الفصل الثاني: في العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه فصول وتمهيدات - الفصل السابع: في أن سكنى البدو لا تكون لا للقبائل أهل العصبية

اعلم أن الله سبحانه ركب في طبائع البشر الخير والشر كما قال تعالى وهديناه النجدين وقال فألهمها فجورها وتقواها والشر أقرب الخلال إليه إذا أهمل في مرعى عوائده ولم يهذبه الاقتداء بالدين وعلى ذلك الجم الغفير إلا من وفقه الله ومن أخلاق البشر فيهم الظلم والعدوان بعض على بعض فمن امتدت عينه إلى متاع أخيه فقد امتدت يده إلى أخذه إلا أن يصده وازع كما قال والظلم من شيم النفوس فإن نجد ذا عفة فلعلة لا يظلم وأما المدن والأمصار فعدوان بعضهم على بعض تدفعه الحكام والدولة بما قبضوا على أيدي من تحتهم من الكافة أن يمتد بعضهم على بعض أو يعدو عليه فهم مكبوحون بحكمة القهر والسلطان عن التظالم إلا إذا كان من الحاكم بنفسه وأما العدوان الذي من خارج المدينة فيدفعه سياج الأسوار عند الغفلة أو الغرة ليلا أو العجز عن المقاومة نهارا أو يدفعه ازدياد الحامية من أعوان الدولة عند الاستعداد والمقاومة وأما أحياء البدو فيزع بعضهم عن بعض مشائخهم وكبراؤهم بما وفر في
128
نفوس الكافة لهم من الوقار والتجلة وأما حالهم فإنما يذود عنها من خارج حامية الحي من أنجادهم وفتيانهم المعروفين بالشجاعة فيهم ولا يصدق دفاعهم وذيادهم إلا إذ كانوا عصبية وأهل نسب واحد لأنهم بذلك تشتد شوكتهم ويخشى جانبهم إذ نعرة كل أحد على نسبه وعصبيته أهم وما جعل الله في قلوب عباده من الشفقة والنعرة على ذوي أرحامهم وقرباهم موجودة في الطبائع البشرية وبها يكون التعاضد والتناصر وتعظم رهبة العدو لهم واعتبر ذلك فيما حكاه القرآن عن إخوة يوسف عليه السلام حين قالوا لأبيه لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون والمعنى أنه لا يتوهم العدوان على أحد مع وجود العصبة له وأما المتفردون في أنسابهم فقل أن تصيب أحدا منهم نعرة على صاحبه فإذا أظلم الجو بالشر يوم الحرب تسلل كل واحد منهم ببغي النجاة لنفسه خيفة واستيحاشا من التخاذل فلا يقدرون من أجل ذلك على سكنى القفر لما أنهم حينئذ طعمة لمن يلتهمهم من الأمم سواهم وإذا تبين ذلك في السكنى التي تحتاج للمدافعة والحماية فبمثله يتبين لك في كل أمر يحمل الناس عليه من نبوة أو إقامة ملك أو دعوة إذ بلوغ الغرض من ذلك كله إنما يتم بالقتال عليه لما في طبائع البشر من الاستعصاء ولا بد في القتال من العصبية كما ذكرناه آنفا فاتخذه إماما تقتدي به فيما نورده عليك بعد والله الموفق للصواب