الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل 52: في أمر الفاطمي وما يذهب اليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك

اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته ويحتجون في الشان بأحاديث خرجها الأئمة المتأخرين في أمر هذا الفاطمي طريقة أخرى ونوع من الاستدلال وربما يعتمدون في ذلك على الكشف الذي هو أصل طرائقهم ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن وما للمنكرين فيها من المطاعن ومالهم في إنكارهم من المستند ثم نتبعه بذكر كلام المتصوفة ورأيهم ليتبين لك الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى فنقول إن جماعة من الأئمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي وأبو داود والبزار ابن ماجة والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة ابن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيد ربما يعرض لها
312
المنكرون كما نذكره إلا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعنا في بعض رجال الأسانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق إلى رجال الصحيحين فإن الإجماع قد اتصل في الأمة على تلقيهما بالقبول والعمل بما فيهما وفي الإجماع أعظم حماية وأحسن دفعا وليس غير الصحيحين بمثابتهما في ذلك فقد تجد مجالا للكلام في أسانيدها بما نقل عن أئمة الحديث في ذلك ولقد توغل أبو بكر بن ابي خيثمة على ما نقل السهيلى عنه في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي فقال ومن أغربها إسنادا ما ذكره أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار مستندا إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب بالمهدي فقد كفر ومن كذب بالدجال فقد كذب وقال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك فيما أحسب وحسبك هذا غلوا والله أعلم بصحة طريقه إلى مالك بن أنس على أن أبا بكر الإسكاف عندهم متهم وضاع وأما الترمذي فخرج هو وابو داود بسنديهما إلى ابن عباس من طريق عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة إلى زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي هذا لفظ أبي داود وسكت عليه وقال في رسالته المشهورة إن ما سكت عليه في كتابه فهو صالح ولفظ الترمذي لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي وفي لفظ آخر حتى يلي رجل من أهل بيتي وكلاهما حديث حسن صحيح ورواه أيضا من طريق موقوفا على أبي هريرة وقال الحاكم رواه الثوري وشعبه وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة على ما أصلته من الاحتجاج بأخبار عاصم إذ هو إمام من أئمة المسلمين إنتهى إلا أن عاصما قال فيه أحمد بن حنبل كان رجلا صالحا قارئا للقرآن خيرا ثقة والأعمش أحفظ منه وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث وقال العجلي كان يختلف عليه في زر وأبي وائل يشير بذلك إلى ضعف روايته عنهما وقال محمد بن سعد
313
كان ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه وقال يعقوب بن سفيان في حديثه اضطراب وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم قلت لأبي إن أبا زرعة يقول عاصم ثقة فقال ليس محله هذا وقد تكلم فيه ابن علية فقال كل من اسمه عاصم سيء الحفظ وقال أبو حاتم محله عندي محل الصدق صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ واختلف فيه قول النسائي وقال ابن حراش في حديثه نكرة وقال أبو جعفر العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ وقال الدار قطني في حفظه شيء وقال يحيى القطان ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ وقال أيضا سمعت شعبة يقول حدثنا عاصم بن أبي النجود وفي الناس ما فيها وقال الذهبي ثبت في القراءة وهو حسن الحديث وإن احتج أحد بأن الشيخين أخرجا له فنقول أخرجا له مقرونا بغيره لا أصلا والله أعلم وخرج أبو داود في الباب عن علي رضي الله عنه من رواية قطن بن خليفة عن القاسم بن أبي مرة عن ابي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا وقطن بن خليفة وإن وثقه أحمد ويحيى ابن القطان وابن معين والنسائي وغيرهم إلا أن العجلي قال حسن الحديث وفيه تشيع قليل وقال ابن معين مرة ثقة شيعي وقال أحمد بن عبد الله بن يونس كنا نمر على قطن وهو مطروح لا نكتب عنه وقال مرة كنت أمر به وأدعه مثل الكلب وقال الدار قطني لا يحتج به وقال أبو بكر بن عياش ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه وقال الجرجاني زائغ غير ثقة انتهى وخرج أبو داود أيضا بسنده إلى علي رضي الله عنه عن مروان ابن المغيرة عن عمر بن أبي قيس عن شعيب بن أبي خالد عن أبي إسحاق النسفي قال قال علي ونظر إلى ابنه الحسن إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا وقال هارون حدثنا عمر بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسن عن هلال بن عمر سمعت عليا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب
314
على كل مؤمن نصره أو قال إجابته سكت أبو داود عليه وقال في موضع آخر في هارون هو من ولد الشعية وقال السليماني فيه نظر وقال أبو داود في عمر بن أبي قيس لا بأس في حديثه خطأ وقال الذهبي صدق له أوهام وأما أبو اسحاق الشيعي وإن خرج عنه في الصحيحين فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره وروايته عن علي منقطعة وكذلك رواية أبي داود عن هارون بن المغيرة وأما السند الثاني فأبو الحسن فيه وهلال بن عمر مجهولان ولم يعرف أبو الحسن إلا من رواية مطرف بن طريف عنه انتهى وخرج أبو داود أيضا عن أم سلمة قالت سمعت في المستدرك من طريق على ابن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم عليه بالصحيح ولا غيره وقد ضعفه أبو جعفر العقيلي وقال لا يتابع علي بن نفيل عليه ولا يعرف إلا به وخرج أبو داود أيضا عن أم سلمة من رواية صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة قال يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام فيبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويلقي الإسلام بجرانه على الأرض فيلبث سبع سنين وقال بعضهم تسع سنين ثم رواه ابو داود من رواية أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة فتبين بذلك المبهم في الإسناد الأول ورجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم ولا مغمز وقد يقال إنه من رواية قتادة عن أبي الخليل وقتادة مدلس وقد عنعنه والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع مع أن الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدي نعم ذكره أبو داود في أبوابه وخرج أبو داود أيضا وتابعه الحاكم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي مني أجلى الجبهة اقنى
315
الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين هذا لفظ أبي داود وسكت عليه ولفظ الحاكم المهدي منا أهل البيت أشق الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعيش هكذا ويبسط يساره وإصبعين من يمينه السبابة والإبهام وعقد ثلاث قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وعمران القطان مختلف في الاحتجاج به إنما أخرج له البخاري استشهادا لا أصلا وكان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال يحيى بن معين ليس بالقوي وقال مرة ليس بشيء وقال أحمد بن حنبل أرجو أن يكون صالح ال حديث وقال يزيد بن زريع كان حروريا وكان يرى السيف على أهل القبلة وقال النسائي ضعيف وقال أبو عبيد الآجري الله بن حسن بفتوى شديدة فيها سفك الدماء وخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي سعيد الخدري من طريق زيد العمي عن أبي صديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال خشينا أن يكون بعض شيء حدث فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إن في أمتي المهدي يخرج ويعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك قال قلنا وما ذاك قال سنين قال فيجيء إليه فيقول يا مهدي أعطني قال فيحثو له في ثوبه ما استطاع أن يحمله لفظ الترمذي وقال هذا حديث حسن وقد روى من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ ابن ماجة والحاكم يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فتسع فتنعم أمتي فيه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط تؤتى الأرض أكلها ولا يدخر منه شيء والمال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ إنتهى وزيد العمي وإن قال فيه الدار قطني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين إنه صالح وزاد أحمد إنه فوق يزيد الرقاشي وفضل ابن عيسى إلا أنه قال فيه أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه وقال الجرجاني متماسك وقال أبو زرعة ليس بقوي واعي الحديث ضعيفا وقال أبو حاتم ليس بذاك وقد حدث عنه شعبة وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي عامة ما يرويه ومن يروى عنهم ضعفاء على أنه شعبة قد روى عنه ولعل
316
