148
والسبب في ذلك والله أعلم ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها وصارت بالاستعباد آلة لسواها وعالة عليهم فيقصر الأمل ويضعف الناسل والاعتمار إنما هو عن جدة الأمل وما يحدث عنه من النشاط في القوى الحيوانية فإذا ذهب الأمل بالتكاسل وذهب ما يدعو إليه من الأحوال وكانت العصبية ذاهبة بالغلب الحاصل عليهم تناقص عمرانهم وتلاشت مكاسبهم ومساعيهم وعجزوا عن المدافعة عن أنفسهم بما خضد الغلب من شوكتهم فأصبحوا مغلبين لكل متغلب وطعمة لكل آكل وسواء كانوا حصلوا على غايتهم من الملك أم لم يحصلوا وفيه والله أعلم سر آخر وهو أن الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له والرئيس إذا غلب على رئاسته وكبح عن غاية عزه تكاسل حتى عن شبع بطنه وري كبده وهذا موجود في أخلاق الأناسي ولقد يقال مثله في الحيوانات المفترسة وإنها لا تسافد إلا إذا كانت في ملكة الآدميين فلا يزال هذا القبيل المملوك عليه أمره في تناقص واضمحلال إلى أن يأخذهم الفناء والبقاء لله وحده واعتبر ذلك في أمة الفرس كيف كانت قد ملأت العالم كثرة ولما فنيت حاميتهم في أيام العرب بقي منهم كثيرا وأكثر من الكثير يقال إن سعدا أحصى ما وراء المدائن فكانوا مائة ألف وسبعة وثلاثين ألفا منهم سبعة وثلاثون ألفا رب بيت ولما تحصلوا في ملكة العرب وقبضة القهر لم يكن بقاؤهم إلا قليلا ودثروا كأن لم يكونوا ولا تحسبن أن ذلك لظلم نزل بهم أو عدوان شملهم فملكة الإسلام في العدل ما علمت وإنما هي طبيعة في الإنسان إذا غلب على أمره وصار آلة لغيره ولهذا إنما تذعن للرق في الغالب أمم السودان لنقص الإنسانية فيهم وقربهم من عرض الحيوانات العجم كما قلناه أو من يرجو بانتظامه في ربقة الرق حصول رتبة أو إفادة مال أو عز كما يقع لممالك الترك بالمشرق والعلوج من الجلالقة والإفرنجة فإن العادة جارية باستخلاص الدولة لهم فلا يأنفون من الرق لما يأملونه من الجاه والرتبة باصطفاء الدولة والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق