الفصل الخامس: الفصل الخامس من الكتاب الاول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل - الفصل الخامس عشر: في ان خلق التجارة نازلة عن خلق الروءساء وبعيدة من المروءة

399

قد قدمنا في الفصل قبله أن التاجر مدفوع إلى معاناة البيع والشراء وجلب الفوائد والأرباح ولا بد في ذلك من المكايسة والمماحكة والتحذلق وممارسة الخصومات واللجاج وهي عوارض هذه الحرفة وهذه الأوصاف نقص من الذكاء والمروءة وتجرح فيها لأن الأفعال لا بد من عود آثارها على النفس فأفعال الخير تعود بآثار الخير والزكاء وأفعال الشر والسفسفة تعود بضد ذلك فتتمكن وترسخ إن سبقت وتكررت وتنقص خلال الخير إن تأخرت عنها بما ينطبع من آثارها المذمومة في النفس شأن الملكات الناشئة عن الأفعال وتتفاوت هذه الآثار بتفاوت أصناف التجار في أطوارهم فمن كان منهم سفال الطور محالفا لأشرار الباعة أهل الغش والخلابة والفجور في الأثمان إقرارا وإنكارا كانت رداءة تلك الخلق عنه أشد وغلبت عليه السفسفة وبعد عن المروءة واكتسابها بالجملة وإلا فلا بد له من تأثير المكايسة والمماحكة في مرؤته وفقدان ذلك منهم في الجملة ووجود الصنف الثاني منهم الذي قدمناه في الفصل قبله أنهم يدرعون بالجاه ويعوض لهم من مباشرة ذلك فهم نادر وأقل من النادر وذلك أن يكون المال قد يوجد عنده دفعة بنوع غريب أو ورثه عن أحد من أهل بيته فحصلت له ثروة تعيينه على الاتصال بأهل الدولة وتكسبه ظهورا وشهرة بين أهل عصره فيرتفع عن مباشرة ذلك بنفسه ويدفعه إلى من يقوم له به من وكلائه وحشمه ويسهل له الحكام النصفة في حقوقهم بما يؤنسونه من بره وإتحافه فيبعدونه عن تلك الخلق بالبعد عن معاناة الأفعال المقتضية لها كما مر فتكون كمروءتهم أرسخ وأبعد عن تلك المحاجاة إلا ما يسري من آثار تلك الأفعال من وراء الحجاب فإنهم يضطرون إلى مشارفة أحوال أولئك الوكلاء ورفاقهم أو خلافهم فيما ولا يكاد يظهر أثره والله خلقكم وما تعملون