شعبة لم يرو عن أضعف منه وقد يقال إن حديث الترمذي وقع تفسيراي لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا لا يعده عدا ومن حديث أبي سعيد قال من خلفائكم خليفة يحثو المال حثوا ومن طريق أخرى عنهما قال يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده انتهى وأحاديث مسلم لم يقع فيها ذكر المهدي ولا دليل يقوم على أنه المراد منها ورواه الحاكم أيضا من طريق عوف الأعرابي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جورا وظلما وعدوانا ثم يخرج من أهل بيتي رجل يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا وقال فيه الحاكم هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ورواه الحاكم أيضا عن طريق سليمان بن عبيد عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانية يعنى حججا وقال فيه حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان في الثقات ولم يرد أن أحدا تكلم فيه ثم رواه الحاكم أيضا من طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن مطر الوراق وأبي هارون العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تملأ الأرض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعا أو تسعا فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وقال الحاكم فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم لأنه أخرج عن حماد بن سلمة وعن شيخه مطر الوراق وأما شيخه الآخر وهو أبو هارون العبدي فلم يخرج له وهو ضعيف جدا متهم بالكذب ولا حاجة إلى بسط أقوال الأئمة في تضعيفه وأما الراوي له عن حماد بن سلمة فهو أسد بن موسى يلقب أسد السنة وإن قال البخاري مشهور الحديث واستشهد به في صحيحه واحتج به أبو داود والنسائي إلا أنه قال مرة اخرى ثقة لو لم يصنف كان خيرا له وقال فيه محمد بن حزم منكر الحديث ورواه الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي الواصل عبد الحميد بن واصل عن ابي الصديق
317
الناجي عن الحسن بن يزيد السعدي أحد بني بهدلة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي ينزل الله عز وجل له القطر من السماء وتخرج الأرض بركتها وتملأ الأرض منه قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل على بيت المقدس وقال الطبراني فيه رواه جماعة عن أبي الصديق ولم يدخل أحد منهم بينه وبين أبي سعيد أحدا إلا أبا الواصل فإنه رواه عن الحسن بن يزيد عن أبي سعيد انتهى وهذا الحسن بن يزيد ذكره ابن أبي حاتم ولم يعرفه بأكثر مما في هذا الإسناد من روايته عن أبي سعيد ورواية أبي الصديق عنه وقال الذهبي في الميزان إنه مجهول لكن ذكره ابن حبان في الثقات وأما أبو الواصل الذي رواه عن ابي الصديق فلم يخرج له أحد من الستة وذكره ابن حبان في الثقات في الطبقة الثانية وقال فيه يروى عن انس روى عنه شعبة وعتاب بن بشر وخرج ابن ماجة في كتاب السنن عن عبد الله بن مسعود من طريق يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه وتغير لونه قال فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخبر فلا يعطونه فيقاتلون وينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملاؤها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج انتهى وهذا الحديث يعرف عند المحدثين بحديث الرايات ويزيد بن أبي زياد رواية قال فيه شعبة كان رفاعا يعني يرفع الأحاديث التي لا تعرف مرفوعة وقال محمد بن الفضيل من كبار أئمة الشيعة وقال أحمد بن حنبل لم يكن بالحافظ وقال مرة حديثه ليس بذلك وقال يحيى ابن معين ضعيف وقال العجلي جائز الحديث وكان بآخره يلقن وقال أبو زرعة لين يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال الجرجاني سمعتهم يضعفون حديثه وقال أبو داود لا أعلم أحدا ترك حديثه وغيره أحب إلي منه وقال
318
ابن عدي هو من شعية أهل الكوفة ومع ضعفه يكتب حديثه وروى له مسلم لكن مقرونا بغيره وبالجملة فالأكثرون على ضعفه وقد صرح الأئمة بتضعيف هذا الحديث الذي رواه عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وهو حديث الرايات وقال وكيع بن الجراح فيه ليس بشيء وكذلك قال أحمد بن حنبل وقال أبو قدامة سمعت أبا أسامة يقول في حديث يزيد عن إبراهيم في الرايات لو حلف عندي خمسين يمينا أسامة ما صدقته أهذا مذهب إبراهيم أهذا مذهب علقمة أهذا مذهب عبد الله واورد العقيلي هذا الحديث في الضعفاء وقال الذهبي ليس بصحيح وخرج ابن ماجة عن علي رضي الله عنه من رواية ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي منا أهل البيت يصلح الله به في ليلة وياسين العجلي وإن قال فيه ابن معين ليس به بأس فقد قال البخاري فيه نظر وهذه اللفظة من اصطلاحه قوية في التضعيف جدا وأورد له ابن عدي في الكامل والذهبي في الميزان هذا الحديث على وجه الاستنكار له وقال هو معروف به وخرج الطبراني في معجمه الأوسط عن علي رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله فقال بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح وبنا يستنقذون من الشرك وبنا يؤلف الله قلوبهم بعد عداوة بينة كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك قال علي أمؤمنون أم كافرون قال مفتون وكافر انتهى وفيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف معروف الحال وفيه عمر بن جابر الحضرمي وهو أضعف منه قال أحمد بن حنبل روي عن جابر مناكير وبلغني أنه كان يكذب وقال النسائي ليس بثقة وقال كان ابن لهيعة شيخا أحمق ضعيف العقل وكان يقول علي في السحاب وكان يجلس معنا فيبصر سحابة فيقول هذا علي قد مر في السحاب وخرج الطبراني عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يكون في آخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبوا أهل الشام ولكن سبوا أشرارهم فإن فيهم الابدال يوشك أن يرسل على أهل الشام صيب من السماء فيفرق جماعتهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول بهم خمسة عشر ألفا والمقل يقول بهم اثنا عشر ألفا وأمارتهم امت امت يلقون
