الفصل الرابع: في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق - الفصل السابع: في ان المدن والامصار بافريقية والمغرب قليلة

والسبب في ذلك أن هذه الأقطار كانت للبربر منذ آلاف السنين قبل الإسلام وكان عمرانها كله بدويا ولم تستمر فيهم الحضارة حتى تستكمل أحوالها والدول التي ملكتهم من الإفرنجة والعرب ولم يطل أمد ملكهم فيهم حتى ترسخ الحضارة منها فلم تزل عوائد البداوة وشؤونها فكانوا إليها أقرب فلم تكثر مبانيهم وأيضا فالصنائع بعيدة عن البربر لأنهم أعرق في البدو والصنائع من توابع الحضارة وإنما تتم المباني فلا بد من الحذق في تعلمها فلما لم يكن للبربر انتحال لها لم يكن لهم تشوق إلى المباني فضلا عن المدن وأيضا فهم أهل عصبيات وأنساب لا يخلو عن ذلك جمع منهم والأنساب والعصبية اجنح إلى البدو وإنما يدعو إلى المدن الدعة والسكون ويصير ساكنها عيالا على حاميتها فتجد أهل البدو لذلك يستنكفون عن سكنى المدينة أو الإقامة بها فلا يدعو ذلك إلا الترف والغنى وقليل ما هو في الناس فلذلك كان عمران أفريقية والمغرب كله أو أكثره بدويا أهل خيام وظواعن وقباطن وكنن في الجبال وكان عمران بلاد العجم كله أو أكثره قرى
358
وأمصارا ورساتيق من بلاد الأندلس والشام ومصر وعراق العجم وأمثالها لأن العجم ليسوا بأهل أنساب يحافظون عليها ويتباهون في صراحتها والتحامها إلا في الأقل وأكثر ما يكون في سكنى البدو لأهل الأنساب لن لحمة النسب أقرب وأشد فتكون عصبيته كذلك وتنزع بصاحبها إلى سكنى البدو والتجافي عن المصر الذي يذهب بالبسالة ويصيره عيالا على غيره فافهمه وقس عليه والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق