الفصل الثاني: في العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه فصول وتمهيدات - الفصل الثامن عشر: في أن من عوائق الملك حصول الترف وانغماس القبيل في النعيم

وسبب ذلك أن القبيل إذا غلبت بعصبيتها بعض الغلب استولت على النعمة بمقداره وشاركت أهل النعم والخصب في نعمتهم وخصبهم وضربت معهم في ذلك بسهم وحصة بمقدار غلبها واستظهار الدولة بها فإن كانت الدولة من القوة بحيث لا يطمع أحد في انتزاع أمرها ولا مشاركتها فيه أذعن ذلك القبيل لولايتها والقنوع بما يسوغون من نعمتها ويشركون فيه من جبايتها ولم تسم آمالهم إلى شيء من منازع الملك ولا أسبابه إنما همتهم النعيم والكسب وخصب العيش والسكون في ظل الدولة إلى الدعة والراحة والأخذ بمذاهب الملك في المباني والملابس والاستكثار من ذلك والتأنق فيه بمقدار ما حصل من الرياش والترف وما يدعو إليه من توابع ذلك فتذهب خشونة البداوة وتضعف العصبية والبسالة ويتنعمون فيما أثاهم الله من البسطة وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك من الترفع عن خدمة أنفسهم وولاية حاجاتهم ويستنكفون عن سائر الأمور الضرورية في العصبية حتى يصير ذلك خلفا لهم وسجية فتنقص عصبيتهم وبسالتهم في الأجيال بعدهم يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبية
141
فيأذنون بالانقراض وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلا عن الملك فإن عوارض الترف والغرق في النعيم كاسر من سورة العصبية التي بها التغلب وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلا عن المطالبة والتهمتهم الأمم سواهم فقد تبين أن الترف من عوائق الملك والله يؤتي ملكه من يشاء