الفصل الخامس: الفصل الخامس من الكتاب الاول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل - الفصل الثالث عشر: في الاحتكار

ومما اشتهر عند ذوي البصر والتجربة في الأمصار أن أحتكار الزرع لتحين أوقات الغلاء مشؤم وأنه يعود على فائدته بالتلف والخسران وسببه والله أعلم أن الناس لحاجتهم إلى الأقوات مضطرون إلى ما يبذلون فيها من المال اضطرارا فتبقى النفوس متعلقة به وفي تعلق النفوس بما لها سر كبير في وباله على من يأخذه مجانا ولعله الذي اعتبره الشارع في أخذ أموال الناس بالباطل وهذا وإن لم يكن مجانا فالنفوس متعلقة به لإعطائه ضرورة من غير سعة في العذر فهو كالمكره وما عدا الأقوات والمأكولات من المبيعات لا اضطرار للناس إليها وإنما يبعثهم عليها التفنن في الشهوات فلا يبذلون أموالهم فيها إلا باختيار وحرص ولا يبقى لهم تعلق بما أعطوه فلهذايكون من عرف تعالى أعلم وسمعت فيما يناسب هذا حكاية ظريفة عن بعض مشيخة المغرب أخبرني شيخنا أبو عبد الله الأبلي قال حضرت عند القاضي بفاس لعهد السلطان أبي سعيد وهو الفقيه أبو الحسن المليلي وقد عرض عليه أن يختار بعض الألقاب المخزنية لجرايته قال فأطرق مليا ثم قال من مكس الخمر فاستضحك الحاضرون من أصحابه وعجبوا وسألوه عن حكمة ذلك فقال إذا كانت الجبايات كلها حراما فأختار منها ما لا تتابعه نفس معطية والخمر قل أن يبذل فيها أحد ماله إلا وهو طرب مسرور بوجوداته غير أسف عليه ولا متعلقة به نفسه وهذه ملاحظة غريبة والله سبحانه وتعالى يعلم ما تكن الصدور