مسير خالد بن الوليد لهدم العزى

خالد يهدم العزى ثم بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة ، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه ، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول ‏:‏

أيا عز شدي لا شوى لـهـا

 

على خالد ألقى القناع وشمـري

يا عز إن لم تقتلي المرء خالداً

 

فبوئي بإثم عاجل أو تنـصـري


فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، قال ‏:‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان ‏.‏

غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح

اجتماع هوازن ‏ ‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء ، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، ولم يشهدها منهم أحد له اسم ‏.‏ وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وفي ثقيف سيدان لهم، في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك ، وأخوه أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري ‏.‏ فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به ‏.‏

ما أشار به دريد بن الصمة ‏ :‏

فلما نزل قال ‏:‏ بأي واد أنتم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بأوطاس ، قال ‏:‏ نعم مجال الخيل ‏!‏ لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ‏؟‏ قالوا ‏:‏ ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ‏.‏ قال ‏:‏ أين مالك ‏؟‏ قيل ‏:‏ هذا مالك ودعي له ، فقال ‏:‏ يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ‏؟‏ قال ‏:‏ سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال‏:‏ ولم ذاك ‏؟‏ قال ‏:‏ أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ، ليقاتل عنهم ، قال ‏:‏ فأنقض به ، ثم قال ‏:‏ راعي ضأن والله ‏!‏ وهل يرد المنهزم شيء ‏؟‏ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ‏.‏ ثم قال ‏:‏ ما فعلت كعب وكلاب ‏؟‏ قالوا ‏:‏ لم يشهدها منهم أحد، قال ‏:‏ غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر، قال ‏:‏ ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران ؛ يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك ‏.‏ قال ‏:‏ والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت وكبر عقلك ‏.‏ والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ‏.‏ وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛ فقالوا ‏:‏ أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة ‏:‏ هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ‏:‏

ياليتني فيها جـذع

 

أخب فيهـا وأضـع

أقود وطفاء الزمع

 

وكأنها شـاة صـدع


قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله ‏:‏

يا ليتني فيها جذع


الملائكة وعيون مالك بن عوف ‏ :‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم قال ‏:‏ مالك للناس ‏:‏ إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد ‏.‏ قال ‏:‏ وحدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان أنه حدث ‏:‏ أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال ‏:‏ ويلكم ‏!‏ ما شأنكم ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد ‏.‏


بعث عبدالله بن أبي حدرد عيناً على خزاعة ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم ‏.‏ فانطلق ابن أبي حدرد، فدخل فيهم ، فأقام فيهم ، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر ‏:‏ كذب ابن أبي حدرد ، فقال ابن أبي حدرد ‏:‏ إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر ، فقد كذبت من هو خير مني ‏.‏ فقال عمر‏:‏ يا رسول الله ، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قد كنت ضالاً ، فهداك الله يا عمر ‏.‏


استعارة الرسول أدراع صفوان ‏ :‏

فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك ‏.‏ فقال ‏:‏ يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً ، فقال صفوان ‏:‏ أغصبا يا محمد ‏؟‏ قال ‏:‏ بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك ؛ قال ‏:‏ ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل ‏.‏


من أمره عليه السلام على مكة ‏ :‏

قال ‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفاً ، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن ‏.‏


قصيدة ابن مرداس ‏ :‏

فقال عباس بن مرداس السلمي ‏:‏

أصابت العام رعلاً غول قومهم

 

وسط البيوت ولون الغول ألـوان

يا لهف أم كلاب إذ تبـيتـهـم

 

خيل ابن هوذة لا تنهى وإنـسـان

لا تلفظوها وشدوا عقد ذمتكـم

 

أن ابن عمكم سـعـد ودهـمـان

لن ترجعوها وإن كانت مجللة

 

ما دام في النعم المأخوذ ألـبـان

شنعاء جلل من سوآتها حضـن

 

وسال ذو شوغر منها وسـلـوان

ليست بأطيب مما يشتوي حذف

 

إذ قال ‏:‏كل شواء العير جـوفـان

وفي هوازن قوم غير أن بهـم

 

داء اليماني فإن لم يغدروا خانـوا

فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم

 

ولو نهكناهم بالطعـن قـد لانـوا

أبلغ هوازن أعلاها وأسفلهـا

 

مني رسالة نصـح فـيه تـبـيان

أني أظن رسول الله صابحكـم

 

جيشا له في فضاء الأرض أركان

فيهم أخوكم سليم غير تارككـم

 

والمسلمون عباد الـلـه غـسـان

وفي عضادته اليمنى بنو أسـد

 

والأجربان بنو عـبـس وذبـيان

تكاد ترجف منه الأرض رهبته

 

وفي مقدمـه أوس وعـثـمـان


قال ابن إسحاق ‏:‏ أوس وعثمان ‏:‏ قبيلا مزينة ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ من قوله ‏:‏ أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها ، إلى آخرها في هذا اليوم ، وما قبل ذلك في غير هذا اليوم ، وهما مفصولتان ، ولكن ابن إسحاق جعلهما واحدة ‏.‏  قصة ذات أنواط ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ، عن أبي واقد الليثي، أن الحارث بن مالك ، قال ‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية ، قال ‏:‏ فسرنا معه إلى حنين ، قال ‏:‏ وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء ، يقال لها ‏:‏ ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوماً ‏.‏ قال ‏:‏ فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة، قال ‏:‏ فتنادينا من جنبات الطريق ‏:‏ يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الله أكبر ، قلتم ، والذي نفس محمد بيده ، كما قال قوم موسى لموسى‏:‏‏ {(‏اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون ‏)} ‏ ‏.‏ إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم ‏.‏


ثبات الرسول وبعض الصحابة في لقاء هوازن ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال ‏:‏ وفي عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد ‏.‏ وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمن ، ثم قال ‏:‏ أين أيها الناس ‏؟‏ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله ‏.‏ قال ‏:‏ فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ‏.‏


من ثبت معه صلى الله عليه وسلم ‏ :‏


وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ، والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة ؛ وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان ‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ ورجل من هوزان على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه ‏.‏


أبو سفيان بن حرب وبعض الناس يشمت بالمسلمين ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب ‏:‏ لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته ‏.‏ وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام ‏:‏ كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ألا بطل السحر اليوم ‏!‏ فقال له صفوان ‏:‏ اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن ‏.‏


