ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان

فلول ثقيف ‏ ‏

ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها ، وصنعوا الصنائع للقتال ‏.‏

المتخلفون عن حنين والطائف ‏ ‏

و لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ، ولا غيدن بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور ‏.‏

شعر كعب بن مالك في غزوة الطائف ‏ :‏

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين ؛ فقال كعب بن مالك ، حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف ‏:‏

قضينا من تهامة كل ريب

 

وخيبر ثم أجممنا الـسـيوفـا

نخيرها ولو نطقت لقالـت

 

قواطعهن ‏:‏ دوسا أو ثقـيفـا

فلست لحاضن إن لم تروها

 

بساحة داركم مـنـا ألـوفـا

وننتزع العروش ببطن وج

 

وتصبح دوركم منكم خلـوفـا

ويأتيكم لنا سرعـان خـيل

 

يغادر خلفه جمعا كـثـيفـا

إذا نزلوا بساحتكم سمعتـم

 

لها مما أناخ بهـا رجـيفـا

بأيديهم قواضب مرهفـات

 

يزرن المصطلين بها الحتوفا

كأمثال العقائق أخلصتهـا

 

قيون الهند لم تضرب كتيفـا

تخال جدية الأبطال فيهـم

 

غداة الزحف جادياً مـدوفـا

أجدهم أليس لهم نـصـيح

 

من الأقوام كان بنا عـريفـا

يخبرهم بأنا قد جمـعـنـا

 

عناق الخيل والنجب الطروفا

وأنا قد أتيناهـم بـزحـف

 

يحيط بسور حصنهم صفوفـا

رئيسهم النبي وكان صلبـا

 

نقي القلب مصطبرا عزوفـا

رشيد الأمر ذو حكم وعلم

 

وحلم لم يكن نزقا خـفـيفـا

نطيع نبينا ونـطـيع ربـاً

 

هو الرحمن كان بنا رءوفـا

فإن تلقوا إلينا السلم نقبـل

 

ونجعلكم لنا عضـدا وريفـا

وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر

 

ولا يك أمرنا رعشا ضعيفـا

نجالد ما بقينا أو تـنـيبـوا

 

إلى الإسلام إذعانا مضـيفـا

نجاهد لا نبالي من لقـينـا

 

أأهلكنا التلاد أم الـطـريفـا

وكم من معشر ألبوا علينـا

 

صميم الجذم منهم والحلـيفـا

أتونا لا يرون لهم كـفـاء

 

فجدعنا المسامـع والأنـوفـا

بكل مهند لـين صـقـيل

 

يسوقهم بها سوقـا عـنـيفـا

لأمر الله والإسلام حـتـى

 

يقوم الدين معتدلا حـنـفـيا

وتنسى اللات والعزى وود

 

ونسلبها القلائد والشـنـوفـا

فأمسوا قد أقروا واطمأنوا

 

ومن لا يمتنع يقبل خشـوفـا

كنانة بن عبد ياليل يرد على كعب بن مالك ‏:‏ فأجابه كنانة ابن عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، فقال ‏:‏

من كان يبغينا يريد قـتـالـنـا

 

فإنا بدار مـعـلـم لانـريمـهـا

وجدنا بها الأباء من قبل ما ترى

 

وكانت لنا أطواؤها وكـرومـهـا

وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر

 

فأخبرها ذو رأيها وحـلـيمـهـا

وقد علمت إن قالت الحق أننـا

 

إذا ما أبت صعر الخدود نقيمـهـا

نقومها حتى يلين شـريسـهـا

 

ويعرف للحق المبين ظلـومـهـا

علينا دلاص من تراث محـرق

 

كلون السماء زينتها نجـومـهـا

نرفهها عنا بـبـيض صـوارم

 

إذا جردت في غمرة لا نشيمـهـا

شعر شداد بن عارض في المسير إلى الطائف ‏ :‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ‏:‏

لا تنصروا اللات إن الله مهلكها

 

وكيف ينصر من هو ليس ينتصر

إن التي حرقت بالسد فاشتعلت

 

ولم يقاتل لدى أحجـارهـا هـدر

إن الرسول متى ينزل بلادكـم

 

يظعن وليس بها من أهلها بـشـر

الطريق إلى الطائف ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ، ثم على المليح ، ثم على بحرة الرغاء من لية ، فابتنى بها مسجداً فصلى فيه ‏. قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب ‏:‏ أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء ، حين نزلها ، بدم ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام ، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل ، فقتلته به ‏.‏ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بلية ، بحصن مالك بن عوف فهدم ، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة ، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها ، فقال ‏:‏ ما اسم هذه الطريق ‏؟‏ فقيل له ‏:‏ الضيقة ، فقال ‏:‏ بل هي اليسرى ، ثم خرج منها على نخب ، حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة ‏:‏ قريباً من مال رجل من ثقيف ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إما أن تخرج ، وإما أن نخرب عليك حائطك ؛ فأبى أن يخرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرابه ‏.‏ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف ، فضرب به عسكره ، فقتل به ناس من أصحابه بالنبل ، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف ، وكانت النبل تنالهم ، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم ؛ فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم ، فحصرهم بضعاً وعشرين ليلة ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ سبع عشرة ليلة ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ ومعه امرأتان من نسائه ، إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية ، فضرب لهما قبتين ، ثم صلى بين القبتين ‏.‏ ثم أقام ، فلما أسلمت ثقيف بني على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بن وهب بن معتب ابن مالك مسجداً ، وكانت في ذلك المسجد سارية ، في ما يزعمون ، لا تطلع الشمس عليها يوماً من الدهر إلا سمع لها نقيض ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلهم قتالاً شديداً وتراموا بالنبل ‏.‏

أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام ‏ :‏

قال ابن هشام ‏:‏ ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق ‏.‏ حدثني من أثق به ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق ، رمى أهل الطائف ‏.‏

يوم الشدخة ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ، ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فخرجوا من تحتها ، فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتلوا منهم رجالاً ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون ‏.‏

أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف ‏ :‏

وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناد يا ثقيفاً ‏:‏ أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما ، فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما ، وهما يخافان عليهن السباء، فأبين، منهن آمنة بنت أبي سفيان ، كانت عند عروة بن مسعود ، له منها داود بن عروة ‏.‏ قال ابن هشام‏:‏ ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان ، كانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود ، فولدت له داود بن مرة ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة ، لها عبدالرحمن بن قارب ، والفقيمية أميمة بنت الناسي أمية بن قلع ؛ فلما أبين عليهما ، قال لهما ابن الأسود بن مسعود ‏:‏ يا أبا سفيان ويا مغيرة ، ألا أدلكما على خير مما جئتما له ، إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف ، نازلا بواد يقال له العقيق ، ليس بالطائف مال أبعد رشاء ، ولا أشد مؤنة ، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود ، وإن محمداً إن قطعه لم يعمر أبداً ، فكلماه فليأخذ لنفسه ، أو ليدعه لله والرحم ، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل ؛ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم ‏.‏

أبو بكر يفسر رؤيا الرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ :‏
وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق ‏:‏ وهو محاصر ثقيفاً ‏:‏ يا أبا بكر ، إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبداً ، فنقرها ديك ، فهراق ما فيها ‏.‏ فقال أبو بكر ‏:‏ ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وأنا لا أرى ذلك ‏.‏ ارتحال المسلمين عن الطائف ‏ :‏

ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية ، وهي امرأة عثمان ، قالت ‏:‏ يا رسول الله ، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة ، أو حلي الفارعة بنت عقيل ، وكانتا من أحلى نساء ثقيف ‏.‏ فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ‏:‏ وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ‏؟‏ فخرجت خويلة ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ‏:‏ ما حديث حدثتنيه خويلة ، زعمت أنك قتله ‏؟‏ قال ‏:‏ قد قلته ؛ قال ‏:‏ أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ أفلا أؤذن بالرحيل ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ‏.‏ قال ‏:‏ فأذن عمر بالرحيل ‏.‏

عيينة بن حصن وما كان يرغب فيه من نساء ثقيف ‏ :‏

فلما استقام الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج ‏:‏ ألا إن الحي مقيم ‏.‏ قال ‏:‏ يقول عيينة بن حصن ‏:‏ أجل ، والله مجدة كراماً ؛ فقال له رجل من المسلمين ‏:‏ قاتلك الله يا عيينة ، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏!‏ فقال ‏:‏ إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم ، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف ، فأصيب من ثقيف جارية أتطئها ، لعلها تلد لي رجلاً فإن ثقيفاً قوم مناكير ‏.‏

عبيد الطائف ينزلون إلى المسلمين ‏ :‏

ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ممن كان محاصراً بالطائف عبيد ، فأسلموا ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

عتقاء ثقيف ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مكدم ، عن رجال من ثقيف ، قالوا ‏:‏ لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا ، أولئك عتقاء الله؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد‏.‏

شعر للضحاك بن سفيان وسببه ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كانت ثقيف أصابت أهلا لمروان بن قيس الدوسي ، وكان قد أسلم ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف ، فزعمت ثقيف ، وهو الذي تزعم به ثقيف أنها من قيس ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمروان بن قيس ‏:‏ خذ يا مروان بأهلك أول رجل من قيس تلقاه ، فلقي أبي بن مالك القشيري ، فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله ، فقام في ذلك الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكلم ثقيفاً حتى أرسلوا أهل مروان ، وأطلق لهم أبي بن مالك ، فقال الضحاك بن سفيان في شيء كان بينه وبين أبي بن مالك ‏:‏

أتنسى بلائي يا أبي بن مـالـك

 

