الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل 35: في التفاوت بين مراتب السيف والقلم في الدول

257

إعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بها على أمره إلا أن الحاجة في أول الدولة إلى السيف ما دام أهلها في تمهيد أمرهم أشد من الحاجة إلى القلم لأن القلم في تلك الحال خادم فقط منفذ للحكم السلطاني والسيف شريك في المعونة وكذلك في آخر الدولة حيث تضعف عصبيتهما كما ذكرناه ويقل أهلها بما ينالهم من الهرم الذي قدمناه فتحتاج الدولة إلى الاستظهار بأرباب السيوف وتقوى الحاجة إليهم في حماية الدولة والمدافعة عنها كما كان الشأن أول الأمر في تمهيدها فيكون للسيف مزية على القلم في الحالتين ويكون أرباب السيف حينئذ أوسع جاها وأكثر نعمة واسنى إقطاعا وأما في وسط الدولة فيستغني صاحبها بعض الشيء عن السيف لأنه قد تمهد أمره ولم ييق همه إلا في تحصيل ثمرات الملك من الجباية والضبط ومباهاة الدول وتنفيذ الأحكام والقلم هو المعين له في ذلك فتعظم الحاجة إلى تصريفه وتكون السيوف مهملة في مضاجع أغمادها إلا إذا أنابت نائية أو دعيت إلى سد فرجة ومما سوى ذلك فلا حاجة إليها فتكون أرباب الأقلام في هذه الحاجة أوسع جاها وأعلى رتبة وأعظم نعمة وثروة وأقرب من السلطان مجلسا وأكثر إليه ترددا وفي خلواته نجيا لأنه حينئذ آلته التي بها يستظهر على تحصيل ثمرات ملكه والنظر إلى أعطافه وتثقيف أطرافه والمباهاة بأحواله ويكون الوزراء حينئذ وأهل السيوف مستغنى عنهم مبعدين عن باطن السلطان حذرين على أنفسهم من بوادره وفي معنى ذلك ما كتب به أبو مسلم للمنصور حين أمره بالقدوم أما بعد فإنه مما حفظناه من وصايا الفرس أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهما سنة الله في عباده والله سبحانه وتعالى أعلم