حسان يهجو كلدة ‏ :‏

قال ابن هشام ‏:‏ وقال حسان بن ثابت يهجو كلدة ‏:‏

رأيت سواداً من بعيد فراعني

 

أبو حنبل ينزو على أم حـنـبـل

كأن الذي ينزو به فوق بطنها

 

ذراع قلوص من نتاج ابن عزهل


أنشدنا أبو زيد هذين البيتين ، وذكر لنا أنه هجا بهما صفوان بن أمية ، وكان أخا كلدة لأمه ‏.‏


شيبة بن طلحة يحاول قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبدالدار ، قلت ‏:‏ اليوم أدرك ثأري من محمد ، وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمداً ، قال ‏:‏ فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي ، فلم أطق ذاك ، وعلمت أنه ممنوع مني ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله ‏:‏ لن نغلب اليوم من قلة ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قالها ‏.‏


النصر للمسلمين ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، قال ‏:‏ إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال ‏:‏ وكنت امرأ جسيماً شديد الصوت ‏.‏ قال ‏:‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس ‏:‏ أين أيها الناس ‏؟‏ فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال ‏:‏ يا عباس ، اصرخ يا معشر الأنصار ‏:‏ يا معشر أصحاب السمرة ، قال ‏:‏ فأجابوا ‏:‏ لبيك لبيك ‏!‏ قال ‏:‏ فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ، ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ؛ ويأخذ سيفه ترسه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، فيؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت ‏:‏ يا للأنصار ‏.‏ ثم خلصت أخيراً ‏:‏ يا للخزرج ‏.‏ وكانوا صبراً عند الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه ‏.‏ فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون ، فقال ‏:‏ الآن حمي الوطيس ‏.‏


قتل علي صاحب راية هوازن ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ بينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع ، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه ، قال ‏:‏ فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال ‏:‏ واجتلد الناس ، فوالله مارجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قال ‏:‏ والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو أخذ بثفر بغلته ، فقال ‏:‏ من هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا ابن أمك يا رسول الله ‏.‏


أم سليم في المعركة ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان ‏:‏ وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة ، ومعها جمل أبي طلحة ، وقد خشيت أن يعزها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في حزامته مع الخطام ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أم سليم ‏؟‏ قالت ‏:‏ نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أو يكفي الله يا أم سليم ‏؟‏ قال ‏:‏ ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة ‏:‏ ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ‏؟‏ قالت ‏:‏ خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به قال ‏:‏ يقول أبو طلحة ‏:‏ ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء ‏.‏


شعر مالك بن عوف يوم حنين ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين وجه إلى حنين ، قد ضم بني سليم الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكانوا إليه ومعه ، ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه ‏:‏

أقدم محـاج إنـه يوم نـكـر

 

مثلي على مثلك يحـمـى ويكـر

إذا أضيع الصف يوما والدبـر

 

ثم احزألت زمـر بـعـد زمـر

كتائب يكل فيهـن الـبـصـر

 

قد أطعن الطعنة تقذى بالسـبـر

حين يذم المستكين المنجـحـر

 

وأطعن النجلاء تعـوي وتـهـر

لها من الجوف رشاش منهمر

 

تفهق تارات وحينا تـنـفـجـر

وثعلب العامل فيها منكـسـر

 

يا زيد يا بن همـهـم أين تـفـر

قد نفد الضرس وقد طال العمر

 

قد علم البيض الطويلات الخمـر

أني في أمثالها غير غـمـر

 

إذ تخرج الحاصن من تحت الستر


وقال مالك بن عوف أيضاً ‏:‏

أقدم محاج إنها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره

 

 


قال ابن هشام ‏:‏ وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم ‏.‏


من قتل قتيلاً فله سلبه ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال ‏:‏ وحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا ‏:‏ قال أبو قتادة ‏:‏ رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان ‏:‏ مسلماً ومشركاً ، قال ‏:‏ وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم ‏.‏ قال ‏:‏ فأتيته ، فضربت يده ، فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى ‏:‏ ريح الموت ، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني ، فلولا أن الدم نزفه لقتلني، فسقط ، فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه ‏.‏ فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، والله لقد قتلت قتيلاً ذا سلب ، فأجهضني عنه القتال ، فما أدري من استلبه ‏؟‏ فقال رجل من أهل مكة ‏:‏ صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه ، فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ‏:‏ لا والله ، لا يرضيه منه ، تعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن دين الله ، تقاسمه سلبه ‏!‏ اردد عليه سلب قتيله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صدق اردد عليه سلبه ‏.‏ فقال أبو قتادة ‏:‏ فأخذته منه ، فبعته ، فاشتريت بثمنه مخرفاً ، فإنه لأول مال اعتقدته ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن أبي سلمة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال ‏:‏ لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً ‏.‏


الملائكة تحضر القتال ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال ‏:‏ رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ثم لم يكن إلا هزيمة القوم ‏.‏


هزيمة هوازن ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، قالت امرأة من المسلمين ‏:‏

قد غلبت خيل الله خيل اللات

 

والـلـه أحـق بـالـثـبـات


قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر ‏:‏

غلبت خيل الله خيل اللات

 

وخيله أحـق بـالـثـبـات


قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبدالله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبدالله ، فقاتل بها حتى قتل ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود ، قال ‏:‏ لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، قال ‏:‏ أبعده الله ‏!‏ فإنه كان يبغض قريشاً ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ‏:‏ أنه قتل مع عثمان بن عبدالله غلام له نصراني أغرل ، قال ‏:‏ فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف ، إذ كشف العبد يسلبه ، فوجده أغرل ‏.‏ قال ‏:‏ فصاح بأعلى صوته ‏:‏ يا معشر العرب ‏:‏ يعلم الله أن ثقيفا غرل ‏.‏ قال المغيرة بن شعبة ‏:‏ فأخذت بيده ، وخشيت أن تذهب عنا في العرب ، فقلت ‏:‏ لا تقل ذاك ، فداك أبي وأمي ، إنما هو غلام لنا نصراني ‏.‏ قال ‏:‏ ثم جعلت أكشف له عن القتلى ، وأقول له ‏:‏ ألا تراهم مختنين كما ترى ‏!‏ هروب قارب بن الأسود مع قومه يوم حنين ‏ :‏



قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة ، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين ‏:‏ رجل من غيرة ، يقال له‏:‏ وهب ، وآخر من بني كبة ، يقال له ‏:‏ الجلاح ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح ‏:‏ قتل اليوم سيد شباب ثقيف ، إلا ما كان من ابن هنيدة ، يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس ‏.‏


شعر عباس بن مرداس في هجاء قارب وقومه ‏ :‏


فقال عباس ابن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت ‏:‏

ألا من مبلغ غيلان عـنـي

 

وسوف - إخال - يأتيه الخبير

وعروة إنما أهدى جـوابـا

 

وقولاً غير قولـكـمـا يسـير

بأن محمداً عـبـد رسـول

 

لرب لا يضـل ولا يجـــور

وجدناه نبياً مثـل مـوسـى

 

فكل فتـى يخـايره مـخـير

وبئس الأمر أمر بني قسـي

 

بوج إذ تقـسـمـت الأمـور

أضاعوا أمرهم ولكل قـوم

 

أمـير والـدوائر قـد تـدور

فجئنا أسد غابـات إلـيهـم

 

جنود الله ضـاحـية تـسـير

يؤم الجمع جمع بني قسـي

 

على حنق نكـاد لـه نـطـير

وأقسم لو هم مكثوا لسرنـا

 

إليهم بالجنـود ولـم يغـوروا

فكنا أسد لـية ثـم حـتـى

 

أبحناها وأسلمت الـنـصـور

ويوم كان قبل لدى حـنـين

 

فأقلع والدمـاء بـه تـمـور

من الأيام لم تسمـع كـيوم

 

ولم يسمـع بـه قـوم ذكـور

قتلنا في الغبار بني حطـيط

 

على راياتهـا والـخـيل زور

ولم يك ذو الخمار رئيس قوم

 

لهم عقل يعاقـب أو مـكـير

أقام بهم على سنن المـنـايا

 

وقد بانت لمبصرهـا الأمـور

فأفلتمن نجا منهم جـريضـاً

 

وقتل منهـم بـشـر كـثـير

ولا يغني الأمور أخو التواني

 

ولا الغلق الصريرة الحصـور

أحانهم وحـان ومـلـكـوه

 

أمورهم وأفلتت الـصـقـور

بنو عوف تميح بهـم جـياد

 

أهين لها الفصافص والشعـير

فلولا قـارب وبـنـو أبـيه

 

تقسمت المزارع والقـصـور

ولكن الرياسة عمـمـوهـا

 

على يمن أشار به الـمـشـير

أطاعوا قاربا ولهـم جـدود

 

وأحلام إلـى عـز تـصـير

فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا

 

أنوف الناس ما سمر السمـير

وإن لم يسلموا فـهـم أذان

 

بحرب الله ليس لهـم نـصـير

كما حكت بني سعد وحرب

 

برهط بني غزية عنـقـفـير

كأن بني معاوية بن بـكـر

 

إلى الإسلام ضـائنة تـخـور

فقلنا أسلموا إنـا أخـوكـم

 

وقد برأت من الإحن الصـدور

كأن القوم إذ جاءوا إلـينـا

 

من البغضاء بعد السلـم عـور


قال ابن هشام ‏:‏ غيلان ‏:‏ غيلان بن سلمة الثقفي ، وعروة ‏:‏ عروة بن مسعود الثقفي ‏.‏


مقتل دريد ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما انهزم المشركون ، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا ‏.‏ فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال ابن عوف بن امرؤ القيس ، وكان يقال له ‏:‏ ابن الدغنة وهي أمه ، فغلبت على اسمه ، ويقال ‏:‏ ابن لذعة فيما قال ابن هشام ‏:‏ - دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناح به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ‏!‏ فقال له دريد ‏:‏ ماذا تريد بي ‏؟‏ قال ‏:‏ أقتلك ، قال‏:‏ ومن أنت ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئاً ، فقال ‏:‏ بئس ما سلحتك أمك ‏!‏ خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ، وكان الرحل في الشجار ، ثم أضرب به ، وارفع عن العظام ، وأخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك ‏.‏ فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه ، مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت ‏:‏ أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً ‏.‏


شعر عمرة بنت دريد في مقتل أبيها ‏ :‏


فقالت عمرة بنت دريد في قتل ربيعة دريداً ‏:‏

لعمرك ما خشيت على دريد

 

ببطن سميرة جيش العـنـاق

جزى عنه الإله بني سلـيم

 

وعقتهم بما فعـلـوا عـقـاق

وأسقانا إذا قـدنـا إلـيهـم

 

دماء خيارهم عند الـتـلاقـي

فرب عظيمة دافعت عنهـم

 

وقد بلغت نفوسهم التـراقـي

ورب كريمة أعتقت منهـم

 

وأخرى قد فككت من الوثـاق

ورب منوه بك من سـلـيم

 

أجبت وقد دعاك بـلا رمـاق

فكان جزاؤنا منهم عقوقـا

 

وهما ماع منه مـخ سـاقـي

عفت آثار خيلك بـعـد أين

 

بذي بقر إلى فيف الـنـهـاق


وقالت عمرة بنت دريد أيضاً ‏:‏

قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا

 

فظل دمعي على السربال ينحدر

لولا الذي قهر الأقوام كلـهـم

 

رأت سليم وكعب كيف تأتـمـر

إذن لصبحهم غباً وظـاهـرة

 

حيث استقرت نواهم جحفل ذفـر


قال ابن هشام ‏:‏ ويقال اسم الذي قتل دريداً ‏:‏ عبدالله بن قنيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة ‏.‏


استشهاد أبي عامر الأشعري ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال ، فرمي أبو عامر بسهم فقتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه ، فقاتلهم ، ففتح الله على يديه وهزمهم ، فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته ، فقتله ، فقال ‏:‏

إن تسألوا عني فإني سـلـمـه

 

ابن سمـادير لـمـن تـوسـمـه

أضرب بالسيف رءوس المسلمه

 

 

دعاء الرسول لبني رئاب ‏ :‏

وسمادير ‏:‏ أمه ‏.‏ واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب ، فزعموا أن عبدالله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء ، وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال ‏:‏ يا رسول الله ، هلكت بنو رئاب ‏.‏ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ اللهم اجبر مصيبتهم ‏.‏