غداة الرسول معرض عنك أشوس

يقودك مروان بن قيس بحبـلـه

 

ذليلا كما قيد الذلول الـمـخـيس

فعادت عليك من ثقيف عصـابة

 

متى يأتهم مستقبس الشر يقبـسـوا

فكانوا هم المولى فعادت حلومهم

 

عليك وقد كادت بك النفـس تـيأس

قال ابن هشام ‏:‏ يقبسوا عن غير ابن إسحاق ‏.‏

الشهداء يوم الطائف ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف‏.‏ من قريش ‏:‏ من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ‏:‏ سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعرفطة بن جناب ، حليف لهم ، من الأسد بن الغوث ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ ابن حباب ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ ومن بني تيم بن مرة ‏:‏ عبدالله بن أبي بكر الصديق ، رمى بسهم ، فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ ومن بنى مخزوم ‏:‏ عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، من رمية رميها يومئذ ‏.‏ ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ عبدالله بن عامر بن ربيعة ، حليف لهم ‏.‏ ومن بني سهم بن عمرو ‏:‏ السائب بن الحارث بن قيس بن عدي ، وأخوه عبدالله بن الحارث ‏.‏ ومن بني سعد بن ليث ‏:‏ جليحة بن عبدالله ‏.‏ واستشهد من الأنصار ‏:‏ من بني سلمة ‏:‏ ثابت بن الجذع ‏.‏ ومن بني مازن بن النجار ‏:‏ الحارث بن سهل بن أبي صعصعة ‏.‏ ومن بني ساعدة ‏:‏ المنذر بن عبدالله ‏.‏ ومن الأوس ‏:‏ رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية ‏.‏ فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً ، سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث ‏.‏

قصيدة بجير بن زهير في حنين والطائف ‏ :‏

فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار ، قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنيناً والطائف ‏:‏

كانت علالة يوم بطـن حـنـين

 

وغـداة أوطـاس ويوم الأبــرق

جمعت بإغواء هوازن جمعهـا

 

فتبددوا كالطـائر الـمـتـمـزق

لم يمنعوا منا مـقـامـا واحـداً

 

إلا جدارهم وبـطـن الـخـنـدق

ولقد تعرضنا لكيما يخـرجـوا

 

فتحصنوا منا بـبـاب مـغـلـق

ترتد حسرانـا إلـى رجـراجة

 

شهباء تلمع بـالـمـنـايا فـيلـق

ملمومة خضراء لو قذفوا بهـا

 

حضنا لظل كـأنـه لـم يخـلـق

مشى الضراء على الهراس كأننا

 

قدر تفرق في القياد وتـلـتـقـى

في كل سابغة إذا ما استحصنت

 

كالنهي هبت ريحه المـتـرقـرق

جدل تمس فضولهن نعـالـنـا

 

من نـسـج داود وآل مـحــرق

أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف ‏ :‏

أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس ، ومعه من هوازن سبي كثير ، وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف ‏:‏ يا رسول الله ادع عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللهم اهد ثقيفا وأت بهم ‏.‏

وفد هوازن إلى الرسول ومفاوضته

ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الإبل والشاء ما لا يدري ما عدته ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو ‏:‏ أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ‏.‏ فامنن علينا ، من الله عليك ، قال ‏:‏ وقام رجل من هوازن ، ثم أحد بني سعد بن بكر ، يقال له زهير ، يكنى أبا صرد ، فقال ‏:‏ يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ويروى ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبدالله بن عمرو ، قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ‏؟‏ ‏.‏ فقالوا ‏:‏ يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا ، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ، فهو أحب إلينا ، فقال لهم ‏:‏ أما ما كان ولبني عبدالمطلب فهو لكم ، وإذا ما أنا صليت الظهر ، بالناس فقوموا ‏:‏ فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم ‏.‏ فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر ، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وأما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم ‏.‏ فقال المهاجرون ‏:‏ وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ وقالت الأنصار ‏:‏ وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه فقال الأقرع بن حابس ‏:‏ أما أنا وبنو تميم فلا ‏.‏ وقال عيينة بن حصن ‏:‏ أما أنا وبنو فزارة فلا ‏.‏ وقال عباس بن مرداس ‏:‏ أما أنا وبنو سليم فلا ‏.‏ فقالت بنو سليم ‏:‏ بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قال ‏:‏ يقول ‏:‏ عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي ، فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر ابن سعد بن بكر ، وأعطى عثمان بن عفان جارية ، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان ، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبدالله بن عمر ابنه ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر ، قال ‏:‏ بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ، ليصلحوا لي منها ويهيئوها ، حتى أطوف بالبيت ، ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها ‏.‏ قال ‏:‏ فخرجت من المسجد حين فرغت ، فإذا الناس يشتدون ، فقلت ‏:‏ ما شأنكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ، فقلت ‏:‏ تلكم صاحبتكم في بني جمح ، فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا إليها فأخذوها ‏.‏