319
سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعا ويرد الله إلى المسلمين إلفتهم ونعمتهم وقاصيتهم ورأيهم اه وفيه عبد الله ابن لهيعة وهو ضعيف معروف الحال ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه في روايته ثم يظهر الهاشمي فيرد الله الناس إلى إلفتهم الخ وليس في طريقه ابن لهيعة وهو إسناد صحيح كما ذكر وخرج الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه من رواية أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال له هيهات ثم عقد بيده سبعا فقال ذلك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله الله قتل ويجمع الله له قوما قزعا كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد دخل فيهم عدتهم على عدة أهل بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر قال أبو الطفيل قال ابن الحنيفة أتريده قلت نعم قال فإنه يخرج من بين هذين الأخشبين قلت لا جرم والله ولا أدعها حتى أموت ومات بها يعني مكة قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين انتهى وإنما هو على شرط مسلم فقط فإن فيه عمارا الذهبي ويونس بن أبي إسحاق ولم يخرج لهما البخاري وفيه عمرو بن محمد العبقري ولم يخرج له البخاري احتجاجا بل استشهادا مع ما ينضم إلى ذلك من تشيع عمار الذهبي وهو وإن وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم النسائي وغيرهم فقد قال علي بن المدني عن سفيان أن بشر بن مروان قطع عرقوبيه قلت في أي شيء قال في التشيع وخرج ابن ماجة عن انس بن مالك رضي الله عنه في رواية سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق ابن عبد الله عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي انتهى وعكرمة بن عمار وإن أخرج له مسلم فإنما أخرج له متابعة وقد ضعفه بعض ووثقه آخرون وقال أبو حاتم الرازي هو مدلس فلا يقبل إلى أن يصرح بالسماع علي بن زياد قال الذهبي في الميزان لا ندري من هو ثم قال الصواب فيه عبد الله ابن زياد وسعد بن عبد الحميد وإن وثقه يعقوب بن أبي شيبة وقال فيه يحيى بن
320
معين ليس به بأس فقد تكلم فيه الثوري قالوا لأنه رآه يفتي في مسائل ويخطئ فيها وقال ابن حبان كان ممن فحش عطاؤه فلا يحتج فيه وقال أحمد بن حنبل سعيد ابن عبد الحميد يدعي أنه سمع عرض كتب مالك والناس ينكرون عليه ذلك وهو ههنا ببغداد لم يحتج فكيف سمعها وجعله الذهبي ممن لم يقدح فيه كلام من تكلم فيه وخرج الحاكم في مستدركه من رواية مجاهد عن ابن عباس موقوفا عليه قال مجاهد قال لي ابن عباس لو لم أسمع أنك مثل أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث قال فقال مجاهد فإنه في ستر لا أذكره لمن يكره قال فقال ابن عباس منا أهل البيت أربعة منا السفاح ومنا المنذر ومنا المهدي قال فقال مجاهد بين لي هؤلاء الأربعة فقال ابن عباس أما السفاح فربما قتل أنصاره وعفا عن عدوه وأما المنذر أراه قال فإنه يعطي المال الكثير ولا يتعاظم في نفسه ويمسك القليل من حقه وأما المنصور فإنه يعطى النصر على عدوه الشطر مما كان يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرهب منه عدوه على مسيرة شهرين والمنصور يرهب منه عدوه على مسيرة شهر وأما المهدي الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وتأمن البهائم السباع وتلقي الأرض أفلاذ كبدها قال قلت وما أفلاذ كبدها قال أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وهو من رواية إسماعيل ابن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه وإسماعيل ضعيف وإبراهيم أبوه وإن خرج له مسلم فالأكثرون على تضعيفه اه وخرج ابن ماجة عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتتل عند كبركم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئا لا أحفظه قال فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي اه ورجاله رجال الصحيحين إلا أن فيه أبا قلابة الجرمي وذكر الذهبي وغيره انه مدلس وفيه سفيان الثوري وهو مشهور بالتدليس وكل واحد منهما عنعن ولم يصرح بالسماع فلا يقبل وفيه عبد الرزاق بن همام وكان مشهورا بالتشيع وعمي في آخر وقته فخلط قال بن عدي حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد ونسبوه إلى التشيع انتهى وخرج ابن ماجة عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي من طريق ابن
321
لهيعة عن أبي زرعة عن عمر بن جابر الحضرمي عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه قال الطبراني تفرد به ابن لهيعة وقد تقدم لنا في حديث علي الذي خرجه الطبراني في معجمه الأوسط أن ابن لهيعة ضعيف وأن شيخه عمر بن جابر أضعف منه وخرج البزار في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط واللفظ للطبراني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم ينعموا بمثلها ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تذخر الأرض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل يقول يا مهدي اعطني فيقول خذ قال الطبراني والبزار تفرد به محمد بن مروان العجلي زاد البزار ولا نعلم أنه تابعه عليه أحد وهو وإن وثقه أبو داود وابن حبان أيضا بما ذكره في الثقات وقال فيه يحيى بن معين صالح وقال مرة ليس به بأس فقد اختلفوا فيه وقال أبو زرعة ليس عندي بذلك وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل رأيت محمد بن مروان العجلي حدث بأحاديث وأنا شاهد لم نكتبها تركتها على عمد وكتب بعض أصحابنا عنه كأنه ضعفه وخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي هريرة وقال حدثني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق قال قلت وكم يملك قال خمسا واثنتين قال قلت وما خمسا واثنتين قال لا أدري اه وهذا السند غير محتج به وإن قال فيه بشير بن نهيك وقال فيه أبو حاتم لا يحتج به فقد احتج به الشيخان ووثقه الناس ولم يلتفتوا إلى قول أبي حاتم لا يحتج به إلا أنه قال فيه رجاء بن أبي رجاء اليشكري وهو مختلف فيه قال أبو زرعة ثقة وقال يحيى بن معين ضعيف وقال أبو داود ضعيف وقال مرة صالح وعلق له البخاري في صحيحه حديثا واحدا وخرج أبو بكر البزار في مسنده والطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن قرة بن إياس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتملأن الأرض جورا وظلما فإذا ملئت جورا وظلما بعث الله رجلا من أمتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما فلا تمنع السماء من قطرها شيئا ولا تذخر الأرض شيئا من نباتها يلبث فيكم سبعا أو ثمانيا أو تسعا
322
يعني سنين أو وفيه داود بن المحبي بن المحرم عن أبيه وهما ضعيفان جدا وخرج الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار وعلي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباس فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد العباس وبيد علي وقال سيخرج من صلب هذا حتى يملأ الأرض جورا وظلما وسيخرج من صلب هذا حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنه يقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدي انتهى وفيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن لهيعة وهما ضعيفان أو وخرج الطبراني في معجمه الأوسط عن طلحة بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ستكون فتنة لا يسكن منها جانب إلا تشاجر جانب حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان وفيه المثنى بن الصباح وهو ضعيف جدا وليس في الحديث تصريح بذكر المهدي وإنما ذكروه في أبوابه وترجمته استئناسا فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه وربما تمسك المنكرون لشأنه بما رواه محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح بن أبي عياش عن الحسن البصري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا مهدي إلا عيسى بن مريم وقال يحيى بن معين في محمد بن خالد إنه ثقة وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد وقال الحاكم فيه إنه رجل مجهول واختلف عليه في إسناده فمرة يروونه كما تقدم وينسب ذلك لمحمد بن أدريس الشافعي ومرة يروونه عن محمد بن خالد عن أبان عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ومرسلا قال البيهقي فرجع إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول عن ابان بن أبي عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو منقطع وبالجملة فالحديث ضعيف مضطرب وقد قيل ان لا مهدي إلا عيسى أن لا يتكلم في المهد إلا عيسى يحاولون بهذا التأويل رد ألاحتجاج به أو الجمع بينه وبين الاحاديث وهو مدفوع بحديث جريح ومثله من الخوارق وأما المتصوفة فلم يكن المتقدمون منهم يخوضون في شيء من هذا وإنما كان كلامهم في المجاهدة
323