شعر لمالك بن عوف يوم حنين ‏ :‏

وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه ، على ثنية من الطريق ، وقال لأصحابه ‏:‏ قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم ، وتلحق أخراكم ‏.‏ فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛ فقال مالك بن عوف في ذلك ‏:‏

ولولا كرتان على مـحـاج

 

لضاق على العضاريط الطريق

ولولا كر دهمان بن نصـر

 

لدى النخلات مندفع الـشـديق

لآبت جعفر وبنـو هـلال

 

خزايا محقبين على شـقـوق


قال ابن هشام ‏:‏ هذه الأبيات لمالك بن عوف في غير هذا اليوم ‏.‏ ومما يدلك على ذلك قول دريد بن الصمة في صدر هذا الحديث ‏:‏ ما فعلت كعب وكلاب ‏؟‏ فقالوا له ‏:‏ لم يشهدها منهم أحد ‏.‏ وجعفر بن كلاب ‏.‏ وقال مالك بن عوف في هذه الأبيات ‏:‏ لآبت جعفر وبنو هلال ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ وبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون‏؟‏ فقالوا‏:‏ نرى قوماً واضعي رماحهم بين آذان خيلهم ، طويلة بوادهم ؛ فقال ‏:‏ هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم ؛ فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي ‏.‏ ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ؛ فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون‏؟‏ قالوا ‏:‏ نرى قوماً عارضي رماحهم أغفالاً على خيلهم ؛ فقال ‏:‏ هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم ‏.‏ فلما انتهوا إلى الثنية سلكوا طريق بني سليم ‏.‏ ثم طلع فارس ؛ فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون‏؟‏ قالوا‏:‏ نرى فارساً طويل الباد ، واضعاً رمحه على عاتقه ، عاصباً رأسه بملاءة حمراء فقال ‏:‏ هذا الزبير بن العوام واحلف باللات ليخالطنكم ، فاثبتوا له ‏.‏ فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم ، فصمد لهم، فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها ‏.‏ شعر سلمة بن دريد في فراره يوم حنين ‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال سلمة بن دريد وهو يسوق بامرأته حتى أعجزهم ‏:‏

نسيتني ما كنت غير مصابة

 

ولقد عرفت غداة نعف الأظرب

أني منعتك والركوب محبب

 

ومشيت خلفك مثل مشي الأنكب

إذ فر كل مهـذب ذي لـمة

 

عن أمه وخليلـه لـم يعـقـب


من حديث أبي عامر الأشعري ومقتله يوم حنين ‏ ‏


قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر ، وحديثه ‏:‏ أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ؛ ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ‏:‏ ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً ، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر ، وحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ؛ فقال الرجل ‏:‏ اللهم لا تشهد علي ، فكف عنه أبو عامر فأفلت ؛ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ‏.‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال ‏:‏ هذا شريد أبي عامر ‏.‏ ورمى أبا عامر أخوان ‏:‏ العلاء وأوفى ابنا الحارث ، من بني جشم بن معاوية ، فأصاب أحدهما قلبه ، والآخر ركبته ، فقتلاه ‏.‏ وولي الناس أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما ؛ فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما ‏:‏

إن الرزية قتل العـلاء

 

وأوفى جميعا ولم يسـنـدا

هما القاتلان أبا عامـر

 

وقد كـان ذا هـبة أربـدا

هما تركاه لدى معـرك

 

كأن على عطفه مجسـدا

فلم تر في الناس مثليهما

 

أقل عـثـارا وأرمـى يدا


نهيه عليه السلام عن قتل الضعفاء ‏:‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض أصحابنا ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد ، والناس متقصفون عليها فقال ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ امرأة قتلها خالد بن الوليد ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه ‏:‏ أدرك خالداً ، فقل له ‏:‏ إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً ‏.‏


الشيماء أخت الرسول ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض بني سعد بن بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ ‏:‏ إن قدرتم على بجاد ، رجل من بني سعد بن بكر ، فلا يفلتنكم ، وكان قد أحدث حدثاً ، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ، وساقوا معه الشيماء ، بنت الحارث بن عبدالعزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، فعنفوا عليها في السياق ؛ فقالت للمسلمين ‏:‏ تعلموا والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة ؛ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ إكرامه عليه السلام أخته الشيماء ‏ :‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ، قال ‏:‏ فلما انتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏:‏ يا رسول الله ، إني أختك من الرضاعة ؛ قال ‏:‏ وما علامة ذلك ‏؟‏ قالت ‏:‏ عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ؛ قال ‏:‏ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، فأجلسها عليه ، وخيرها ، وقال ‏:‏ إن أحببت فعندي محبة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت ؛ فقالت ‏:‏ بل تمتعني وتردني إلى قومي ‏.‏ فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردها إلى قومها ‏.‏ فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول ، وجارية ، فزوجت أحدهما الأخرى ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية ‏.‏


ما أنزل الله في حنين ‏ :‏


قال ابن هشام ‏:‏ وأنزل الله عز وجل في يوم حنين ‏:‏ ‏ {(‏ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ‏)} ‏ إلى قوله ‏:‏ ‏ (‏ وذلك جزاء الكافرين ‏) ‏ ‏.‏


شهداء حنين ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين ‏:‏ من قريش ‏:‏ ثم من بني هاشم ‏:‏ أيمن بن عبيد ‏.‏  ومن بني أسد بني عبدالعزى ‏:‏ يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، جمح به فرس له يقال له الجناح ، فقتل ‏.‏ ومن الأنصار ‏:‏ سراقة بن الحارث بن عدي ، من بني العجلان ‏.‏ ومن الأشعريين ‏:‏ أبو عامر الأشعري ‏.‏


سبايا حنين وأموالها ‏ :‏


ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها ، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها ‏.‏


شعر بجير يوم حنين ‏ :‏


وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم حنين ‏:‏

لولا الإله وعبـده ولـيتـم

 

حين استخف الرعب كل جبان

بالجزع يوم حبا لنا أقراننـا

 

وسوابح يكـبـون لـلأذقـان

من بين ساع ثوبه في كفه

 

ومقطر بسنـابـك ولـبـان

والله أكرمنا وأظهر ديننـا

 

و أعزنا بعبادة الـرحـمـن

والله أهلكهم وفرق جمعهم

 

و أذلهم بعبادة الـشـيطـان


قال ابن هشام ‏:‏ ويروى فيها بعض الرواة ‏:‏

إذ قام عم نبيكـم وولـيه

 

يدعون يا لكـتـيبة الإيمـان

أين الذين هم أجابوا ربهم

 

يوم العريض وبيعة الرضوان


شعر لعباس بن مرداس يوم حنين ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس في يوم حنين ‏:‏

إني والسوابـح يوم جـمـع

 

وما يتلو الرسول من الكـتـاب

لقد أحببت ما لقيت ثـقـيف

 

بجنب الشعب أمس من العذاب

هم رأس العدو من أهل نجد

 

فقتلهـم ألـذ مـن الـشـراب

هزمنا الجمع جمع بني قسي

 

وحكت بركها بـبـنـي رئاب

وصرما من هلال غادرتهم

 

بأوطاس تعفـر بـالـتـراب

ولو لاقين جمع بني كـلاب

 

لقام نساؤهم والنقـع كـابـي

ركضنا الخيل فيهم بين بـس

 

إلى الأورال تنحط بالنـهـاب

بذى لجب رسول الله فيهـم

 

كتيبته تعـرض لـلـضـراب


قال ابن هشام ‏:‏ قوله ‏:‏ تعفر بالتراب ‏:‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏ عطية بن عفيف النصري يرد على شعر عباس بن مرداس ‏:‏ فأجابه عطية بن عفيف النصري ، فيما حدثنا ابن هشام ، فقال ‏:‏

أفاخرة رفاعة في حنين

 

وعباس ابن راضعة اللجاب

فإنك والفجار كذات مرط

 

لربتها وترفل في الإهـاب


قال ابن إسحاق ‏:‏ قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما أكثر عباس على هوازن في يوم حنين ‏.‏ ورفاعة من جهينة ‏.‏


شعر آخر لابن مرداس في يوم حنين ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏

يا خاتم النبـاء إنـك مـرسـل

 

بالحق كل هدى السبـيل هـداكـا

إن الإله بنى علـيك مـحـبة

 

في خلقه ومحـمـداً سـمـاكـا

ثم الذين وفوا بما عاهـدتـهـم

 

جند بعثت عليهم الـضـحـاكـا

رجلاً به ذرب السلاح كـأنـه

 

لما تـكـنـفـه الـعـدو يراكـا

يغشى ذوي النسب القريب وإنما

 

يبغى رضا الرحمن ثم رضـاكـا

أنبيك أني قـد رأيت مـكـرة

 

تحت العجاجة يدمـغ الإشـراكـا

طوراً يعانق بـالـيدين وتـارة

 

يفرى الجماجم صارما بـتـاكـا

يغشى به هام الكماة ولو تـرى

 

منه الذي عاينت كـان شـفـاكـا

وبنو سليم معنـقـون أمـامـه

 

ضربا وطعنا في العـدو دراكـا

يمشون تحت لوائه وكـأنـهـم

 

أسد العـرين أردن ثـم عـراكـا

ما يرتجون من القريب قـرابة

 

إلا لطـاعة ربـهـم وهـواكـا

هذي مشاهدنا التي كانت لـنـا

 

معـروفة وولـينـا مـولاكــا


وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏

إما ترى يا أم فروة خيلـنـا

 

منها معطلة تـقـاد وظـلـع

أوهى مقارعة الأعادي دمها

 

فيها نوافذ من جراح تـنـبـع

فلرب قائلة كفاها وقعـنـا

 

أزم الحروب فسربها لا يفـزع

لا وفد كالوفد الألى عقدوا لنا

 

سببا بحبل محمـد لا يقـطـع

وفد أبو قطن حزابة منهـم

 

وأبو الغيوث وواسع والمقنـع

والقائد المائة التي وفى بهـا

 

تسع المئين فتـم ألـف أقـرع

جمعت بنو عوف ورهط مخاشن

 

ستا وأحلب مـن خـفـاف أربـع

فهناك إذ نصر النبي بألـفـنـا

 

عقد النبـي لـنـا لـواء يلـمـع

فزنا بـرايتـه وأورث عـقـده

 

مجد الـحـياة وسـودداً لا ينـزع

وغداة نحن مع النبي جنـاحـه

 

ببطاح مكة والـقـنـا يتـهـزع

كانت إجابتنا لـداعـى ربـنـا

 

بالحق منـا حـاسـر ومـقـنـع

في كل سابغة تخير سـردهـا

 

داود إذ نـسـج الـحـديد وتـبـع

ولنا على بئري حنين مـوكـب

 

دمغ النفاق وهضبة مـا تـقـلـع

نصر النبي بنا وكنا مـعـشـرا

 

في كل نائبة نـضـر ونـنـفـع

ذدنا غداتئذ هوازن بـالـقـنـا

 

والخيل يغمرها عجـاج يسـطـع

إذ خاف حدهم النبي وأسـنـدوا

 

جمعا تكاد الشمس منه تـخـشـع

تدعى بنو جشم وتدعى وسطـه

 

أفنـاء نـصـر والأسـنة شـرع

حتى إذا قال الرسول محـمـد

 

أبني سليم قد وفيتـم فـارفـعـوا

رحنا ولولا نحن أجحف بأسهـم

 

بالمؤمنين وأحرزوا ما جـمـعـوا


وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين ‏:‏

عفا مجدل من أهله فمتـالـع

 

فمطلا أريك قد خلا فالمصـانـع

ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنـا

 

رخي وصرف الدار للحي جامع

حبيبة ألوت بها غربة الـنـوى

 

لبين فهل ماض من العيش راجع

فإن تبتغي الكفار غير ملـومة

 

فإني وزير لـلـنـبـي وتـابـع

دعاني إليهم خير وفد علمتهـم

 

خزيمة والمرار منهـم وواسـع

فجئنا بألف من سليم علـيهـم

 

لبوس لهم من نـسـج داود رائع

نبايعه بالأخـشـبـين وإنـمـا

 

يد الله بين الأخـشـبـين نـبـايع

فجسنا مع المهدي مكة عنـوة

 

بأسيافنا والنقع كـاب وسـاطـع

عدنية والخيل يغشى متونـهـا

 

