاية الفساد لأنه قول بلا دليل بل البرهان يبطله لقوله تعالى ‏"‏ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ‏"‏ وقول تعالى ‏"‏ ولا تزر وازرة وزر أخرى ‏"‏ ودعوى الارتباط هاهنا قول بلا برهان لا من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من معقول وهم قد أجمعوا على أن طهارة الإمام لا تنوب عن طهارة المأموم ولا قيامه عن قيامه ولا قعوده عن قعوده ولا سجوده عن سجوده ولا ركوعه عن ركوعه ولا نيته عن نيته فما معنى هذا الارتباط الذي تدعونه إذاً وأيضاً فإن القطع عن سريرة الذي ظاهره الفضل لا يجوز وإنما هو ظن فاستوى الأمر في ذلك في الفاضل والفاسق وصح أنه لا يصلي أحد عن أحد وإن كل أحد يصلي عن نفسه و قال تعالى ‏"‏ أجيبوا داعي الله ‏"‏ فوجب بذلك ضرورة أن كل داع دعا إلى خير من صلاة أو حج أو جهاد أو تعاون على بر وتقوى ففرض إجابته وعمل ذلك الخير معه لقول الله تعالى ‏"‏ تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ‏"‏ وإن كل داع دعى إلى شر فلا يجوز إجابته بل فرض دفاعه ومنعه وبالله تعالى نتأيد‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وأيضاً فإن الفسق منزلة نقص عمن هو أفضل منه والذي لا شك فيه أن النسبة بين أفجر فاجر من المسلمين وبين أفضل الصحابة رضي الله عنهم أقرب من النسبة بين أفضل الصحابة رضي الله عنهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عرى أحد من تعمد ذنب وتقصير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تفاضل المسلمون في كثرة الذنوب وقلتها وفي اجتناب الكبائر ومواقعتها وأما الصغائر فما نجا منها أحد بعد الأنبياء عليهم السلام وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وبهذا صح أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن استووا فأفقههم ندب لا فرض فليس لفاضل بعد هذا أن يمتنع من الصلاة خلف من هو دونه في القصوى من الغايات‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وأما دفع الزكاة إلى الإمام فإن كان الإمام القرشي الفاضل أو الفاسق لم ينازعه فاضل فهي جارية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ارضوا مصديقكم ولا يكون مصدقاً كل من سمى نفسه مصدقاً لكن من قام البرهان بأنه مصدق بإرسال الإمام الواجبة طاعته له وإما من سألها من هو غير الإمام المذكور أو غير مصدقه فهو عابر سبيل لا حق له في قبضها فلا يجزي دفعها إليه لأنه دفعها إلى غير من أمر بدفعها إليه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد وهكذا القول في الأحكام كلها من الحدود وغيرها إن أقامها الإمام الواجبة طاعته والذي لا بد منه فإن وافقت القرآن والسنة نفذت وإلا فهي مردودة لما ذكرنا وإن أقامها غير الإمام أو واليه فهي كلها مردودة ولا يحتسب بها لأنه أقامها من لم يؤمر بإقامتها فإن لم يقدر عليها الإمام فكل من قام بشيء من الحق حينئذ نفذ لأمر الله تعالى لنا بأن نكون قوامين بالقسط ولا خلاف بين أحد من الأمة إذ كان الإمام حاضراً متمكناً أو أميره أو واليه فإن من بادر إلى تنفيذ حكم هوالي الإمام فإنه إما مظلمة ترد وإما عزل لا ينفذ على هذا جرى عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع عماله في البلاد بنقل جميع المسلمين عصراً بعد عصر ثم عمل جميع الصحابة رضي الله عنهم وأما الجهاد فهو واجب مع كل إمام وكل متغلب وكل باغ وكل محارب من المسلمين لأنه تعاون على البر والتقوى وفرض على كل أحد الدعا إلى الله تعالى وإلى دين الإسلام ومنع المسلمين ممن أرادهم قال تعالى ‏"‏ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ‏"‏ الآية فهذا عموم لكل مسلم بنص الآية في كل مكان وكل زمان وبالله تعالى التوفيق تم كتاب الإمامة والمفاضلة بحمد الله تعالى وشكره‏.‏

ذكر العظائم المخرجة إلى الكفر أو إلى المحال

من أقوال أهل البدع المعتزلة والخوارج والمرجئية والشيع قال أبو محمد‏:‏ قد كتبنا في ديواننا هذا من فضايح الملل المخالفة لدين الإسلام الذي في كتبهم من اليهود والنصارى والمجوس ما لا بقية لهم بعدها ولا يمتري أحد وقف عليها إنهم في ضلال وباطل ونكتب إن شاء الله تعالى على هذه الفرق الأربعة من فواحش أقوالهم ما لا يخفى على أحد قراه أنهم في ضلال وباطل ليكون ذلك زاجراً لمن أراد الله توفيقه عن مضامتهم أو التمادي فيهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وليعلم من قرأ كتابنا هذا أننا لا نستحل ما يستحله من لا خير فيه من تقويل أحد ما لم يقله نصاً وإن آل قوله إليه إذ قد لا يلزم ما ينتجه قوله فيتناقض فاعلموا أن تقويل القائل كافراً كان أو مبتدعاً أو مخطئاً ما لا يقوله نصاً كذب عليه ولا يحل الكذب على أحد لكن ربما دلسوا المعنى الفاحش بلفظ ملتبس ليسهلوه على أهل الجهل ويحسن النظر بهم من أتباعهم وليبعد فهم تلك العظيمة على العامة من مخالفتهم كقول طوائف من أهل البدعة والضلالة لا يوصف الله تعالى بالقدرة على المحال ولا على الظلم ولا على الكذب ولا على غير ما علم أنه يكون فأخفوا أعظم الكفر في هذه القضية لما ذكرنا من تأنيس الأغمار من أتباعهم وتسكين الدهما من مخالفيهم فراراً عن كشف معتقدهم صراحاً الذي هو أنه تعالى لا يقدر على الظلم ولا له قوة على الكذب ولا به طاقة على المحال ولا بد لنا من إيضاح ما موهوه هكذا وإيراده بأظهر عباراته كشفاً لتمويههم وتقرباً إلى الله تعالى بهتك أستارهم وكشف أسرارهم وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