الفصل الرابع: في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق - الفصل العشرون: في اختصاص بعض الامصار ببعض الصنائع دون بعض

وذلك أنه من البين أن أعمال أهل المصر يستدعي بعضها بعضا لما في طبيعة العمران من التعاون وما يستدعي من الأعمال يختص ببعض أهل المصر فيقومون عليه ويستبصرون في صناعته ويختصون بوظيفته ويجعلون معاشهم فيه ورزقهم منه لعموم
377
البلوى به في المصر والحاجة إليه وما لا يستدعي في المصر يكون غفلا إذ لا فائدة لمنتحله في الاحتراف به وما يستدعي من ذلك لضرورة المعاش فيوجد في كل مصر كالخياط والحداد والنجار وأمثالها وما يسدعي لعوائد الترف وأحواله فإنما يوجد في المدن المستبحرة في العمارة الآخذة في عوائد الترف والحضارة مثل الزجاج والصائغ والدهان والطباخ والصفار والفراش والذباح وأمثال هذه وهي متفاوتة وبقدر ما تزيد عوائد الحضارة وتستدعي أحوال الترف تحدث صنائع لذلك النوع فتوجد بذلك المصر دون غيره ومن هذا الباب الحمامات لأنها إنما توجد في الأمصار المستحضرة المستبحرة العمران لما يدعو إليه الترف والغنى من التنعم ولذلك لا تكون في المدن المتوسطة وإن نزع بعض الملوك والرؤساء إليها فيختطها ويجري أحوالها إلا أنها إذا لم تكن لها داعية من كافة الناس فسرعان ما تهجر وتخرب وتفر عنها القومة لقلة فائدتهم ومعاشهم منها والله يقبض ويبسط