بسم الله الرحمن الرحيم قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام : قال : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي : وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة ، منها غزوة ودان ، وهي غزوة الأبواء ، ثم غزوة بواط ، من ناحية رضوى ، ثم غزوة العشيرة، من بطن ينبع ، ثم غزوة بدر الأولى ، يطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة بدر الكبرى ، التي قتل الله فيها صناديد قريش ، ثم غزوة بني سليم ، حتى بلغ الكدر ، ثم غزوة السويق ، يطلب أبا سفيان بن حرب ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، ثم غزوة بحران ، معدن بالحجاز ، ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ، ثم غزوة بني النضير ، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ، ثم غزوة بدر الآخرة ، ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان من هذيل ، ثم غزوة ذي قرد، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثم غزوة الحديبية ، لا يريد قتالا ، فصده المشركون . ثم غزوة خيبر ، ثم غزوة القضاء ، ثم غزوة الفتح ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك . قاتل منها في تسع غزوات : بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف .
وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثمانيا وثلاثين ، من بين بعث وسرية : غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية ذي المروة ، ثم غزوة حمزة بن عبدالمطلب ساحل البحر ، من ناحية العيص ؛ وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة ، وغزوة سعد بن أبي وقاص الخرار ، وغزوة عبدالله بن جحش نخلة ، وغزوة زيد بن حارثة القردة ، وغزوة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف ، وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع ، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة ، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح ، ذا القصة ،من طريق العراق . وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبدالله الكلبي ،كلب ليث ، بالكديد ، فأصاب بني الملوح .
قال : ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتى تلا مشرفا على الحاضر ، فأسندت فيه ، فعلوت على رأسه ، فنظرت إلى الحاضر ، فوالله إني لمنبطح على التل ، إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لامرأته : إني لأرى على التل سواداً ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً ، لا تكون الكلاب جرت بعضها . قال : فنظرت ، فقالت : لا ، والله ما أفقد شيئاً ، قال فناوليني قوسي وسهمين ، فناولته ، قال : فأرسل سهماً فوالله ما أخطأ جنبي ، فأنزعه ، فأضعه ، وثبت مكاني ، قال : ثم أرسل الآخر ، فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لامرأته : لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ، لقد خالطه سهماي ، لا أبا لك ، إذا أصبحت فابتغيهما ، فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب . قال : ثم دخل . غنائم المسلمين في هذه الغزوة قال : وأمهلناهم ، حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر ، شننا عليهم الغارة ، قال : فقتلنا واستقنا النعم ، وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ، ومضينا بالنعم ، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه . فاحتملناهما معنا ؛ قال : وأدركنا القوم ، حتى قربوا منا ، قال : فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ، ولا مطر ، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعاً ، حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا . قال : فقدمنا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم : أن شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تلك الليلة : أمت أمت . فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها :
أبى أبو القاسم أن تعزبـي |
|
في خضل نباته مغـلـولـب |
صفرا أعاليه كلون المذهب |
|
|
قال ابن هشام :ويروى : ( كلون الذهب ) تم خبر الغزاة ، وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث .
قال ابن إسحاق : وغزوة على بن أبي طالب رضى الله عنه بني عبدالله بن سعد من أهل فدك ،وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعاً ، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبدالأسد قطنا ، ماء من مياه بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة ، القرطاء من هوزان ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك ، وغزوة بشير بن سعد ، ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم ، من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة ، جذام من أرض خشين . قال ابن هشام :عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق من أرض حسمى .
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه ، فردوه على دحية ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ، ومن كان من سلامان ، وسعد بن هذيم ، حين جاءهم رفاعة بن زيد ، بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا الحرة : حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ، لم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب ، وسائر بني الضبيب ، بوادي مدان، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف . قال ابن هشام :من بني الأجنف . قال ابن إسحاق : في حديثه : ورجلا من بني الخصيب فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم ، وكان فيمن ركب معهم حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد ، يقال لها : العجاجة وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها : رغال ، وأبو زيد بن عمرو ، على فرس يقال لها : شمر ، فانطلقوا ، حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة : كف عنا وانصرف ، فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب ، فقال : لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ، فأرخى لها حتى أدركهما ، فقالا له : أما إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم ، فتواصوا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض ، إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال : بوري أو ثوري ، فلما برزوا على الجيش ، أقبل القوم يبتدرونهم ، فقال لهم حسان : إنا قوم مسلمون ، وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم ، فأقبل يسوقهم . فقال أنيف : بوري فقال حسان : مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة ، قال حسان : إنا قوم مسلمون ، فقال له زيد : فاقرءوا أم الكتاب ، فقرأها حسان ، فقال زيد بن حارثة : نادوا في الجيش إن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر .
قال ابن إسحاق : وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد : خذها وأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضلعية : أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ؟ فقال أحد بني الخصيب : إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها : اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه . فرجعوا ، ونهي الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن زيد ، فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخرمة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة: إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ! فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل يشد عليه رحله ، وهو يقول :
هل أنت حي أو تنادي حيا |
|
|
ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ، فقال : لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده :أن تعالوا من وراء الناس ، فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس ، فقال : يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال : رفاعة بن زيد رحم الله من لم يحذنا في قومه هذا إلا خيراً . ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له فقال : دونك يا رسول الله قديما كتابه ، حديثاً غدره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأه يا غلام ، وأعلن ، فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف اصنع بالقتلى ؟ ( ثلاث مرات ) . فقال رفاعة : أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ولا نحلل لك حراماً . فقال أبو زيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي . فقال له رضى الله عنه: إن زيدا لن يطيعني يا رسول الله ، قال : فخذ سيفي هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي : ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له : مكحال . فخرجوا فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها : الشمر ، فأنزلوه عنها . فقال : يا علي ، ما شأني؟ فقال : مالهم ،عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل ، فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم :
وعاذلة ولم تعـذل بـطـب |
|
ولولا نحن حش بها السـعـير |
تدافع في الأسارى بابنتيهـا |
|
ولا يرجى لها عـتـق يسـير |
ولو وكلت إلى عوص وأوس |
|
لحار بها عن العتـق الأمـور |
ولو شهدت ركائبنا بمضـر |
|
تحاذر أن يعل بها الـمـسـير |
وردنا ماء يثرب عن حفـاظ |
|
لربـع إنـه قـرب ضــرير |
بكل مجرب كالسـيد نـهـد |
|
على أقتاد نـاجـية صـبـور |
فدى لأبي سليمى كل جـيش |
|
بيثرب إذ تناطحت الـنـحـور |
غداة ترى المجرب مستكينـا |
|
خلاف القوم هامـتـه تـدور |
قال ابن هشام :قوله : ( ولا يرجى لها عتق يسير ) وقوله : ( عن العتق الأمور ) عن غير ابن إسحاق. تمت الغزاة ، وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث
قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق . غزوة زيد بن حارثة بني فزارة وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه ، وارتث زيد من بين القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش ، وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد بني بدر . قال ابن هشام :سعد بن هذيم . قال ابن إسحاق : فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة ، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم ، وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة ، فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، كانت عجوزاً كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ،وعبدالله بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة ، فقتلها قتلاً عنيفاً ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة ،وبابن مسعدة . وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع ، كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ، كانت العرب تقول : ( لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت ) فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة ، فوهبها له ، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب ، فولدت له عبدالرحمن بن حزن . فقال قيس بن المسحر في قتل مسعدة :
سعيت بورد مثل سعي ابن أمه |
|
وإني بورد في الحـياة لـثـائر |
كررت عليه المهر لما رأيتـه |
|
على بطل من آل بدر مـغـاور |
فركبت فيه قعضبـيا كـأنـه |
|
شهاب بمعراة يذكى لـنـاظـر |
وغزوة عبدالله ابن رواحة خيبر مرتين ، إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام . قال ابن هشام:ويقال بن رازم . وكان من حديث اليسير بن رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة في نفر من أصحابه، منهم عبدالله بن أنيس ، حليف بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه ، وقربوا له ، وقالوا له : إنك إن قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأكرمك ، فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود، فحمله عبدالله بن أنيس على بعيره . حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر ، على ستة أميال ، ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففطن به عبدالله بن أنيس وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، ثم ضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير بمخرش في يده من شوحط فأمه ، ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه ، فلما قدم عبدالله بن أنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تفل على شجته ، فلم تقح ولم تؤذه .
غزوة عبدالله بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق .
وغزوة عبدالله بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : قال عبدالله بن أنيس : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله . قلت : يا رسول الله ، انعته لي حتى أعرفه . قال : إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة . قال : فخرجت متوشحاً سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ، فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشى نحوه وأومي برأسي . فلما انتهيت إليه ، قال : من الرجل ؟ قلت : رجل من العرب ، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك . قال : أجل إني لفي ذلك ، قال : فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني ، قال : أفلح الوجه ؛ قلت : قد قتلته يا رسول الله ، قال : صدقت .
ثم قام بي فأدخلني بيته فأعطاني عصا ، فقال : أمسك هذه العصا عندك يا عبدالله بن أنيس ، قال : فخرجت بها على الناس ، فقالوا : ما هذه العصا ؟ قلت : أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي ، قالوا : أفلا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله لم ذلك ؟ قال : فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، لم أعطيتني هذه العصا ؟ قال : آية بيني وبينك يوم القيامة . إن أقل الناس المتحضرون يومئذ ، قال : فقرنها عبدالله بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم دفنا جميعا .
قال ابن هشام :وقال عبدالله ابن أنيس في ذلك :
تركت ابن ثور كالحوار وحوله |
|
نوائح تفري كـل جـيب مـقـدد |
تناولته والظعن خلفي وخلـفـه |
|
بأبيض من ماء الحـديد مـهـنـد |
عجوم لهام الدارعـين كـأنـه |
|
شهاب غضى من ملهب متـوقـد |
أقول له والسيف يعجم رأسـه |
|
أنا ابن أنيس فارسا غـير قـعـدد |
أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره |
|
رحيب فناء الدار غـير مـزنـد |
وقلت له خذها بضربة مـاجـد |
|
حنيف على دين النبي مـحـمـد |
وكنت إذا هم النبي بكافر |
|
سبقت إليه باللسان وبـالـيد |
تمت الغزاة ، وعدنا إلى خبر البعوث .
قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، و عبدالله بن رواحة ، مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ، ذات أطلاح إلى أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم .
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم ، فأغار عليهم ، فأصاب منهم أناساً ، وسبى منهم أناساً . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إن علي رقبة من ولد إسماعيل . قال : هذا سبي بني العنبر يقدم الآن فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه .
قال ابن إسحاق : فلما قدم بسبيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ركب فيهم وفد من بني تميم ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم ربيعة بن رفيع ، وسبرة بن عمرو ، والقعقاع بن معبد ، ووردان بن محرز ، وقيس بن عاصم ، ومالك بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وفراس بن حابس. فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، فأعتق بعضاً ، وأفدى بعضاً ، وكان ممن قتل يومئذ من بني العنبر: عبدالله ، وأخوان له بنو وهب ، وشداد بن فراس ، وحنظلة بن دارم . وكان ممن سبى من نسائهم يومئذ ، أسماء بنت مالك ، وكاس بنت أري ، ونجوة بنت نهد ، وجميعة بنت قيس ، وعمرة بنت مطر .
فقالت في ذلك اليوم سلمى بنت عتاب :
لعمري لقد لاقت عدي بن جندب |
|
من الشر مهواة شـديدا كـئودهـا |
تكفنها الأعداء من كل جـانـب |
|
وغيب عنها عزهـا وجـدودهـا |
شعر الفرزدق في ذلك : قال ابن هشام :وقال الفرزدق في ذلك :
وعند رسول الله قام ابن حابـس |
|
بخطة سوار إلى المـجـد حـازم |
له أطلق الأسرى التي في حباله |
|
مغللة أعناقهـا فـي الـشـكـائم |
كفى أمهات الخالفين علـيهـم |
|
غلاء المفادي أو سهام المقـاسـم |
وهذه الأبيات في القصيدة له ، وعدي بن جندب من بني العنبر ، والعنبر ابن عمرو بن تميم .
قال ابن إسحاق : وغزوة غالب بن عبدالله الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ، حليفا لهم من الحرقة ، من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، ورجل من الأنصار . قال ابن هشام: الحرقة فيما حدثني أبو عبيدة : أسامة بن زيد يقتل مرداس قال ابن إسحاق : وكان من حديثه عن أسامة بن زيد قال : أدركته أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السلاح ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال : فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخبرناه خبره ، فقال : يا أسامة من لك بلا إله إلا الله ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل ، قال : فمن لك بها يا أسامة ؟ قال : فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني كنت أسلمت يومئذ ، وإني لم أقتله . قال : قلت : أنظرني يا رسول الله ، إني أعاهد أن لا أقتل رجلاً يقول : لا إله إلا الله أبداً ، قال : تقول بعدي يا أسامة ؟ قال قلت بعدك .
وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عذرة ، وكان من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام ، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل، وبذلك سميت تلك الغزوة ، غزوة ذات السلاسل .فلما كان عليه خاف ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين، فيهم أبو بكر وعمر ، وقال لأبي عبيدة حين وجهه : لا تختلفا ، فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه، قال له عمرو : إنما جئت مدداً لي ؛ قال أبو عبيدة : لا ، ولكنى على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه . وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً ، هيناً عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو : بل أنت مدد لي ، فقال أبو عبيدة : يا عمرو ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي : لا تختلفا ، وإنك إن عصيتني أطعتك ، قال : فإني الأمير عليك ، وأنت مدد لي ، قال : فدونك . فصلى عمرو بالناس .
قال : وكان من الحديث في هذه الغزاة ، أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة ، كان يحدث - فيما بلغني - عن نفسه ، قال : كنت امرأ نصرانياً وسميت سرجس ، فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل ، كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ، ثم أغير على إبل الناس ن فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه ، حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ، فأشرب منه ، فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ؛ قال : فقلت : والله لأختارن لنفسي صاحبا ، قال: فصحبت أبا بكر ، قال : فكنت معه في رحله ، قال : وكانت عليه عباءة له فدكية ، فكان إذا نزلنا بسطها، وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال له ، قال : وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفاراً : نحن نبايع ذا العباءة ! . قال : فلما دنونا من المدينة قافلين ، قال : قلت : يا أبا بكر ، إنما صحبتك لينفعني الله بك ، فانصحنى ، وعلمنى ، قال : لو لم تسألني ذلك لفعلت . قال : آمرك أن توحد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، وتغتسل من الجنابة ، ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً . قال : قلت : يا أبا بكر ، أما أنا والله فأني أرجو أن لا أشرك بالله أحد أبداً ، وأما الصلاة فلن أتركها أبداً إن شاء الله وأما الزكاة فإن يك لي مال أؤدها إن شاء الله ، وأما رمضان فلن أتركه أبداً إن شاء الله ، وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء الله تعالى ، وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله . وأما الإمارة ، فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بها ، فلم تنهاني عنها ؟ قال : إنك إنما استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك : إن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الدين ، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ الله وجيرانه ، وفي ذمته ، فإياك لا تخفر الله في جيرانه ، فيتبعك الله في خفرته ، فإن أحدكم يخفر جاره ، فيظل ناتئا عضله ، غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير ، فالله أشد غضباً لجاره ، قال : ففارقته على ذلك . قال : فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر أبو بكر على الناس ، قال : قدمت عليه ، فقلت له : يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ؟ قال : بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك ؛ قال : فقلت له : فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟ قال : لا أجد من ذلك بداً ، خشيت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرقة . قال ابن إسحاق : أخبرني يزيد بن أبي حبيب ، أنه حدث عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ، إلى ذات السلاسل ، قال : فصحبت أبا بكر وعمر ، فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ، وقال : وكنت امرأ لبقاً جازراً ، قال : فقلت : أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم ؟ قالوا : نعم ، قال : فأخذت الشفرتين فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءاً ، فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه فأكلناه .فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : أني لك هذا اللحم يا عوف ؟ قال : فأخبرتهما خبره ، فقالا : والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك ؛ قال : فلما قفل الناس من ذلك السفر ، كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فجئته وهو يصلي في بيته ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قال : أعوف بن مالك ؟ قال : قلت: نعم ، بأبي أنت وأمي ، قال : أصاحب الجزور ؟ ولم يزدني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك شيئاً .
قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط عن القعقاع بن عبدالله بن أبي حدرد عن أبيه عبدالله ابن أبي حدرد ، قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم . مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي ، على قعود له ، ومعه متيع له ، ووطب من لبن ، قال : فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة ، فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ، وأخذ متيعه ، قال : فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرناه الخبر ، نزل فينا : {( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا )} إلى أخر الآية . قال ابن هشام :قرأ أبو عمرو بن العلاء ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ) لهذا الحديث
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث ، عن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، وكانا شهدا حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة ، فجلس تحتها ، وهو بحنين ، فقام إليه الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، يختصمان ، في عامر بن الأضبط الأشجعي : عيينة يطلب بدم عامر ، وهو يومئذ رئيس غطفان ، والأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة ، لمكانه من خندف ، فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى لله عليه وسلم ، ونحن نسمع فسمعنا ، عيينة بن حصن ، وهو يقول : والله يا رسول الله ، لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة مثل ما أذاق نسائي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، وهو يأبى عليه ، إذ قام رجل من بني ليث ، يقال له : مكيثر قصير مجموع - قال ابن هشام :مكيل - فقال : والله يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ، فنفرت أخرها ، اسنن اليوم ، وغير غداً ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال : بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، قال : فقبلوا الدية . قال : ثم قالوا : أين صاحبكم هذا يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فقام رجل آدم ضرب طويل ، عليه حلة له ، قد كان تهيأ للقتل فيها ، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ما اسمك ؟ قال : أنا محلم بن جثامة ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال : اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ، ثلاثا . قال : فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه ، قال : فأما نحن فنقول فيما بيننا : إنا لنرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر له ، وأما ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا .
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم ،عن الحسن البصري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه : أمنته بالله ثم قتلته ! ثم قال له المقالة التي قال ؛ قال : فوالله ما مكث محلم بن جثامة إلا سبعاً حتى مات ، فلفظته ، والذي نفس الحسن بيده ، الأرض ، ثم عادوا له ، فلفظته الأرض ، ثم عادوا فلفظته ، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين ، فسطحوه بينهما ، ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه . قال : فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه ، فقال : والله إن الأرض لتطابق على من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه .
قال ابن إسحاق : وأخبرنا سالم أبو النضر ، أنه حدث أن عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم ، يا معشر ، قيس منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلاً يستصلح به الناس ، أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيلعنكم الله بلعنته ، أو أن يغضب عليكم فيغضب الله عليكم بغضبه ؟ والله الذي نفس الأقرع بيده لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليصنعن فيه ما أراد، أو لآتين بخمسين رجلاً من بني تميم يشهدون بالله كلهم : لقتل صاحبكم كافراً ، ما صلى قط . فلأطلن دمه . فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية . قال ابن هشام : محلم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ، وهو محلم بن جثامة بن قيس الليثي . وقال ابن إسحاق : ملجم فيما حدثناه زيادة عنه .
قال ابن إسحاق : وغزوة ابن أبي حدرد الأسلمي الغابة . وكان من حديثها فيما بلغني عمن لا أتهم ،عن ابن أبي حدرد ، قال : تزوجت امرأة من قومي ، وأصدقتها مائتي درهم قال : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي ؛ فقال : وكم أصدقت ؟ فقلت : مائتي درهم يا رسول الله ، قال : سبحان الله لوكنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم ، الله ما عندي ما أعينك به . قال : فلبثت أياما وأقبل رجل من بني جشم ، يقال له : رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة ، في بطن عظيم من بني جشم ، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذا اسم في جشم وشرف ، قال : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معي من المسلمين ، فقال : أخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم . قال : وقدم لنا شارفاً عجفاء ، فحمل عليها أحدنا والله ما قدمت به ضعفاً حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلت وما كادت ، ثم قال : تبلغوا عليها واعتقبوها .
قال :فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف ، حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر عُشَيْشِيّة مع غروب الشمس . قال : كمنت في ناحية ، وأمرت صاحبي ، فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما: إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي ، قال : فوالله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم ، أو أن نصيب منهم شيئا . قال : وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء ، وقد كان لهم راع قد سرح في هذا البلد ، فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه . قال : فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس ، فأخذ سيفه فجعله في عنقه ، ثم قال : والله لأتبعن أثر راعينا هذا ، ولقد أصابه شر ، فقال له نفر ممن معه : والله لا تذهب نحن نكفيك ، قال : والله لا يذهب إلا أنا ، قالوا : فنحن معك ، قال : والله لا يتبعني أحد منكم . قال : وخرج حتى يمر بي . قال : فلما أمكنني نفحته بسهمي ، فوضعته في فؤاده ، قال : فوالله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت رأسه . قال : وشددت في ناحية العسكر ، وكبرت ، وشد صاحباي وكبرا. قال : فوالله ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك ، عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم ، وما خف معهم من أموالهم .قال : واستقنا إبلا عظيمة ، وغنما كثيرة ، فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وجئت برأسه أحمله معي ، قال : فأعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيراً في صداقي ، فجمعت إلى أهلي .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح ، قال : سمعت رجلاً من أهل البصرة يسأل عبدالله بن عمر بن الخطاب ، عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم ، قال : فقال عبدالله : سأخبرك إن شاء الله عن ذلك بعلم : كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبدالرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذ أقبل فتى من الأنصار ، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ، فقال : يا رسول الله ، صلى الله عليك، أي المؤمنين أفضل ؟ فقال : أحسنهم خلقاً قال : فأي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم ذكراً للموت، وأحسنهم استعداداً له ، قبل أن ينزل به أولئك الأكياس ، ثم سكت الفتى ، وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا معشر المهاجرين ، خمس خصال إذا نزلن بكم ، وأعوذ بالله أن تدركوهن ، إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع ، التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسنين ، وشدة المؤنة ، وجور السلطان ، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم ، إلا منعوا القطر من السماء ، فلولا البهائم ما مطروا ، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم ، فأخذ بعض ما كان في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ، وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم .
ثم أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثة عليها ، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ، ثم قال : هكذا يا ابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن وأعرف ، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه ، فحمد الله تعالى وصلى على نفسه ، ثم قال : خذه يا ابن عوف ، اغزوا جميعا في سبيل الله ، فقاتلوا من كفر بالله ، لاتغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، فهذا عهد الله ، وسيرة نبيه فيكم ، فأخذ عبدالرحمن بن عوف اللواء . قال ابن هشام :فخرج إلى دومة الجندل .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده عبادة بن الصامت ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى سيف البحر ، عليهم أبو عبيدة بن الجراح ، وزودهم جرابا من تمر ، فجعل يقوتهم إياه ، حتى صار إلى أن يعده عليهم عداً ، قال : ثم نفد التمر ، حتى كان يعطي كل رجل منهم كل يوم تمرة ، قال : فقسمها يوماً بيننا ، قال : فنقصت تمرة عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم . قال : فلما جهدنا الجوع ، أخرج الله لنا دابة من البحر ، فأصبنا من لحمها وودكها ، وأقمنا عليها عشرين ليلة ، حتى سمنا وابتللنا ، وأخذ أميرنا ضلعا من أضلاعها ، فوضعها على طريقه ، ثم أمر بأجسم بعير معنا ، فحمل عليه أجسم رجل منا ، قال : فجلس عليه ، قال : فخرج من تحتها وما مست رأسه . قال فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره خبرها ، وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه ، فقال رزق رزقكموه الله .
قال ابن هشام :ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه بعث عمرو بن أمية الضمري ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به من أهل العلم ، بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة ، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ، وبعث معه جبار صخر الأنصاري ، فخرجا حتى قدما مكة ، وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلاً . فقال جبار لعمرو : لو أنا طفنا بالبيت ، وصلينا ركعتين ؟ فقال عمرو : إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم ، فقال : كلا ، إن شاء الله . فقال عمرو : فطفنا بالبيت ، وصلينا ، ثم خرجنا نريد أبا سفيان ، فوالله إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة فعرفني ، فقال عمرو بن أمية : والله إن قدمها إلا لشر ؛ فقلت لصاحبي : النجاء ، فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل ، يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل ، فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا . فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا له ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار ، فقلت : إن رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا . قال : ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان ، فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة ، وصاح صيحة أسمع أهل مكة ، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بأخر رمق ، فقالوا : من ضربك ؟ فقال : عمرو بن أمية ، وغلبه الموت ، فمات مكانه . ولم يدلل على مكاننا ، فاحتملوه . فقلت لصاحبي : لما أمسينا النجاء ؛ فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي ؛ فقال أحدهم : والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ، لولا أنه بالمدينة ، لقلت : هو عمرو بن أمية . قال : فلما حاذى الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شداً ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه الله عنهم ، فلم يقدروا عليه ، قال : وقلت لصاحبي : النجاء النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشغل عنك القوم ، وكان الأنصاري لا رجلة له . قال ومضيت حتى أخرج على ضجنان ، ثم أويت إلى جبل، فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور ، في غنيمة له ، فقال : من الرجل؟ فقلت : من بني بكر ، فمن أنت ؟ قال : من بني بكر ، فقلت : مرحبا فاضطجع ، ثم رفع عقيرته ، فقال:
ولست بمسلم ما دمت حيا |
|
ولا دان لدين المسلـمـينـا |
فقلت في نفسي : ستعلم ، فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ، ثم خرجت النجاء ، حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع ، إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتحسسان ، فقلت : استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله ، واستأسر الآخر ، فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة .
قال ابن هشام :وسرية زيد بن حارثة إلى مدين . ذكر ذلك عبدالله بن حسن بن حسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم رضوان الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ، ومعه ضميرة ، مولى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وأخ له ، قالت : فأصاب سبياً من أهل ميناء ، وهي السواحل ، وفيها جماع من الناس ، فبيعوا ففرق بينهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه سلم وهم يبكون ، فقال : ما لهم ؟ فقيل : يا رسول الله فرق بينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تبيعوهم إلا جميعا . قال ابن هشام :أراد الأمهات والأولاد .
قال ابن إسحاق : وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك ، أحد بني عمرو بن عوف ثم بني عبيدة ، وكان قد نجم نفاقه ، حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث ابن سويد بن صامت ، فقال :
لقد عشت دهرا وما إن أرى |
|
من الناس دارا ولا مجمـعـا |
أبر عهودا وأوفـى لـمـن |
|
يعاقـد فـيهـم إذا مـا دعـا |
من أولاد قيلة في جمعهم |
|
يهد الجبال ولم يخـضـعـا |
فصدعهم راكب جاءهـم |
|
حلال حرام لشتـى مـعـا |
فلو أن بالعز صدقـتـم |
|
أو الملك تابعتـم تـبـعـا |
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لي بهذا الخبيث ، فخرج سالم بن عمير ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهو أحد البكائين ، فقتله ؟ فقالت أمامة المزيرية في ذلك :
تكذب دين الله والمرء أحـمـدا |
|
لعمرو الذي أمناك أن بئس ما يمني |
حباك حنيف أخر الليل طعـنة |
|
أبا عفك خذها على كبر الـسـن |
غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان وغزوة عمير بن عدي الخطمي عصماء بنت مروان ، وهي من بني أمية بن زيد ، فلما قتل أبو عفك ، نافقت فذكر عبدالله بن الحارث بن الفضيل ، عن أبيه ، قال : وكانت تحت رجل من بني خطمة ، يقال له يزيد بن زيد ، فقالت تعيب الإسلام وأهله :
باست بني مالك والنبـيت |
|
وعوف وباست بني الخزرج |
أطعتم أتاويَّ من غيركـم |
|
فلا من مراد ولا مـذحـج |
ترجونه بعد قتل الرءوس |
|
كما يرتجي مرق المنضـج |
ألا أنف يبتـغـي غـرة |
|
فيقطع من أمل المرتجـي |
قال فأجابها حسان بن ثابت فقال :
بنو وائل وبنـو واقـف |
|
وخطمة دون بني الخـزرج |
متى ما دعت سفها ويحها |
|
بعولتها والمـنـايا تـجـي |
فهزت فتى ماجدا عرقه |
|
كريم المداخل والمـخـرج |
فضرجها من نجيع الدماء |
|
بعد الهـدو فـلـم يحـرج |
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك : ألا أخذ لي من ابنة مروان ؟ فسمح ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي ، وهو عنده ، فلما أمسي من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ، فقال : ثم أصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني قد قتلتها . فقال : نصرت الله ورسوله يا عمير ، فقال : هل علي شيء من شأنها يا رسول الله ؟ فقال: لا ينتطح فيها عنزان . فرجع عمير إلى قومه ، وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان، ولها يومئذ بنون خمسة رجال ، فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا بني خطمة ، أنا قتلت ابنة مروان ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة ، وكان يستخفي بإسلامهم فيهم من أسلم ، وكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي ، وهو الذي يدعى القارئ ، و عبدالله بن أوس ، وخزيمة بن ثابت ، وأسلم يوم قتلت ابنة مروان ، رجال من بني خطمة ، لما رأوا من عز الإسلام .
بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال : خرجت خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو ، حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتدرون من أخذتم ؟ هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال : اجمعوا ما كان عندكم من طعام ، فابعثوا به إليه ، وأمر بلقحته أن يغذى عليه بها ويراح ، فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ، ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أسلم يا ثمامة ، فيقول : إيها يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء الله أن يمكث . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما : أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ، فتطهر فأحسن طهوره ، ثم أقبل فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ، فلم ينل منه إلا قليلاً ، وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك : مم تعجبون ؟ أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر ، وأكل أخر النهار في معي مسلم ، إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وإن المسلم يأكل في معي واحد . قال ابن هشام : فبلغني أنه خرج معتمراً ، حتى إذا كان ببطن مكة ، لبى فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا : لقد اجترأت علينا ، فلما قدموه ليضربوا عنقه ، قال قائل منهم : دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ، فخلوه ، فقال الحنفي في ذلك :
ومنا الذي لبى معلنا بمكة معلنا |
|
برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم |
وحدثت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم : لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي ، وقال في الدين والبلاد مثل ذلك . ثم خرج معتمراً ، فلما قدم مكة قالوا : أصبوت يا ثمام ؟ فقال : لا ، ولكنى اتبعت خير الدين ، دين محمد ، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا ، وقد قتلت الأباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل . سرية علقمة بن مجزز وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز . لما قتل وقاص بن مجزز المدلجي يوم ذي قرد ، سأل علقمة بن مجزز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم ، ليدرك ثأره فيهم . فذكر عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز - قال أبو سعيد الخدري : وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق ، أذن لطائفة من الجيش ، واستعمل عليهم عبدالله بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت فيه دعابة ، فلما كان ببعض الطريق أوقد ناراً ، ثم قال للقوم : أليس لي عليكم السمع والطاعة ؟ قالوا : بلى ، قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه ؟ قالوا : نعم ، قال : فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، قال : فقام بعض القوم يحتجز ، حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال : لهم اجلسوا ، فإنما كنت أضحك معكم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه . وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا .
حدثني بعض أهل العلم ، عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبدالرحمن ، قال : أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة ، عبداً يقال له : يسار فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من قيس كبة من بجيلة ، فاستوبئوا ، وطلحوا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها ، فخرجوا إليها . فلما صحوا وانطوت بطونهم ، عدوا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار ، فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللقاح ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر ، فلحقهم فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذي قرد ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم .
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم ، من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون . قال ابن هشام :وهو أخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : فبينا الناس على ذلك ابتُدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه ، إلى ما أراد به من كرامته ورحمته ، في ليال بقين من صفر ، أو في أول شهر ربيع الأول ، فكان أول ما ابتُدىء به من ذلك ، فيما ذكر لي ، أنه خرج إلى بقيع الغرقد ، من جوف الليل ، فاستغفر لهم، ثم رجع إلى أهله ، فلما أصبح ابتُدىء بوجعه من يومه ذلك . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن عمرو عن عبيد الله بن جبير ، مولى الحكم بن أبي العاص عن عبدالله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، فقال: يا أبا مويهبة ، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع ، فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم ، قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنىء لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع أخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى . ثم أقبل علي ، فقال : يا أبا مويهبة ، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ؛ فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة ، قال : فقلت : بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، قال : لاوالله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة . ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف . فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي قبضه الله فيه .
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع ، فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي ، وأنا أقول : وارأساه ، فقال : بل أنا والله يا عائشة وارأساه . قالت : ثم قال : وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفتك ، وصليت عليك ودفنتك ؟ قالت : قلت : والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك ، لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك ، قالت : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتام به وجعه ، وهو يدور على نسائه ، حتى استعز به ، وهو في بيت ميمونة ، فدعا نساءه ، فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي ، فأذن له .
ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم
قال ابن هشام :وكن تسعاً عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، وسودة بنت زمعة بن قيس ، وزينب بنت جحش بن رئاب ، وميمونة بنت الحارث بن حزن ، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بنت حيي بن أخطب، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق بمكة ، وهي بنت سبع سنين ، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين أو عشر ، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، زوجه إياها أبوها أبو بكر ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم .
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، زوجه إياها سليط بن عمرو ، ويقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ود بن نصر بن مالك بن حسل ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم . قال ابن هشام : ابن إسحاق يخالف هذا الحديث ، يذكر أن سليطا وأبا حاطب كانا غائبين ، بأرض الحبشة في هذا الوقت . وكانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود ابن نصر بن حسل .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية زوجه إياها أخوها أبو أحمد بن جحش وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ، وكانت قبله عند زيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففيها أنزل الله تبارك وتعالى : {( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها )} .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية ، واسمها هند ، زوجه إياها سلمة بن أبي سلمة ابنها ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فراشا حشوه ليف ، وقدحا ، وصحيفة ، ومجشة ، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبدالأسد ، واسمه عبدالله فولدت له سلمة ، وزينب ، ورقية .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، زوجه إياها أبوها عمر بن الخطاب ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة السهمي .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ، واسمها رملة بنت أبي سفيان بن حرب ، زوجه إياها خالد بن سعيد بن العاص ، وهما بأرض الحبشة ، وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار ، وهو الذي كان خطبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش الأسدي .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، كانت في سبايا بني المصطلق من خزاعة ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس الأنصاري ، فكاتبها على نفسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، فقال لها : هل لك في خير من ذلك ؟ قالت: وما هو ؟ قال : أقضي عنك كتابتك ، وأتزوجك ، فقالت : نعم ، فتزوجها . قال ابن هشام :حدثنا بهذا الحديث زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن ، عروة عن، عائشة . قال ابن هشام : ويقال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ، ومعه جويرية بنت الحارث ، فكان بذات الجيش ، دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة ، وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته ، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق ،ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا ، فقال الحارث : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، صلى الله عليك ، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله تعالى ، فأسلم الحارث ، وأسلم معه ابنان له ، وناس من قومه ، وأرسل إلى البعيرين ، فجاء بهما ، فرفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودفعت إليه ابنته جويرية ، فأسلمت وحسن إسلامها ، وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربع مائة درهم ، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابن عم لها ، يقال له عبدالله .قال ابن هشام :ويقال اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس ، فأعتقها ، وتزوجها ، وأصدقها أربعمائة درهم .
وتزوج رسول الله صفية بنت حيي بن أخطب ، سباها من خيبر ، فاصطفاها لنفسه ، وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة ، ما فيها شحم ولا لحم ، كان سويقاً وتمراً ، وكانت قبله عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بحير بن هزم بن رويبة بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، زوجه إياها العباس بن عبدالمطلب ، وأصدقها العباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ، وكانت قبله عند أبي رهم بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ؛ ويقال إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها ، فقالت : البعير وما عليه لله ولرسوله ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) . ويقال إن التي وهبت نفسها للنبي زينب بنت جحش ، ويقال أم شريك ، غزية بنت جابر بن وهب من بني منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي ، ويقال بل هي امرأة من بني سامة بن لؤي ، فأرجأها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عتبة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى بين رجلين من أهله : أحدهما الفضل ابن العباس ، ورجل أخر ،عاصبا رأسه ، تخط قدماه ،حتى دخل بيتي . قال عبيد فحدثت هذا الحديث عبدالله بن العباس فقال : هل تدري من الرجل الآخر ؟ قال : قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب .
ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتد به وجعه ، فقال : هريقوا على سبع قرب من أبار شتى، حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم . قالت : فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر ، ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول : حسبكم حسبكم .
قال ابن إسحاق : وقال الزهري حدثني أيوب بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم ، فأكثر الصلاة عليهم ، ثم قال : إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا بين ما عنده ،فاختار ما عند الله ، قال : ففهمها أبو بكر ، وعرف أن نفسه يريد ، فبكى ، وقال : بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال : على رسلك يا أبا بكر ، ثم قال : انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد ، فسدوها إلا بيت أبي بكر ، فأني لا أعلم أحداً كان أفضل في الصحبة عندي يدا منه . قال ابن هشام :ويروى إلا باب أبي بكر . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالرحمن بن عبدالله ، عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ في كلامه هذا : فإني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ،وغيره من العلماء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد ، وهو في وجعه ، فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، وقد كان الناس قالوا : في إمرة أسامة : أمر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين والأنصار . فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ، ثم قال : أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ، وإنه لخليق للإمارة ، وإن كان أبوه لخليقاً لها. قال : ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكمش الناس في جهازهم ، واستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ، فخرج أسامة ، وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف ، من المدينة على فرسخ ، فضرب به عسكره ، وتتام إليه الناس ، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقام أسامة والناس ، لينظروا ما الله قاض في رسول الله صلى الله عليه وسلم . وصايته بالأنصار قال ابن إسحاق : قال الزهري وحدثني عبدالله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم صلى واستغفر لأصحاب أحد ، وذكر من أمرهم ما ذكر ، مع مقالته يومئذ : يا معشر المهاجرين ، استوصوا بالأنصار خيراً ، فإن الناس يزيدون ، وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد ، وأنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها، فأحسنوا إلى محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم . قال عبدالله : ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بيته ، وتتام به وجعه حتى غمر . شأن اللدود قال عبدالله فاجتمع إليه نساء من نسائه : أم سلمة، وميمونة ، ونساء من نساء المسلمين ، منهن أسماء بنت عميس ، وعنده العباس عمه ، فأجمعوا أن يلدوه، وقال العباس :لألدنه . قال : فلدوه ، فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من صنع هذا بي؟ قالوا : يا رسول الله ، عمك ، قال :هذا دواء أتى به نساء جئن من نحو هذه الأرض ، وأشار نحو أرض الحبشة ، قال : ولم فعلتم ذلك ؟ فقال عمه العباس : خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب ، فقال: إن ذلك لداء ما كان لله عز وجل ليقذفني به ، لا يبق في البيت أحد إلا لد إلا عمي ، فلقد لدت ميمونة وإنها لصائمة ، لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عقوبة لهم بما صنعوا به .
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن عبيد بن السباق ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه أسامة بن زيد ، قال : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي ، فأعرف أنه يدعو لي . قال ابن إسحاق : وقال ابن شهاب الزهري حدثني عبيد بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة ،قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما أسمعه يقول : إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيره ، قالت : فلما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أخر كلمة سمعتها وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت : فقلت : إذا والله لا يختارنا ، وعرفت أنه الذي كان يقول لنا : إن نبياً لم يقبض حتى يخير .
قال الزهري وحدثني حمزة بن عبدالله ابن عمر ،أن عائشة قالت : لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت : قلت : يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق ، ضعيف الصوت ، كثير البكاء إذا قرأ القرآن ، قال : مروه فليصل بالناس .قالت : فعدت بمثل قولي ، فقال : إنكن صواحب يوسف ، فمروه فليصل بالناس ، قالت : فوالله ما أقول ذلك إلا أني كنت أحب أن يصرف ذاك عن أبي بكر ، وعرفت أن الناس لا يحبون رجلاً قام مقامه أبداً ، وأن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان ، فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر . قال ابن إسحاق : وقال ابن شهاب حدثني عبدالملك بن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبيه ، عن عبدالله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال : لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين ، قال : دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال : مروا من يصلي بالناس . قال :فخرجت فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت : قم يا عمر ، فصل بالناس ، قال : فقام ، فلما كبر ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ، وكان عمر رجلاً مجهراً ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون ، قال : فبعث إلى أبي بكر ، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس ، قال : قال عبدالله بن زمعة : قال لي عمر : ويحك ! ماذا صنعت بي يا بن زمعة ، والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ، ولولا ذلك ما صليت بالناس ، قال : قلت : والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولكني حين لم أرى أبا بكر ، رأيتك أحق من حضر بالصلاة بالناس .
قال ابن إسحاق : وقال الزهري حدثني أنس بن مالك : أنه لما كان يوم الإثنين الذي قبض الله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى الناس ، وهم يصلون الصبح ، فرفع الستر ، وفتح الباب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام على باب عائشة ، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ، فرحا به ، وتفرجوا ، فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم ؛ قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة . قال : ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه ، فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن القاسم بن محمد :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، حين سمع تكبير عمر في الصلاة : أين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فلولا مقالة قالها عمر عند وفاته، لم يشك المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف أبا بكر ، ولكنه قال عند وفاته : إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني ، وإن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني ، فعرف الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً ، وكان عمر غير متهم على أبي بكر . قال ابن إسحاق: وحدثني أبو بكر بن عبدالله بن أبي مليكة قال : لما كان يوم الاثنين ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلى بالناس ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس ، فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظهره ، وقال : صل بالناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر ، فلما فرغ من الصلاة ، أقبل على الناس ، فكلمهم رافعا صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد ، يقول : أيها الناس سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإني والله ما تمسكون علي بشيء ، إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن . قال : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه ، قال له أبو بكر : يا نبي الله ، إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب ، واليوم يوم بنت خارجة ، أفآتيها ؟ قال : نعم ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح .
قال ابن إسحاق : قال الزهري وحدثني عبدالله بن كعب بن مالك ، عن عبدالله بن عباس ، قال :خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الناس : يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئاً ، قال : فأخذ العباس بيده ، ثم قال : يا علي ، أنت والله عبد العصا بعد ثلاث ، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كنت أعرفه في وجوه بني عبدالمطلب ، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه ، وإن كان في غيرنا أمرناه ، فأوصى بنا الناس . قال : فقال له علي : إني والله لا أفعل ، والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشتد الضحاء من ذلك اليوم .
قال ابن إسحاق : قال الزهري وحدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام عمر بن الخطاب ، فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه ، كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات .
قال : وأقبل أبو بكر ، حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ، وعمر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة ، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم أقبل عليه فقبله ، ثم قال : بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً ، قال : ثم رد البرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج ، وعمر يكلم الناس ، فقال : على رسلك يا عمر ، أنصت ، فأبي إلا أن يتكلم ، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبدالله فإن الله حي لا يموت ، قال : ثم تلا هذه الآية {( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين )} قال :فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ . قال وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم ، وقال : فقال أبو هريرة : قال عمر : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات .
قال ابن إسحاق : ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة ، وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر ، وانحاز معهم أسيد بن حضير ، في بني عبدالأشهل ، فأتي آت إلى أبي بكر وعمر ،فقال : إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، قد انحازوا إليه ، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره ، قد أغلق دونه الباب أهله ، قال عمر : فقلت : لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، حتى ننظر ما هم عليه . قال ابن إسحاق : وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار أن عبدالله بن أبي بكر حدثني ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عبدالله بن عباس ، قال : أخبرني عبدالرحمن بن عوف ، قال : وكنت في منزله بمنى أنتظره ، وهو عند عمر في أخر حجة حجها عمر ، قال فرجع : عبدالرحمن بن عوف من عند عمر فوجدني في منزله بمنى أنتظره ، وكنت أقرئه القرآن ، قال ابن عباس : فقال لي عبدالرحمن بن عوف : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين ، فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت . قال : فغضب عمر ، فقال : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس ، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم .قال عبدالرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم ، وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة ، فإنها دار السنة ، وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا ، فيعي أهل الفقه مقالتك ، ويضعوها على مواضعها . قال : فقال عمر : أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .
قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس ، فأجد سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر ، فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلاً ، قلت لسعيد بن زيد : ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف ، قال فأنكر علي سعيد بن زيد ذلك ، وقال : ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله ، فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذنون ، قام ، فأثنى على الله بما هو أهل له ، ثم قال : أما بعد : فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، ولا أدرى لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي . إن الله بعث محمداً ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها وعلمناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان يقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، وإذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) ، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم ، وقولوا عبدالله ورسوله . ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه ، لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . إنه كان من خبرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا ، فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة ، وتخلف عنا علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان ، فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم ، وقال : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، قالا : فلا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين ، اقضوا أمركم . قال : قلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : سعد بن عبادة ، فقلت : ما له ؟ فقالوا : وجع . فلما جلسنا تشهد خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو له أهل ، ثم قال : أما بعد : فنحن أنصار الله ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين ، رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم ، قال : وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر . فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، فكرهت أن أغضبه ، فتكلم وهو كان أعلم مني ، وأوقر ، فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها قي بديهته ، أو مثلها أو أفضل حتى سكت .قال : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا ، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى أثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر . قال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، قال : فقلت : قتل الله سعد بن عبادة . قال ابن إسحاق : قال الزهري أخبرني عروة بن الزبير : أن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة عويم بن ساعدة ، والآخر معن بن عدي ، أخو بني العجلان ، فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين قال الله عز وجل لهم : {( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين )} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم المرء منهم عويم بن ساعدة ، وأما معن بن عدي ، فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله عز وجل ، وقالوا : والله لوددنا أن متنا قبله ، إنا نخشى أن نفتتن بعده ، قال معن بن عدي : لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حياً ، فقتل معن يوم اليمامة شهيداً في خلافة أبي بكر ، يوم مسيلمة الكذاب .
قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر رضى الله عنه أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، وحسين بن عبدالله ، وغيرهما من أصحابنا ، أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبدالمطلب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم الذين ولوا غسله . وإن أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج قال لعلي بن أبي طالب : أنشدك الله يا علي ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل بدر ، قال : ادخل فدخل . فجلس وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره ، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه ، وكان أسامة بن زيد ، وشقران ، مولاه هما اللذان يصبان الماء عليه ، وعلي يغسله ، قد أسنده إلى صدره ، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه ، لا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلي يقول : بأبي أنت وأمي ، ما أطيبك حياً وميتاً ، ولم ير من رسول الله شيء مما يرى من الميت .
وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عائشة قالت ، لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه ، كما نجرد موتانا ، أو نغسله وعليه ثيابه ؟ قالت : فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت ، لا يدرون من هو ، أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه ، قالت : فقاموا إلى رسول الله ، فغسلوه وعليه قميصه ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه والقميص دون أيديهم .
قال ابن إسحاق : فلما فرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كفن في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين ، وبرد حبرة ، أدرج فيها إدراجاً . كما حدثني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين ، والزهري عن ،علي بن الحسين . قبره صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبدالله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو عبيدة بن الجراح ، يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهل ، هو الذي يحفر لأهل المدينة ، يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما : اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح ، وللأخر اذهب إلى أبي طلحة ، اللهم خر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة ، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال محمد بن إسحاق : وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب : يا علي أنشدك الله ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له: انزل ، فنزل مع القوم ، وقد كان مولاه شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وبنى عليه ، قد أخذ قطيفة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها ، فدفنها في القبر ، وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً . قال : فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد كان المغيرة بن شعبة يدعى أنه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : أخذت خاتمي فألقيته في القبر ، وقلت : إن خاتمي سقط مني ، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكون أحدث الناس عهداً به صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن مقسم أبي القاسم مولى عبدالله بن الحارث نوفل ، عن مولاه عبدالله بن الحارث ، قال : اعتمرت مع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في زمان عمر ، أو زمان عثمان ، فنزل على أخته أم هانىء بنت أبي طالب ، فلما فرغ من عمرته ، رجع فسكب له غسل ، فاغتسل ، فلما فرغ من غسله ، دخل عليه نفر من أهل العراق ، فقالوا : يا أبا الحسن جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه ، قال : أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم ، أنه كان أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : أجل عن ذلك جئنا نسألك ، قال : كذب قال : أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس.
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة حدثته ، قالت : كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء حين اشتد به وجعه ، قالت : فهو يضعها مرة على وجهه ، ومرة يكشفها عنه ، ويقول : قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر من ذلك على أمته .
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح ابن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة قالت : كان أخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : لا يترك بجزيرة العرب دينان .
قال ابن إسحاق : ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين ، فكانت عائشة - فيما بلغني - تقول : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ارتد العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، حتى جمعهم الله على أبي بكر . قال ابن هشام :حدثني أبو عبيدة ، وغيره من أهل العلم ، أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هموا بالرجوع عن الإسلام ، وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد فتوارى ، فقام سهيل بن عمرو فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقه ، فتراجع الناس ، وكفوا عما هموا به ، وظهر عتاب بن أسيد . فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب ، إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه .
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري :
بطيبة رسم للرسول ومـعـهـد |
|
منير وقد تعفو الرسوم وتـهـمـد |
||
ولا تمتحى الآيات من دار حرمة |
|
بها منبر الهادي الذي كان يصعـد |
||
وواضح آثار وباقي مـعـالـم |
|
وربع له فيه مصلى ومـسـجـد |
||
بها حجرات كان ينزل وسطهـا |
|
من الله نور يسـتـضـاء ويوقـد |
||
معارف لم تطمس على العهد آيها |
|
أتاها البلى فالآي مـنـهـا تـجـدد |
||
عرفت بها رسم الرسول وعهـده |
|
و قبرا بها واراه في الترب ملحـد |
||
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت |
|
عيون ومثلاها من الجفن تـسـعـد |
||
يذكرن آلاء الرسـول ومـا أرى |
|
لها محصيا نفسي فنفسـي تـبـلـد |
||
مفجعة قد شفها فـقـد أحـمـد |
|
فظلـت لآلاء الـرسـول تـعـدد |
||
وما بلغت من كل أمر عـشـيره |
|
ولكن لنفسي بعد مـا قـد تـوجـد |
||
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها |
|
على طلل القبر الذي فـيه أحـمـد |
||
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت |
|
بلاد ثوى فيها الرشـيد الـمـسـدد |
||
وبورك لحد منك ضمن طـيبـا |
|
عليه بناء من صـفـيح مـنـضـد |
||
تهيل عليه الـتـرب أيد وأعـين |
|
عليه وقد غارت بـذلـك أسـعـد |
||
لقد غيبوا حلما وعلمـا ورحـمة |
|
عشية عـلـوه الـثـرى لا يوسـد |
||
وراحوا بحزن ليس فيهم نبـيهـم |
|
وقد وهنت منهم ظهور وأعـضـد |
||
يبكون من تبكي السماوات يومـه |
|
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمـد |
||
وهل عدلت يوما رزية هـالـك |
|
رزية يوم مـات فـيه مـحـمـد |
||
تقطع فيه منزل الوحي عنـهـم |
|
وقد كان ذا نـور يغـور وينـجـد |
||
يدل على الرحمن من يقتدي بـه |
|
وينقذ من هول الـخـزايا ويرشـد |
||
إمام لهم يهديهم الحـق جـاهـدا |
|
معلم صدق إن يطيعـوه يسـعـدوا |
||
عفوا عن الزلات يقبل عذرهـم |
|
وإن يحسنوا فالله بـالـخـير أجـود |
||
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمـلـه |
|
فمن عنـده تـيسـير مـا يتـشـدد |
||
فبينا هم في نعمة الله بـينـهـم |
|
دليل به نهج الـطـريقة يقـصـد |
||
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى |
|
حريص على أن يستقيموا ويهتـدوا |
||
عطوف عليهم لا يثني جنـاحـه |
|
إلى كنف يحنو علـيهـم ويمـهـد |
||
فبينا هم في ذلك النـور إذ غـدا |
|
إلى نورهم سهم من الموت مقصـد |
||
فأصبح محمودا إلى الله راجعـا |
|
يبكيه حتى المـرسـلات ويحـمـد |
||
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها |
|
لغيبة ما كانت من الوحي تـعـهـد |
||
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها |
|
فقيد يبـكـينـه بـلاط وغـرقـد |
||
ومسجده فالموحشات لـفـقـده |
|
خلاء له فـيه مـقـام ومـقـعـد |
||
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشـت |
|
ديار وعرصـات وربـع ومـولـد |
||
فبكى رسول الله يا عين عـبـرة |
|
ولا أعرفنك الدهر دمعـك يجـمـد |
||
وما لك لا تبكين ذا النعمة التـي |
|
على الناس منها سابـغ يتـغـمـد |
||
فجودي عليه بالدموع وأعـولـي |
|
لفقد الذي لا مثله الـدهـر يوجـد |
||
وما فقد الماضون مثل محـمـد |
|
و لا مثله حتـى الـقـيامة يفـقـد |
||
أعـف وأوفـى ذمة بـعـد ذمة |
|
و أقـرب مـنـه نـائلا لا ينـكـد |
||
وأبذل منه للـطـريف وتـالـد |
|
إذ ضن معطاء بمـا كـان يتـلـد |
||
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى |
|
وأكـرم جـدا أبـطـحـيا يسـود |
||
وأمنع ذروات وأثبت في العـلا |
|
دعائم عـز شـاهـقـات تـشـيد |
||
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتـا |
|
وعودا غذاه المزن فالـعـود أغـيد |
||
رباه وليدا فاستـتـم تـمـامـه |
|
على أكرم الخيرات رب مـمـجـد |
||
تناهت وصاة المسلمين بـكـفـه |
|
فلا العلم محبوس ولا الرأي يفـنـد |
||
أقول ولا يلقى لقـولـي عـائب |
|
من الناس إلا عازب العقل مبـعـد |
||
وليس هواي نازعا عـن ثـنـائه |
|
لعلي به في جنة الخـلـد أخـلـد |
||
مع المصطفى أرجو بذاك جواره |
|
وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجـهـد |
||
وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما بال عينك لا تنام كـأنـمـا |
|
كحلت ما فيها بكـحـل الأرمـد |
جزعا على المهدي أصبح ثاويا |
|
يا خير من وطئ الحصى لا تبعد |
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني |
|
غيبت قبلك في بقيع الـغـرقـد |
بأبي وأمي من شهدت وفاتـه |
|
في يوم الاثنين النبي المهـتـدي |
فظللت بعد وفاته مـتـبـلـدا |
|
متلـددا يا لـيتـنـي لـم أولـد |
أأقيم بعدك بالمدينة بـينـهـم |
|
يا ليني صبـحـت سـم الأسـود |
أو حل أمر الله فينـا عـاجـلا |
|
في روحة من يومنا أو مـن غـد |
فتقوم ساعتنا فنلـقـي طـيبـا |
|
محضا ضرائبه كريم المـحـتـد |
يا بكر آمنة المبارك بكـرهـا |
|
ولدته محصنة بسـعـد الأسـعـد |
نورا أضاء على البرية كلـهـا |
|
من يهد للنور المبـارك يهـتـدي |
يا رب فاجمعنا معا ونـبـينـا |
|
في جنة تثني عـيون الـحـسـد |
في جنة الفردوس فاكتبها لـنـا |
|
يا ذا الجلال وذا العلا والـسـؤدد |
والله اسمع ما بقيت بـهـالـك |
|
إلا بكيت على النبـي مـحـمـد |
يا ويح أنصر النبي ورهـطـه |
|
بعد المغيب في سواء المـلـحـد |
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا |
|
سودا وجوههم كـلـون الإثـمـد |
ولقد ولدنـاه وفـينـا قـبـره |
|
وفضول نعمته بنا لـم نـجـحـد |
والله أكرمنا بـه وهـدى بـه |
|
أنصاره في كل ساعة مـشـهـد |
صلى الإله ومن يحف بعرشـه |
|
والطيبون على المبـارك أحـمـد |
قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
نب المساكين أن الخبر فارقهـم |
|
مع النبي تولي عنـهـم سـحـرا |
من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي |
|
ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطـرا |
أم من نعاتب لا نخشى جنادعـه |
|
إذ اللسان عتا في القول أو عـثـرا |
كان الضياء وكان النور نتبـعـه |
|
بعد الإله وكان السمع والبـصـرا |
فليتنـا يوم واروه بـمـلـحـده |
|
وغيبوه وألقـوا فـوقـه الـمـدرا |
لم يترك الله منـا بـعـده أحـدا |
|
ولم يعش بعده أنـثـى ولا ذكـرا |
ذلت رقاب بني النجار كلـهـم |
|
وكان أمرا من أمر الله قـد قـدرا |
واقتسم الفيء دون الناس كلهـم |
|
وبددوه جهـارا بـينـهـم هـدرا |
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه سلم أيضا :
آليت ما في جميع الناس مجتهدا |
|
منـي إلـيه بـر غـير إفـنــاد |
تالله ما حملت أنثى ولا وضعـت |
|
مثل الرسول نبـي الأمة الـهـادي |
ولا برا الله خلقا مـن بـريتـه |
|
أوفى بـذمة جـار أو بـمـيعـاد |
من الذي كان فينا يستضـاء بـه |
|
مبارك الأمـر ذا عـدل وإرشـاد |
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما |
|
يضربن فوق قفا سـتـر بـأوتـاد |
مثل الرواهب يلبسن المباذل قـد |
|
أيقن بالبؤس بعد النعـمة الـبـادي |
يا أفضل الناس إني كنت في نهر |
|
أصبحت منه كمثل المفرد الصادي |
قال ابن هشام :عجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق .