الفصل الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات - الفصل 53: في ابتداء الدول والامم وفي الكلام على الملاحم والكشف عن مسمى الجفر

اعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوق إلى عواقب أمورهم وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا ومعرفة مدد الدول أو تفاوتها والتطلع إلى هذا طبيعة مجبولون عليها ولذلك تجد الكثير من الناس يتشوقون إلى الوقوف على ذلك في المنام والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك من الملوك والسوقة معروفة ولقد نجد في المدن صنفا من الناس ينتحلون المعاش من ذلك لعلمهم بحرص الناس عليه فينتصبون لهم في الطرقات والدكاكين يتعرضون لمن يسألهم عنه فتغدو عليهم وتروح نسوان المدنية وصبيانها وكثير من ضعفاء العقول يستكشفون عواقب أمرهم في الكسب والجاه والمعاش والمعاشرة والعداوة وأمثال ذلك ما بين خط في الرمل ويسمونه المندل وهو من المنكرات الفاشية في الأمصار لما تقرر في الشريعة من ذم ذلك وإن البشر محجوبون عن الغيب غلا من أطلعه الله عليه من عنده في نوم أو ولاية وأكثر ما يعتني بذلك ويتطلع إليه الأمراء والملوك في آماد دولتهم ولذلك انصرفت العناية من أهل العلم إليه وكل أمة من الأمم يوجد لهم كلام من كاهن أو منجم أو ولي في مثل ذلك من ملك يرتقبونه أو دولة يحدثون أنفسهم بها وما يحدث لهم من الحرب والملاحم ومدة بقاء الدولة وعدد الملوك فيها والتعرض لأسمائهم ويسمى مثل ذلك الحدثان وكان في العرب الكهان والعرافون يرجعون إليهم في ذلك وقد أخبروا بما سيكون العرب من الملك والدولة كما وقع لشق وسطيح في تأويل رؤيا ربيعة بن نصر من ملوك اليمن أخبرهم بملك الحبشة بلادهم ثم رجوعه إليهم ثم ظهر الملك والدولة للعرب من بعد ذلك وكذا
331
تأويل سطيح لرؤيا المبوذان حيث بعث إليه كسرى بها مع عبد المسيح وأخبرهم بظهور دولة العرب وكذا كان في جيل البربر كهان من أشهرهم موسى بن صالح من بني يفرن ويقال من غمرة له كلمات حدثانية على طريقة الشعر برطانتهم وفيها حدثان كثير ومعظمه فيما يكون لزناتة من الملك والدولة بالمغرب وهي متداولة بين أهل الجيل وهم يزعمون تارة أنه ولي وتارة أنه كاهن وقد يزعم بعض مزاعمهم أنه كان نبيا لأن تأريخه عندهم قبل الهجرة بكثير والله أعلم وقد يستند الجيل إلى خبر الأنبياء إن كان لعهدهم كما وقع لبني إسرائيل فإن أنبياءهم المتعاقبين فيهم كانوا يخبرونهم بمثله عندما يعنونهم في السؤال عنه وأما في الدولة الإسلامية فوقع منه كثير فيما يرجع إلى بقاء الدنيا ومدتها على العموم وفيما يرجع إلى الدولة وأعمارها على الخصوص وكان المعتمد في ذلك في من صدر الإسلام لآثار منقولة عن الصحابة وخصوصا مسلمة بني إسرائيل مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما وربما اقتبسوا بعض ذلك من ظواهر مأثورة وتأويلات محتملة ووقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه والله أعلم الكشف بما كانوا عليه من الولاية وإذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم وقد قال صلى الله عليه وسلم إن فيكم محدثين فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة وأما بعد صدر الملة وحين علق الناس على العلوم والاصطلاحات ترجمت كتب الحكماء إلى اللسان العربي فأكثر معتمدهم في ذلك كلام المنجمين في الملك والدول وسائر الأمور العامة من القرانات وفي المواليد والمسائل وسائر الأمور الخاصة من الطوالع لها وهي شكل الفلك عند حدوثها فلنذكر الآن ما وقع لأهل الأثر في ذلك ثم نرجع إلى كلام المنجمين أما أهل الأثر فلهم في مدة الملل وبقاء الدنيا على ما وقع في كتباب السهيلي فإنه نقل عن الطبري ما يقتضي أن مدة بقاء الدنيا منذ الملة خمسمائة سنة ونقض ذلك بظهور كذبه ومستند الطبري في ذلك أنه نقل عن ابن عباس أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة ولم يذكر لذلك دليلا وسره والله أعلم تقدير الدنيا بأيام خلق السماوات والأرض وهي سبعة ثم اليوم بألف سنة لقوله وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وقد ثبت في
332
الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى غروب الشمس وقال بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى وقدر ما بين صلاة العصر وغروب الشمس حين صيرورة ظل كل شيء مثليه يكون على التقريب نصف سبع وكذلك وصل الوسطى على السبابة فتكون هذه المدة نصف سبع الجمعة كلها وهو خمسمائة سنة ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم فدل ذلك على أن مدة الدنيا قبل الملة خمسة آلاف وخمسمائة سنة وعن وهب بن منبه أنها خمسة آلاف وستمائة سنة أعني الماضي وعن كعب أن مدة الدنيا كلها ستة آلاف سنة قال السهيلي وليس في الحديثين ما يشهد لشيء مما ذكره مع وقوع الوجود بخلافه فأما قوله لن يعجز الله ان يؤخر هذه الأمة نصف يوم فلا يقتضي نفي الزيادة على النصف وأما قوله بعثت أنا والساعة كهاتين فانما فيه الإشارة إلى القرب وأنه ليس بينه وبين الساعة نبي غيره ولا شرع غير شرعه ثم رجع السهيلي إلى تعيين أمد الملة من مدرك آخر لو ساعده التحقيق وهو أنه جمع الحروف المقطعة في أوائل السور بعد حذف المكرر قال وهي أربعة عشر حرفا يجمعها قولك الم يسطع نص حق كره فأخذ عددها بحساب الجمل فكان سبعمائة وثلاثة أضافه إلى المنقضي من الألف الآخر قبل بعثته فهذه هي مدة الملة قال ولا يبعد ذلك أن يكون من مقتضيات هذه الحروف وفوائدها قلت وكونه لا يبعد لا يقتضي ظهوره ولا التعويل عليه والذي حمل السهيلي على ذلك إنما هو ما وقع في كتاب السير لابن إسحاق في حديث ابني أخطب من أحبار اليهود وهما أبو ياسر وأخوه حي حين سمعا من الأحرف المقطعة ألم وتأولاها على بيان المدة بهذا الحساب فبلغت إحدى وسبعين فاستقلا المدة وجاء حي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله هل مع هذا غيره فقال المص ثم استزاد الرثم ثم استزاد المر فكانت إحدى وسبعين ومائتين فاستطال المدة وقال قد لبس علينا أمرك يا محمد حتى لا ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم ذهبوا عنه وقال لهم أبو ياسر ما يدريكم لعله أعطى عددها كلها تسعمائة وأربع سنين قال ابن إسحاق فنزل قوله تعالى منه
333
آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات اه ولا يقوم من القصة دليل على تقدير الملة بهذا العدد لأن دلالة هذه الحروف على تلك الأعداد ليست طبيعية ولا عقلية وإنما هي بالتواضع والاصطلاح الذي يسمونه حساب الجمل نعم إنه قديم مشهور وقدم الاصطلاح لا يصير حجة وليس أبو ياسر وأخوه حي ممن يؤخذ رأيه في ذلك دليلا ولا من علماء اليهود لأنهم كانوا بادية بالحجاز غفلا عن الصنائع والعلوم حتى عن علم شريعتهم وفقه كتابهم وملتهم وإنما يتلقفون مثل هذا الحساب كما تتلقفه العوام في كل ملة فلا ينهض للسهيلي دليل على ما ادعاه من ذلك ووقع في الملة في حدثان دولتها على الخصوص مسند من الأثر إجمالي في حديث خرجه أبو داود عن حذيفة بن اليمان من طريق شيخه محمد بن يحيى الذهبي عن سعيد ابن أبي مريم عن عبد الله بن فروخ عن أسامة بن زيد الليثي عن أبي قبيصة بن ذؤيب عن أبيه قال قال حذيفة بن اليمان والله ما ادري أنسي أصحابي أم تناسوه والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فئة إلى أن تنقضي الدنيا لا يبلغ من معه ثلثمائة فصاعدا إلا قد سماه باسمه واسم أبيه وقبيلته وسكت عليه أبو داود وقد تقدم أنه قال في رسالته ما سكت عليه في كتابه فهو صالح وهذا الحديث إذا كان صحيحا فهو مجمل ويفتقر في بيان إجماله وتعيين مبهماته إلى آثار أخرى يجود أسانيدها وقد وقع إسناد هذا الحديث في غير كتاب السنن على غير هذا الوجه فوقع في الصحيحين من حديث حذيفة أيضا قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فما ترك شيئا يكون في مقامه ذاك إلى قيام الساعة إلا حدث عنه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابه هؤلاء اه ولفظ البخاري ما ترك شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره وفي كتاب الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة العصر بنهار ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وهذه الأحاديث كلها محمولة على ما ثبت في الصحيحين من أحاديث الفتن والاشتراط لا غير لأنه المعهود من الشارع صلوات الله وسلامه عليه في أمثال هذه العمومات وهذه الزيادة التي تفرد بها أبو داود في هذه الطريق شاذه منكرة مع أن الأئمة اختلفوا في رجاله فقال ابن أبي مريم في
334
ابن فروخ أحاديثه مناكير وقال البخاري يعرف منه وينكر وقال ابن عدي أحاديثه غير محفوظة وأسامة بن زيد وإن خرج له في الصحيحين ووثقه ابن معين فإنما خرج له البخاري استشهادا وضعفه يحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل وقال ابن حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وأبو قبيصة ابن ذؤيب مجهول فتضعف هذه الزيادة التي وقعت لأبي داود في هذا الحديث من هذه الجهات مع شذوذها كما مر وقد يستندون في حدثان الدول على الخصوص إلى كتاب الجفر ويزعمون أن فيه علم ذلك كله من طريق الآثار والنجوم لا يزيدون على ذلك ولا يعرفون أصل ذلك ولا مستنده واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون العجلي وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه لأن الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علما على هذا الكتاب عندهم وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامات وقد صح عنه أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصح كما يقول وقد حذر يحيى ابن عمه زيد من مصرعه وعصاه فخرج وقتل بالجوزجان كما هو معروف وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهم علما ودينا وآثارا من النبؤة وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة وقد ينقل بين أهل البيت كثير من هذا الكلام غير منسوب إلى أحد وفي أخبار دولة العبيديين كثير منه وانظر ما حكاه ابن الرقيق في لقاء أبي عبد الله الشيعي لعبيد الله المهدي مع ابيه محمد الحبيب وما حدثاه به وكيف بعثاه إلى بنى المهدية بعد استفحال
335
دولتهم بأفريقية قال بنيتها ليعتصم بها الفواطم ساعة من نهار وأراهم موقف صاحب الحمار أبي يزيد بالهدية وكان يسأل عن منتهى موقفه حتى جاءه الخبر ببلوغه إلى المكان الذي عينه جده أبو عبيد الله فأيقن بالظفر وبرز من البلد فهزمه واتبعه إلى ناحية الزاب فظفر به وقتله ومثل هذه الأخبار كثيرة وأما المنجمون فيستندون في حدثان الدول إلى الأحكام النجومية أما في الأمور العامة مثل الملك والدول فمن القرانات وخصوصا بين العلويين وذلك أن العلويين زحل والمشتري يقترنان في كل عشرين سنة مرة ثم يعود القران إلى برج آخر في تلك المثلثة من التثليث الأيمن ثم بعده إلى آخر كذلك إلى أن يتكرر في المثلثة الواحدة ثنتي عشرة مرة تستوي بروجه الثلاثة في ستين سنة ثم يعود فيستوي بها في ستين سنة ثم يعود ثالثة ثم رابعة فيستوي في المثلثة بثنتي عشرة مرة وأربع عودات في مائتين وأربعين سنة ويكون انتقاله في كل برج على التثليث الأيمن وينتقل من المثلثة إلى المثلثة التي تليها أعني البرج الذي يلي البرج الأخير من القران الذي قبله في المثلثة وهذا القران الذي هو قران العلويين ينقسم إلى كبير وصغير ووسط فالكبير هو اجتماع العلويين في درجة واحدة من الفلك إلى أن يعود إليها بعد تسعمائة وستين سنة مرة واحدة والوسط هو اقتران العلويين في كل مثلثة اثنتي عشرة مرة وبعد مئتين وأربعين سنة ينتقل إلى مثلثة أخرى والصغير هو اقتران العلويين في درجة برج وبعد عشرين سنة يقترنان في برج آخر على تثليثه الأيمن في مثل درجه أو دقائقه مثال ذلك وقع القران يكون أول دقيقة من الحمل وبعد عشرين يكون في أول دقيقة من الأسد وهذه كلها نارية وهذا كله قران صغير ثم يعود إلى أول الحمل بعد ستين سنة ويسمى دور القران وعود القران وبعد مائتين وأربعين ينتقل من النارية إلى الترابية لأنها بعدها وهذا قران وسط ثم ينتقل إلى الهوائية ثم المائية ثم يرجع إلى أول الحمل في تسعمائة وستين سنة وهو الكبير والقران الكبير يدل على عظام الأمور مثل تغيير الملك والدولة وانتقال الملك من قوم إلى قوم والوسط على ظهور المتغلبين والطالبين للملك والصغير على ظهور الخوارج والدعاة وخراب المدن أو عمرانها ويقع في أثناء هذه القرانات قران النحسين في برج السرطان في كل ثلاثين
336
سنة مرة ويسمى الرابع وبرج السرطان هو طالع العالم وفيه وبال زحل وهبوط المريخ فتعظم دلالة هذا القران في الفتن والحروب وسفك الدماء وظهور الخوارج وحركة العساكر وعصيان الجند والوباء والقحط ويدوم ذلك أو ينتهي على قدر السعادة والنحوسة في وقت قرانهما على قدر تيسير الدليل فيه قال جراس بن أحمد الحاسب في الكتاب الذي ألفه لنظام الملك ورجوع المريخ إلى العقرب له أثر عظيم في الملة الإسلامية لأنه كان دليلها فالمولد النبوي كان عند قران العلويين ببرج العقرب فلما رجع هنالك حدث التشويش على الخلفاء وكثر المرض في أهل العلم والدين ونقصت أحوالهم وربما انهدم بعض بيوت العبادة وقد يقال إنه كان عند قتل علي رضي الله عنه ومروان من بني أمية والمتوكل من بني العباس فإذا روعيت هذه الأحكام مع أحكام القرانات كانت في غاية الإحكام وذكر شاذان البلخي أن الملة تنتهي إلى ثلاثمائة وعشرين وقد ظهر كذب هذا القول وقال أبو معشر يظهر بعد المائة والخمسين منا اختلاف كثير ولم يصح ذلك وقال خراش رأيت في كتب القدماء أن المنجمين أخبروا كسرى عن ملك العرب وظهور النبوة فيهم وأن دليلهم الزهرة وكانت في شرفها فيبقى الملك فيهم أربعين سنة وقال أبو معشر في كتاب القرانات القسمة إذا انتهت إلى السابعة والعشرين من الحوت فيها شرف الزهرة ووقع القران مع ذلك ببرج العقرب وهو دليل العرب ظهرت حينئذ دولة العرب وكان منهم نبي ويكون قوة ملكه ومدته على ما بقي من درجات شرف الزهرة وهي إحدى عشرة درجة بتقريب من برج الحوت ومدة ذلك ستمائة وعشر سنين وكان ظهور أبي مسلم عند انتقال الزهرة ووقوع القسمة أول الحمل وصاحب الجد المشتري وقال يعقوب ابن إسحاق الكندي إن مدة الملة تنتهي إلى ستمائة وثلاث وتسعين سنه قال لأن الزهرة كانت عند قران الملة في ثمان وعشرين درجة وثلاثين دقيقة من الحوت فالباقي إحدى عشرة درجة وثمان عشرة دقيقة ودقائقهما ستون فيكون ستمائة وثلاثا وتسعين سنة قال وهذه مدة الملة باتفاق الحكماء ويعضده الحروف الواقعة في أول السور بحذف المكرر واعتباره بحساب الجمل قلت وهذا هو الذي ذكره السهيلي والغالب أن الأول هو مستند السهيلي فيما نلقناه
337
عنه قال خراش هرمز سأل إفريز الحكيم عن مدة أردشير وولده ملوك الساسانية فقال دليل ملكه المشتري وكان في شرفه فيعطى أطول السنين وأجودها أربعمائة وسبعا وعشرين سنة ثم تزيد الزهرة وتكون في شرفها وهي دليل العرب فيملكون لأن طالع القران الميزان وصاحبه الزهرة وكانت عند القران في شرفها فدل أنهم يملكون ألف سنة وستين سنة وسأل كسرى أنو شروان وزيره بزر جمهر الحكيم عن خروج الملك من فارس إلى العرب فأخبره أن القائم منهم يولد لخمس وأربعين من دولته ويملك المشرق والمغرب والمشتري يغوص إلى الزهرة وينتقل القران من الهوائية إلى العقرب وهو مائي وهو دليل العرب فهذه الأدلة تفضي للملة بمدة دور الزهرة وهي ألف وستون سنة وسأل كسرى أبرويز أليوس الحكيم عن ذلك فقال مثل قول بزر جمهر وقال توفيل الرومي المنجم في أيام بني أمية إن ملة الإسلام تبقى مدة القران الكبير تسعمائة وستين سنة فإذا عاد القران إلى برج العقرب كما كان في ابتداء الملة وتغير وضع الكواكب عن هيئتها في قران الملة فحينئذ إما أن يفتر العمل به أو يتجدد من الإحكام ما يوجب خلاف الظن قال خراش واتفقوا على أن خراب العالم يكون باستيلاء الماء والنار حتى تهلك سائر المكونات وذلك عندما يقطع قلب الأسد أربعا وعشرين درجة وهي حد المريخ وذلك بعد مضي تسعمائة وستين سنة وذكر خراش أن ملك زابلستان بعث إلى المأمون بحكيمه ذوبان أتحفه به في هدية وأنه تصرف للمأمون في الاختبارات بحروب أخيه وبعقد اللواء لطاهر وأن المأمون أعظم حكمته فسأله عن مدة ملكهم فأخبره بانقطاع الملك من عقبه واتصاله في ولد أخيه وأن العجم يتغلبون على الخلافة من الديلم في دولة سنة خمسين ويكون ما يريده الله ثم يسوء حالهم ثم تظهر الترك من شمال المشرق فيملكون إلى الشام والفرات وسيحون وسيملكون بلاد الروم ويكون ما يريده الله فقال له المامون من أين لك هذا فقال من كتب الحكماء ومن أحكام صصه بن داهر الهندي الذي وضع الشطرنج قلت والترك الذين أشار إلى ظهورهم بعد الديلم هم السلجوقية وقد انقضت دولتهم أول القرن السابع قال خراش وانتقال القران إلى المثلثة المائية من برج الحوت يكون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة
338
ليزدجر وبعدها إلى برج العقرب حيث كان قران الملة سنة ثلاث وخمسين قال والذي في الحوت هو أول الانتقال والذي في العقرب يستخرج منه دلائل الملة قال وتحويل السنة الأولى من القران الأول في المثلثات المائية في ثاني رجب سنة ثمان وستين وثمانمائة ولم يستوف الكلام على ذلك وأما مستند المنجمين في دولة على الخصوص فمن القران الأوسط وهيئة الفلك عند وقوعه لأن له دلاله عندهم على حدوث الدولة وجهاتها من العمران والقائمين بها من الأمم وعد ملوكهم وأسمائهم وأعمارهم ونحلهم وأديانهم وعوائدهم وحروبهم كما ذكر أبو معشر في كتابه في القرانات وقد توجد هذه الدلالة من القران الأصغر إذا كان الأوسط دالا عليه فمن هذا يوجد الكلام في الدول وقد كان يعقوب ابن إسحاق الكندي منجم الرشيد والمأمون وضع في القرانات الكائنة في الملة كتابا سماه الشيعة بالجفر باسم كتابهم المنسوب إلى جعفر الصادق وذكر فيه فيما يقال حدثان دولة بني العباس وأنها نهايته وأشار إلى انقراضها والحادثة على بغداد أنها تقع في انتصاف المائة السابعة وأنه بانقراضها يكون انقراض الملة ولم نقف على شيء من خبر هذا الكتاب ولا رأينا من وقف عليه ولعله غرق في كتبهم التي طرحها هلاكو ملك التتر في دجلة عند استيلائهم على بغداد وقتل المستعصم آخر الخلفاء وقد وقع بالمغرب جزء منسوب إلى هذا الكتاب يسمونه الجفر الصغير والظاهر أنه وضع لبني عبد المؤمن لذكر الأولين من ملوك الموحدين فيه على التفصيل ومطابقة من تقدم عن ذلك من حدثانه وكذب ما بعده وكان في دولة بني العباس من بعد الكندي منجمون وكتب في الحدثان وانظر ما نقله الطبري في أخبار المهدي عن أبي بديل من أصحاب صنائع الدولة قال بعث إلي الربيع والحسن في غزاتهما مع الرشيد أيام أبيه فجئتهما جوف الليل من فإذا عندهما كتاب من كتب الدولة يعني الحدثان وإذا مدة المهدي فيه عشر سنين فقلت هذا الكتاب لا يخفى على المهدي وقد مضى من دولته ما مضى فإذا وقف عليه كنتم قد نعيتم إليه نفسه قالا فما الحيلة فاستدعيت عنبسه الوراق مولى آل بديل وقلت له انسخ هذه الورقة واكتب مكان عشر أربعين ففعل فوالله لولا أني رأيت العشرة في تلك الورقة والأربعين في هذه ما كنت أشك أنها هي ثم كتب الناس من بعد ذلك في حدثان الدول منظوما ومنثورا ورجزا ما شاء الله أن يكتبوه
339
وبأيدي الناس متفرقة كثير منها وتسمى الملاحم وبعضها في حدثان الملة على العموم وبعضها في دولة على الخصوص وكلها منسوبة إلى مشاهير من أهل الخليقة وليس منها أصل يعتمد على روايته عن واضعه المنسوب إليه فمن هذه الملاحم بالمغرب قصيدة ابن مرانة من بحر الطويل على روي الراء وهي متداولة بين الناس وتحسب العامة أنها من الحدثان العام فيطلقون الكثير منها على الحاضر والمستقبل والذي سمعناه من شيوخنا أنها مخصوصة بدولة لمتونة لأن الرجل كان قبيل دولتهم وذكر فيها استيلاءهم على سبتة من يد موالي بني حمود وملكهم لعدوة الأندلس ومن الملاحم بيد أهل المغرب أيضا قصيدة تسمي التبعية أولها طربت وما ذاك مني طرب وقد يطرب الطائر المغتصب وما ذاك مني للهو أراه ولكن لتذكار بعض السبب قريبا من خمسمائة بيت أو ألف فيما يقال ذكر فيها كثيرا من دولة الموحدين وأشار فيها إلى الفاطمي وغيره والظاهر أنها مصنوعة ومن الملاحم بالمغرب أيضا ملعبة من الشعر الزجلي منسوبة لبعض اليهود ذكر فيها أحكام القرانات لعصره العلويين والنحسين وغيرهما وذكر ميتته قتيلا بفاس وكان كذلك فيما زعموه وأوله في صيغ ذا الازرق لشرفه خيارا فافهموا يا قوم هذي الاشارا نجم زحل اخبر بذي العلاما وبدل الشكلا وهي سلاما شاشية زرقا بدل العماما وشاش ازرق بدل الغرارا يقول في آخره قد تم ذا التجنيس لانسان يهودي يصلب في بلدة فاس في يوم عيد حتى يجيه الناس من البوادي وقتله يا قوم على الفراد وأبياته نحو الخمسمائة وهي في القرانات التي دلت على دولة الموحدين ومن ملاحم المغرب أيضا قصيدة من عروض المتقارب على روي الباء في حدثان دولة بني أبي حفص بتونس من الموحدين منسوبة لابن الأبار وقال لي قاضي قسنطينية الخطيب الكبير أبو علي بن باديس وكان بصيرا بما يقوله وله قدم في التنجيم فقال لي إن هذا ابن الأبار ليس هو الحافظ الأندلسي الكاتب مقتول المستنصر وإنما هو رجل خياط من أهل
340
تونس تواطأت شهرته مع شهرة الحافظ وكان والدي رحمه الله تعالى ينشد هذه الأبيات من هذه الملحمة وبقي بعضها في حفظي مطلعها عذيري من زمن قلب يغر ببارقه الأشنب ومنها ويبعث من جيشه قائدا ويبقى هناك على مرقب فتأتي إلى الشيخ أخباره فيقبل كالجمل الأجرب ويظهر من عدله سيرة وتلك سياسة مستجلب ومنها في ذكر أحوال تونس على العموم فإما رأيت الرسوم امحت ولم يرع حق لذي منصب فخذ في الترحل عن تونس وودع معالمها واذهب فسوف تكون بها فتنة تضيف البريء إلى المذنب ووقفت بالمغرب على ملحمة أخرى في دولة بني أبي حفص هؤلاء بتونس فيها بعد السلطان أبي يحيى الشهير عاشر ملوكهم ذكر محمد أخيه من بعده يقول فيها وبعد أبي عبد الإله شقيقه ويعرف بالوثاب في نسخة الأصل إلا أن هذا الرجل لم يملكها بعد أخيه وكاني مني بذلك نفسه إلى أن هلك ومن الملاحم في المغرب أيضا الملعبة المنسوبة إلى الهوثني على لغة العامة في عروض البلد دعني بدمعي الهتان فترت الأمطار ولم تفتر واستقت كلها الويدان وانى تملى وتغدر وهي طويلة ومحفوظة بين عامة المغرب الأقصى والغالب عليها الوضع لأنه لم يصح منها قول إلا على تأويل تحرفه العامة أو الحارف فيه من ينتحلها من الخاصة ووقفت بالمشرق على ملحمة منسوبة لابن العربي الحاتمي في كلام طويل شبه الألغاز لا يعلم تأويله إلا الله لتحلله إلى أوفاق عددية ورموز ملغوزة وأشكال حيوانات تامة ورؤوس مقطعة وتماثيل من حيوانات غريبة وفي آخرها قصيدة على روي اللام والغالب أنها كلها غير صحيحة لأنها لم تنشأ عن أصل علمي من نجامة ولا غيرها وسمعت أيضا أن هناك
