الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل 28: في انقلاب الخلافة إلى الملك

إعلم أن الملك غاية طبيعية للعصبية ليس وقوعه عنها باختيار إنما هو بضرورة الوجود وترتيبه كما قلناه من قبل وأن الشرائع والديانات وكل أمر يحل عليه الجمهور فلا بد فيه من العصبية إذ المطالبة لا تتم إلا بها كما قدمناه فالعصبية ضرورية للملة بوجودها يتم أمر الله منها وفي الصحيح ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه ثم وجدنا الشارع قد ذم العصبية وندب إلى أطراحها وتركها فقال إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء أنتم بنو آدم وآدم من تراب وقال تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم ووجدناه أيضا قد ذم الملك وأهله ونعى على أهله أحوالهم من الاستمتاع بالخلاف والإسراف في غير القصد والتنكب عن صراط الله وإنما حض على الإلفة في الدين وحذر من الخلاف والفرقة واعلم أن الدنيا كلها وأحوالها مطية للآخرة ومن فقد المطية فقد الوصول وليس مراده فيما ينهى عنه أو يذمه من أفعال البشر أو يندب إلى تركه إهماله بالكلية أو اقتلاعه من أصله وتعطيل القوى التي ينشأ عليها بالكلية إنما قصده تصريفها في أغراض الحق جهد الاستطاعة حتى تصير المقاصد كلها حقا وتتحد الوجهة كما قال من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه فلم يذم الغضب وهو يقصد نزعه من الإنسان فإنه لو زالت منه قوة الغضب لفقد منه الانتصار للحق وبطل الجهاد وإعلاء كلمة الله وإنما يذم الغضب للشيطان وللأغراض الذميمة فإذا كان الغصب لذلك كان مذموما وإذا كان الغضب في الله ولله كان ممدوحا وهو من شمائله وكذا ذم الشهوات أيضا ليس المراد إبطالها بالكلية فإن من بطلت شهوته كان نقصا في حقه وإنما المراد تصريفها فيما أبيح له باشتماله
203
على المصالح ليكون الإنسان عبدا متصرفا طوع الأوامر الإلهية وكذا العصبية حيث ذمها الشارع وقال لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم فإنما مراده حيث تكون العصبية على الباطل وأحواله كما كانت في الجاهلية وأن يكون لأحد فخر بها أو حق على أحد لأن ذلك مجان من أفعال العقلاء وغير نافع في الآخرة التي هي دار القرار فأما إذا كانت العصبية في الحق وإقامة أمر الله فأمر مطلوب ولو بطل لبطلت الشرائع إذ لا يتم قوامها إلا بالعصبية كما قلناه من قبل وكذا الملك لما ذمه الشارع لم يذم منه الغلب بالحق وقهر الكافة على الدين ومراعاة المصالح وإنما ذمه لما فيه من التغلب بالباطل وتصريف الآدميين طوع الأغراض والشهوات كما قلناه فلو كان الملك مخلصا في غلبه للناس أنه لله ولحملهم على عبادة الله وجهاد عدوه لم يكن ذلك مذموما وقد قال سليمان صلوات الله عليه رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي لما علم من نفسه أنه بمعزل عن الباطل في النبؤة والملك ولما لقي معاوية عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عند قدومه إلى الشام في أبهة الملك وزيه من العديد والعدة استنكر ذلك وقال أكسروية يا معاوية فقال نقال يا أمير المؤمنين أنا في ثغر تجاه العدو وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة فسكت ولم يخطئه لما احتج عليه بمقصد من مقاصد الحق والدين فلو كان القصد رفض الملك من أصله لم يقنعه الجواب في تلك الكسروية وانتحالها بل كان يحرض على خروجه عنهما بالجملة وإنما أراد عمر بالكسروية ما كان عليه أهل فارس في ملكهم من ارتكاب الباطل والظلم والبغي وسلوك سبله والغفلة عن الله وأجابه معاوية بأن القصد بذلك ليس كسروية فارس وباطلهم وإنما قصده بها وجه الله فسكت وهكذا كان شأن الصحابة في رفض الملك وأحواله ونسيان عوائده حذرا من التباسها بالباطل فلما استحضر رسول الله استخلف أبا بكر على الصلاة إذ هي أهم أمور الدين وارتضاه الناس للخلافة وهي حمل الكافة على أحكام الشريعة ولم يجر للملك ذكر لما أنه مظنة للباطل ونحلة يومئذ لأهل الكفر وأعداء الدين فقام بذلك أبو بكر ما شاء الله متبعا سنن صاحبه وقاتل أهل الردة حتى اجتمع العرب على الإسلام ثم عهد إلى عمر فاقتفى أثره وقاتل الأمم فغلبهم وأذن للعرب بانتزاع
