خالد يهدم العزى ثم بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة ، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه ، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول :
أيا عز شدي لا شوى لـهـا |
|
على خالد ألقى القناع وشمـري |
يا عز إن لم تقتلي المرء خالداً |
|
فبوئي بإثم عاجل أو تنـصـري |
فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة . قال ابن إسحاق : وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان .
قال ابن إسحاق : ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء ، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، ولم يشهدها منهم أحد له اسم . وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وفي ثقيف سيدان لهم، في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك ، وأخوه أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري . فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به .
فلما نزل قال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس ، قال : نعم مجال الخيل ! لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم . قال : أين مالك ؟ قيل : هذا مالك ودعي له ، فقال : يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ قال : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال: ولم ذاك ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ، ليقاتل عنهم ، قال : فأنقض به ، ثم قال : راعي ضأن والله ! وهل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك . ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد، قال : غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر، قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران ؛ يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك . قال : والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت وكبر عقلك . والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛ فقالوا : أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني :
ياليتني فيها جـذع |
|
أخب فيهـا وأضـع |
أقود وطفاء الزمع |
|
وكأنها شـاة صـدع |
قال ابن هشام : أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله :
يا ليتني فيها جذع |
الملائكة وعيون مالك بن عوف : قال ابن إسحاق : ثم قال : مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد . قال : وحدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان أنه حدث : أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال : ويلكم ! ما شأنكم ؟ فقالوا : رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .
قال ابن إسحاق : ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم . فانطلق ابن أبي حدرد، فدخل فيهم ، فأقام فيهم ، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر : كذب ابن أبي حدرد ، فقال ابن أبي حدرد : إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر ، فقد كذبت من هو خير مني . فقال عمر: يا رسول الله ، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت ضالاً ، فهداك الله يا عمر .
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك . فقال : يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً ، فقال صفوان : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك ؛ قال : ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل .
قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفاً ، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن .
فقال عباس بن مرداس السلمي :
أصابت العام رعلاً غول قومهم |
|
وسط البيوت ولون الغول ألـوان |
يا لهف أم كلاب إذ تبـيتـهـم |
|
خيل ابن هوذة لا تنهى وإنـسـان |
لا تلفظوها وشدوا عقد ذمتكـم |
|
أن ابن عمكم سـعـد ودهـمـان |
لن ترجعوها وإن كانت مجللة |
|
ما دام في النعم المأخوذ ألـبـان |
شنعاء جلل من سوآتها حضـن |
|
وسال ذو شوغر منها وسـلـوان |
ليست بأطيب مما يشتوي حذف |
|
إذ قال :كل شواء العير جـوفـان |
وفي هوازن قوم غير أن بهـم |
|
داء اليماني فإن لم يغدروا خانـوا |
فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم |
|
ولو نهكناهم بالطعـن قـد لانـوا |
أبلغ هوازن أعلاها وأسفلهـا |
|
مني رسالة نصـح فـيه تـبـيان |
أني أظن رسول الله صابحكـم |
|
جيشا له في فضاء الأرض أركان |
فيهم أخوكم سليم غير تارككـم |
|
والمسلمون عباد الـلـه غـسـان |
وفي عضادته اليمنى بنو أسـد |
|
والأجربان بنو عـبـس وذبـيان |
تكاد ترجف منه الأرض رهبته |
|
وفي مقدمـه أوس وعـثـمـان |
قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ، عن أبي واقد الليثي، أن الحارث بن مالك ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية ، قال : فسرنا معه إلى حنين ، قال : وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء ، يقال لها : ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوماً . قال : فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة، قال : فتنادينا من جنبات الطريق : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، قلتم ، والذي نفس محمد بيده ، كما قال قوم موسى لموسى: {(اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون )} . إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال : وفي عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد . وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمن ، ثم قال : أين أيها الناس ؟ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله . قال : فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته .
وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ، والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ . قال ابن هشام :اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة ؛ وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان . قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : ورجل من هوزان على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه .
قال ابن إسحاق : فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته . وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام : كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا بطل السحر اليوم ! فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن .
قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت يهجو كلدة :
رأيت سواداً من بعيد فراعني |
|
أبو حنبل ينزو على أم حـنـبـل |
كأن الذي ينزو به فوق بطنها |
|
ذراع قلوص من نتاج ابن عزهل |
أنشدنا أبو زيد هذين البيتين ، وذكر لنا أنه هجا بهما صفوان بن أمية ، وكان أخا كلدة لأمه .
قال ابن إسحاق : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبدالدار ، قلت : اليوم أدرك ثأري من محمد ، وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمداً ، قال : فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي ، فلم أطق ذاك ، وعلمت أنه ممنوع مني . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله : لن نغلب اليوم من قلة . قال ابن إسحاق : وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قالها .
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، قال : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال : وكنت امرأ جسيماً شديد الصوت . قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس : أين أيها الناس ؟ فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال : يا عباس ، اصرخ يا معشر الأنصار : يا معشر أصحاب السمرة ، قال : فأجابوا : لبيك لبيك ! قال : فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ، ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ؛ ويأخذ سيفه ترسه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، فيؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت : يا للأنصار . ثم خلصت أخيراً : يا للخزرج . وكانوا صبراً عند الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه . فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون ، فقال : الآن حمي الوطيس .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : بينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع ، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه ، قال : فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال : واجتلد الناس ، فوالله مارجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو أخذ بثفر بغلته ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا ابن أمك يا رسول الله .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان : وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة ، ومعها جمل أبي طلحة ، وقد خشيت أن يعزها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في حزامته مع الخطام ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أم سليم ؟ قالت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو يكفي الله يا أم سليم ؟ قال : ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة : ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ؟ قالت : خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به قال : يقول أبو طلحة : ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء .
قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين وجه إلى حنين ، قد ضم بني سليم الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكانوا إليه ومعه ، ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه :
أقدم محـاج إنـه يوم نـكـر |
|
مثلي على مثلك يحـمـى ويكـر |
إذا أضيع الصف يوما والدبـر |
|
ثم احزألت زمـر بـعـد زمـر |
كتائب يكل فيهـن الـبـصـر |
|
قد أطعن الطعنة تقذى بالسـبـر |
حين يذم المستكين المنجـحـر |
|
وأطعن النجلاء تعـوي وتـهـر |
لها من الجوف رشاش منهمر |
|
تفهق تارات وحينا تـنـفـجـر |
وثعلب العامل فيها منكـسـر |
|
يا زيد يا بن همـهـم أين تـفـر |
قد نفد الضرس وقد طال العمر |
|
قد علم البيض الطويلات الخمـر |
أني في أمثالها غير غـمـر |
|
إذ تخرج الحاصن من تحت الستر |
وقال مالك بن عوف أيضاً :
أقدم محاج إنها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره |
|
|
قال ابن هشام : وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال : وحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا : قال أبو قتادة : رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان : مسلماً ومشركاً ، قال : وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم . قال : فأتيته ، فضربت يده ، فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى : ريح الموت ، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني ، فلولا أن الدم نزفه لقتلني، فسقط ، فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه . فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلاً فله سلبه ، فقلت : يا رسول الله ، والله لقد قتلت قتيلاً ذا سلب ، فأجهضني عنه القتال ، فما أدري من استلبه ؟ فقال رجل من أهل مكة : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه ، فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : لا والله ، لا يرضيه منه ، تعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن دين الله ، تقاسمه سلبه ! اردد عليه سلب قتيله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق اردد عليه سلبه . فقال أبو قتادة : فأخذته منه ، فبعته ، فاشتريت بثمنه مخرفاً ، فإنه لأول مال اعتقدته . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن أبي سلمة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً .
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال : رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ثم لم يكن إلا هزيمة القوم .
قال ابن إسحاق : ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، قالت امرأة من المسلمين :
قد غلبت خيل الله خيل اللات |
|
والـلـه أحـق بـالـثـبـات |
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر :
غلبت خيل الله خيل اللات |
|
وخيله أحـق بـالـثـبـات |
قال ابن إسحاق : وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة ، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين : رجل من غيرة ، يقال له: وهب ، وآخر من بني كبة ، يقال له : الجلاح ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح : قتل اليوم سيد شباب ثقيف ، إلا ما كان من ابن هنيدة ، يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس .
فقال عباس ابن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت :
ألا من مبلغ غيلان عـنـي |
|
وسوف - إخال - يأتيه الخبير |
وعروة إنما أهدى جـوابـا |
|
وقولاً غير قولـكـمـا يسـير |
بأن محمداً عـبـد رسـول |
|
لرب لا يضـل ولا يجـــور |
وجدناه نبياً مثـل مـوسـى |
|
فكل فتـى يخـايره مـخـير |
وبئس الأمر أمر بني قسـي |
|
بوج إذ تقـسـمـت الأمـور |
أضاعوا أمرهم ولكل قـوم |
|
أمـير والـدوائر قـد تـدور |
فجئنا أسد غابـات إلـيهـم |
|
جنود الله ضـاحـية تـسـير |
يؤم الجمع جمع بني قسـي |
|
على حنق نكـاد لـه نـطـير |
وأقسم لو هم مكثوا لسرنـا |
|
إليهم بالجنـود ولـم يغـوروا |
فكنا أسد لـية ثـم حـتـى |
|
أبحناها وأسلمت الـنـصـور |
ويوم كان قبل لدى حـنـين |
|
فأقلع والدمـاء بـه تـمـور |
من الأيام لم تسمـع كـيوم |
|
ولم يسمـع بـه قـوم ذكـور |
قتلنا في الغبار بني حطـيط |
|
على راياتهـا والـخـيل زور |
ولم يك ذو الخمار رئيس قوم |
|
لهم عقل يعاقـب أو مـكـير |
أقام بهم على سنن المـنـايا |
|
وقد بانت لمبصرهـا الأمـور |
فأفلتمن نجا منهم جـريضـاً |
|
وقتل منهـم بـشـر كـثـير |
ولا يغني الأمور أخو التواني |
|
ولا الغلق الصريرة الحصـور |
أحانهم وحـان ومـلـكـوه |
|
أمورهم وأفلتت الـصـقـور |
بنو عوف تميح بهـم جـياد |
|
أهين لها الفصافص والشعـير |
فلولا قـارب وبـنـو أبـيه |
|
تقسمت المزارع والقـصـور |
ولكن الرياسة عمـمـوهـا |
|
على يمن أشار به الـمـشـير |
أطاعوا قاربا ولهـم جـدود |
|
وأحلام إلـى عـز تـصـير |
فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا |
|
أنوف الناس ما سمر السمـير |
وإن لم يسلموا فـهـم أذان |
|
بحرب الله ليس لهـم نـصـير |
كما حكت بني سعد وحرب |
|
برهط بني غزية عنـقـفـير |
كأن بني معاوية بن بـكـر |
|
إلى الإسلام ضـائنة تـخـور |
فقلنا أسلموا إنـا أخـوكـم |
|
وقد برأت من الإحن الصـدور |
كأن القوم إذ جاءوا إلـينـا |
|
من البغضاء بعد السلـم عـور |
قال ابن هشام : غيلان : غيلان بن سلمة الثقفي ، وعروة : عروة بن مسعود الثقفي .
قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون ، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا . فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال ابن عوف بن امرؤ القيس ، وكان يقال له : ابن الدغنة وهي أمه ، فغلبت على اسمه ، ويقال : ابن لذعة فيما قال ابن هشام : - دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناح به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ! فقال له دريد : ماذا تريد بي ؟ قال : أقتلك ، قال: ومن أنت ؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئاً ، فقال : بئس ما سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ، وكان الرحل في الشجار ، ثم أضرب به ، وارفع عن العظام ، وأخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك . فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه ، مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت : أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً .
فقالت عمرة بنت دريد في قتل ربيعة دريداً :
لعمرك ما خشيت على دريد |
|
ببطن سميرة جيش العـنـاق |
جزى عنه الإله بني سلـيم |
|
وعقتهم بما فعـلـوا عـقـاق |
وأسقانا إذا قـدنـا إلـيهـم |
|
دماء خيارهم عند الـتـلاقـي |
فرب عظيمة دافعت عنهـم |
|
وقد بلغت نفوسهم التـراقـي |
ورب كريمة أعتقت منهـم |
|
وأخرى قد فككت من الوثـاق |
ورب منوه بك من سـلـيم |
|
أجبت وقد دعاك بـلا رمـاق |
فكان جزاؤنا منهم عقوقـا |
|
وهما ماع منه مـخ سـاقـي |
عفت آثار خيلك بـعـد أين |
|
بذي بقر إلى فيف الـنـهـاق |
وقالت عمرة بنت دريد أيضاً :
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا |
|
فظل دمعي على السربال ينحدر |
لولا الذي قهر الأقوام كلـهـم |
|
رأت سليم وكعب كيف تأتـمـر |
إذن لصبحهم غباً وظـاهـرة |
|
حيث استقرت نواهم جحفل ذفـر |
قال ابن هشام : ويقال اسم الذي قتل دريداً : عبدالله بن قنيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة .
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال ، فرمي أبو عامر بسهم فقتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه ، فقاتلهم ، ففتح الله على يديه وهزمهم ، فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته ، فقتله ، فقال :
إن تسألوا عني فإني سـلـمـه |
|
ابن سمـادير لـمـن تـوسـمـه |
أضرب بالسيف رءوس المسلمه |
|
|
وسمادير : أمه . واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب ، فزعموا أن عبدالله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء ، وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال : يا رسول الله ، هلكت بنو رئاب . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اجبر مصيبتهم .
وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه ، على ثنية من الطريق ، وقال لأصحابه : قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم ، وتلحق أخراكم . فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛ فقال مالك بن عوف في ذلك :
ولولا كرتان على مـحـاج |
|
لضاق على العضاريط الطريق |
ولولا كر دهمان بن نصـر |
|
لدى النخلات مندفع الـشـديق |
لآبت جعفر وبنـو هـلال |
|
خزايا محقبين على شـقـوق |
قال ابن هشام : هذه الأبيات لمالك بن عوف في غير هذا اليوم . ومما يدلك على ذلك قول دريد بن الصمة في صدر هذا الحديث : ما فعلت كعب وكلاب ؟ فقالوا له : لم يشهدها منهم أحد . وجعفر بن كلاب . وقال مالك بن عوف في هذه الأبيات : لآبت جعفر وبنو هلال .
قال ابن إسحاق : وقال سلمة بن دريد وهو يسوق بامرأته حتى أعجزهم :
نسيتني ما كنت غير مصابة |
|
ولقد عرفت غداة نعف الأظرب |
أني منعتك والركوب محبب |
|
ومشيت خلفك مثل مشي الأنكب |
إذ فر كل مهـذب ذي لـمة |
|
عن أمه وخليلـه لـم يعـقـب |
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر ، وحديثه : أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ؛ ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر : ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً ، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر ، وحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ؛ فقال الرجل : اللهم لا تشهد علي ، فكف عنه أبو عامر فأفلت ؛ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال : هذا شريد أبي عامر . ورمى أبا عامر أخوان : العلاء وأوفى ابنا الحارث ، من بني جشم بن معاوية ، فأصاب أحدهما قلبه ، والآخر ركبته ، فقتلاه . وولي الناس أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما ؛ فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما :
إن الرزية قتل العـلاء |
|
وأوفى جميعا ولم يسـنـدا |
هما القاتلان أبا عامـر |
|
وقد كـان ذا هـبة أربـدا |
هما تركاه لدى معـرك |
|
كأن على عطفه مجسـدا |
فلم تر في الناس مثليهما |
|
أقل عـثـارا وأرمـى يدا |
نهيه عليه السلام عن قتل الضعفاء : قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد ، والناس متقصفون عليها فقال : ما هذا ؟ فقالوا : امرأة قتلها خالد بن الوليد ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه : أدرك خالداً ، فقل له : إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض بني سعد بن بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : إن قدرتم على بجاد ، رجل من بني سعد بن بكر ، فلا يفلتنكم ، وكان قد أحدث حدثاً ، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ، وساقوا معه الشيماء ، بنت الحارث بن عبدالعزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، فعنفوا عليها في السياق ؛ فقالت للمسلمين : تعلموا والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة ؛ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . إكرامه عليه السلام أخته الشيماء : قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ، قال : فلما انتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : يا رسول الله ، إني أختك من الرضاعة ؛ قال : وما علامة ذلك ؟ قالت : عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ؛ قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، فأجلسها عليه ، وخيرها ، وقال : إن أحببت فعندي محبة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت ؛ فقالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي . فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردها إلى قومها . فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول ، وجارية ، فزوجت أحدهما الأخرى ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية .
قال ابن هشام : وأنزل الله عز وجل في يوم حنين : {( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم )} إلى قوله : ( وذلك جزاء الكافرين ) .
قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين : من قريش : ثم من بني هاشم : أيمن بن عبيد . ومن بني أسد بني عبدالعزى : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، جمح به فرس له يقال له الجناح ، فقتل . ومن الأنصار : سراقة بن الحارث بن عدي ، من بني العجلان . ومن الأشعريين : أبو عامر الأشعري .
ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها ، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها .
وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم حنين :
لولا الإله وعبـده ولـيتـم |
|
حين استخف الرعب كل جبان |
بالجزع يوم حبا لنا أقراننـا |
|
وسوابح يكـبـون لـلأذقـان |
من بين ساع ثوبه في كفه |
|
ومقطر بسنـابـك ولـبـان |
والله أكرمنا وأظهر ديننـا |
|
و أعزنا بعبادة الـرحـمـن |
والله أهلكهم وفرق جمعهم |
|
و أذلهم بعبادة الـشـيطـان |
قال ابن هشام : ويروى فيها بعض الرواة :
إذ قام عم نبيكـم وولـيه |
|
يدعون يا لكـتـيبة الإيمـان |
أين الذين هم أجابوا ربهم |
|
يوم العريض وبيعة الرضوان |
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس في يوم حنين :
إني والسوابـح يوم جـمـع |
|
وما يتلو الرسول من الكـتـاب |
لقد أحببت ما لقيت ثـقـيف |
|
بجنب الشعب أمس من العذاب |
هم رأس العدو من أهل نجد |
|
فقتلهـم ألـذ مـن الـشـراب |
هزمنا الجمع جمع بني قسي |
|
وحكت بركها بـبـنـي رئاب |
وصرما من هلال غادرتهم |
|
بأوطاس تعفـر بـالـتـراب |
ولو لاقين جمع بني كـلاب |
|
لقام نساؤهم والنقـع كـابـي |
ركضنا الخيل فيهم بين بـس |
|
إلى الأورال تنحط بالنـهـاب |
بذى لجب رسول الله فيهـم |
|
كتيبته تعـرض لـلـضـراب |
قال ابن هشام : قوله : تعفر بالتراب : عن غير ابن إسحاق . عطية بن عفيف النصري يرد على شعر عباس بن مرداس : فأجابه عطية بن عفيف النصري ، فيما حدثنا ابن هشام ، فقال :
أفاخرة رفاعة في حنين |
|
وعباس ابن راضعة اللجاب |
فإنك والفجار كذات مرط |
|
لربتها وترفل في الإهـاب |
قال ابن إسحاق : قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما أكثر عباس على هوازن في يوم حنين . ورفاعة من جهينة .
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
يا خاتم النبـاء إنـك مـرسـل |
|
بالحق كل هدى السبـيل هـداكـا |
إن الإله بنى علـيك مـحـبة |
|
في خلقه ومحـمـداً سـمـاكـا |
ثم الذين وفوا بما عاهـدتـهـم |
|
جند بعثت عليهم الـضـحـاكـا |
رجلاً به ذرب السلاح كـأنـه |
|
لما تـكـنـفـه الـعـدو يراكـا |
يغشى ذوي النسب القريب وإنما |
|
يبغى رضا الرحمن ثم رضـاكـا |
أنبيك أني قـد رأيت مـكـرة |
|
تحت العجاجة يدمـغ الإشـراكـا |
طوراً يعانق بـالـيدين وتـارة |
|
يفرى الجماجم صارما بـتـاكـا |
يغشى به هام الكماة ولو تـرى |
|
منه الذي عاينت كـان شـفـاكـا |
وبنو سليم معنـقـون أمـامـه |
|
ضربا وطعنا في العـدو دراكـا |
يمشون تحت لوائه وكـأنـهـم |
|
أسد العـرين أردن ثـم عـراكـا |
ما يرتجون من القريب قـرابة |
|
إلا لطـاعة ربـهـم وهـواكـا |
هذي مشاهدنا التي كانت لـنـا |
|
معـروفة وولـينـا مـولاكــا |
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
إما ترى يا أم فروة خيلـنـا |
|
منها معطلة تـقـاد وظـلـع |
أوهى مقارعة الأعادي دمها |
|
فيها نوافذ من جراح تـنـبـع |
فلرب قائلة كفاها وقعـنـا |
|
أزم الحروب فسربها لا يفـزع |
لا وفد كالوفد الألى عقدوا لنا |
|
سببا بحبل محمـد لا يقـطـع |
وفد أبو قطن حزابة منهـم |
|
وأبو الغيوث وواسع والمقنـع |
والقائد المائة التي وفى بهـا |
|
تسع المئين فتـم ألـف أقـرع |
جمعت بنو عوف ورهط مخاشن |
|
ستا وأحلب مـن خـفـاف أربـع |