عيينة والعجوز التي أخذها

قال ابن إسحاق ‏:‏ وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها ‏:‏ أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا ، وعسى أن يعظم فداؤها ‏.‏ فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض ، أبى أن يردها ، فقال له زهير أبو صرد ‏:‏ خذها عنك فوالله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا زوجها بواجد ، ولا درها بماكد ، فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال ؛ فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس ، فشكا إليه ذلك ، فقال ‏:‏ إنك والله ما أخذتها بيضاء غزيرة ولا نصفا وثيرة

أمر مالك بن عوف وإسلامه وشعره في ذلك

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ هو بالطائف مع ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله ‏.‏ وأعطيته مائة من الإبل ‏.‏ فأتى مالك بذلك فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال ، فيحبسوه ، فأمر براحلته فهيئت له ، وأمر بفرس له ، فأتى به إلى الطائف ، فخرج ليلاً ، فجلس على فرسه ، فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس ، فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة ، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل ، وأسلم فحسن إسلامه ؛ فقال مالك بن عوف حين أسلم ‏:‏

ما إن رأيت ولا سمعت بمثلـه

 

في الناس كلهم بمثـل مـحـمـد

أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى

 

ومتى تشأ يخبرك عما فـي غـد

وإذا الكتيبة عردت أنـيابـهـا

 

بالسمهري وضرب كل مـهـنـد

فكأنه ليث عـلـى أشـبـالـه

 

وسط الهباءة خادر في مـرصـد

فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وتلك القبائل ‏:‏ ثمالة ، وسلمة ، وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفا ، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه ، حتى ضيق عليهم ؛ فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي ‏:‏

هابت الأعداء جانبنا

 

ثم تغزونا بنو سلـمة

وأتانا مالك بـهـم

 

ناقضا للعهد والحرمة

وأتونا في منازلنـا

 

ولقد كنا أولى نقمـه

تقسيم الفيء

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ، ركب واتبعه الناس يقولون ‏:‏ يا رسول الله ، اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم ، حتى ألجئوه إلى شجرة ، فاختطفت عنه رداءه ؛ فقال ‏:‏ أدوا علي ردائي أيها الناس ، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ، ثم قام إلى جنب بعير ، فأخذ وبرة من سنامه ، فجعلها بين إصبعيه ، ثم رفعها ثم قال ‏:‏ أيها الناس ، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة ‏.‏ قال ‏:‏ فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيط شعر ، فقال ‏:‏ يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر ، فقال ‏:‏أما نصيبي منها فلك قال ‏:‏ أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده ‏.‏

لا غلول في المغنم

قال ابن هشام ‏:‏وذكر زيد بن أسلم عن أبيه ‏:‏ أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، وسيفه متلطخ دماً ، فقالت ‏:‏ إني قد عرفت أنك قد قاتلت ، فماذا أصبت من غنائم المشركين ‏؟‏ فقال ‏:‏ دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك ، فدفعها إليها ، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ من أخذ شيئا فليرده ، حتى الخياط والمخيط ‏.‏ فرجع عقيل ، فقال ‏:‏ ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت ، فأخذها فألقاها في الغنائم ‏.‏

إعطاء النبي المؤلفة قلوبهم من الغنائم

قال ابن إسحاق ‏:‏ وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس ، يتألفهم ويتألف بهم قومهم ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير ، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير ، وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة أخا بني عبدالدار مائة بعير ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏نصير بن الحارث بن كلدة ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً ‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير ، وأعطى سهيل ابن عمرو مائة بعير ، وأعطى حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس مائة بعير ، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير ، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير ،وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير ،وأعطى مالك بن عوف النصري مائة بعير ، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير ، فهؤلاء أصحاب المئين ‏.‏ وأعطى دون المائة رجالا من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ، لا أحفظ ما أعطاهم ، وقد عرفت أنها دون المائة ، وأعطى سعيد بن يربوع ابن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل ، وأعطى السهمي خمسين من الإبل ، قال ابن هشام ‏:‏واسمه عدي بن قيس ‏.‏ شعر عباس بن مرداس يستصغر ما أعطى قال ابن هشام ‏:‏وأعطى عباس بن مرداس أباعر ، فسخطها فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏

كانت نهابـا تـلافـيتـهـا

 

بكري على المهر في الأجرع

وإيقاظي القوم أن يرقـدوا

 

إذا هجع الناس لـم أهـجـع

فأصبح نهبي ونهب العبـيد

 

بين عـــيينة والأقـــرع

وقد كنت في الحرب ذا تدْرَإ

 

فلم أعـط شـيا ولـم أمـنـع

إلا أفـائل أعـكـيتـهــا

 

