الفصل الخامس: الفصل الخامس من الكتاب الاول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل - الفصل العاشر: في اي اصناف الناس يحترف بالتجارة وليهم ينبغي له اجتناب حرفها

395

قد قدمنا أن معنى التجارة تنمية المال بشراء البضائع ومحاولة بيعها بأغلى من ثمن الشراء إما بانتظار حوالة الأسواق أو نقلها إلى بلد هي فيه أنفق و أغلى أو بيعها بالغلاء على الآجال وهذا الربح بالنسبة إلى أصل المال يسير إلا أن المال إذا كان كثيرا عظم الربح لأن القليل في الكثير كثير ثم لا بد في محاولة هذه التنمية من حصول هذا المال بأيدي الباعة في شراء البضائع وبيعها ومعاملتهم في تقاضي أثمانها وأهل النصفة قليل فلا بد من الغش والتطفيف المجحف بالبضائع في تقاضي ومن المطل في الأثمان المجحف بالربح كتعطيل المحاولة في تلك المدة وبها نماؤه ومن الجحود والإنكار المسحت لرأس المال إن لم يتقيد بالكتاب والشهادة وغنى الحكام في ذلك قليل لأن الحكم إنما هو على الظاهر فيعاني التاجر من ذلك أحوالا صعبة ولا يكاد يحصل على ذلك التافه من الربح إلا بعظم العناء والمشقة أو لا يحصل أو يتلاشى رأس ماله فإن كان جريئا على الخصومة بصيرا بالحسبان شديد المماحكة مقداما على الحكام كان ذلك أقرب له إلى النصفة بجراءته منهم ومماحكته وإلا فلا بد له من جاه يدرع به يوقع له الهيبة عند الباعة ويحمل الحكام على إنصافه من معامليه فيحصل له بذلك النصفة في ماله طوعا في الأول وكرها في الثاني وأما من كان فاقدا للجراءة والإقدام من نفسه فاقد الجاه من الحكام فينبغي له أن يجتنب الاحتراف بالتجارة لأنه يعرض ماله للضياع والذهاب ويصير مأكله للباعة ولا يكاد ينتصف منهم لأن الغالب في الناس وخصوصا الرعاع والباعة شرهون إلى ما في أيدي الناس سواهم متوثبون عليه ولولا وازع الأحكام لأصبحت أموال الناس نهبا ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين