تاريخ غزو بين النضير

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر ‏‏.‏‏

حصار الرسول لهم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها ، فنادوه ‏‏:‏‏ أن يا محمد ، قد كنت تنهي عن الفساد ، وتعيبه على من صنعه ، فما بال قطع النخيل وتحريقها ‏‏؟‏‏
الرهط الذي شجع بني النضير ثم طلبهم الصلح وهجرتهم

وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم عدو الله عبدالله بن أبي سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل ، وسويد وداعس ، قد بعثوا إلى بني النضير ‏‏:‏‏ أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أَّن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ‏‏.‏‏ ففعل ‏‏.‏‏ فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل ، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه ،فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به ، فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام ‏‏.‏‏

من هاجر منهم إلى خيبر

فكان أشرافهم من سار منهم إلى خيبر ‏‏:‏‏ سلام من أبي الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وحيي بن أخطب ‏‏.‏‏ فلما نزلوها دان لهم أهلها ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث ‏‏:‏‏ أنهم استقلوا بالنساء والأموال ، معهم الدفوف والمزامير ، والقيان يعزفن خلفهم ، وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي ، التي ابتاعوا منه ، ‏وكانت إحدى نساء بني غفار ، بزهاء وفخر وما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم ‏‏.‏‏

الرسول يقسم أموال بني النضير بين المهاجرين

وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، يضعها حيث يشاء ، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار ، إلا أن سهل ابن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

من أسلم من بني النضير

ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير ، أبو كعب بن عمرو بن جحاش ؛ وأبو سعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها ‏‏.‏‏

تحريض يامين على قتل ابن جحاش

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ - وقد حدثني بعض آل يامين ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين ‏‏:‏‏ ألم تر ما لقيت من ابن عمك ، وما هم به من شأني ‏‏؟‏‏ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش ، فقلته فيما يزعمون ‏‏.‏‏

ما نزل في بني النضير من القرآن

ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها ، يذكر فهيا ما أصابهم الله به من نقمته ، وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عمل به فيهم ، فقال تعالى ‏‏ {"‏‏ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ، وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ‏‏"} ‏‏ ، وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها ‏‏.‏‏ ‏‏ "‏‏ فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ‏‏" ‏‏ وكان لهم من الله نقمة ، ‏‏ "‏‏ لعذبهم في الدنيا ‏‏" ‏‏ ‏‏:‏‏ أي بالسيف ، ‏‏ "‏‏ ولهم في الآخرة عذاب النار‏‏" ‏‏ مع ذلك ‏‏.‏‏ ‏‏ "‏‏ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ‏‏" ‏‏‏‏.‏‏ واللينة ‏‏:‏‏ ما خالف العجوة من النخل ‏‏ "‏‏ فبإذن الله ‏‏" ‏‏ ‏‏:‏‏ أي فبأمر الله قطعت ، لم يكن فسادا ، ولكن كان نقمة من الله ‏‏ "‏‏ وليخزي الفاسقين ‏‏" ‏‏ ‏‏.‏‏  

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ اللينة ‏‏:‏‏ من الألوان ، وهي ما لم تكن برنية ولا عجوة من النخل ، فيما حدثنا أبو عبيدة‏‏.‏‏ قال ذو الرمة ‏‏:‏‏

كأن قتودي فوقها عش طائر

 

على لينة سوقاء تهفو جنوبهـا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ ‏‏ "‏‏ وما أفاء الله على رسوله منهم ‏‏" ‏‏ - قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ يعني من بني النضير ‏‏ "‏‏ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ، والله على كل شيء قدير ‏‏" ‏‏ ‏‏:‏‏ أي له خاصة ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أوجفتم ‏‏:‏‏ حركتم وأتعبتم في السير ‏‏.‏‏ قال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة ‏‏:‏‏

مذاويد بالبيض الحديث صقالـهـا

 

عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا ‏‏.‏‏

وهذا البيت في قصيدة له ، وهو الوجيف ‏‏.‏‏ وقال أبو زيد الطائي ، واسمه حرملة بن المنذر ‏‏:‏‏

مسنفات كأنهن قنا الهنـد

 

لطول الوجيف جدب المرود

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ السناف ‏‏:‏‏ البطان ‏‏.‏‏ والوجيف ‏‏:‏‏ وجيف القلب والكبد ، وهو الضربان ‏‏.‏‏ قال قيس بن الخطيم الظفري ‏‏:‏‏

إنا وإن قدموا التي علموا

 

أكبادنا من ورائهم تـجـف

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ ‏ ‏‏ "‏‏ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ‏‏" ‏‏ - قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وفتح بالحرب عنوة فلِلّه وللرسول - ‏‏ "‏‏ ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ، وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ‏‏" ‏‏ ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين ، على ما وضعه الله عليه ‏‏.‏‏ ثم قال تعالى ‏‏ "‏‏ ألم تر إلى الذين نافقوا ‏‏" ‏‏ ‏‏:‏‏ يعني عبدالله بن أبي وأصحابه ، ومن كان على مثل أمرهم ، ‏‏ "‏‏ يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ‏‏" ‏‏ ‏‏:‏‏ يعني بني النضير ، إلى قوله ‏‏ "‏‏ كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ، ولهم عذاب أليم ‏‏" ‏‏ ‏‏:‏‏ يعني بني قينقاع ‏‏.‏‏ ثم القصة إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏ "‏‏ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برىء منك ، إني أخاف الله رب العالمين ، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين ‏‏" ‏‏ ‏‏.‏‏

ما قاله ابن لقيم العبسي من شعر في بني النضير

وكان مما قيل في بني النضير من الشعر قول ابن لقيم العبسي ، ويقال ‏‏:‏‏ قاله قيس بن بحر بن طريف ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قيس بن بحر الأشجعي ، فقال ‏‏:‏‏

أهلي فداء لامرىء غير هالـك

 

أحل اليهود بالحسـي الـمـزنـم ‏

يقيلون في جمر الغضاة وبدلـوا

 

أهيضب عودي بالودي المـكـمـم

فإن يك ظني صادقا بمـحـمـد

 

تروا خيله بين الـصـلا ويرمـرم

يؤم بها عمرو بن بهـثة إنـهـم

 

عدو وما حي صديق كـمـجـرم

عليهن أبطال مساعير في الوغى

 

يهزون أطراف الوشيج المـقـوم

وكل رقيق الشفرتين مـهـنـد

 

توورثن من أزمان عاد وجـرهـم

فمن مبلغ عني قريشـا رسـالة

 

فهل بعدهم في المجد من متكـرم

بأن أخاكم فاعلمـن مـحـمـدا

 

تليد الندى بين الحـجـون وزمـزم

فدينوا له بالحق تجسم أموركـم

 

وتسموا من الدنيا إلى كل معـظـم

نبي تلاقته مـن الـلـه رحـمة

 

ولا تسألوه أمـر غـيب مـرجـم

فقد كان في بدر لعمري عبـرة

 

لكم يا قريشا والقلب الـمـلـمـم

غداة أتى في الخزرجية عامـدا

 

إليكم مطيعا للعظـيم الـمـكـرم

معانا بروح القدس ينكى عـدوه

 

رسولا من الرحمن حقا بمـعـلـم

رسولا من الرحمن يتلو كتابـه

 

فلما أنار الحـق لـم يتـلـعـثـم

أرى أمره يزداد في كل موطن

 

علوا لأمر حمه اللـه مـحـكـم ‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمرو بن بهثة ، من غطفان ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ بالحسي المزنم ‏‏"‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏

ما ينسب من الشعر لعلي في قصة بني النضير

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال علي بن أبي طالب ‏‏:‏‏ يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قالها رجل من المسلمين غير علي بن أبي طالب ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ، ولم أر أحدا منهم يعرفها لعلي ‏‏:‏‏

