الفصل الخامس: الفصل الخامس من الكتاب الاول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل - الفصل الرابع: في ان ابتغاء الاموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي

إعلم أن كثيرا من ضعفاء العقول في الأمصار يحرصون على استخراج الأموال من
385
تحت الأرض ويبتغون الكسب من ذلك ويعتقدون أن أموال الأمم السالفة مختزنة كلها تحت الأرض مختوم عليها كلها بطلاسم سحرية لا يفض ختامها ذلك إلا من عثر على علمه واستحضر ما يحله من البخور والدعاء والقربان فأهل الأمصار بأفريقية يرون أن الإفرنجة الذين كانوا قبل الإسلام بها دفنوا أموالهم كذلك وأودعوها في الصحف بالكتاب إلى أن يجدوا السبيل إلى استخراجها وأهل الأمصار بالمشرق يرون مثل ذلك في أمم القبط والروم والفرس ويتناقلون في ذلك أحاديث تشبه حديث خرافة من انتهاء بعض الطالبين لذلك إلى حفر موضع المال ممن لم يعرف طلسمه ولا خبره فيجدونه خاليا أو معمورا بالديدان أو يشاهد الأموال والجواهر موضوعة والحرس دونها منتضين سيوفهم أو تميد به الأرض حتى يظنه خسفا أو مثل ذلك من الهذر ونجد كثيرا من طلبه البربر بالمغرب العاجزين عن المعاش الطبيعي وأسبابه يتقربون إلى أهل الدنيا بالأوراق المتحزمة الحواشي إما بخطوط عجمية أو بما ترجم بزعمهم منها من خطوط أهل الدفائن بإعطاء الأمارات عليها في أماكنها يبتغون بذلك الرزق منهم بما يبعثونه على الحفر والطلب ويموهون عليهم بأنهم إنما حملهم على الاستعانة بهم طلب الجاه في مثل هذا من منال الحكام والعقوبات وربما تكون عند بعضهم نادرة أو غريبة من الأعمال السحرية يموه بها على تصديق ما بقي من دعواه وهو بمعزل عن السحر وطرفه فتولع كثير من ضعفاء العقول بجمع الأيدي على الاحتفار والتستر فيه بظلمات الليل مخافة الرقباء وعيون أهل الدول فإذا لم يعثروا على شيء ردوا ذلك إلى الجهل بالطلسم الذي ختم به على ذلك المال يخادعون به أنفسهم عن إخفاق مطامعهم والذي يحمل على ذلك في الغالب زيادة على ضعف العقل إنما هو العجز عن طلب المعاش بالوجوه الطبيعية للكسب من التجارة والفلح والصناعة فيطلبونه بالوجوه المنحرفة وعلى غير المجرى الطبيعي من هذا وأمثاله عجزا عن السعي في المكاسب وركونا إلى تناول الرزق من غير تعب ولا نصب في تحصيله واكتسابه ولا يعلمون أنهم يوقعون أنفسهم بابتغاء ذلك من غير وجهه في نصب ومتاعب وجهد شديد أشد من الأول ويعرضون أنفسهم مع ذلك لمنال العقوبات وربما يحمل على ذلك في الأكثر زيادة الترف وعوائده وخروجها
386
عن حد النهاية حتى تقصر عنها وجوه الكسب ومذاهبه ولا تفي بمطالبها فإذا عجز عن الكسب بالمجرى الطبيعي لم يجد وليجه في نفسه إلا التمني لوجود المال العظيم دفعه من غير كلفة ليفي له ذلك بالعوائد التي حصل في أسرها فيحرص على ابتغاءذلك ويسعى فيه جهده ولهذا فأكثر من تراهم يحرصون على ذلك هم المترفون من أهل الدولة ومن سكان الامصار الكثيرة الترف المتسعة الأحوال مثل مصر وما في معناها فنجد الكثير منهم مغرمين بأبتغاء ذلك وتحصيله ومساءلة الركبان عن شواده كما يحرصون على الكيمياء هكذا بلغني عن أهل مصر في مفاوضة من يلقونه من طلبة المغاربة لعلهم يعثرون منه على دفين أو كنز ويزيدون على ذلك البحث عن تغوير المياه لما يرون أن غالب هذه الأموال الدفينة كلها في بحاري النيل وأنه أعظم ما يستر دفينا أو مختزنا في تلك الآفاق ويموه عليهم أصحاب تلك الدفاتر المفتعلة في الاعتذار عن الوصول إليها بجرية النيل تسترا بذلك من الكذب حتى يحصل على معاشه فيحرص سامع ذلك منهم على نضوب الماء بالاعمال السحرية لتحصيل مبتغاه من هذه كلفا بشأن السحر متوارثا في ذلك القطر عن أوليه فعلومهم السحرية وآثارها باقية بأرضهم في البراري وغبرها وقصة سحرة فرعون شاهدة باخنصاصهم بذلك وقد تناقل أهل المغرب قصيدة ينسبونها إلى حكماء المشرق تعطى فيها كيفية العمل بالتغوير بصناعة سحرية حسبما تراه فيها وهي هذه يا طالبا للسر في التغوير إسمع كلام الصدق من خبير دع عنك ما قد صنفوا في كتبهم من قول بهتان ولفظ غرور واسمع لصدق مقالتي ونصيحتي إن كنت ممن لا يرى بالزور فإذا أردت تغورالبئر التي حارت لها الأوهام في التدبير صور كصورتك التي أوقفتها والرأس رأس الشبل في التقوير ويداه ما سكتان للحبل الذي في الدلو ينشل من قرار البير وبصدره هاء كما عاينتها عدد الطلاق احذر من التكرير ويطا على الطاءات غير ملامس مشي اللبيب الكيس التحرير ويكون حول الكل خط دائر تربيعة أولى من التكوير
387
واذبح عليه الطير والطخه به واقصده عقب الذبح بالتبخير بالسندروس وباللبان وميعة والقسط والبسه بثوب حرير من أحمر أو أصفر لا أزرق لا أخضر فيه ولا تكدير ويشده خيطان صوف أبيض أو أحمر من خالص التحمير والطالع الأسد الذي قد بينوا ويكون بدء الشهر غير منير والبدر متصل بسعد عطارد في يوم سبت ساعة التدبير يعني أن تكون الطاءات بين قدميه كأنه يمشي عليها وعندي أن هذه القصيدة من تمويهات المتخرفين فلهم في ذلك أحوال غريبة واصطلاحات عجيبة وتنتهي التخرفة والكذب بهم إلى أن يسكنوا المنازل المشهودة والدور المعروفة لمثل هذه ويحتفرون الحفر ويضعون المطابق فيها والشواهد التي يكتبونها في صحائف كذبهم قم يقصدون ضعفاء العقول بأمثال هذه الصحائف ويعثون على كبراء ذلك المنزل وسكناه ويوهمون أن به دفينا من المال لا يعبر عن كثرته ويطالبون بالمال لاشتراء العقاقير والبخورات لحل الطلاسم ويعدونه بظهور الشواهد التي قد اعدوها هنالك بأنفسهم ومن فعلهم فينبعث لما يراه من ذلك وهو قد خدع ولبس عليه من حيث لا يشعر وبينهم في ذلك اصطلاح في كلامهم يلبسون به عليهم ليخفى عند محاورتهم فيما يتلونه من حفر وبخور وذبح حيوان وأمثال ذلك وأما الكلام في ذلك على الحقيقة فلا اصل له في علم ولا خبر واعلم ان الكنوز وإن كانت توجد لكنها في حكم النادر وعلى وجه الاتفاق لا على وجه القصد إليها وليس ذلك بأمر تعم به البلوى حتي يدخر الناس أموالهم تحت الأرض ويختمون عليها بالطلاسم لا في القديم ولا في الحديث والركاز الذي ورد في الحديث وفرضه الفقهاء وهو دفين الجاهلية إنما يوجد بالعثور والانفاق لا بالقصد والطلب وأيضا فمن اختزن ماله وختم عليه بالاعمال السحرية فقد بالغ في إخفائه فكيف ينصب عليه الأدلة والأمارات لمن يبتغيه ويكتب ذلك في الصحائف حتى يطلع على ذخيرته أهل الأمصار والآفاق هذا يناقض قصد الإخفاء وأيضا فأفعال العقلاء لا بد وأن تكون لغرض مقصود في الانتفاع ومن اختزن المال فإنه يختزنه لولده أو قريبه أومن يؤثره وأما أن
388
يقصد إخفاءه بالكلية عن كل أحد وإنما هو للبلاء والهلاك أو لمن لا يعرفه بالكلية ممن سيأتي من الأمم فهذا ليس من مقاصد العقلاء بوجه وأما قولهم أين أموال الأمم من قبلنا وما علم فيها من الكثرة والوفور فاعلم أن الأموال من الذهب والفضة والجواهر والأمتعة إنما هي معادن ومكاسب مثل الحديد والنحاس والرصاص وسائر العقارات والمعادن والعمران يظهرها بالأعمال الإنسانية ويزيد فيها أو ينقصها وما يوجد منها بأيدي الناس فهو متناقل متوارث وربما انتقل من قطر إلى قطر ومن دولة إلى أخرى بحسب أغراضه والعمران الذي يستدعي له فإن نقص المال في المغرب وأفريقيه فلم ينقص ببلاد الصقالبة والإفرنج وإن نقص في مصر والشام فلم ينقص في الهند والصين وإنما هي الآلات والمكاسب والعمران يوفرها أو ينقصها مع أن المعادن يدركها البلاء كما يدرك سائر الموجودات ويسرع إلى اللؤلؤ والجوهر أعظم مما يسرع إلى غيره وكذا الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير ينالها من البلاء والفناء ما يذهب بأعيانها لأقرب وقت وأما ما وقع في مصر من أمر المطالب والكنوز فسببه أن مصر في ملكه القبط منذ آلاف أويزيد من السنين وكان موتاهم يدفنون بموجودهم من الذهب والفضة والجوهر واللآلىء على مذهب من تقدم من أهل الدول فلما انقضت دولة القبط وملك الفرس بلادهم نقروا على ذلك في قبورهم فكشفوا عنه فأخذوا من قبورهم مالا يوصف كالأهرام من قبور الملوك وغيرها وكذا فعل اليونانيون من بعدهم وصارت قبورهم مظنة لذلك لهذا العهد ويعثر على الدفين فيها كثيرا من الأوقات أما ما يدفنونه من أموالهم أو ما يكرمون به موتاهم في الدفن من أوعية وتوابيت من الذهب والفضة معدة لذلك فصارت قبور القبط منذ آلاف السنين مظنة لوجود ذلك فيها فلذلك عني أهل مصر بالبحث عن المطالب لوجود ذلك فيها واستخراجها حتى إنهم حين ضربت المكوس على الأصناف آخر الدولة ضربت على أهل المطالب وصدرت ضريبة على من يشتغل بذلك من الحمقى والمهوسين فوجد بذلك المتعاطون من أهل الأطماع الذريعة إلى الكشف عنه والذرع باستخراجه وما حصلوا إلا على الخيبة في جميع مساعيهم نعوذ بالله من الخسران فيحتاج من وقع له شيء من هذا الوسواس وابتلى به أن
389
يتعوذ بالله من العجز والكسل في طلب معاشه كما تعوذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك وينصرف عن طرق الشيطان ووسواسه ولا يشغل نفسه بالمحالات والمكاذب من الحكايات والله يرزق من يشاء بغير حساب