حميم وآن من دم الجوف نـاقـع

ويوم حنين حين سارت هوازن

 

إلينا وضاقت بالنفوس الأضـالـع

صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا

 

قراع الأعادي منهـم والـوقـائع

أمام رسول الله يخفق فوقـنـا

 

لواء كخذروف السحابة لا معض

عشية ضحاك بن سفيان معتص

 

بسيف رسول الله والموت كانـع

نذود أخانا عن أخينا ولو نـرى

 

مصالاً لكنا الأقربـين نـتـابـع

ولكن دين الله دين مـحـمـد

 

رضينا به فيه الهدى والـشـرائع

أقام به بعد الضـلالة أمـرنـا

 

وليس لأمر حمـه الـلـه دافـع


وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين ‏:‏

تقطع باقـي وصـل أم مـؤمـل

 

بعاقبة واستـبـدلـت نـية خـلـفـا

وقد حلفت بالله لا تقطع الـقـوى

 

فما صدقت فيه ولا برت الحـلـفـا

خفافية بطن العقيق مـصـيفـهـا

 

وتحتل في البادين وجرة فالـعـرفـا

فإن تتبع الـكـفـار أم مـؤمـل

 

فقد زودت قلبي على نأيها شـغـفـا

وسوف ينبيها الخـبـير بـأنـنـا

 

أبينا ولم نطلب سوى ربنـا حـلـفـا

وأنا مع الهادي النبـي مـحـمـد

 

وفينا ولم يستوفها مـعـشـر ألـفـا

بفتيان صدق مـن سـلـيم أعـزة

 

أطاعوا فما يعصون من أمره حرفـا

خفاف وذكوان وعوف تخـالـهـم

 

مصاعب زافت في طروقتها كلـفـا

كأن النسيج الشهب والبيض ملبـس

 

أسوداً تلاقت في مراصدها غضـفـا

بنا عز دين اللـه غـير تـنـحـل

 

وزدنا على الحي الذي معه ضعـفـا

بمـكة إذ جـئنـا كـأن لـواءنـا

 

عقاب أرادت بعد تحليقها خـطـفـا

على شخص الأبصار تحسب بينهـا

 

إذا هي جالت في مراودهـا عـزفـا

غداة وطئنا المشركين ولـم نـجـد

 

لأمر رسول الله عـدلا ولا صـرفـا

بمعترك لا يسمع القـوم وسـطـه

 

لنا زجمة إلا التذامـر والـنـقـفـا

ببيض تطير الهام عن مستقـرهـا

 

ونقطف أعناق الكماة بهـا قـطـفـا

فكائن تركنا من قتـيل مـلـحـب

 

وأرملة تدعو على بعلـهـا لـهـفـا

رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي

 

ولله ما يبدو جمـيعـا ومـا يخـفـى


وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏

ما بال عينك فيها عائر سهـر

 

مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر

عين تأوبها من شجوهـا أرق

 

فالماء يغمرها طوراً وينـحـدر

كأنه نظـم در عـنـد نـاظـمة

 

تقطع السلك منه فـهـو مـئتـثـر

يا بعد منزل من ترجو مـودتـه

 

ومن أتى دونه الصمان فالـحـفـر

دع ما تقدم من عهد الشباب فقـد

 

ولى الشباب وزار الشيب والزعـر

واذكر بلاء سليم في مواطنـهـا

 

وفي سليم لأهل الفخر مـفـتـخـر

قوم هم نصروا الرحمن واتبعـوا

 

دين الرسول وأمر الناس مشتـجـر

لا يغرسون فسيل النخل وسطهـم

 

لا تخاور في مشتـاهـم الـبـقـر

إلا سوابح كالعقـبـان مـقـربة

 

في دارة حولها الأخطار والعـكـر

تدعى خفاف وعوف في جوانبهـا

 

وحي ذكوان لا مـيل ولا ضـجـر

الضاربون جنود الشرك ضاحـية

 

ببطـن مـكة والأرواح تـبـتـدر

حتى دفعنا وقتلاهـم كـأنـهـم

 

نخل بظاهرة البطحاء مـنـقـعـر

ونحن يوم حنين كان مشـهـدنـا

 

للدين عزا وعنـد الـلـه مـدخـر

إذ نركب الموت مخضرا بطائنـه

 

والخيل ينجاب عنها سـاطـع كـدر

تحت اللواء مع الضحاك يقدمنـا

 

كما مشى الليث في غاباته الـخـدر

في مأزق من مجر الحرب كلكلها

 

تكاد تأفل منه الشمـس والـقـمـر

وقد صبرنا بأوطاس أسـنـتـنـا

 

لله ننصر من شئنـا ونـنـتـصـر

حتى تأوب أقـوام مـنـازلـهـم

 

لولا المليك ولولا نحن مـا صـدروا

فما ترى معشراً قلوا ولا كثـروا

 

إلا قد أصبـح مـنـا فـيهـم أثـر

         


وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏

يا أيها الرجل الذي تهـوي بـه

 

وجناء مجمرة المناسـم عـرمـس

إما أتيت على النبي فـقـل لـه

 

حقاً عليك إذا اطمأن المـجـلـس

يا خير من ركب المطي ومشى

 

فوق التراب إذا تـعـد الأنـفـس

إنا وفينا بـالـذي عـاهـدتـنـا

 

والخيل تقدع بالكمـاة وتـضـرس

إذ سال من أفناء بهثة كـلـهـا

 

جمع تظل به المخـارم تـرجـس

حتى صبحنا أهل مكة فـيلـقـا

 

شهباء يقدمها الـهـمـام الأشـوس

من كل أغلب من سليم فـوقـه

 

بيضاء محكمة الدخـال وقـونـس

يروي القناة إذا تجاسر في الوغى

 

وتخـالـه أسـداً إذا مـا يعـبـس

يغشى الكتيبة معلما وبـكـفـه

 

عضب يقد بـه ولـدن مـدعـس

وعلى حنين قد وفى من جمعنـا

 

ألف أمد به الـرسـول عـرنـدس

كانوا أمام الـمـؤمـنـين دريئة

 

والشمس يومئذ علـيهـم أشـمـس

نمضي ويحرسنا الإله بحفـظـه

 

والله ليس بـضـائع مـن يحـرس

ولقد حبسنا بالمناقب محـبـسـا

 

رضي الإله به فنعم الـمـحـبـس

وغداة أوطـاس شـددنـا شـدة

 