بالأعمال وما يحصل عنها من نتائج المواجد والأحوال وكان كلام الإمامية والرافضة من الشيعة في تفضيل علي رضي الله تعالى عنه والقول بأمته وادعاء الوصية له بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم والتبرى من الشيخين كما ذكرناه في مذاهبهم ثم حدث فيهم بعد ذلك القول بالإمام المعصوم وكثرت التآليف في مذاهبهم وجاء الإسماعيلية منهم يدعون ألوهية الإمام بنوع من الحلول وآخرون يدعون رجعة من مات من الأئمة بنوع التناسخ وآخرون منتظرون مجيء من يقطع بموته منهم وآخرون منتظرون عود الأمر في أهل البيت مستدلين على ذلك بما قدمناه من الأحاديث في المهدي وغيرها ثم حدث أيضا عند المتأخرين من الصوفية الكلام في الكشف وفيما وراء الحس وظهر من كثير منهم القول على الإطلاق بالحلول والوحدة فشاركوا فيها الإمامية والرافضة لقولهم بألوهية الأئمة وحلول الإله فيهم وظهر منهم أيضا القول بالقطب والإبدال وكأنه يحاكى مذهب الرافضة في الإمام والنقباء وأشربوا أقوال الشيعة وتوغلوا في الديانة بمذاهبهم حتى جعلوا مستند طريقهم في لبس الخرقة أن عليا رضي الله عنه ألبسها الحسن البصري وأخذ عليه العهد بالتزام الطريقة واتصل ذلك عنهم بالجنيد من شيوخهم ولا يعلم هذا عن علي من وجه صحيح ولم تكن هذه الطريقة خاصة بعلي كرم الله وجهه بلا الصحابة كلهم أسوة في طريق وامتلأت كتب الإسماعيلية من الرافضة وكتب المتأخرين من المتصوفة بمثل ذلك في الفاطمي المنتظر وكان بعضهم يمليه على بعض ويلقنه بعضهم عن بعض وكأنه مبني على أصول واهية من الفريقين وربما يستدل بعضهم بكلام المنجمين في القرانات وهو من نوع الكلام في الملاحم ويأتي الكلام عليها في الباب الذي يلي هذا وأكثر من تكلم من هؤلاء المتصوفة المتأخرين في شأن الفاطمي ابن العربي الحاتمي في كتاب عنقاء مغرب وابن قسي في كتاب خلق النعلين وعبد الحق بن سبعين وابن أبي واصل تلميذه في شرحه لكتاب خلع النعلين وأكثر كلماتهم في شأنه ألغاز وأمثال وربما يصرحون في الأقل أو يصرح مفسرو
324
كلامهم وحاصل مذهبهم فيه على ما ذكر ابن أبي واصل أن النبؤة بها ظهر الحق والهدى بعد الضلال والعمى وأنها تعقبها الخلافة ثم يعقب الخلافة الملك ثم يعود تجبرا وتكبرا وباطلا قالوا ولما كان في المعهود من سنة الله رجوع الأمور إلى ما كانت وجب أن يحيا أمر النبؤة والحق بالولاية ثم بخلافتها ثم يعقبها الدجل مكان الملك والتسلط ثم يعود الكفر بحاله يشيرون بهذا لما وقع من شأن النبؤة والخلافة بعدها والملك بعد الخلافة هذه ثلاث مراتب وكذلك الولاية التي هي لهذا الفاطمي والدجل بعدها كنابة عن خروج الدجال على أثره والكفر من بعد ذلك فهي ثلاث مراتب على نسبة الثلاث المراتب الأولى قالوا ولما كان أمر الخلافة لقريش حكما شرعيا بالإجماع الذي لا يوهنه إنكار من لم يزاول علمه وجب أن تكون الإمامة فيمن هو أخص من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم إما ظاهرا كبني عبد المطلب وإما باطنا ممن كان من حقيقة الآل والآل من إذ حضر لم يلقب من هو آله وابن العربي الحاتمي سماه في كتابه عنقاء مغرب من تأليفه خاتم الأولياء وكنى عنه بلبنة الفضة اشارة إلى حديث البخاري في باب خاتم النبيين قال صلى الله عليه وسلم مثلي فيمن قبلي من الأنبياء كمثل رجل ابنتي بيتا وأكمله حتى إذا لم يبق منه إلا موضع لبنة فأنا تلك اللبنة فيفسرون خاتم النبيين باللبنة حتى أكملت البنيان ومعناه النبي الذي حصلت له النبؤة الكاملة ويمثلون الولاية في تفاوت مرابتها بالنبؤة ويجعلون صاحب الكمال فيها خاتم الأولياء أي حائز الرتبة التي هي خاتمة الولاية كما كان خاتم الانبياء حائزا للمرتبة التي هي خاتمة النبؤة نكنى الشارح عن تلك المرتبة الخاتمة بلبنة البيت في الحديث المذكور وهما على نسبة واحدة فيهما فهي لبنة واحدة في التمثيل ففي النبؤة لبنة ذهب وفي الولاية لبنة فضة للتفاوت بين الرتبتين كما بين الذهب والفضة الولي الفاطمي المنتظر وذلك خاتم الأنبياء وهذا خاتم الأولياء وقال ابن العربي فيما نقل ابن أبي واصل عنه وهذا الإمام المنتظر هو من أهل البيت من ولد فاطمة وظهوره يكون من بعد مضي خ ف ج من الهجرة ورسم حروفا ثلثة يريد عددها بحساب الجمل وهو الخاء المعجمة بواحدة من
325
فوق ستمائة والفاء أخت القاف بثمانين والجيم المعجمة بواحدة من أسفل ثلاثة وذلك ستمائة وثلاث وثمانون سنة وهي آخر القرن السابع ولما انصرم هذا العصر ولم يظهر حمل ذلك بعض المقلدين لهم على أن المراد بتلك المدة مولده وعبر بظهوره عن مولده وأن خروجه يكون بعد العشر والسبع المائة فإنه الإمام الناجم من ناحية المغرب قال وإذا كان مولده كما زعم ابن العربي سنة ثلاث وثمانين وستمائة فيكون عمره عند خروجه ستا وعشرين سنة قال وزعموا أن خروج الدجال يكون سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة من اليوم المحمدي وابتداء ا ليوم المحمدي عندهم من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى تمام ألف سنة قال ابن أبي واصل في شرحه كتاب خلع النعلين الولي المنتظر القائم بأمر الله المشار إليه بمحمد المهدي وخاتم الأولياء وليس هو بنبي وإنما هو ولي ابتعثه روحه وحبيبه قال صلى الله عليه وسلم العالم في قومه كالنبي في أمته وقال علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ولم تزل البشرى تتابع به من أول اليوم المحمدي إلى قبيل الخمسمائة نصف اليوم وأكدت