عرفت ومن يعتدل يعرف

 

وأيقنت حقـا ولـم أصـدف

عن الكلم المحكم اللاء من

 

لدى الله ذي الـرأفة الأرأف

رسائل تدرس في المؤمنين

 

بهن أصطفى أحمد المصطفى

فأصبح أحمد فينا عـزيزا

 

عزيز المقامة والـمـوقـف

فيأيها الموعدوه سفـاهـا

 

ولم يأت جورا ولم يعـنـف

ألستم تخافون أدنى العذاب

 

وما آمن اللـه كـالأخـواف

 

وأن تصرعوا تحت أسيافه

 

كمصرع كعب أبي الأشرف

غداة رأى الله طغـيانـه

 

وأعرض كالجمل الأجنـف

فأنزل جبريل في قتـلـه

 

بوحي إلى عبده مـلـطـف

فدس الرسول رسولا لـه

 

بأبيض ذي هبة مـرهـف

فباتت عيون له معـولات

 

متى ينع كعب لهـا تـذرف

وقلن لأحمد ذرنا قـلـيلا

 

فإنا من النوح لم نشـتـف ‏

فخلاهم ثم قال اظعـنـوا

 

دحورا على رغـم الآنـف

وأجلى النضير إلى غربة

 

وكانوا بـدار ذوي زخـرف

إلى أذرعات ردافى وهم

 

على كل ذي دبر أعـجـف

ما أجابه به سماك اليهودي

فأجابه سماك اليهودي ، فقال ‏:‏

إن تفخروا فهو فخر لـكـم

 

بمقتل كعـب أبـي الأشـرف

غداة غدوتم على حـتـفـه

 

ولم يأت غدرا ولـم يخـلـف

فعلَّ الليالي وصرف الدهور

 

يدين من العادل المـنـصـف

بقتل النضير وأحـلافـهـا

 

وعقر النخيل ولم تـقـطـف

فإن لا أمت نأتكم بالـقـنـا

 

وكل حسام مـعـا مـرهـف

بكف كمي به يحـتـمـي

 

متى يلق قرنـا لـه يتـلـف

مع القوم صخر وأشياعـه

 

إذا غاور القوم لـم يضـعـف

كليث بترج حمـى غـيلـه

 

أخي غابة هـاصـر أجـوف

كعب بن مالك يقول شعرا في إجلاء بني النضير ومقتل كعب بن الأشرف قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف ‏:‏

لقد خزيت بغدرتها الحبـور

 

كذلك الدهر ذو صـرف يدور

وذلك أنهم كـفـروا بـرب

 

عزيز أمـره أمـر كـبــير

وقد أوتوا معا فهما وعلمـا

 

وجاءهم مـن الـلـه الـنـذير

نذير صادق أدى كـتـابـا

 

وآيات مـبـينة تــنـــير

فقالوا ما أتيت بأمر صـدق

 

وأنت بمنـكـر مـنـا جـدير

فقال بلى لقـد أديت حـقـا

 

يصدقني به الفهـم الـخـبـير

فمن يتبعه يهد لكـل رشـد

 

ومن يكفر به يجز الـكـفـور

فلما أشربوا غدرا وكـفـرا

 

وحاد بهم عن الحق النـفـور

أرى الله النبي برأي صـدق

 

وكان اللـه يحـكـم لا يجـور

فأيده وسلـطـه عـلـيهـم

 

وكان نصيره نعم الـنـصـير

فغودر منهم كعب صريعـا

 

فذلت بعد مصرعه النـضـير

على الكفين ثم وقد علـتـه

 

بأيدينـا مـشـهـرة ذكــور

بأمر محمـد إذا دس لـيلا

 

إلى كعب أخا كـعـب يسـير

فماكره فأنزلـه بـمـكـر

 

ومحمود أخو ثـقة جـسـور

فتلك بنو النضير بدار سـوء

 

