الفصل الخامس: الفصل الخامس من الكتاب الاول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل - الفصل الثاني عشر: في نقل التاجر للسلع

التاجر البصير بالتجارة لا ينقل من السلع إلا ما تعم الحاجة إليه من الغني والفقير والسلطان والسوقة إذ في ذلك نفاق سلعته وأما إذا اختص نقله بما يحتاج إليه البعض فقط فقد يتعذر نفاق سلعته حينئذ بإعواز الشراء من ذلك البعض لعارض من العوارض فتكسد سوقه وتفسد أرباحه وكذلك إذا نقل السلعة المحتاج إليها فإنما ينقل الوسط من صنفها فإن العالي من كل صنف من السلع إنما يختص به أهل التروة وحاشية الدولة وهم الأقل وإنما يكون الناس أسوة في الحاجة إلى الوسط من كل صنف فليتحر ذلك جهده ففيه نفاق سلعة أو كسادها وكذلك نقل السلع من البلد البعيد المسافة أو في شدة الخطر في الطرقات يكون أكثر فائدة للتجار وأعظم أرباحا وأكفل بحوالة الأسواق لأن السلعة المنقولة حينئذ تكون قليلة معوزة لبعد مكانها أو شدة الغرر في طريقها فيقل حاملوها ويعز وجودها وإذا قلت وعزت غلت أثمانها وأما إذا كان البلد قريب المسافة والطريق سابل بالأمن فإنه حينئذ يكثر ناقلوها فتكثر وترخص أثمانها ولهذا تجد التجار الذين يولعون بالدخول إلى بلاد السوادن أرفة الناس وأكثرهم أموالا لبعد طريقهم ومشقته واعتراض المفازة الصعبة المخطرة بالخوف والعطش لا يوجد فيها الماء إلا في أماكن معلومة يهتدي إليها أدلاء الركبان فلا يركب خطر هذا الطريق وبعده إلا الأقل من الناس فتجد
397
سلع بلاد السودان قليلة لدينا فتختص بالغلاء وكذلك سلعنا لديهم فتعظم بضائع التجار من تناقلها ويسرع إليهم الغنى والثروة من أجل ذلك وكذلك المسافرون من بلادنا إلى المشرق لبعد الشقة أيضا وأما المترددون في أفق واحد ما بين أمصاره وبلدانه ففائدتهم قليلة وأرباحهم تافهة لكثرة السلع وكثرة ناقليها والله هو الرزاق ذو القوة المتين