الفصل الثاني: في العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه فصول وتمهيدات - الفصل الثاني عشر: في أن الرئاسة على أهل العصبية لا تكون في غير نسبهم

وذلك أن الرئاسة لا تكون إلا بالغلب والغلب إنما يكون بالعصبية كما قدمناه فلا بد في الرئاسة على القوم أن تكون من عصبية غالبة لعصبياتهم واحدة واحدة لأن كل عصبية منهم إذا أحست بغلب عصبية الرئيس لهم أقروا بالإذعان والاتباع والساقط في نسبهم بالجملة لا تكون له عصبية فيهم بالنسب إنما هو ملصق لزيق وغاية التعصب له بالولاء والحلف وذلك لا يوجب له غلبا عليهم البتة وإذا فرضنا أنه قد التحم بهم واختلط وتنوسي عهده الأول من الالتصاق ولبس جلدتهم ودعي بنسبهم فكيف له الرئاسة قبل هذا الالتحام أو لأحد من سلفه والرئاسة على القوم إنما تكون متناقلة في منبت واحد تعين له الغلب بالعصبية فالأولية التي كانت لهذا الملصق قد عرف فيها التصاقه من غير شك ومنعه ذلك الالتصاق من الرئاسة حينئذ فكيف تنوقلت عنه وهو على حال الإلصاق والرئاسة لا بد وأن تكون موروثة عن مستحقها لما قلناه من التغلب بالعصبية وقد يتشوف كثير من الرؤساء على القبائل والعصائب إلى أنساب يلهجون بها إما لخصوصية فضيلة كانت في أهل ذلك النسب من شجاعة أو كرم أو ذكر كيف اتفق فينزعون إلى ذلك النسب ويتورطون بالدعوى في شعوبه ولا يعلمون ما يوقعون فيه أنفسهم من القدح في رئاستهم والطعن في شرفهم وهذا كثير في الناس لهذا العهد فمن ذلك ما يدعيه زناتة جملة أنهم من العرب ومنه ادعاء أولاد رباب المعروفين بالحجاز بين من بني عامر أحد شعوب زغبة أنهم من بني سليم ثم من الشريد منهم لحق جدهم ببني عامر نجارا يصنع الحرجان واختلط بهم والتحم بنسبهم حتى رأس عليهم ويسمونه الحجازي ومن ذلك ادعاء بني عبد القوي بن العباس بن نوجين أنهم من ولد العباس بن عبد المطلب رغبة في هذا النسب الشريف وغلطا باسم العباس بن عطية أبي عبد القوي ولم يعلم دخول أحد
133
من العباسيين إلى المغرب لأنه كان منذ أول دولتهم على دعوة العلويين أعدائهم من الأدارسة والعبيديين فكيف يكون من سبط العباس أحد من شيعة العلويين وكذلك ما يدعيه أبناء زيان ملوك تلمسان من بني عبد الواحد أنهم من ولد القاسم بن أدريس ذهابا إلى ما اشتهر في نسبهم أنهم من ولد القاسم فيقولون بلسانهم الزناتي أنت القاسم أي بنو القاسم ثم يدعون أن القاسم هذا هو القاسم بن إدريس أو القاسم بن محمد بن أدريس ولو كان ذلك صحيحا فغاية القاسم هذا أنه فر من مكان سلطانه مستجيرا بهم فكيف تتم له الرئاسة عليهم في باديتهم وإنما هو غلط من قبل اسم القاسم فإنه كثير الوجود في الأدارسة فتوهموا أن قاسمهم من ذلك النسب وهم غير محتاجين لذلك فإن منالهم للملك والعزة إنما كان بعصبيتهم ولم يكن بادعاء علوية ولا عباسية ولا شيء من الأنساب وإنما يحمل على هذا المتقربون إلى الملوك بمنازعهم ومذاهبهم ويشتهر حتى يبعد عن الرد ولقد بلغني عن يغمراسن بن زيان مؤثل سلطانهم أنه لما قيل له ذلك أنكره وقال بلغته الزناتية ما معناه أما الدنيا والملك فنلناهما بسيوفنا لا بهذا النسب وأما نفعهما في الآخرة فمردود إلى الله وأعرض عن التقرب إليهما بذلك ومن هذا الباب ما يدعيه بنو سعد شيوخ بني يزيد من زغبة أنهم من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبنو سلامة شيوخ بني يدللتن من توجين أنهم من سليم والزواودة شيوخ رياح أنهم من أعقاب البرامكة وكذا بنو مهنا أمراء طيىء بالمشرق يدعون فيما بلغنا أنهم من أعقابهم وأمثال ذلك كثير ورئاستهم في قومهم مانعة من ادعاء هذه الأنساب كما ذكرناه بل تعين أن يكونوا من صريح ذلك النسب وأقوى عصبياته فاعتبره واجتنب المغالط فيه ولا تجعل من هذا الباب إلحاق مهدي الموحدين بنسب العلوية فإن المهدي لم يكن من منبت الرئاسة في هرثمة قومه وإنما رأس عليهم بعد اشتهاره بالعلم والدين ودخول قبائل المصامدة في دعوته وكان مع ذلك من أهل المنابت المتوسطة فيهم والله عالم الغيب والشهادة