أبارهم بما اجترموا الـمـبـير

غداة أتاهم في الزحف رهوا

 

رسول الله وهو بهم بـصـير

وغسان الحـمـاة مـوازره

 

على الأعداء وهو لهـم وزير

فقال السلم ويحكم فـصـدوا

 

وحالف أمرهـم كـذب وزور

فذاقوا غب أمرهـم وبـالا

 

لكل ثلاثة مـنـهـم بـعـير

وأجلوا عامدين لقـينـقـاع

 

وغودر منـهـم نـخـل ودور

سماك اليهودي يرد على كعب بن مالك

فأجابه سماك اليهودي ، فقال ‏:‏

أرقت وضافني هم كبير

 

بليل غـيره لـيل قـصـير

أرى الأحبار تنكره جميعا

 

وكلهم لـه عـلـم خـبـير

وكانوا الدارسين لكل علم

 

به التوراة تنطق والزبـور

قتلتم سيد الأحبار كعـبـا

 

وقدما كان يأمن من يجـير

تدلى نحو محمود أخـيه

 

ومحمود سريرته الفـجـور

فغادره كأن دما نجـيعـا

 

يسيل على مدارعه عـبـير

فقد وأبيكم وأبي جميعـا

 

أصيبت إذ أصيب به النضير

فإن نسلم لكم نترك رجالا

 

بكعب حولهم طـير تـدور

كأنهم عـتـائر يوم عـيد

 

تذبح وهي ليس لها نـكـير

ببيض لا تليق لهن عظما

 

صوافي الحدي أكثرها ذكور

كما لاقيتم من بأس صخر

 

بأحد حيث ليس لكم نصـير

عباس بن مرداس يمدح رجال بني النضير

وقال عباس بني مرداس أخو بن سليم يمتدح رجال بني النضير ‏:‏

لو أن أهل الدار لم يتصدعوا

 

رأيت خلال الدار ملهى وملعبا

فإنك عمري هل أريك ظعائنـا

 

سلكن على ركن الشطاة فـتـيأبـا

عليهن عين من ظبـاء تـبـالة

 

أوانس يصبين الحليم المـجـربـا

إذا جاء باغي الخير قلن فجـاءة

 

له بوجوه كالدنـانـير مـرحـبـا

وأهلا فلا ممنوع خير طلبـتـه

 

ولا أنت تخشى عندنا أن تـؤنـبـا

فلا تحسبن كنت مولى ابن مشكم

 

سلام ولا مولى حيي بن أخطـبـا

خوات بن جبير يرد عليه

فأجابه خوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف ، فقال ‏:‏

تبكي على قتلى يهود وقد تـرى

 

من الشجو لو تبكي أحب وأقـربـا

فهلا على قتلى ببطـن أرينـق

 

بكيت ولم تعول من الشجو مسهبـا

إذا السلم دارت في صديق رددتها

 

وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا

عمدت إلى قدر لقومك تبتـغـي

 

لهم شهبا كيما تـعـز وتـغـلـبـا

فإنك لما أن كلفـت تـمـدحـا

 

لمن كان عيبا مـدحـه وتـكـذبـا

رحلت بأمر كنت أهلا لمثـلـه

 

ولم تلف فيهم قائلا لك مـرحـبـا

فهلا إلى قوم ملوك مدحـتـهـم

 

تبنوا من العز المؤثل مـنـصـبـا

إلى معشر صاروا ملوكا وكرموا

 

ولم يلف فيهم طالب العرف مجدبـا

أولئك أحرى من يهود بـمـدحة

 

تراهم وفيهم عزة المجد تـرتـبـا

عباس بن مرداس يرد على خوات بن جبير فأجابه عباس بن مرداس السلمي ، فقال ‏:‏

هجوت صريح الكاهنين وفيكـم

 

لهم نعم كانت من الدهر تـرتـبـا

أولئك أحرى لو بكيت علـيهـم

 