كفت العدو وقيل منها ‏:‏ يا احبسـوا

تدعو هوازن بالأخاوة بـينـنـا

 

ثدي تـمـد بـه هـوازن أيبــس

حتى تركنا جمعـهـم وكـأنـه

 

عير تعاقبه الـسـبـاع مـفـرس


قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني خلف الأحمر قوله ‏:‏ وقيل منها يا احبسوا ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏

نصرنا رسول الله من غضب له

 

بألف كمي لا تـعـد حـواسـره

جملنا له في عامل الرمح راية

 

يذود بها في حومة الموت ناصره

ونحن خضبناها دما فهو لونهـا

 

غداة حنين يوم صفوان شـاجـره

وكنا على الإسلام ميمـنة لـه

 

وكان لنا عقد اللـواء وشـاهـره

وكنا له دون الجنـود بـطـانة

 

يشاورنا فـي أمـره ونـشـاوره

دعانا فسمانا الشعار مـقـدمـا

 

وكنا له عونا على مـن ينـاكـره

جزى الله خيرا من نبي محمـداً

 

وأيده بالنصر والـلـه نـاصـره


قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني من قوله ‏:‏ وكنا على الإسلام ‏.‏ إلى آخرها ، بعض أهل العلم بالشعر ، ولم يعرف البيت الذي أوله ‏:‏ حملنا له في عامل الرمح راية ، وأنشدني بعد قوله ‏:‏ وكان لنا عقد اللواء وشاهره ، ونحن خضبناه دما فهو لونه ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏

من مبلغ الأقوام أن محمـدا

 

رسول الإله راشد حيث يممـا

دعا ربه واستنصر الله وحده

 

فأصبح قد وفى إليه وأنعـمـا

سرينا وواعدنا قديداً محمـداً

 

يؤم بنا أمراً من الله محكـمـا

تماروا بنا في الفجر حتى تبينـوا

 

مع الفجر فتيانا وغابـا مـقـومـا

على الخيل مشدودا علينا دروعنـا

 

ورجلا كدفاع الأتـي عـرمـرمـا

فإن سراة الحي إن كنـت سـائلا

 

سليم وفيهم منهم مـن تـسـلـمـا

وجند من الأنصار لا يخذلـونـه

 

أطاعوا فما يعصونه ما تـكـلـمـا

فإن تك قد أمرت في القوم خالـدا

 

وقدمـتـه فـإنـه قـد تـقـدمـا

بجند هـداه الـلـه أنـت أمـيره

 

تصيب به في الحق من كان أظلمـا

حلفت يمينـا بـرة لـمـحـمـد

 

فأكملتها ألفا من الخيل مـلـجـمـا

وقال نبي المؤمنـين تـقـدمـوا

 

وحب إلينا أن نكـون الـمـقـدمـا

وبتنا بنهي المستـدير ولـم يكـن

 

بنا الخوف إلا رغـبة وتـحـزمـا

أطعناك حتى أسلم الناس كلـهـم

 

وحتى صبحنا الجمع أهل يلمـلـمـا

يضل الحصان الأبلق الورد وسطه

 

ولا يطمئن الشيخ حـتـى يسـومـا

سمونا لهم ورد القطا زفة ضحى

 

وكل تراه عن أخيه قـد أحـجـمـا

لدن غدوة حتى تركنـا عـشـية

 

حنينا وقد سـالـت دوافـعـه دمـا

إذا شئت من كل رأيت طـمـرة

 

وفارسها يهوي ورمحا محـطـمـا

وقد أحرزت منا هوازن سربهـا

 

وحب إليها أن نخـيب ونـحـرمـا

         

شعر ضمضم بن الحارث في يوم حنين ‏ :‏


قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال ضمضم بن الحارث بن جشم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية السلمي في يوم حنين ، وكانت ثقيف أصابت كنانة بن الحكم بن خالد بن الشريد ، فقتل به محجنا وابن عم له ، وهما من ثقيف ‏:‏

نحن جلبنا الخيل من غير مجلب

 

إلى جرش من أهل زيان والـفـم

نقتل أشبال الأسود ونبـتـغـي

 

طواغي كانت قبلنـا لـم تـهـدم

فإن تفخروا بابن الشريد فإننـي

 

تركت بوج مأتما بـعـد مـأتـم

أباتهما بابن الـشـريد وغـره

 

جواركـم وكـان غـير مـذمـم

تصيب رجالاً من ثقيف رماحنا

 

وأسيافنا يكلمنهـم كـل مـكـلـم


وقال ضمضم بن الحارث أيضاً ‏:‏

أبلغ لديك ذوي الحلائل آية

 

لا تأمنن الدهر ذات خـمـار

بعد التي قالت لجارة بيتهـا

 

قد كنت لو لبث الغزي بـدار

لما رأت رجلا تسفع لونـه

 

وغر المصيفة والعظام عواري

مشط العظام تراه آخر ليله

 

متسربلا في درعه لـغـوار

إذ لا أزال على رحالة نهدة

 

جرداء تلحق بالنـجـاد إزاري

يوما على أثر النهاب وتارة

 

كتبت مجاهدة مع الأنـصـار

وزهاء كل خميلة أزهقتهـا

 

مهلاً تمهلـه وكـل خـبـار

كيما أغير ما بها من حاجة

 

وتود أنـي لا أؤوب فـجـار


شعر أبي خراش يرثي ابن عمه زهير بن العجوة ‏ :‏


قال ابن هشام ‏:‏ حدثني أبو عبيدة ، قال ‏:‏ أسر زهير بن العجوة الهذلي يوم حنين ، فكتف ، فرآه جميل بن معمر الجمحي ، فقال له ‏:‏ أأنت الماشي لنا بالمغايظ ‏؟‏ فضرب عنقه ؛ فقال أبو خراش الهذلي يرثيه ، وكان ابن عمه ‏:‏

عجف أضيافي جميل بن معمر

 

بذي فجر تـأوي إلـيه الأرامـل

طويل نجاد السيف ليس بجـيدر

 

إذا اهتز واسترخت عليه الحمـائل

تكاد يداه تـسـلـمـان إزاره

 

من الجود لما أذلقته الـشـمـائل

إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا

 

ومستنبح بالي الـدريسـين عـائل

تروح مقرورا وهبت عـشـية

 

