الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل السادس عشر: في أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها

والسبب في ذلك أن القبيل إذا حصل لهم الملك والترف كثر التناسل والولد والعمومية فكثرت العصابة واستكثروا أيضا من الموالي والصنائع وربيت أجيالهم في جو ذلك النعيم والرفه فازدادوا به عددا إلى عددهم وقوة إلى قوتهم بسبب كثرة العصائب حينئذ بكثرة العدد فإذا ذهب الجيل الأول والثاني وأخذت الدولة في الهرم لم تستقل أولئك الصنائع والموالي بأنفسهم في تأسيس الدولة وتمهيد ملكها لأنهم ليس لهم من الأمر شيء إنما كانوا عيالا على أهلها ومعونة لها فإذا ذهب الأصل لم يستقل الفرع بالرسوخ فيذهب ويتلاشى ولا تبقى الدولة على حالها
175
من القوة واعتبر هذا بما وقع في الدولة العربية في الإسلام كان عدد العرب كما قلتما لعهد النبوة والخلافة مائة وخمسين ألفا وما يقاربها من مضر وقحطان ولما بلغ الترف مبالغه في الدولة وتوفر نموهم بتوفر النعمة واستكثر الخلفاء من الموالي والصنائع بلغ ذلك العدد إلى أضعافه يقال إن المعتصم نازل عمورية لما افتتحها في تسعمائة ألف ولا يبعد مثل هذا العدد أن يكون صحيحا إذا اعتبرت حاميتهم في الثغور الدانية والقاصية شرقا وغربا إلى الجند الحاملين سرير الملك والموالي والمصطنعين وقال المسعودي أحصى بنو العباس ابن عبد المطلب خاصة أيام المأمون للإنفاق عليهم فكانوا ثلاثين ألفا بين ذكران وإناث فانظر مبالغ هذا العدد لأقل من مائتي سنة واعلم أن سببه الرفه والنعيم الذي حصل للدولة وربي فيه أجيالهم وإلا فعدد العرب لأول الفتح لم يبلغ هذا ولا قريبا منه والله الخلاق العليم