وقومك لو أدوا من الحق موجـبـا

من الشكر إن الشكر خير مغـبة

 

وأوفق فعلا للذي كـان أصـوبـا

فكنت كمن أمسى يقطع رأسـه

 

ليبلغ عزا كـان فـيه مـركـبـا

فبك بني هارون واذكر فعالهـم

 

وقتلهم للجوع إذ كنـت مـجـدبـا

أخوات أذر الدمع بالدمع وابكهم

 

وأعرض عن المكروه منهم ونكبـا

فإنك لولا لقيتهـم فـي ديارهـم

 

لألفيت عما قد تقـول مـنـكـبـا

سراع إلى العليا كرام لدى الوغى

 

يقال لباغي الخير أهلا ومرحـبـا

ما قاله أحد الصحابة في الرد على عباس بن مرداس

فأجابه كعب بن مالك ، أبو عبدالله بن رواحة ، فيما قال ابن هشام فقال ‏:‏

لعمري لقد حكت رحى الحرب بعدما

 

أطارت لؤيا قبل شـرقـا ومـغـربـا

بقية آل الـكـاهـنـين وعـزهـا

 

فعاد ذليلا بـعـد مـا كـان أغـلـبـا

فطاح سلام وابن سـعـية عـنـوة

 

وقيد ذليلا للـمـنـايا ابـن أخـطـبـا

وأجلب يبغي العز والذل يبـتـغـي

 

خلاف يديه ما جنـى حـين أجـلـبـا

كتارك سهل الأرض والحزن همـه

 

وقد كان ذا في الناس أكدى وأصعـبـا

وشأس وعزال وقد صـلـيا بـهـا

 

وما غيبا عـن ذاك فـيمـن تـغـيبـا

وعوف بن سلمى وابن عوف كلاهما

 

وكعب رئيس الـقـوم حـان وخـيبـا

فبعدا وسحقا للنضـير ومـثـلـهـا

 

إن اعقب فتح أو إن الـلـه أعـقـبـا

قال ابن هشام ‏:‏ قال أبو عمرو المدني ‏:‏ ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير بني المصطلق ‏.‏ وسأذكر حديثهم إن شاء الله في الموضع الذي ذكره ابن إسحاق فيه ‏.‏

غزوة ذات الرقاع في سنة أربع
الاستعداد للغزوة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزو بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ، ويقال ‏:‏ عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام ‏:‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ حتى نزل نخلا ، وهي غزوة ذات الرقاع

سبب تسميتها بذات الرقاع

قال ابن هشام ‏:‏ وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ؛ ويقال ‏:‏ ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع ، يقال لها ‏:‏ ذات الرقاع‏.‏

من أسباب صلاة الخوف
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلقي بها جمعا عظيما من غطفان ، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب ، وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ، ثم انصرف بالناس ‏.‏
كيفية صلاة الخوف

قال ابن هشام ‏:‏ حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري - وكان يكنى ‏:‏ أبا عبيدة - قال ‏:‏ حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن جابر بن عبدالله في صلاة الخوف ، قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم ، وطائفة مقبلون على العدو ‏.‏ قال ‏:‏ فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ، ثم سلم ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ وحدثنا عبدالوارث ، قال ‏:‏ حدثنا أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر، قال ‏:‏ صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين ، فركع بنا جميعا ، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد الصف الأول ، فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم ، ثم تأخر الصف الأول ، وتقدم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه ؛ فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون بأنفسهم ، فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري ، قال ‏:‏ حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر ؛ قال ‏:‏ يقوم الإمام وتقوم معه طائفة ، وطائفة مما يلي عدوهم فيركع بهم الإمام ويسجد بهم ، ثم يتأخرون فيكونون مما يلي العدو ، ويتقدم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ، ويسجد بهم ، ثم تصلي كل طائفة بأنفسهم ركعة ، فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة ، وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة ‏.‏