فهناك إذ نصر النبي بألـفـنـا |
|
عقد النبـي لـنـا لـواء يلـمـع |
فزنا بـرايتـه وأورث عـقـده |
|
مجد الـحـياة وسـودداً لا ينـزع |
وغداة نحن مع النبي جنـاحـه |
|
ببطاح مكة والـقـنـا يتـهـزع |
كانت إجابتنا لـداعـى ربـنـا |
|
بالحق منـا حـاسـر ومـقـنـع |
في كل سابغة تخير سـردهـا |
|
داود إذ نـسـج الـحـديد وتـبـع |
ولنا على بئري حنين مـوكـب |
|
دمغ النفاق وهضبة مـا تـقـلـع |
نصر النبي بنا وكنا مـعـشـرا |
|
في كل نائبة نـضـر ونـنـفـع |
ذدنا غداتئذ هوازن بـالـقـنـا |
|
والخيل يغمرها عجـاج يسـطـع |
إذ خاف حدهم النبي وأسـنـدوا |
|
جمعا تكاد الشمس منه تـخـشـع |
تدعى بنو جشم وتدعى وسطـه |
|
أفنـاء نـصـر والأسـنة شـرع |
حتى إذا قال الرسول محـمـد |
|
أبني سليم قد وفيتـم فـارفـعـوا |
رحنا ولولا نحن أجحف بأسهـم |
|
بالمؤمنين وأحرزوا ما جـمـعـوا |
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين :
عفا مجدل من أهله فمتـالـع |
|
فمطلا أريك قد خلا فالمصـانـع |
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنـا |
|
رخي وصرف الدار للحي جامع |
حبيبة ألوت بها غربة الـنـوى |
|
لبين فهل ماض من العيش راجع |
فإن تبتغي الكفار غير ملـومة |
|
فإني وزير لـلـنـبـي وتـابـع |
دعاني إليهم خير وفد علمتهـم |
|
خزيمة والمرار منهـم وواسـع |
فجئنا بألف من سليم علـيهـم |
|
لبوس لهم من نـسـج داود رائع |
نبايعه بالأخـشـبـين وإنـمـا |
|
يد الله بين الأخـشـبـين نـبـايع |
فجسنا مع المهدي مكة عنـوة |
|
بأسيافنا والنقع كـاب وسـاطـع |
عدنية والخيل يغشى متونـهـا |
|
حميم وآن من دم الجوف نـاقـع |
ويوم حنين حين سارت هوازن |
|
إلينا وضاقت بالنفوس الأضـالـع |
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا |
|
قراع الأعادي منهـم والـوقـائع |
أمام رسول الله يخفق فوقـنـا |
|
لواء كخذروف السحابة لا معض |
عشية ضحاك بن سفيان معتص |
|
بسيف رسول الله والموت كانـع |
نذود أخانا عن أخينا ولو نـرى |
|
مصالاً لكنا الأقربـين نـتـابـع |
ولكن دين الله دين مـحـمـد |
|
رضينا به فيه الهدى والـشـرائع |
أقام به بعد الضـلالة أمـرنـا |
|
وليس لأمر حمـه الـلـه دافـع |
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين :
تقطع باقـي وصـل أم مـؤمـل |
|
بعاقبة واستـبـدلـت نـية خـلـفـا |
وقد حلفت بالله لا تقطع الـقـوى |
|
فما صدقت فيه ولا برت الحـلـفـا |
خفافية بطن العقيق مـصـيفـهـا |
|
وتحتل في البادين وجرة فالـعـرفـا |
فإن تتبع الـكـفـار أم مـؤمـل |
|
فقد زودت قلبي على نأيها شـغـفـا |
وسوف ينبيها الخـبـير بـأنـنـا |
|
أبينا ولم نطلب سوى ربنـا حـلـفـا |
وأنا مع الهادي النبـي مـحـمـد |
|
وفينا ولم يستوفها مـعـشـر ألـفـا |
بفتيان صدق مـن سـلـيم أعـزة |
|
أطاعوا فما يعصون من أمره حرفـا |
خفاف وذكوان وعوف تخـالـهـم |
|
مصاعب زافت في طروقتها كلـفـا |
كأن النسيج الشهب والبيض ملبـس |
|
أسوداً تلاقت في مراصدها غضـفـا |
بنا عز دين اللـه غـير تـنـحـل |
|
وزدنا على الحي الذي معه ضعـفـا |
بمـكة إذ جـئنـا كـأن لـواءنـا |
|
عقاب أرادت بعد تحليقها خـطـفـا |
على شخص الأبصار تحسب بينهـا |
|
إذا هي جالت في مراودهـا عـزفـا |
غداة وطئنا المشركين ولـم نـجـد |
|
لأمر رسول الله عـدلا ولا صـرفـا |
بمعترك لا يسمع القـوم وسـطـه |
|
لنا زجمة إلا التذامـر والـنـقـفـا |
ببيض تطير الهام عن مستقـرهـا |
|
ونقطف أعناق الكماة بهـا قـطـفـا |
فكائن تركنا من قتـيل مـلـحـب |
|
وأرملة تدعو على بعلـهـا لـهـفـا |
رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي |
|
ولله ما يبدو جمـيعـا ومـا يخـفـى |
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
ما بال عينك فيها عائر سهـر |
|
مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر |
||
عين تأوبها من شجوهـا أرق |
|
فالماء يغمرها طوراً وينـحـدر |
||
كأنه نظـم در عـنـد نـاظـمة |
|
تقطع السلك منه فـهـو مـئتـثـر |
||
يا بعد منزل من ترجو مـودتـه |
|
ومن أتى دونه الصمان فالـحـفـر |
||
دع ما تقدم من عهد الشباب فقـد |
|
ولى الشباب وزار الشيب والزعـر |
||
واذكر بلاء سليم في مواطنـهـا |
|
وفي سليم لأهل الفخر مـفـتـخـر |
||
قوم هم نصروا الرحمن واتبعـوا |
|
دين الرسول وأمر الناس مشتـجـر |
||
لا يغرسون فسيل النخل وسطهـم |
|
لا تخاور في مشتـاهـم الـبـقـر |
||
إلا سوابح كالعقـبـان مـقـربة |
|
في دارة حولها الأخطار والعـكـر |
||
تدعى خفاف وعوف في جوانبهـا |
|
وحي ذكوان لا مـيل ولا ضـجـر |
||
الضاربون جنود الشرك ضاحـية |
|
ببطـن مـكة والأرواح تـبـتـدر |
||
حتى دفعنا وقتلاهـم كـأنـهـم |
|
نخل بظاهرة البطحاء مـنـقـعـر |
||
ونحن يوم حنين كان مشـهـدنـا |
|
للدين عزا وعنـد الـلـه مـدخـر |
||
إذ نركب الموت مخضرا بطائنـه |
|
والخيل ينجاب عنها سـاطـع كـدر |
||
تحت اللواء مع الضحاك يقدمنـا |
|
كما مشى الليث في غاباته الـخـدر |
||
في مأزق من مجر الحرب كلكلها |
|
تكاد تأفل منه الشمـس والـقـمـر |
||
وقد صبرنا بأوطاس أسـنـتـنـا |
|
لله ننصر من شئنـا ونـنـتـصـر |
||
حتى تأوب أقـوام مـنـازلـهـم |
|
لولا المليك ولولا نحن مـا صـدروا |
||
فما ترى معشراً قلوا ولا كثـروا |
|
إلا قد أصبـح مـنـا فـيهـم أثـر |
||
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
يا أيها الرجل الذي تهـوي بـه |
|
وجناء مجمرة المناسـم عـرمـس |
إما أتيت على النبي فـقـل لـه |
|
حقاً عليك إذا اطمأن المـجـلـس |
يا خير من ركب المطي ومشى |
|
فوق التراب إذا تـعـد الأنـفـس |
إنا وفينا بـالـذي عـاهـدتـنـا |
|
والخيل تقدع بالكمـاة وتـضـرس |
إذ سال من أفناء بهثة كـلـهـا |
|
جمع تظل به المخـارم تـرجـس |
حتى صبحنا أهل مكة فـيلـقـا |
|
شهباء يقدمها الـهـمـام الأشـوس |
من كل أغلب من سليم فـوقـه |
|
بيضاء محكمة الدخـال وقـونـس |
يروي القناة إذا تجاسر في الوغى |
|
وتخـالـه أسـداً إذا مـا يعـبـس |
يغشى الكتيبة معلما وبـكـفـه |
|
عضب يقد بـه ولـدن مـدعـس |
وعلى حنين قد وفى من جمعنـا |
|
ألف أمد به الـرسـول عـرنـدس |
كانوا أمام الـمـؤمـنـين دريئة |
|
والشمس يومئذ علـيهـم أشـمـس |
نمضي ويحرسنا الإله بحفـظـه |
|
والله ليس بـضـائع مـن يحـرس |
ولقد حبسنا بالمناقب محـبـسـا |
|
رضي الإله به فنعم الـمـحـبـس |
وغداة أوطـاس شـددنـا شـدة |
|
كفت العدو وقيل منها : يا احبسـوا |
تدعو هوازن بالأخاوة بـينـنـا |
|
ثدي تـمـد بـه هـوازن أيبــس |
حتى تركنا جمعـهـم وكـأنـه |
|
عير تعاقبه الـسـبـاع مـفـرس |
قال ابن هشام : أنشدني خلف الأحمر قوله : وقيل منها يا احبسوا . قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
نصرنا رسول الله من غضب له |
|
بألف كمي لا تـعـد حـواسـره |
جملنا له في عامل الرمح راية |
|
يذود بها في حومة الموت ناصره |
ونحن خضبناها دما فهو لونهـا |
|
غداة حنين يوم صفوان شـاجـره |
وكنا على الإسلام ميمـنة لـه |
|
وكان لنا عقد اللـواء وشـاهـره |
وكنا له دون الجنـود بـطـانة |
|
يشاورنا فـي أمـره ونـشـاوره |
دعانا فسمانا الشعار مـقـدمـا |
|
وكنا له عونا على مـن ينـاكـره |
جزى الله خيرا من نبي محمـداً |
|
وأيده بالنصر والـلـه نـاصـره |
قال ابن هشام : أنشدني من قوله : وكنا على الإسلام . إلى آخرها ، بعض أهل العلم بالشعر ، ولم يعرف البيت الذي أوله : حملنا له في عامل الرمح راية ، وأنشدني بعد قوله : وكان لنا عقد اللواء وشاهره ، ونحن خضبناه دما فهو لونه . قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
من مبلغ الأقوام أن محمـدا |
|
رسول الإله راشد حيث يممـا |
||
دعا ربه واستنصر الله وحده |
|
فأصبح قد وفى إليه وأنعـمـا |
||