341
ملاحم أخرى منسوبة لابن سيناء وابن عقاب وليس في شيء منها دليل على الصحة لأن ذلك إنما يؤخذ من القرانات ووقفت بالمشرق أيضا على ملحمة من حدثان دولة الترك منسوبة إلى رجل من الصوفية يسمى الباجر بقي وكلها إلغاز بالحروف أولها إن شئت تكشف سد الجفر يا سؤلي من علم جفر وصي والد الحسن فافهم وكن واعيا حرفا وجملته والوصف فافهم كفعل الحاذق الفطن أما الذي قبل عصري لست أذكره لكنني أذكر الآتي من الزمن بشهر بيبرس يبقى بعد خمستها بحاء ميم بطيش نام في الكنن شين له أثر من تحت سرته له القضاء قضى أي ذلك المنن فمصر والشام مع أرض العراق له وأذريبجان في ملك إلى اليمن وأبياتها كثيرة والغالب أنها موضوعة ومثل صنعتها كان في القديم كثير ومعروف الانتحال حكى المؤرخون لأخبار بغداد أنه كان بها أيام المقتدر وراق ذكي يعرف بالدانالي يبل الأوراق ويكتب فيها بخط عتيق يرمز فيه بحروف من أسماء أهل الدولة ويشير بها إلى ما يعرف ميلهم إليه من أحوال الرفعة والجاه كأنها ملاحم ويحصل على ما يريده منهم من الدنيا وإنه وضع في بعض دفاتره ميما مكررة ثلاث مرات وجاء به إلى مفلح مولى المقتدر فقال له هذا كناية عنك وهو مفلح مولى المقتدر وذكر عنه ما يرضاه ويناله من الدولة ونصب لذلك علامات يموه بها عليه فبذل له ما أغناه به ثم وضعه للوزير ابن القاسم بن وهب على مفلح هذا وكان معزولا فجاءه بأوراق مثلها وذكر اسم الوزير بمثل هذه الحروف وبعلامات ذكرها وأنه يلي الوزارة للثاني عشر من الخلفاء وتستقيم الأمور على يديه ويقهر الأعداء وتعمر الدنيا في أيامه وأوقف مفلحا هذا على الأوراق وذكر فيها كوائن أخرى وملاحم من هذا النوع مما وقع ومما لم يقع ونسب جميعه إلى دانال فأعجب به مفلح ووقف عليه المقتدر واهتدى من تلك الأمور والعلامات إلى ابن وهب وكان ذلك سببا لوزارته بمثل هذه الحيلة العريقة في الكذب والجهل بمثل هذه الألغاز والظاهر أن هذه الملحمة التي ينسبونها إلى الباجر بقي من هذا النوع ولقد سألت أكمل الدين ابن
342
شيخ الحنيفية من العجم بالديار المصرية عن هذه الملحمة وعن هذا الرجل الذي تنسب إليه من الصوفية وهو الباجر بقي وكان عارفا بطرائقهم فقال كان من القلندرية المبتدعة في حلق اللحية وكان يتحدث عما يكون بطريق الكشف ويومي إلى رجال معينين عنده ويلغز عليهم بحروف يعينها في ضمنها لمن يراه منهم وربما يظهر نظم ذلك في أبيات قليلة كان يتعاهدها فتنوقلت عنه وولع الناس بها وجعلوها ملحمة مرموزة وزاد فيها الخراصون من ذلك الجنس في كل عصر وشغل العامة بفك رموزها وهو أمر ممتنع إذ الرمز إنما يهدي إلى كشفه قانون يعرف قبله ويوضع له وأما مثل هذه الحروف فدلالتها على المراد منها مخصوصة بهذا النظم لا يتجاوزه فرأيت من كلام هذا الرجل الفاضل شفاء لما كان في النفس من أمر هذه الملحمة وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق