الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل 29: في معنى البيعة

إعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري فسمي بيعة مصدر باع وصارت البيعة مصافحة بالأيدي هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع وهو المراد في الحديث في بيعة النبي ليلة العقبة وعند الشجرة وحيثما ورد هذا اللفظ ومن بيعة الخلفاء ومنه أيمان البيعة كان الخلفاء يستحلفون على العهد ويستوعبون الأيمان كلها لذلك فسمي هذا الاستيعاب أيمان البيعة وكان الإكراه فيها أكثر وأغلب ولهذا لما أفتى مالك رضي الله عنه بسقوط يمين الإكراه أنكرها الولاة عليه ورأوها قادحة في أيمان البيعة ووقع ما وقع من محنة الإمام رضي الله عنه وأما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل أطلق عليها اسم البيعة التي هي العهد على الطاعة مجازا لما كان هذا الخضوع في التحية والتزام الآداب من لوازم الطاعة وتوابعها وغلب فيه حتى صارت حقيقية عرفية واستغنى بها عن مصافحة أيدي الناس التي هي الحقيقة في الأصل لما في المصافحة لكل أحد من التنزل والابتذال المنافيين للرئاسة وصون المنصب الملوكي إلا في الأقل ممن يقصد التواضع من الملوك فيأخذ به نفسه مع خواصه ومشاهير أهل الدين من رعيته فافهم معنى البيعة في العرف فإنه أكيد على الإنسان معرفته لما يلزمه من حق سلطانه وإمامه ولا تكون أفعاله عبثا ومجانا واعتبر ذلك من أفعالك مع الملوك والله القوي العزيز