الفصل الخامس: الفصل الخامس من الكتاب الاول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل - الفصل 33: في ان الصنائع تكسب صاحبها عقلا وخصوصا الكتابة والحساب

قد ذكرنا في الكتاب أن النفس الناطقة للإنسان إنما توجد فيه بالقوة وأن خروجها من القوة إلى الفعل إنما هو بتجدد العلوم والإدراكات عن المحسوسات أولا ثم ما يكتسب بعدها بالقوة النظرية إلى أن يصير إدراكا بالفعل وعقلا محضا فتكون ذاتا روحانية ويستكمل حينئذ وجودها فوجب لذلك أن يكون كل نوع من العلم والنظر يفيدها عقلا فريدا والصنائع أبدا يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من تلك الملكة فلهذا كانت الحنكة في التجربة تفيد عقلا والحضارة الكاملة تفيد عقلا لأنها مجتمعه من صنائع في شأن تدبير المنزل ومعاشرة أبناء الجنس وتحصيل الآداب في مخالطتهم ثم القيام بأمور الدين واعتبار آدابها وشرائطها وهذه كلها قوانين تنتظم علوما فيحصل منها زيادة عقل والكتابة من بين الصنائع
429
أكثر إفادة لذلك لأنها تشتمل على العلوم والأنظار بخلاف الصنائع وبيانه أن في الكتابة انتقالا من الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية في الخيال ومن الكلمات اللفظية في الخيال إلى المعاني التي في النفس ذلك دائما فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلولات وهو معنى النظر العقلي الذي يكسب العلوم المجهولة فيكسب بذلك ملكة من التعقل تكون زيادة عقل ويحصل به قوة فظنه وكيس في الأمور لما تعودوه من ذلك الانتقال ولذلك قال كسرى في كتابة لما رآهم بتلك الفطنة والكيس فقال ديوانه أي شياطين وجنون قالوا وذلك أصل اشتقاق الديوان لأهل الكتابة ويلحق بذلك الحساب فإن في صناعة الحساب نوع تصرف في العدد بالضم والتفريق يحتاج فيه إلى استدلال كثير فيبقى متعودا للاستدلال والنظر وهو معنى العقل والله أعلم