204
ما بأيديهم من الدنيا والملك فغلبوهم عليه وانتزعوه منهم ثم صارت إلى عثمان بن عفان ثم إلى علي رضي الله عنهما والكل متبرئون من الملك منكبون عن طرقه وأكد ذلك لديهم ما كانوا عليه من غضاضة الإسلام وبداوة العرب فقد كانوا أبعد الأمم عن أحوال الدنيا وترفها لا من حيث دينهم الذي يدعوهم إلى الزهد في النعيم ولا من حيث بداوتهم ومواطنهم وما كانوا عليه من خشونة العيش وشظفه الذي ألفوه فلم تكن أمة من الأمم أسغب عيشا من مضر لما كانوا بالحجاز في أرض غير ذات زرع ولا ضرع وكانوا ممنوعين من الأرياف وحبوبها لبعدها واختصاصها بمن وليهما من ربيعة واليمن فلم يكونوا يتطاولون إلى خصبها ولقد كانوا كثيرا ما يأكلون العقارب والخنافس ويفخرون بأكل العلهز وهو وبر الإبل يمهونه بالحجارة في الدم ويطبخونه وقريبا من هذا كانت حال قريش في مطاعمهم ومساكنهم حتى إذا اجتمعت عصبية العرب على الدين بما أكرمهم الله من نبؤة محمد زحفوا إلى امم فارس والروم وطلبوا ما كتب الله لهم من الأرض بوعد الصدق فابتزوا ملكهم واستباحوا دنياهم فزخرت بحار الرفه لديهم حتى كان الفارس الواحد يقسم له في بعض الغزوات ثلاثون ألفا من الذهب أو نحوها فاستولوا من ذلك على ما لا يأخذه الحصر وهم مع ذلك على خشونة عيشهم فكان عمر يرقع ثوبه بالجلد وكان علي يقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري وكان أبو موسى يتجافى عن أكل الدجاج لأنه لم يعهدها للعرب لقلتها يومئذ وكانت المناخل مفقودة عندهم بالجملة وإنما يأكلون الحنطة بنخالها ومكاسبهم مع هذا أتم ما كانت لأحد من أهل العالم قال المسعودي في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال فكان له يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائتا ألف دينا وخلف إبلا وخيلا كثيرة وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلف ألف فرس وألف أمة وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم ومن ناحية السراة أكثر من ذلك وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا وخلف زيد بن ثابت من الفضة والذهب ما كان يكسر
205
بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بمائة ألف دينار وبنى الزبير داره بالبصرة وكذلك بنى بمصر والكوفة والإسكندرية وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة وشيد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والساج وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق ورفع سمكها وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها شرفات وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن وخلف لعلي بن منبه خمسين ألف دينار وعقارا وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم ا ه كلام المسعودي فكانت مكاسب القوم كما تراه ولم يكن ذلك منعيا عليهم في دينهم إذ هي أموال حلال لأنها غنائم وفيوء ولم يكن تصرفهم فيها بإسراف إنما كانوا على قصد في أحوالهم كما قلناه فلم يكن ذلك بقادح فيهم وإن كان الاستكثار من الدنيا مذموما فإنما يرجع إلى ما أشرنا إليه من الإسراف والخروج به عن القصد وإذا كان حالهم قصدا ونفقاتهم في سبل الحق ومذاهبه كان كذلك الاستكثار عونا لهم على طرق الحق واكتساب الدار الآخرة فلما تدرجت البداوة والغضاضة إلى نهايتها وجاءت طبيعة الملك التي هي مقتضى العصبية كما قلناه وحصل التغلب والقهر كان حكم ذلك الملك عندهم حكم ذلك الرفه والاستكثار من الأموال فلم يصرفوا ذلك التغلب في باطل ولا خرجوا به عن مقاصد الديانة ومذاهب الحق ولما وقعت الفتنة بين علي ومعاوية وهي مقتضى العصبية كان طريقهم فيها الحق والاجتهاد ولم يكنوا في محاربتهم لغرض دنيوي