عديد قـوائمـهـا الأربــع

وما كان حصن ولا حابـس

 

يفوقان شيخي في المجتـمـع

وما كنت دون امرئ منهما

 

ومن تضـع الـيوم لا يرفـع

قال ابن هشام ‏:‏أنشدني يونس النحوي ‏.‏

فما كان حصن ولا حابس

 

يفوقان مرداس في المجتمع

إرضاء الرسول له

قال ابن إسحاق ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه ، فأعطوه حتى رضي ‏.‏ فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏وحدثني بعض أهل العلم ‏:‏ أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنت القائل ‏:‏

فأصبح نهبي ونهب العبي

 

د بـين الأقـرع وعــيينة

فقال أبو بكر الصديق ‏:‏ بين عيينة والأقرع ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هما واحد ، فقال أبو بكر ‏:‏ أشهد أنك كما قال الله‏:‏ ‏ {(‏ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ‏)} ‏ ‏. توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش ‏ :‏

قال ابن هشام ‏:‏وحدثني من أثق به من أهل العلم في استشهاد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال ‏:‏ بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم ، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين ‏.‏ من بني أمية بن عبد شمس ‏:‏ أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وطليق بن سفيان بن أمية ، وخالد بن أسد بن أبي العيص بن أمية ‏.‏ ومن بني عبدالدار بن قصي ‏:‏ شيبة بن عثمان بن أبي طلح بن عبد أتعزى بن عثمان بن عبدالدار ، وأبو السنابل بن أعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق ، بن عبدالدار وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبدالدار ‏.‏ ومن بني مخزوم بن يقظة ‏:‏ زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وخالد بن هشام بن المغيرة ، وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن الأسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏.‏ ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة ، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم ‏.‏ ومن بني جمح بن عمرو ‏:‏ صفوان بن أمية بن خلف ، وأحيحة بن أمية ابن خلف ، وعمير بن وهب بن خلف ‏.‏ ومن بني سهم ‏:‏ عدي بن قيس بن حذافة ‏.‏ ومن بني عمر بن لؤي ‏:‏ حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود ، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ‏.‏

ما أعطاه لرجال من أفناء القبائل ‏ :‏

ومن أفناء القبائل ‏:‏ من بني بكر بن مناة بن كنانة ‏:‏ نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل ‏.‏ ومن بني قيس ، ثم من بني عامر بن صعصعة ، ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ‏:‏ علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب ‏.‏ ومن بني عامر بن ربيعة ‏:‏ خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة ، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو ‏.‏ ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع ومن بني سليم بن منصور ‏:‏ عباس بن مرداس بن أبي عامر ، أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم ‏.‏ ومن بني غطفان ، ثم من بني فزارة ‏:‏ عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ‏.‏ ومن بني تميم ثم من بني حنظلة ‏:‏ الأقرع بن حابس بن عقال ، من بني مجاشع بن دارم ‏.‏ لماذا لم يعط جعيل بن سراقة ‏:‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ‏:‏ أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ‏:‏ يا رسول الله ، أعطيت عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جعيل بن سراقة الضمري ‏!‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض ، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، ولكني تألفتهما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ‏.‏

اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى الله عليه وسلم ‏ :‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مقسم أبي القاسم ، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل ، قال ‏:‏ خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي ، حتى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده ، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، جاء رجل من بني تميم ، يقال له ذو الخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ، فقال ‏:‏ يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أجل فكيف رأيت ‏؟‏ فقال ‏:‏ لم أرك عدلت ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ‏:‏ ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ‏!‏ فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ يا رسول الله ألا أقتله ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين ، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل ، فلا يوجد شيء ، ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ،ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ثم في الفوق ، فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم ‏.‏  قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة ، وسماه ذا الخويصرة ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه ، بمثل ذلك ‏.‏

شعر حسان بن ثابت في حرمان الأنصار ‏ :‏

قال ابن هشام ‏:‏ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ، ولم يعط الأنصار شيئاً ، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك ‏:‏

زادت هموم فماء العين منحدر

 

سحا إذا حفـلـتـه عـبـرة درر

وجداً بشماء إذ شماء بـهـكـنة

 

هيفاء لا دنس فـيهـا ولا خـور

دع عنك شماء إذ كانت مودتهـا

 

نزرا وشر وصال الواصل النـزر

وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن

 

للمؤمنين إذا ما عـدد الـبـشـر

علام تدعى سليم وهي نـازحة

 

قدام قوم هم آووا وهم نـصـروا

سماهم الله أنصارا بنصـرهـم

 

دين الهدى وعوان الحرب تستعـر

وسارعوا في سبيل الله اعترفوا

 

للنائبات وما خاموا وما ضـجـروا

والناس ألب علينا فيك ليس لنـا

 

إلا السيوف أطراف القـنـا وزر

نخالد الناس لا نبقي على أحـد

 

