الفصل الرابع: في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق - الفصل الثامن: في ان المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها والى من كان قبلها من الدول

والسبب في ذلك ما ذكرنا مثله في البربر بعينه إذ العرب أيضا أعرق في البدو وأبعد عن الصنائع وأيضا فكانوا أجانب من الممالك التي استولوا عليها قبل الإسلام ولم تملكوها لم ينفسخ الأمد حتى تستوفي رسوم الحضارة مع أنهم استغنوا بما وجدوا من مباني غيرهم وأيضا فكان الدين أول الأمر مانعا من المغالاة أو البنيان والإسراف فيه في غير القصد كما عهد لهم عمر حين استأذنوه في بناء الكوفة بالحجارة وقد وقع الحريق في القصب الذي كانوا بنوا به من قبل فقال افعلوا ولا يزيدن أحد على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة وعهد إلى الوفد وتقدم إلى الناس أن لا يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا وما القدر قال لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم عن القصد فلما بعد العهد بالدين والتخرج في أمثال هذه المقاصد وغلبت طبيعة الملك والترف واستخدم العرب أمة الفرس وأخذوا عنهم الصنائع والمباني ودعتهم إليها أحوال الدعة والترف فحينئذ شيدوا المباني والمصانع وكان عهد ذلك قريبا بانقراض الدولة ولم ينفسح الأمد لكثرة البناء واختطاط المدن والأمصار إلا قليلا وليس كذلك غيرهم من الأمم فالفرس طالت مدتهم آلافا من السنين وكذلك القبط والنبط والروم وكذلك العرب الأولى من عاد وثمود والعمالقة والتبايعة طالت آمادهم ورسخت الصنائع فيهم فكانت مبانيهم وهياكلهم أكثر عددا وأبقى على الأيام أثرا واستبصر في هذا تجده كما قلت والله وارث الأرض ومن عليها