غورث يهمُّ بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه من قرآن

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عمرو بن عبدي ، بن الحسن ، عن جابر بن عبدالله ، أن رجلا من بني محارب ، يقال له ‏:‏ غورث ، قال لقومه من غطفان ومحارب ‏:‏ ألا أقتل لكم محمدا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، وكيف تقتله ‏؟‏ قال ‏:‏ أفتك به ‏.‏ قال ‏:‏ فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره ، فقال ‏:‏ يا محمد أنظر إلى سيفك هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، - وكان محلى بفضة، فيما قال ابن هشام - قال ‏:‏ فأخذه فاستله ، ثم جعل يهزه ، ويهم فيكبته الله ؛ ثم قال ‏:‏ يا محمد ، أما تخافني ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، وما أخاف منك ‏!‏ قال ‏:‏ أما تخافني وفي يدي السيف ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، يمنعني الله منك‏.‏ ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرده عليه ‏.‏ قال ‏:‏ فأنزل الله ‏ {"‏ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ، إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ، فكف أيديهم عنكم ، واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ‏"} ‏ ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يزيد بن رومان ‏:‏ أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش ، أخي بني النضير وما هم به ، فالله اعلم أي ذلك كان ‏.‏

قصة جابر وجمله في هذه الغزوة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل ، على جمل لي ضعيف ؛ فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال‏:‏ ما لك يا جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، أبطأ بي جملي هذا ؛ قال ‏:‏ أنخه ؛ قال ‏:‏ فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم قال ‏:‏ أعطني هذه العصا من يدك ، أو اقطع لي عصا من شجرة ، قال ‏:‏ ففعلت ‏.‏ قال ‏:‏ فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ، ثم قال ‏:‏ اركب ، فركبت ، فخرج ، والذي بعثه بالحق ، يواهق ناقته مواهقة ‏.‏ قال ‏:‏ وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي ‏:‏ أتبيعني جملك هذا يا جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، بل أهبه لك ؛ قال ‏:‏ لا ، ولكن بعْنِيه ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ فسمنيه يا رسول الله ؛ قال ‏:‏ قد أخذته بدرهم ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ، إذن تغبنني يا رسول الله ‏!‏ قال ‏:‏ فبدرهمين ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية ‏.‏ قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ أفقد رضيت يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ‏.‏ قلت ‏:‏ فهو لك ؛ قال ‏:‏ قد أخذته ‏.‏ قال ‏:‏ ‏"‏ ثم قال ‏:‏ يا جابر ، هل تزوجت بعد ‏؟‏ ‏"‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم يا رسول الله ، قال ‏:‏ أثيبا أم بكرا ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ، بل ثيبا ؛ قال ؛ أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ‏!‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا ، فنكحت امرأة جامعة ، تجمع رؤوسهن ، وتقوم عليهن ؛ قال ‏:‏ أصبت إن شاء الله ، أما إنا لو قد جئنا صراراً أمرنا بجزور فنُحرت ، وأقمنا عليها يومنا ذاك ، وسمعت بنا ، فنفضت نمارقها ‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله يا رسول الله ما لنا من نمارق ؛ قال ‏:‏ إنها ستكون ، فإذا أنت قدِمت فاعمل عملا كيسا ‏.‏ قال ‏:‏ فلما جئنا صراراً أمر رسول الله صلى الله عله وسلم بجزور فنحرت ، وأقمنا عليها ذلك اليوم ؛ فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا ؛ قال ‏:‏ فحدثت المرأة الحديث ، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قالت ‏:‏ فدونك ، فسمع وطاعة ‏.‏ قال ‏:‏ فلما أصبحت أخذت برأس الجمل ، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ ثم جلست في المسجد قريبا منه ؛ قال ‏:‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى الجمل ؛ فقال ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر ؛ قال ‏:‏ فأين جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ فدعيت له ؛ قال ‏:‏ فقال ‏:‏ يا ابن أخي خذ برأس جملك ، فهو لك ، ودعا بلالاً ، فقال له ‏:‏ اذهب بجابر ، فأعطه أوقية ‏.‏ قال ‏:‏ فذهبت معه ، فأعطاني أوقية ، وزادني شيئا يسيراً ‏.‏ قال ‏:‏ فوالله ما زال ينمي عندي ، ويرى مكانه من بيتنا ، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا يعني يوم الحرة ‏.‏

