الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل 21: فيما يعرض في الدول من حجر السلطان والاستبداد عليه

إذا استقر الملك في نصاب معين ومنبت واحد من القبيل القائمين بالدولة وانفردوا به ودفعوا سائر القبيل عنه وتداوله بنوهم واحدا بعد واحد بحسب الترشيح فربما حدث التغلب على المنصب من وزرائهم وحاشيتهم وسببه في الأكثر ولاية صبي صغير أو مضعف من أهل المنبت يترشح للولاية بعهد أبيه أو بترشيح ذويه وخوله ويؤنس منه العجز عن القيام بالملك فيقوم به كافله من وزراء أبيه وحاشيته ومواليه أو قبيله ويوري بحفظ أمره عليه حتى يؤنس منه الاستبداد ويجعل ذلك ذريعة للملك فيحجب الصبي عن الناس ويعوده إليها ترف أحواله ويسيمه في مراعيها متى أمكنه وينسيه النظر في الأمور السلطانية حتى يستبد عليه وهو بما عوده يعتقد
186
أن حظ السلطان من الملك إنما هو جلوس السرير وإعطاء الصفقة وخطاب التهويل والقعود مع النساء خلف الحجاب وأن الحل والربط والأمر والنهي ومباشرة الأحوال الملوكية وتفقدها من النظر في الجيش والمال والثغور إنما هو للوزير ويسلم له في ذلك إلى أن تستحكم له صبغة الرئاسة والاستبداد ويتحول الملك إليه ويؤثر به عشيرته وأبناءه من بعده كما وقع لبني بويه والترك وكافور الأخشيدي وغيرهم بالمشرق وللمنصور بن أبي عامر بالأندلس وقد يتفطن ذلك المحجور المغلب لشأنه فيحاول على الخروج من ربقة الحجر والاستبداد ويرجع الملك إلى نصابه ويضرب على أيدي المتغلبين عليه إما بقتل أو برفع عن الرتبة فقط إلا أن ذلك في النادر الأقل لأن الدولة إذا أخذت في تغلب الوزراء والأولياء استمر لها ذلك وقل أن تخرج عنه لأن ذلك إنما يوجد في الأكثر عن أحوال الترف ونشأة أبناء الملك منغمسين في نعيمه قد نسوا عهد الرجولة وألفوا أخلاق الدايات والأظآر وربوا عليها فلا ينزعون إلى رئاسة ولا يعرفون استبدادا من تغلب إنما همهم في القنوع بالأبهة والتنفس في اللذات وأنواع الترف وهذا التغلب يكون للموالي والمصطنعين عند استبداد عشير الملك على قومهم وانفرادهم به دونهم وهو عارض للدولة ضروري كما قدمناه وهذان مرضان لا برء للدولة منهما إلا في الأقل النادر والله يؤتي ملكه من يشاء وهو على كل شيء قدير