أو لإيثار باطل أو لاستشعار حقد كما قد يتوهمه متوهم وينزع إليه ملحد وإنما اختلف اجتهادهم في الحق وسقة كل واحد نظر صاحبه باجتهاده في الحق فاقتتلوا عليه وإن كان المصيب عليا فلم يكن معاوية قائما فيها بقصد الباطل إنما قصد الحق وأخطأ والكل كانوا في مقاصدهم على حق ثم اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد واستئثار الواحد به ولم يكن لمعاوية أن يدفع عن نفسه وقومه فهو أمر طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها واستشعرته بنو أمية ومن لم يكن على طريقة معاوية في اقتفاء الحق من أتباعهم فاعصوصبوا عليه واستماتوا دونه ولو حملهم معاوية على غير تلك الطريقة وخالفهم في الانفراد بالأمر لوقوع في افتراق الكلمة التي كان جمعها وتأليفها أهم عليه من أمر ليس وراءه كبير مخالفة
206
وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول إذا رأى القاسم بن محمد بن أبي بكر لو كان لي من الأمر شيء لوليته الخلافة ولو أراد أن يعهد إليه لفعل ولكنه كان يخشى من بني أمية أهل الحل والعقد لما ذكرناه فلا يقدر أن يحول الأمر عنهم لئلا تقع الفرقة وهذا كله إنما حمل عليه منازع الملك التي هي مقتضى العصبية فالملك إذا حصل وفرضنا أن الواحد انفرد به وصرفه في مذاهب الحق ووجوهه لم يكن في ذلك نكير عليه ولقد انفرد سليمان وأبوه داود صلوات الله عليهما بملك بني إسرائيل لما اقتضته طبيعة الملك من الانفراد به وكانوا ما علمت من النبؤة والحق وكذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفا من افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم فلو قد عهد إلى غيره واختلفوا عليه مع أن ظنهم كان به صالحا ولا يرتاب أحد في ذلك ولا يظن بمعاوية غيره فلم يكن ليعهد إليه وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق حاشا الله لمعاوية من ذلك وكذلك كان مروان ابن الحكم وابنه وإن كانوا ملوكا لم يكن مذهبهم في الملك مذهب أهل البطالة والبغي إنما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم إلا في ضرورة تحملهم على بعضها مثل خشية افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد يشهد لذلك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء وما علم السلف من أحوالهم ومقاصدهم فقد احتج مالك في الموطأ بعمل عبد الملك وأما مروان فكان من الطبقة الأولى من التابعين وعدالتهم معروفة ثم تدرج الأمر في ولد عبد الملك وكانوا من الدين بالمكان الذي كانوا عليه وتوسطهم عمر بن عبد العزيز فنزع إلى طريقه الخلفاء الأربعة والصحابة جهده ولم يهمل ثم جاء خلفهم واستعملوا طبيعة الملك في أغراضهم الدنيوية ومقاصدهم ونسوا ما كان عليه سلفهم من تحري القصد فيها واعتماد الحق في مذاهبها فكان ذلك مما دعا الناس إلى أن نعوا عليهم أفعالهم وأدالوا بالدعوة العباسية منهم وولي رجالها الأمر فكانوا من العدالة بمكان وصرفوا الملك في وجوه الحق ومذاهبه ما استطاعوا حتى جاء بنو الرشيد من بعده فكان منهم الصالح والطالح ثم أفضى الأمر إلى بنيهم فأعطوا الملك والترف حقه وانغمسوا في الدنيا وباطلها ونبذوا الدين وراءهم ظهريا فتأذن الله بحربهم وانتزاع الأمر من أيدي العرب جملة وأمكن سواهم والله لا
207
يظلم مثقال ذرة ومن تأمل سير هؤلاء الخلفاء والملوك واختلافهم في تحري الحق من الباطل علم صحة ما قلناه وقد حكاه المسعودي مثله في أحوال بني أمية عن أبي جعفر المنصور وقد حضر عمومته وذكروا بني أمية فقال أما عبد الملك فكان جبارا لا يبالي بما صنع وأما سليمان فكان همه بطنه وفرجه وأما عمر فكان أعور بين عميان وكان رجل القوم هشام قال ولم يزل بنو أمية ضابطين لما مهد لهم من السلطان يحوطونه ويصونون ما وهب الله لهم منه مع تسنمهم معالي الأمور ورفضهم دنياتها حتى أفضى الأمر إلى أبنائهم المترفين فكانت همتهم قصد الشهوات وركوب اللذات من معاصي الله جهلا باستدراجه وأمنا لمكره مع اطراحهم صيانة الخلافة واستخفافهم بحق الرئاسة وضعفهم عن السياسة فسلبهم الله العز وألبسهم الذل ونفى عنهم النعمة ثم استحضر عبد الله بن مروان فقص عليه خبره مع ملك النوبة لما دخل أرضهم فارا أيام السفاح قال أقمت مليا ثم أتاني ملكهم فقعد على الأرض وقد بسطت لي فرش ذات قيمة فقلت ما منعك عن القعود على ثيابنا فقال إني ملك وحق لكل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه الله ثم قال لي لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم فقلت اجترأ على ذلك عبيدنا وأتباعنا قال فلم تطئون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم قلت فعل ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم قال فلم تلبسون الديباج والذهب والحرير وهو محرم عليكم في كتابكم قلت ذهب منا الملك وانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا فأطرق ينكث بيده في الأرض ويقول عبيدنا وأتباعنا وأعاجم دخلوا في ديننا ثم رفع رأسه إلي وقال ليس كما ذكرت بل أنتم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم وأتيتم ما عنه نهيتم وظلمتم فيما ملكتهم فسلبكم اله العز وألبسكم الذل بذنوبكم ولله نقمة لم تبلغ غايتها فيكم وأنا خائف أن يحل بكم العذاب وأنتم ببلدي فينالني معكم وإنما الضيافة ثلاث فتزود ما احتجت إليه وارتحل عن أرضي فتعجب المنصور وأطرق فقد تبين لك كيف انقلبت الخلافة إلى الملك وأن الأمر كان في أوله خلافة ووازع كل أحد فيها من نفسه وهو الدين وكانوا يؤثرونه على أمور دنياهم وإن أفضت إلى
208
هلاكهم وحدهم دون الكافة فهذا عثمان لما حصر في الدار جاءه الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وابن جعفر وأمثالهم يريدون المدافعة عنه فأبى ومنع من سل السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة وحفظا للإلفة التي بها حفظ الكلمة ولو أدى إلى هلاكه وهذا علي أشار عليه المغيرة لأول ولايته باستبقاء الزبير ومعاوية وطلحة على أعمالهم حتى يجتمع الناس على بيعته وتتفق الكلمة وله بعد ذلك ما شاء من أمره وكان ذلك من سياسة الملك فأبى فرارا من الغش الذي ينافيه الإسلام وغدا عليه المغيرة من الغداة فقال لقد أشرت عليك بالأمس بما أشرت ثم عدت إلى نظري فعلمت أنه ليس من الحق والنصيحة وأن الحق فيما رأيته أنت فقال علي لا والله بل أعلم أنك نصحتني بالأمس وغششتني اليوم ولكن منعني مما أشرت به زائد الحق وهكذا كانت أحوالهم في إصلاح دينهم بفساد دنياهم ونحن نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فقد رأيت كيف صار الأمر إلى الملك وبقيت معاني الخلافة من تحري الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحق ولم يظهر التغير إلا في الوازع الذي كان دينا ثم انقلب عصبية وسيفا وهكذا كان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك فالصدر الأول من خلفاء بني العباس إلى الرشيد وبعض ولده ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا اسمها وصار الأمر ملكا بحتا وجرت طبيعة التغلب إلى غايتها واستعملت في أغراضها من القهر والتقلب في الشهوات والملاذ وهكذا كان الأمر لولد عبد الملك ولمن جاء بعد الرشيد من بني العباس وأسم الخلافة باقيا فيهم لبقاء عصبية العرب والخلافة والملك في الطورين ملتبس بعضهما ببعض ثم ذهب رسم الخلافة وأثرها بذهاب عصبية العرب وفناء جيلهم وتلاشي أحوالهم وبقي الأمر ملكا بحتا كما كان الشان في ملوك العجم بالمشرق يدينون بطاعة الخليفة تبركا والملك بجميع ألقابه ومناحيه لهم وليس للخليفة منه شيء وكذلك فعل ملوك زناتة بالمغرب مثل صنهاجة مع العبيديين ومغراوة وبني يفرن أيضا مع خلفاء بني أمية بالأندلس والعبيديين بالقيروان فقد تبين أن الخلافة قد وجدت بدون الملك أولا ثم التبست معانيهما واختلطت ثم انفرد الملك حيث افترقت عصبيته من عصبية الخلافة والله
209
مقدر الليل والنهار وهو الواحد القهار