ما أصيب به صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحراسة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عمي صدقة بن يسار ، عن عقيل بن جابر ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال ‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل ، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين ؛ فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا ، أتى زوجها وكان غائبا ، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما ، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا ، فقال ‏:‏ من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه ‏؟‏ قال ‏:‏ فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل آخر من الأنصار ، فقالا ‏:‏ نحن يارسول الله ؛ قال ‏:‏ فكونا بفم الشّعب ‏.‏ قال ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي ، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر ، فيما قال ابن هشام ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما خرج الرجلان إلى فم الشِّعب ، قال الأنصاريّ للمهاجريّ أيَّ الليل تحب أن أكفيكه ‏:‏ أوله أم آخره ‏؟‏ قال ‏:‏ بل اكفني أوله؛ قال ‏:‏ فاضطجع المهاجري فنام ، وقام الأنصاري يصلي ، قال ‏:‏ وأتى الرجل ، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة ‏(‏ طليعة ‏)‏ القوم ‏.‏ قال ‏:‏ فرمى بسهم ، فوضعه فيه ؛ قال ‏:‏ فنزعه ووضعه ، فثبت قائما ؛ قال ‏:‏ ثم رماه بسهم أخر فوضعه فيه ‏.‏ قال ‏:‏ فنزعه فوضعه وثبت قائما ؛ ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه ؛ قال ‏:‏ فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد ، ثم أهب صاحبه فقال ‏:‏ اجلس فقد أثبتُّ ، قال ‏:‏ فوثب فلما رأهما الرجل عرف أن قد نذرا به ، فهرب ‏.‏ قال ‏:‏ ولما رأى المهاجريّ ما بالأنصاريّ من الدماء قال ‏:‏ سبحان الله ‏!‏ أفلا أهببتني أول ما رماك ‏؟‏ قال ‏:‏ كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها ، فلما تابع على الرمى ركعت فأذنتك ، وايم الله ، لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه ، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها ‏.‏

رجوع رسول الله صلى الله عليه و سلم

قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ أنفذها ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة الرقاع ، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا ‏.‏

غزوة بدر الآخرة في شعبان سنة أربع
خروج الرسول لملاقاة أبي سفيان ورجوع أبي سفيان أإلى مكة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج في شعبان إلى بدر ، لميعاد أبي سفيان حتى نزله ‏.‏

استعماله ابن أبي على المدينة

قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة عبدالله بن أبي ابن سلول الأنصاري ‏.‏

رجوع أبي سفيان في رجاله

قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان ، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة ، من ناحية الظهران ؛ وبعض الناس يقول ‏:‏ قد بلغ عسفان ، ثم بدا له في الرجوع ، فقال ‏:‏ يا معشر قريش ، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر ، وتشربون فيه اللبن ، وإن عامكم هذا عام جدب ، وإني راجعٌ ، فارجعوا ، فرجع الناس ، فسماهم أهل مكة جيش السويق ، يقولون ‏:‏ إنما خرجتم تشربون السويق ‏.‏

الرسول و مخشي الضمري

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده ، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري ، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان ، فقال ‏:‏ يا محمد ، أجئت للقاء قريش على هذا الماء ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم، يا أخا بني ضمرة ، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك ، قال ‏:‏ لا والله يا محمد ، ما لنا بذلك منك من حاجة ‏.‏

