الفصل الرابع: في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق - الفصل العاشر: في مبادى الخراب في الامصار

اعلم أن الأمصار إذا اختطت أولا تكون قليلة المساكن وقليلة آلات البناء من الحجر والجير وغيرهما مما يعالى على الحيطان عند التأنق كالزلح والرخام والربج والزجاج والفسيفساء والصدف فيكون بناؤها يومئذ بدويا وآلاتها فاسدة فإذا عظم عمران المدينة وكثر ساكنها كثرت الآلات بكثرة الأعمال حينئذ وكثرت الصناع إلى أن تبلغ غايتها من ذلك كما سبق بشأنها فإذا تراجع عمرانها وخف ساكنها قلت الصنائع لأجل ذلك وفقدت الإجادة في البناء والإحكام والمعالاة عليه بالتنميق ثم تقل الأعمال لعدم الساكن فيقل جلب الآلات من الحجر والرخام وغيرهما
360
فتفقد ويصير بناؤهم وتشييدهم من الآلات التي في مبانيهم فينقلونها من مصنع إلى مصنع لأجل خلاء أكثر المصانع والقصور والمنازل بقلة العمران وقصوره عما كان أولا ثم لا تزال تنقل من قصر إلى قصر ومن دار إلى دار إلى أن يفقد الكثير منها جملة فيعودون إلى البداوة في البناء واتخاذ الطوب عوضا عن الحجارة والقصور عن التنميق بالكلية فيعود بناء المدينة مثل بناء القرى والمدر وتظهر عليها سيماء البداوة ثم تمر في التناقص إلى غايتها من الخراب إن قدر لها به سنة الله في خلقه