ولا نضيع من توحي به الـسـور

ولا تهمر جناة الحرب نـادينـا

 

ونحن حين تلظى نارهـا سـعـر

كما رددنا ببدر دون ما طلبـوا

 

أهل النفاق وفينا ينـل الـظـفـر

ونحن جندك يوم النعف من أحد

 

إذ حربت بطرا أحزابها مـضـر

فما ونينا وما خمنا وما خبـروا

 

منا عثارا وكل الناس قد عـثـروا

وجد الأنصار من حرمانهم واسترضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ :‏

قال ابن هشام ‏:‏حدثني زياد بن عبدالله ،قال ‏:‏ حدثنا ابن إسحاق قال ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال ‏:‏ لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم ‏:‏ لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ‏.‏

عتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار ‏ :‏

فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء ‏.‏ قال ‏:‏ فأين أنت من ذلك يا سعد ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي ‏.‏ قال ‏:‏ فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ‏.‏ قال ‏:‏ فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة ‏.‏ فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ‏.‏ فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال ‏:‏ قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال ‏:‏ يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ‏؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ‏!‏ قالوا ‏:‏ بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل ‏.‏ ثم قال ‏:‏ ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بماذا نجيبك يا رسول الله ‏؟‏ الله ولرسوله المن والفضل ‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم ‏:‏ أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ‏.‏ ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار ‏.‏ اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ‏.‏ قال ‏:‏ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا ‏.‏ عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة وحج عتاب بالمسلمين سنة ثماني. 

اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمراً ، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة ، بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعاً إلى المدينة ، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة ، وخلف معه معاذ بن جبل ، يفقه الناس في الدين ، ويعلمهم القرآن ، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء ‏.‏

رزق عتاب بن أسيد والي مكة

قال ابن هشام ‏:‏وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال ‏:‏ لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً ، فقام فخطب الناس ، فقال ‏:‏ أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد ‏.‏

زمان هذه العمرة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو ذي الحجة ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة فيما زعم أبو عمرو المدني ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ، وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد ، وهي سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ، ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع ‏.‏ أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف

تخويف بجير على أخيه كعب ونصيحته له ‏ :‏

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ، ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب ، قد هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة ، فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض ؛ وكان كعب بن زهير قد قال ‏:‏

ألا أبلغا عني بجيرا رسـالة

 

فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

فبين لنا إن كنت لست بفاعل

 

على أي شيء غير ذلك دلـكـا

على خلق لم ألف يوما أبا له

 

عليه وما تلفي عليه أبـا لـكـا

فإن أنت لم تفعل فلست بآسف

 

ولا قائل إما عثرت لعـالـكـا

سقاك بها المأمون كأسا روية

 

فأنهلك المأمون منها وعـلـكـا

قال ابن هشام ‏:‏ويروي ‏(‏ المأمور ‏)‏ ‏.‏ وقوله ‏(‏ فبين لنا ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏ و أنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه ‏:‏

من مبلغ عني بجيرا رسـالة

 

فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا

شربت مع المأمون كأسا روية

 

فأنهلك المأمون منها وعـلـكـا

وخالفت أسباب الهدى واتبعته

 

على أي شيء ويب غيرك دلكـا

على خلق لم تلف أما ولا أبـا

 

عليه ولم تدرك عليه أخا لـكـا

فإن أنت لم تفعل فلست بآسف

 

ولا قائل إما عثرت لعـا لـكـا

قال ‏:‏ وبعث بها إلى بجير ، فلما أتت يجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لما سمع ‏(‏ سقاك بها المأمون ‏)‏ صدق وإنه لكذوب ، أنا المأمون ‏.‏ ولما سمع ‏(‏ على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ‏)‏ قال ‏:‏ أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ‏.‏ ثم قال بجير لكعب ‏:‏

من مبلغ كعبا فهل لك في التـي

 

تلوم عليها بـاطـلا وهـي أحـزم

إلى الله لا العزى ولا اللات وحده

 

فتنجوا إذا كان النجـاء وتـسـلـم

لدى يوم ينجو وليس بمـفـلـت

 

من الناس إلا طاهر القلب مسـلـم

فدين زهير وهو لا شـيء دينـه

 

ودين أبي سلمى عـلـي مـحـرم

قال ابن إسحاق ‏:‏ وإنما يقول كعب ‏:‏ ‏(‏ المأمون ‏)‏ ويقال ‏:‏ ‏(‏ المأمور ‏)‏ في قول ابن هشام ، لقول قريش الذي كانت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

كعب بن زهير وقصيدته الشهيرة بانت سعاد

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض ، وأشفق على نفسه ، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، فقالوا ‏:‏ هو مقتول فلما لم يجد من شيء بداً ، قال قصيدته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ وذكر فيها خوفه ، وإرجاف الوشاة به من عدوه ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح ، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه ‏.‏ فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه ، فوضع يده في يده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم ‏.‏ قال ‏:‏ أنا يا رسول الله كعب بن زهير ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏ أنه وثب عليه رجل من الأنصار ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ دعه عنك ، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه قال ‏:‏ فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، لما صنع به صاحبهم ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير ، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

بانت سعاد فقلبي اليوم مـتـبـول

 

متيم إثـرهـا لـم يفـد مـكـبـول

 

وما سعاد غداة البـين إذ رحـلـوا

 

إلا أغن غضيض الطرف مكـحـول

 

هيفاء مقبلة عـجـزاء مـدبـرة

 

لا يشتكي قصر مـنـهـا ولا طـول

 

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

 

كأنه منهـل بـالـراح مـعـلـول

 

شجت بذي شبم من ماء محـنـية

 

صاف بأبطح أضحى وهو مشـمـول

 

تنفي الرياح القذى عنه وأفرطـه

 

من صوب غـادية بـيض يعـالـيل

 

فيا لها خلة لو أنـهـا صـدقـت

 

بوعدها أو لو أن النصح مـقـبـول

 

لكنها خلة قد سـيط مـن دمـهـا

 

فجـع وولـع وأخـلاف وتـبـديل

 

فما تدوم على حال تكـون بـهـا

 

كما تلون فـي أثـوابـهـا الـغـول

 

وما تمسك بالعهد الذي زعـمـت

 

إلا كما يمسك الـمـاء الـغـرابـيل

 

فلا يغرنك ما منت ومـا وعـدت

 

إن الأمانـي والأحـلام تـضـلـيل

 

كانت مواعيد عرقوب لها مـثـلا

 

ومـا مـواعـيدهـا إلا الأبـاطـيل

 

أرجو وآمل أن تدنـو مـودتـهـا

 

وما إخال لـدينـا مـنـك تـنـويل

 

أمست سعاد بأرض لا يبلـغـهـا

 

إلا العتاق النجـيبـات الـمـراسـيل

 

ولـن يبـلـغـهـا إلا عـذافـرة

 

لها علـى الأين إرقـال وتـبـغـيل

 

من كل نضاخة الذفري إذا عرقت

 

عرضتها طامس الأعلام مجـهـول

 

ترمي النجاد بعيني مفـرد لـهـق

 

إذا تـوقـدت الـحـزان والـمـيل

 

ضخم مقلدها فـعـم مـقـيدهـا

 

في خلقها عن بنات الفحل تفـضـيل

 

غلباء وجناء علـكـوم مـذكـرة

 

في دفهـا سـعة قـدامـهـا مـيل

 

وجلدها مـن أطـوم مـا يؤيسـه

 

طلح بضاحية المتـنـين مـهـزول

 

حرف أخوها أبوها من مهـجـنة

 

وعمها خالـهـا قـوداء شـمـلـيل

 

يمشي القزاد عليهـا ثـم يزلـقـه

 

منهـا لـبـان وأقـراب زهـالـيل

 

عيرانة قذفت بالنحض عن عرض

 

مرفقها عن بنات الزور مـفـتـول

 

كأنما فات عينيهـا ومـذبـحـهـا

 

من خطمها ومن اللحـيين بـرطـيل

 

تمر مثل عسيب النخل ذا خصـل

 

في غارز لم تـخـونـه الأحـالـيل

 

قنواء في حرتيها للبصـير بـهـا

 

عتق مبين وفي الخـدين تـسـهـيل

 

تخدي على يسرات وهـي لاحـقة

 

ذوابل مسـهـن الأرض تـحـلـيل

 

سمر العجايات يتركن الحصى زيما

 

لم يقهـن رءوس الأكـم تـنـعـيل

 

كأن أوب ذراعيها وقد عـرقـت

 

وقد تلفع بالـقـور الـعـسـاقـيل

 

يوما يظل به الحرباء مصـطـخـدا

 

كأن ضاحيه بالـشـمـس مـمـلـول

وقال للقوم حاديهم وقـد جـعـلـت

 

ورق الجنادب يركضن الحصا قـيلـوا

شد النهار ذراعا عيطـل نـصـف

 

قامت فجاوبـهـا نـكـد مـثـاكـيل

نواحة رخوة الضبعين لـيس لـهـا

 

لما نعى بكرها الناعـون مـعـقـول

تفري اللبان بكفيهـا ومـدرعـهـا

 

مشقـق عـن تـراقـيهـا رعـابـيل

تسعى الغواة جنابيهـا وقـولـهـم

 

إنك يا بن أبي سلـمـى لـمـقـتـول

وقال كل صـديق كـنـت آمـلـه

 

لا ألهينك إنـي عـنـك مـشـغـول

فقلت خلوا سبـيلـي لا أبـا لـكـم

 

فكل ما قدر الـرحـمـن مـفـعـول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامـتـه

 