ما قاله معبد الخزاعي من الشعر في ناقة للرسول هوت

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان ، فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي ، فقال ، وقد رأى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوي به ‏:‏

قد نفرت من رفقتي محمد

 

وعجوة من يثرب كالعنجـد

تهوي على دين أبيها الأتلد

 

قد جعلت ماء قديد موعـدي

وماء ضجنان لها ضحى الغد

ما قاله أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة

وقال عبدالله بن رواحة في ذلك - قال ابن هشام ‏:‏ أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك ‏:‏

وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد

 

لميعاده صدقا وما كـان وافـيا

فأقسم لو وافيتنا فلقـيتـنـا

 

لأبت ذميما وافتقدت المـوالـيا

تركنا به أوصال عبتة وابنه

 

وعمرا أبا جهل تركنـاه ثـاويا

عصيتم رسول الله أفٍّ لدينكم

 

وأمركم السيء الذي كان غاويا

فإني وإن عنفتموني لقـائل

 

فدى لرسول الله أهلى ومالـيا

أناه لم نعدله فينـا بـغـيره

 

شهابا لنا في ظلمة الليل هـاديا

شعر حسَّان في ذلك

وقال حسَّان بن ثابت في ذلك ‏:‏

دعوا فَلَجات الشام قد حال دونـهـا

 

جلاد كأفـواه الـمـخـاض الأوَارِك

بأيدي رجال هاجروا نحو ربـهـم

 

وأنصـارِه حـقـا وأيدي الـمـلائك

إذا سلكت للغور من بطن عـالـج

 

فقولا لها ليس الـطـريق هـنـالـك

أقمنا على الرس النزوع ثـمـانـيا

 

بأرعن جرار عـريض الـمـبـارك

بكل كُمَيت جوزُه نصف خـلـقـه

 

وقبٍّ طوال مشـرفـات الـحـوارك

ترى العرفج العاميَّ تذري أصولـه

 

مناسِم أخفاف الـمـطـيّ الـرواتـك

فإن نلق في تطوافنا والتمـاسـنـا

 

فرات بن حيان يكـن رهـن هـالـك

وإن تلق قيس بن امرىء القيس بعده

 

يزد في سواد لـونـه لـون حـالـك

فأبلغ أبا سفـيان عـنـي رسـالة

 

فإنك من غرِّ الرجال الـصـعـالـك

أبو سفيان يرد على حسَّان

فأجابه أبو سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ، فقال ‏:‏

أحسَّان إنا يابن آكلة الـفـغـا

 

وجدك نغتال الخـروق كـذلـك

خرجنا وما تنجوا اليعافير بيننـا

 

ولو وألت منـا بـشَـدٍّ مـدَارِك

إذا ما انبعثنا من مناخ حسبتـه

 

مدَمَّن أهل الموسم المـتـعـارك

أقمتَ على الرس النزوع تريدنا

 

وتتركنا في النخل عند الـمـدارك

على الزرع تمشى خلينا وركابنا

 

فما وطئت ألصقنه بـالـدَّكـادك

أقمنا ثلاثا بين سـلـع وفـارع

 

بجرد الجياد والمطي الـرواتـك

حسبتم جلاد القوم عند قبابـهـم

 

كمأخذكم بالعـين أرطـال آنـك

فلا تبعثِ الخيل الجياد وقل لها

 

على نحو قول المعصم المتماسـك

سعدتم بها وغيركم كان أهلها

 

فوارس من أبناء فهر بن مالك

فإنك لا في هجرة إن ذكرتها

 

ولا حرمات الدين أنت بناسـك

قال ابن هشام ‏:‏ بقيت منها أبيات تركناها لقبح اختلاف قوافيها ، وانشدني أبو زيد الأنصاري هذا البيت‏:‏ خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا والبيت الذي بعده لحسَّان بن ثابت في قوله دعو فلجات الشأم قد حال دونها وأنشدني له فيها بيته ‏"‏ فأبلغ أبا سفيان ‏"‏