لها حـدب تـحـتـثـه فـيوائل

فما بال أهل الدار لم يتصدعوا

 

وقد بان منها اللوذعي الحـلاحـل

فأقسم لو لاقيته غير مـوثـق

 

لآبك بالنعف الضبـاع الـجـيائل

وإنك لو واجهتـه إذ لـقـيتـه

 

فنازلته أو كنـت مـمـن ينـازل

لظل جميل أفحش القوم صرعة

 

ولكن قرن الظهر للمرء شاغـل

فليس كعهد الدار يا أم ثـابـت

 

ولكن أحاطت بالرقاب السلاسـل

وعاد الفتى كالشيخ ليس بفاعل

 

سوى الحق شيئا واستراح العواذل

وأصبح إخوان الصفا كأنـمـا

 

أهال عليهم جانب التـرب هـائل

فلا تحسبي أني نسيت لـيالـيا

 

بمكة إذا لم نعد عـمـا نـحـاول

إذ الناس ناس والبلاد بغرة

 

وإذ نحن لا تثنى علينا المداخل


شعر مالك بن عوف يعتذر عن فراره يوم حنين ‏:‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال مالك بن عوف وهو يعتذر يومئذ من فراره ‏:‏

منع الرقاد فما أغمض ساعة

 

نعم بأجزاع الطريق مخـضـرم

سائل هوازن هل أضر عدوها

 

وأعين غارمهـا إذا مـا يغـرم

وكتيبة لبستـهـا بـكـتـيبة

 

فئتين منـهـا حـاسـر ومـلأم

ومقدم تعيا النفوس لضـيقـه

 

قدمته وشهود قـومـي أعـلـم

فوردته وتركت إخوانـا لـه

 

يردون غمرته وغمـرتـه الـدم

فإذا انجلت غمراته أورثننـي

 

مجد الحياة ومجد غنـم يقـسـم

كلفتموني ذنب آل مـحـمـد

 

والله أعلم مـن أعـق وأظـلـم

وخذلتموني إذ أقاتـل واحـداً

 

وخذلتموني إذ تقاتـل خـثـعـم

وإذا بنيت المجد يهدم بعضكـم

 

لا يستـوي بـان وآخـر يهـدم

وأقب مخماص الشتاء مسارع

 

في المجد ينمى للعلى متـكـرم

أكـرهـت فـيه ألة يزنـية

 

سمحاء يقدمها سنـان سـلـجـم

وتركت حنـتـه تـرد ولـيه

 

وتقول ليس على فلانة مـقـدم

ونصبت نفسي للرماح مدججا

 

مثل الدرية تستـحـل وتـشـرم



شعر لرجل من هوازن يذكر سلام قومه بعد الهزيمة ‏:‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال قائل في هوازن أيضاً ، يذكر مسيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مالك بن عوف بعد إسلامه ‏:‏

أذكر مسيرهم للناس إذ جمـعـوا

 

ومالك فوقه الـرايات تـخـتـفـق

ومالك مالك مـا فـوقـه أحـد

 

يوم حنين علـيه الـتـاج يأتـلـق

حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم

 

عليهم البـيض والأبـدان والـدرق

فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً

 

حول النبي وحتى جنـه الـغـسـق

ثمت أنزل جبريل بنـصـرهـم

 

من السماء فمهزوم ومـعـتـنـق

منا ولو غير جبريل يقـاتـلـنـا

 

لمنعتنا إذن أسـيافـنـا الـعـتـق

وفاتنا عمر الفاروق إذ هـزمـوا

 

بطعنة بل منها سرجـه الـعـلـق


شعر امرأة من جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين ‏:‏ وقالت امرأة من بني جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين ‏:‏

أعيني جودا على مالك

 

معا والعلاء ولا تجمـدا

هم القاتلان أبا عامـر

 

وقد كان ذا هـبة أربـدا

هما تركاه لدى مجسد

 

ينوء نزيفا ومـا وسـدا


شعر زيد بن صحار في هجاء قريش ‏ :‏ وقال أبو ثواب زيد بن صحار ، أحد بني سعد بن بكر ‏:‏

ألا هل أتاك أن غلبت قريش

 

هوازن والخطوب لها شـروط

وكنا يا قريش إذا غضبـنـا

 

يجيء من الغضاب دم عبـيط

وكنا يا قريش إذا غضبـنـا

 

كأن أنوفنا فـيهـا سـعـوط

فأصبحنا تسوقـنـا قـريش

 

سياق العير يحدوها الـنـبـيط

فلا أنا إن سئلت الخسف آب

 

ولا أنا إن ألين لهـم نـشـيط

سينقل لحمها في كـل فـج

 

وتكتب في مسامعها القطـوط


ويروى ‏:‏ الخطوط ، وهذا البيت في رواية أبي سعد ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ أبو ثواب زياد بن ثواب‏.‏ وأنشدني خلف الأحمر قوله ‏:‏ يجيء من الغضاب دم عبيط ، وآخرها بيتا عن غير ابن إسحاق ‏.‏ عبدالله بن وهب يرد على شعر ابن أبي ثواب ‏ :‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ فأجابه عبدالله بن وهب رجل من بني تميم ، ثم من بني أسيد ، فقال ‏:‏

بشرط الله نضرب من لقينا

 

كأفضل ما رأيت من الشروط

وكنا يا هوازن حين نلقـى

 

نبل الهام من علـق عـبـيط

بجمعكم وجمع بني قسـي

 

نحك البرك كالورق الخبـيط

أصبنا من سراتكم وملنـا

 

بقتل في المباين والخـلـيط

به الملتاث مفتـرش يديه

 

يمج الموت كالبكر النـحـيط

فإن تك قيس عيلان غضابا

 

فلا ينفك يرغمهم سعوطـي


شعر خديج بن العوجاء في يوم حنين ‏ :‏ وقال خديج بن العوجاء النصري ‏:‏

لما دنونـا مـن حـنـين ومـائه

 

رأينا سوادا منكر اللون أخـصـفـا

بملمومة شهباء لو قذفـوا بـهـا

 

شماريخ من عزوى إذن عاد صفصفا

ولو أن قومي طاوعتني سراتهم

 

إذن لما لقينا المعارض المتكشفـا

إذن ما لقينا جند آل مـحـمـد

 

ثمانين ألفا واستمدوا بـخـنـدفـا