وتضاعفت بتباشير المشايخ بتقريب وقته وازدلاف زمانه منذ انقضت إلى هلم جرا قال وذكر الكندي أن هذا الولي هو الذي يصلي بالناس صلاة الظهر ويجدد الإسلام ويظهر العدل ويفتح جزيرة الأندلس ويصل إلى رومية فيفتحها ويسير إلى المشرق فيفتحه ويفتح القسطنطينية ويصير له ملك الأرض فيتقوى المسلمون ويعلو الإسلام ويطهر دين الحنيفية فإن من صلاة الظهر إلى صلاة العصر وقت صلاة قال عليه الصلاة والسلام ما بين هذين وقت وقال الكندي أيضا الحروف العربية غير المعجمة يعني المفتتح بها سور القرآن جملة عددها سبعمائة وثلاث وأربعون وسبع دجالية ثم ينزل عيسى في وقت صلاة العصر فيصلح الدنيا وتمشي الشاة مع الذئب ثم مبلغ ملك العجم بعد إسلامهم مع عيسى مائة وستون عاما عدد حروف المعجم وهي ق ي ن دولة العدل منها أربعون عاما قال ابن أبي واصل وما ورد من قوله لا مهدي إلا عيسى فمعناه لا مهدي تساوي هدايته هدايته وقيل لا يتكلم في المهد إلا عيسى وهذا مدفوع بحديث جريج وغيره وقد جاء في الصحيح أنه قال لا يزال هذا الأمر قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة
326
يعني قرشيا وقد أعطى الوجود أن منهم من كان في أول الإسلام ومنهم من سيكون في آخره وقال الخلافة بعدي ثلاثون أو احدى وثلاثون أو ست وثلاثون وانقضاؤها في خلافة الحسن وأول أمر معاوية فيكون أول أمر معاوية خلافة أخذا بأوائل الأسماء فهو سادس الخلفاء وأما سابغ الخلفاء فعمر بن عبد العزيز والباقون خمسة من أهل البيت من ذرية علي يؤيده قوله إنك لذو قرنيها يريد الامة أي إنك لخليفة في أولها وذريتك في آخرها وربما استدل بهذا الحديث القائلون بالرجعة فالأول هو المشار إليه عندهم بطلوع الشمس من مغربها وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وقد أنفق عمر بن الخطاب كنوز كسرى في سبيل الله والذي يهلك قيصر وينفق كنوزه في سبيل الله هو هذا المنتظر حين يفتح القسطنطينية فنعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش كذا قال صلى الله عليه وسلم ومدة حكمه بضع والبضع من ثلاث إلى تسع وقيل إلى عشر وجاء ذكر أربعين وفي بعض الروايات سبعين وأما الأربعون فإنها مدته ومدة الخلفاء الأربعة الباقين من أهله القائمين بأمره من بعده على جميعهم السلام قال وذكر أصحاب النجوم والقرانات أن مدة بقاء أمره وأهل بيته من بعده مائة وتسعة وخمسون عاما فيكون الأمر على هذا جاريا على الخلافة والعدل أربعين أو سبعين ثم تختلف الأحوال فتكون ملكا انتهى كلام ابن أبي واصل وقال في موضع آخر نزول عيسى يكون في وقت صلاة العصر من اليوم المحمدي حين تمضي ثلاثة أرباعه قال وذكر الكندي يعقوب بن إسحاق في كتاب الجفر الذي ذكر فيه القرانات أنه إذا وصل القرآن إلى الثور على رأس ضح بحرفين الضاد المعجمة والحاء المهملة يريد ثمانية وتسعين وستمائة من الهجرة ينزل المسيح فيحكم في الأرض ما شاء الله تعالى قال وقد ورد في الحديث أن عيسى ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ينزل بين مهرودتين يعني حلتين مزعفرتين صفراوين ممصرتين واضعا كفيه على أجنحة الملكين له لمة كأنما خرج من ديماس إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان
327
كاللؤلؤ كثير خيلان الوجه وفي حديث آخر مربوع الخلق وإلى البياض والحمرة وفي آخر أنه يتزوج في الغرب والغرب دلو البادية يريد أنه يتزوج منها وتلد زوجته وذكر وفاته بعد أربعين عاما وجاء أن عيسى يموت بالمدينة ويدفن إلى جانب عمر ابن الخطاب وجاء أن أبا بكر وعمر يحشران بين نبيين قال ابن ابي واطيل والشيعة تقول إنه هو المسيح مسيح المسائح من آل محمد قلت وعليه حمل بعض المتصوفة حديث لا مهدي إلا عيسى أي لا يكون مهدي إلا المهدي الذي نسبته إلى الشريعة المحمدية نسبة عيسى إلى الشريعة الموسوية في الأتباع وعدم النسخ إلى كلام من أمثال هذا يعينون فيه الوقت والرجل والمكان بأدلة واهية وتحكمات مختلفة فينقضي الزمان ولا أثر لشيء من ذلك فيرجعون إلى تجديد رأي آخر منتحل كما تراه من مفهومات لغوية وأشياء تخييلية وأحكام نجومية في هذا انقضت أعمار الأول منهم والآخر وأما المتصوفة الذين عاصرناهم فأكثرهم يشيرون إلى ظهور رجل مجدد لأحكام الملة ومراسم الحق ويتحينون ظهوره لما قرب من عصرنا فبعضهم يقول من ولد فاطمة وبعضهم يطلق القول فيه سمعناه من جماعة اكبرهم أبو يعقوب البادسيء كبير الأولياء بالمغرب كان في أول هذه المائة الثامنة وأخبرني عنه حافده صاحبنا أبو يحيى زكرياء عن أبيه أبي محمد عبد الله عن أبيه الولي أبي يعقوب المذكور هذا آخر ما اطلعنا عليه أو بلغنا من كلام هؤلاء المتصوفة وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا والحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه من يدفعه حتى يتم أمر الله فيه وقد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك وعصبية الفاطميين بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق ووجد امم آخرون قد استملت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر وهم منتشرون في تلك البلاد وغالبون عليها وهم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافا من الكثرة فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهور دعوته إلا بأن يكون منهم ويؤلف الله بين قلوبهم في اتباعه حتى تتم له شوكه وعصية وافيه بإظهار
