الفصل الخامس: الفصل الخامس من الكتاب الاول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل - الفصل الثاني: في وجوه المعاش واصنافه ومذاهبه

إعلم أن المعاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق والسعي في تحصيله وهو مفعل من العيش كأنه لما كان العيش الذي هو الحياة لا يحصل إلا بهذه جعلت موضعا له على طريق المبالغة ثم إن تحصيل الرزق وكسبه إما أن يكون بأخذه من يد الغير وانتزاعه بالاقتدار عليه على قانون متعارف ويسمى مغرما وجباية وإما أن يكون من الحيوان الوحشي بافتراسه وأخذه برميه من البر أو البحر ويسمى اصطيادا
383
وإما أن يكون من الحيوان الداجن باستخراج فضوله المنصرفة بين الناس في منافعهم كاللبن من الانعام والحريرمن دوده والعسل من نحله أو يكون النبات في الزرع والشجر بالقيام عليه وإعداده لاستخراج ثمرته ويسمى هذا كله فلحا وإما ان يكون الكسب من الاعمال الإنسانية إما في مواد معينة وتسمى الصنائع من كتابة ونجارة وخياطة وحياكة وفروسية وأمثال ذلك أو في مواد غير معينة وهي جميع الامتهانات والتصرفات وإما أن يكون الكسب من البضائع وإعدادها للاعواض إما بالتقلب بها في البلاد واحتكارها وارتقاب حوالة الأسواق فيها ويسمى هذا تجارة فهذه وجوه المعاش وأصنافه وهي معنى ما ذكره المحققون من أهل الأدب والحكمة كالحريري وغيره فإنهم قالوا المعاش إمارة وتجارة وفلاحة وصناعة فأما الإمارة فليست بمذهب طبيعي للمعاش فلا حاجة بنا إلى ذكرها وقد تقدم شيء من أحوال الجبايات السلطانية وأهلها في الفصل الثاني وأما الفلاحة والصناعة والتجارة فهي وجوه طبيعية للمعاش أما الفلاحة فهي متقدمة عليها كلها بالذات إذ هي بسيطة وطبيعية فطرية لا تحتاج إلى نظر ولا علم ولهذا تنسب في الخليقة إلى آدم أبي البشر وأنه معلمها والقائم عليها إشارة إلى أنها أقدم وجوه المعاش وأنسبها إلى الطبيعة وأما الصنائع فهي ثانيتها ومتأخرة عنها لأنها مركبة وعلمية تصرف فيها الأفكار والأنظار ولهذا لا يوجد غالبا إلا في أهل الحضر الذي هو متأخر عن البدو وثان عنه ومن هذا المعنى نسبت إلى أدريس الأب الثاني للخليقة فإنه مستنبطها لمن بعده من البشر بالوحي من الله تعالى وأما التجارة وإن كانت طبيعية في الكسب فالأكثر من طرقها ومذاهبها إنما هي تحيلات في الحصول على ما بين القيمتين في الشراء والبيع لتحصل فائدة الكسب من تلك الفضلة ولذلك أباح الشرع فيه المكاسبة لما أنه من باب المقامرة إلا أنه ليس أخذا لمال الغير مجانا فلهذا اختص بالمشروعية