الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل 22: في أن المتغلبين على السلطان لا يشاركونه في اللقب الخاص بالملك

وذلك أن الملك والسلطان حصل لأوليه مذ أول الدولة بعصبية قومه وعصبيته التي استتبعتهم حتى استحكمت له ولقومه صبغة الملك والغلب وهي لم تزل باقية وبها انحفظ رسم الدولة وبقاؤها وهذا المتغلب وإن كان صاحب عصبية من قبيل الملك أو الموالي والصنائع فعصبيته مندرجة في عصبية أهل الملك وتابعة لها وليس له صبغة في الملك وهو لا يحاول في استبداده انتزاع ثمراته من الأمر والنهي والحل والعقد والإبرام والنقض يوهم فيها أهل الدولة أنه متصرف عن سلطانه منفذ في ذلك من وراء الحجاب لأحكامه فهو يتجافى عن سمات الملك وشاراته
187
وألقابه جيده ويبعد نفسه عن التهمة بذلك وإن حصل له الاستبداد لأنه مستتر في استبداده ذلك بالحجاب الذي ضربه السلطان وأولوه على أنفسهم عن القبيل منذ أول الدولة ومغالط عنه بالنيابة ولو تعرض لشيء من ذلك لنفسه عليه أهل العصبية وقبيل الملك وحاولوا الاستئثار به دونه لأنه لم تستحكم له في ذلك صبغة تحملهم على التسليم له والانقياد فيهلك لأول وهلة وقد وقع مثل هذا لعبد الرحمن بن الناصر بن منصور بن أبي عامر حين سما إلى مشاركة هشام وأهل بيته في لقب الخلافة ولم يقنع بما قنع به أبوه وأخوه من الاستبداد بالحل والعقد والمراسم المتتابعة فطلب من هشام خليفته أن يعهد له بالخلافة فنفس ذلك عليه بنو مروان وسائر قريش وبايعوا لابن عم الخليفة هشام محمد بن عبد الجبار بن الناصر وخرجوا عليهم وكان في ذلك خراب دولة العامريين وهلاك المؤيد خليفتهم واستبدل منه سواه من أعياص الدولة إلى آخرها واختلت مراسم ملكهم والله خير الوارثين