يوما علـى آلة حـدبـاء مـحـمـول

نبئت أن رسـول الـلـه أوعـدنـي

 

والعفو عند رسـول الـلـه مـأمـول

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن

 

فيهـا مـواعـيظ وتـفــصـــيل

لا تأخذني بأقـوال الـوشـاة ولـم

 

أذنب ولـو كـثـرت فـي الأقـاويل

لقد أقوم مـقـامـا لـو يقـوم بـه

 

أرى واسمع ما لـو يسـمـع الـفـيل

لظـل يرعـد إلا أن يكـون لــه

 

من الرسـول بـإذن الـلـه تـنـويل

حتى وضعت يميني مـا أنـازعـه

 

في كف ذي نقمـات قـيلـه الـقـيل

فلهو أخوف عـنـدي إذ أكـلـمـه

 

وقيل إنـك مـنـسـوب ومـسـئول

من ضيغم بضراء الأرض مخـدره

 

في بطن عـثـر غـيل دونـه غـيل

يغدو فيلحم ضرغامين عيشـهـمـا

 

لحم من النـاس مـعـفـور خـراديل

إذا يسـاور قـرنـا لا يحـل لــه

 

أن يترك القرن إلا وهـو مـفـلـول

منه تظل سبـاع الـجـو نـافـرة

 

ولا تـمـشـي بـواديه الأراجـــيل

ولا يزال بـواديه أخــو ثـــقة

 

مضرج البـز والـدرسـان مـأكـول

إن الرسول لنور يسـتـضـاء بـه

 

مهند من سـيوف الـلـه مـسـلـول

في عصبة من قريش قال قائلـهـم

 

ببطن مكة لـمـا أسـلـمـوا زولـوا

زالوا فما زال أنكاس ولا كـشـف

 

عند الـلـقـاء ولا مـيل مـعـازيل

شم العرانين أبطـال لـبـوسـهـم

 

من نسج داود في الهـيجـا سـرابـيل

بيض سوابغ قد شكت لهـا حـلـق

 

كأنها حلـق الـقـفـعـاء مـجـدول

ليسوا مفاريح إن نالت رمـاحـهـم

 

قوما وليسوا مـجـازيعـا إذا نـيلـوا

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم

 

حزب إذا عرد الـسـود الـتـنـابـيل

لا يقع الطعن إلا في نـحـورهـم

 

وما لهم عن حياض الموت تـهـلـيل

           

قال ابن هشام ‏:‏قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وبيته ‏(‏ حرف أخوها أبوها ‏)‏ وبيته ‏(‏ يمشي القراد ‏)‏ وبيته ‏(‏ عيرانة قذفت ‏)‏ وبيته ‏(‏ تمر مثل عسيب النخل ‏)‏ وبيته ‏(‏ تفري اللبان ‏)‏ وبيته ‏(‏ إذا يساور قرنا ‏)‏ وبيته ‏(‏ ولا يزال بواديه ‏)‏ ‏:‏ عن غير ابن إسحاق

كعب يسترضي الأنصار بمدحهم

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏ فلما قال كعب ‏(‏ إذا عرد السود التنابيل ‏)‏ وإنما يريدنا معشر الأنصار ، لما كان صاحبنا صنع به ما صنع ، وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدحته ، غضبت عليه الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموضعهم من اليمن ‏:‏

من سره كرم الحياة فلا يزل

 

في مقنب من صالحي الأنصـار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر

 

إن الخيار هـم بـنـو الأخـيار

المكرهين السمهري بـأذرع

 

كسوالف الهندي غير قـصـار

والناظرين بأعين مـحـمـرة

 

كالجمر غير كلـيلة الأبـصـار

والبائعين نفوسهم لـنـبـيهـم

 

للموت يوم تـعـانـق وكـرار

والذائدين الناس عن أديانـهـم

 

بالمشرفي وبالقنـا الـخـطـار

يتطهرون يرونه نسكا لـهـم

 

بدماء من علقوا من الـكـفـار

دربوا كما دربت ببطن خفـية

 

غلب الرقاب من الأسود ضواري

وإذا حللت ليمنعـوك إلـيهـم

 

أصبحت عند معاقل الأعـفـار

ضربوا عليا يوم بدر ضـربة

 

دانت لوقعتهـا جـمـيع نـزار

لو يعلم الأقوام علمي كـلـه

 

فيهم لصدقنـي الـذين أمـاري

قوم إذا حوت النجوم فـإنـهـم

 

للطارقين الـنـازلـين مـقـاري

في الغر من غسان من جرثومة

 

أعيت محافرها على المـنـقـار

قال ابن هشام ‏:‏ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده بانت سعاد ‏(‏ فقلبي اليوم متبول ‏)‏ لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل ، فقال كعب هذه الأبيات ، وهي في قصيدة له ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال ‏:‏ أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ‏:‏ ‏(‏ بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ‏)‏