328
كلمته وحمل الناس عليها وأما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة إلا مجرد نسبة في أهل البيت فلا يتم ذلك ولا يمكن لما أسلفناه من البراهين الصحيحة وأما ما تدعيه العامة والأغمار من الدهماء ممن لا يرجع في ذلك إلى عقل يهديه ولا علم يفيده فيجيبون ذلك على غير نسبة وفي غير مكان تقليدا لما اشتهر من ظهور فاطمي ولا يعلمون حقيقة الأمر كما بيناه وأكثر ما يجيبون في ذلك القاصية من الممالك وأطراف العمران مثل الزاب بأفريقية والسوس من المغرب ونجد الكثير من ضعفاء البصائر يقصدون رباطا بماسة لما كان ذلك الرباط بالمغرب من الملثمين من كدالة واعتقادهم أنه منهم أو قائمون بدعوته زعما لا مستند لهم إلا غرابة تلك الأمم وبعدهم عن يقين المعرفة بأحوالها من كثرة أو قلة أو ضعف أو قوة ولبعد القاصية عن منال الدولة وخروجها عن نطاقها فتقوى عندهم الأوهام في ظهوره هناك بخروجه عن ربقة الدولة ومنال الأحكام والقهر ولا محصول لديهم في ذلك إلا هذا وقد يقصد ذلك الموضع كثير من ضعفاء العقول للتلبيس بدعوة تمامها وسواسا وحمقا وقتل كثير منهم اخبرني شيخنا محمد بن إبراهيم الأبلي قال خرج برباط ماسة لأول المائة الثامنة وعصر السلطان يوسف بن يعقوب رجل من منتحلي التصوف يعرف بالتويزري نسبة إلى توزر مصغرا وادعى أنه الفاطمي المنتظر واتبعه الكثير من اهل السوس من ضالة وكزولة وعظم أمره وخافه رؤساء المصامدة على أمرهم فدس عليه السكسوي من قتله بتاتا وانحل أمره وكذلك ظهر في غمارة في آخر المائة السابعة وعشر التسعين منها رجل يعرف أمره وكثير من هذا النمط وأخبرني شيخنا المذكور بغريبة في مثل هذا وهو أنه صحب في حجه في رباط العباد وهو مدفن الشيخ أبي مدين في جبل تلمسان المطل عليها رجلا من أهل البيت من سكان كربلاء كان مبتوعا معظما كثير التلميذ والخادم قال وكان الرجال من موطنه يتلقونه بالنفقات في أكثر البلدان قال وتاكدت الصحبة بيننا في ذلك الطريق فانكشف لي أمرهم وأنهم إنما جاءوا
329
من موطنهم بكربلاء لطلب هذا الأمر وانتحال دعوة الفاطمي بالمغرب فلما عاين دولة بني مرين ويوسف بن يعقوب يومئذ منازل تلمسان قال لأصحابه ارجعوا فقد أزرى بنا الغلط وليس هذا الوقت وقتنا ويدل هذا القول من هذا الرجل على أنه مستبصر في أن الأمر لا يتم إلا بالعصبية المكافئة لأهل الوقت فلما علم أنه غريب في ذلك الوطن ولا شوكة له وأن عصبية بني مرين لذلك العهد لا يقاومها أحد من أهل المغرب استكان ورجع إلى الحق وأقصر عن مطامعه وبقي عليه أن يستيقن أن عصبية الفواطم وقريش أجمع قد ذهبت لا سيما في المغرب إلا أن التعصب لشأنه لم يتركه لهذا القول والله يعلم وأنتم لا تعلمون وقد كانت بالمغرب لهذه العصور القريبة نزعة من الدعاة إلى الحق والقيام بالسنة لا ينتحلون فيها دعوة فاطمي ولا غيره وإنما ينزع منهم في بعض الأحيان الواحد فالواحد إلى إقامة السنة وتغيير المنكر ويعتنى بذلك ويكثر تابعه وأكثر ما يعنون بإصلاح السابلة لما أن أكثر فساد الأعراب فيها لما قدمناه من طبيعة معاشهم فيأخذون في تغيير المنكر بما استطاعوا إلا أن الصبغة الدينية فيهم لم تستحكم لما أن توبة العرب ورجوعهم إلى الدين إنما يقصدون بها الإقصار عن الغارة والنهب لا يعقلون في توبتهم وإقبالهم إلى مناحي الديانة غير ذلك لأنها المعصية التي كانوا عليها قبل المقربة ومنا توبتهم فتجد ذلك المنتحل للدعوة والقائم بزعمه بالسنة غير متعمقين في فروع الاقتداء والاتباع إنما دينهم الإعراض عن النهب والبغي وإفساد السابلة ثم الإقبال على طلب الدنيا والمعاش بأقصى جهدهم وشتان بين هذا الأجر من إصلاح الخلق ومن طلب الدنيا فاتفاقهما ممتنع لا تستحكم له صبغة في الدين ولا يكمل له نزوع عن الباطل على الجملة ولا يكثرون ويختلف حال صاحب الدعوة معهم في استحكام دينه وولايته في نفسه دون تباعه فإذا هلك انحل امرهم وتلاشت عصبيتهم وقد وقع ذلك بأفريقية لرجل من كعب من سليم يسمى قاسم بن مرة بن أحمد في المائة السابعة ثم من بعده لرجل آخر من بادية رياح من بطن منهم يعرفون بمسلم وكان يسمى سعادة وكان أشد دينا من الأول وأقوم طريقة في نفسه ومع ذلك فلم يستتب أمر تابعه كما ذكرناه حسبما يأتي ذكر في موضعه عند ذكر قبائل
330
سليم ورياح وبعد ذلك ظهر ناس بهذه الدعوة يتشبهون بمثل ذلك ويلبسون فيها وينتحلون اسم السنة وليسوا عليها إلا الأقل فلا يتم لهم ولا لمن بعدهم شيء من أمرهم انتهى