سرينا وواعدنا قديداً محمـداً |
|
يؤم بنا أمراً من الله محكـمـا |
||
تماروا بنا في الفجر حتى تبينـوا |
|
مع الفجر فتيانا وغابـا مـقـومـا |
||
على الخيل مشدودا علينا دروعنـا |
|
ورجلا كدفاع الأتـي عـرمـرمـا |
||
فإن سراة الحي إن كنـت سـائلا |
|
سليم وفيهم منهم مـن تـسـلـمـا |
||
وجند من الأنصار لا يخذلـونـه |
|
أطاعوا فما يعصونه ما تـكـلـمـا |
||
فإن تك قد أمرت في القوم خالـدا |
|
وقدمـتـه فـإنـه قـد تـقـدمـا |
||
بجند هـداه الـلـه أنـت أمـيره |
|
تصيب به في الحق من كان أظلمـا |
||
حلفت يمينـا بـرة لـمـحـمـد |
|
فأكملتها ألفا من الخيل مـلـجـمـا |
||
وقال نبي المؤمنـين تـقـدمـوا |
|
وحب إلينا أن نكـون الـمـقـدمـا |
||
وبتنا بنهي المستـدير ولـم يكـن |
|
بنا الخوف إلا رغـبة وتـحـزمـا |
||
أطعناك حتى أسلم الناس كلـهـم |
|
وحتى صبحنا الجمع أهل يلمـلـمـا |
||
يضل الحصان الأبلق الورد وسطه |
|
ولا يطمئن الشيخ حـتـى يسـومـا |
||
سمونا لهم ورد القطا زفة ضحى |
|
وكل تراه عن أخيه قـد أحـجـمـا |
||
لدن غدوة حتى تركنـا عـشـية |
|
حنينا وقد سـالـت دوافـعـه دمـا |
||
إذا شئت من كل رأيت طـمـرة |
|
وفارسها يهوي ورمحا محـطـمـا |
||
وقد أحرزت منا هوازن سربهـا |
|
وحب إليها أن نخـيب ونـحـرمـا |
||
قال ابن إسحاق : وقال ضمضم بن الحارث بن جشم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية السلمي في يوم حنين ، وكانت ثقيف أصابت كنانة بن الحكم بن خالد بن الشريد ، فقتل به محجنا وابن عم له ، وهما من ثقيف :
نحن جلبنا الخيل من غير مجلب |
|
إلى جرش من أهل زيان والـفـم |
نقتل أشبال الأسود ونبـتـغـي |
|
طواغي كانت قبلنـا لـم تـهـدم |
فإن تفخروا بابن الشريد فإننـي |
|
تركت بوج مأتما بـعـد مـأتـم |
أباتهما بابن الـشـريد وغـره |
|
جواركـم وكـان غـير مـذمـم |
تصيب رجالاً من ثقيف رماحنا |
|
وأسيافنا يكلمنهـم كـل مـكـلـم |
وقال ضمضم بن الحارث أيضاً :
أبلغ لديك ذوي الحلائل آية |
|
لا تأمنن الدهر ذات خـمـار |
بعد التي قالت لجارة بيتهـا |
|
قد كنت لو لبث الغزي بـدار |
لما رأت رجلا تسفع لونـه |
|
وغر المصيفة والعظام عواري |
مشط العظام تراه آخر ليله |
|
متسربلا في درعه لـغـوار |
إذ لا أزال على رحالة نهدة |
|
جرداء تلحق بالنـجـاد إزاري |
يوما على أثر النهاب وتارة |
|
كتبت مجاهدة مع الأنـصـار |
وزهاء كل خميلة أزهقتهـا |
|
مهلاً تمهلـه وكـل خـبـار |
كيما أغير ما بها من حاجة |
|
وتود أنـي لا أؤوب فـجـار |
قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة ، قال : أسر زهير بن العجوة الهذلي يوم حنين ، فكتف ، فرآه جميل بن معمر الجمحي ، فقال له : أأنت الماشي لنا بالمغايظ ؟ فضرب عنقه ؛ فقال أبو خراش الهذلي يرثيه ، وكان ابن عمه :
عجف أضيافي جميل بن معمر |
|
بذي فجر تـأوي إلـيه الأرامـل |
طويل نجاد السيف ليس بجـيدر |
|
إذا اهتز واسترخت عليه الحمـائل |
تكاد يداه تـسـلـمـان إزاره |
|
من الجود لما أذلقته الـشـمـائل |
إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا |
|
ومستنبح بالي الـدريسـين عـائل |
تروح مقرورا وهبت عـشـية |
|
لها حـدب تـحـتـثـه فـيوائل |
فما بال أهل الدار لم يتصدعوا |
|
وقد بان منها اللوذعي الحـلاحـل |
فأقسم لو لاقيته غير مـوثـق |
|
لآبك بالنعف الضبـاع الـجـيائل |
وإنك لو واجهتـه إذ لـقـيتـه |
|
فنازلته أو كنـت مـمـن ينـازل |
لظل جميل أفحش القوم صرعة |
|
ولكن قرن الظهر للمرء شاغـل |
فليس كعهد الدار يا أم ثـابـت |
|
ولكن أحاطت بالرقاب السلاسـل |
وعاد الفتى كالشيخ ليس بفاعل |
|
سوى الحق شيئا واستراح العواذل |
وأصبح إخوان الصفا كأنـمـا |
|
أهال عليهم جانب التـرب هـائل |
فلا تحسبي أني نسيت لـيالـيا |
|
بمكة إذا لم نعد عـمـا نـحـاول |
إذ الناس ناس والبلاد بغرة |
|
وإذ نحن لا تثنى علينا المداخل |
شعر مالك بن عوف يعتذر عن فراره يوم حنين : قال ابن إسحاق : وقال مالك بن عوف وهو يعتذر يومئذ من فراره :
منع الرقاد فما أغمض ساعة |
|
نعم بأجزاع الطريق مخـضـرم |
سائل هوازن هل أضر عدوها |
|
وأعين غارمهـا إذا مـا يغـرم |
وكتيبة لبستـهـا بـكـتـيبة |
|
فئتين منـهـا حـاسـر ومـلأم |
ومقدم تعيا النفوس لضـيقـه |
|
قدمته وشهود قـومـي أعـلـم |
فوردته وتركت إخوانـا لـه |
|
يردون غمرته وغمـرتـه الـدم |
فإذا انجلت غمراته أورثننـي |
|
مجد الحياة ومجد غنـم يقـسـم |
كلفتموني ذنب آل مـحـمـد |
|
والله أعلم مـن أعـق وأظـلـم |
وخذلتموني إذ أقاتـل واحـداً |
|
وخذلتموني إذ تقاتـل خـثـعـم |
وإذا بنيت المجد يهدم بعضكـم |
|
لا يستـوي بـان وآخـر يهـدم |
وأقب مخماص الشتاء مسارع |
|
في المجد ينمى للعلى متـكـرم |
أكـرهـت فـيه ألة يزنـية |
|
سمحاء يقدمها سنـان سـلـجـم |
وتركت حنـتـه تـرد ولـيه |
|
وتقول ليس على فلانة مـقـدم |
ونصبت نفسي للرماح مدججا |
|
مثل الدرية تستـحـل وتـشـرم |
شعر لرجل من هوازن يذكر سلام قومه بعد الهزيمة : قال ابن إسحاق : وقال قائل في هوازن أيضاً ، يذكر مسيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مالك بن عوف بعد إسلامه :
أذكر مسيرهم للناس إذ جمـعـوا |
|
ومالك فوقه الـرايات تـخـتـفـق |
ومالك مالك مـا فـوقـه أحـد |
|
يوم حنين علـيه الـتـاج يأتـلـق |
حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم |
|
عليهم البـيض والأبـدان والـدرق |
فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً |
|
حول النبي وحتى جنـه الـغـسـق |
ثمت أنزل جبريل بنـصـرهـم |
|
من السماء فمهزوم ومـعـتـنـق |
منا ولو غير جبريل يقـاتـلـنـا |
|
لمنعتنا إذن أسـيافـنـا الـعـتـق |
وفاتنا عمر الفاروق إذ هـزمـوا |
|
بطعنة بل منها سرجـه الـعـلـق |
شعر امرأة من جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين : وقالت امرأة من بني جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين :
أعيني جودا على مالك |
|
معا والعلاء ولا تجمـدا |
هم القاتلان أبا عامـر |
|
وقد كان ذا هـبة أربـدا |
هما تركاه لدى مجسد |
|
ينوء نزيفا ومـا وسـدا |
شعر زيد بن صحار في هجاء قريش : وقال أبو ثواب زيد بن صحار ، أحد بني سعد بن بكر :
ألا هل أتاك أن غلبت قريش |
|
هوازن والخطوب لها شـروط |
وكنا يا قريش إذا غضبـنـا |
|
يجيء من الغضاب دم عبـيط |
وكنا يا قريش إذا غضبـنـا |
|
كأن أنوفنا فـيهـا سـعـوط |
فأصبحنا تسوقـنـا قـريش |
|
سياق العير يحدوها الـنـبـيط |
فلا أنا إن سئلت الخسف آب |
|
ولا أنا إن ألين لهـم نـشـيط |
سينقل لحمها في كـل فـج |
|
وتكتب في مسامعها القطـوط |
ويروى : الخطوط ، وهذا البيت في رواية أبي سعد . قال ابن هشام : ويقال : أبو ثواب زياد بن ثواب. وأنشدني خلف الأحمر قوله : يجيء من الغضاب دم عبيط ، وآخرها بيتا عن غير ابن إسحاق . عبدالله بن وهب يرد على شعر ابن أبي ثواب : قال ابن إسحاق : فأجابه عبدالله بن وهب رجل من بني تميم ، ثم من بني أسيد ، فقال :
بشرط الله نضرب من لقينا |
|
كأفضل ما رأيت من الشروط |
وكنا يا هوازن حين نلقـى |
|
نبل الهام من علـق عـبـيط |
بجمعكم وجمع بني قسـي |
|
نحك البرك كالورق الخبـيط |
أصبنا من سراتكم وملنـا |
|
بقتل في المباين والخـلـيط |
به الملتاث مفتـرش يديه |
|
يمج الموت كالبكر النـحـيط |
فإن تك قيس عيلان غضابا |
|
فلا ينفك يرغمهم سعوطـي |
شعر خديج بن العوجاء في يوم حنين : وقال خديج بن العوجاء النصري :
لما دنونـا مـن حـنـين ومـائه |
|
رأينا سوادا منكر اللون أخـصـفـا |
بملمومة شهباء لو قذفـوا بـهـا |
|
شماريخ من عزوى إذن عاد صفصفا |
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم |
|
إذن لما لقينا المعارض المتكشفـا |
إذن ما لقينا جند آل مـحـمـد |
|
ثمانين ألفا واستمدوا بـخـنـدفـا |