وهو معرفة فروض الوراثة وتصحيح سهام الفريضة مما تصح باعتبار فروضها الأصول أو مناسختها وذلك إذا هلك احد الورثة وانكسرت سهامه على فروض ورثته فإنه حينئذ يحتاج إلى حسب تصحيح الفريضة الأولى حتى يصل أهل الفروض جميعا في الفريضتين إلى فروضهم من غير تجزئة وقد تكون هذه المناسخات أكثر من واحد واثنين وتتعدد لذلك بعدد أكثر زيقدر ما تحتاج إلى الحسبان وكذلك إذا كانت فريضة ذات وجهين مثل ان يقر بعض الورثة بوارث وينكره الآخر فتصحح على الوجهين وينظر مبلغ السهام ثم تقسم التركة على نسب سهام الورثة من اصل الفريضة وكل ذلك يحتاج إلى الحسبان وكان غالبا فيه وجعلوه فنا مفردا وللناس فيه تأليف كثيرة أشهر ما عند المالكية من متأخري الأندلس كتاب أبن ثابت ومختصره القاضي أبي القاسم الخوفي الجعدي ومن متأخري أفريقية ابن النمر الطرابلسي وأمثالهم واما الشافعية والحنفية والحنابلة فلهم نية تآليف كثيرة واعمال عظيمة صعبة شاهدة لهم باتساع الباع في الفقه والحساب
452
وخصوصا ابا المعالي رضي الله تعالى عنه وأمثاله من اهل المذاهب وهو فن شريف لجمعه بين المعقول والمنقول والوصول به إلى الحقوق في الوراثات بوجوه يقينية عند ما تجهل الحظوظ وتشكل على القاسمين وللعلماء أهل الأمصار بها عناية ومن المصنفين من يحتاج فيها الغلو في الحساب وفرض المسائل التي تحتاج إلى استخراج المجهولات من فنون الحساب كالجبر والمقابلة والتصرف في الجذور وامثال ذلك فيملأون بها تآليفهم وهو وإن لم يكن متداولا بين الناس ولا يفيد فيما يتداولونه من وراثتهم لغرابته وقلة وقوعه فهو يفيد المران وتحصيل الملكة المتداول على أكمل الوجوه وقد يحتج الأكثر من أهل هذا الفن على فضله بالحديث المنقول عن ابي هريرة رضي الله عنه أن الفرائض ثلث العلم وانها أول ما ينسي وفي رواية نصف العلم خرجه ابو نعيم الحافظ واحتج به اهل الفرائض بناء على أن المراد بالفرائض فروض الوراثة والذي يظهر أن هذا المحل بعيد وإن المراد بالفرائض إنما هي الفرائض التكليفية في العبادات والعادات والمواريث وغيرها وبهذا المعنى يصح فيها التصفية والثلثية واما فروض الوراثة فهي اقل من ذلك كله بالنسبة إلى علم الشريعة كلها ويعين هذا المراد أن حمل لفظ الفرائض على هذا الفن المخصوص أو تخصيصه بفروض الوراثة إنما هو اصطلاح ناشيء للفقهاء عند حدوث الفنون والاصطلاحات ولم يكن صدر الأسلام يطلق على هذا إلا على عمومة مشتقا من الفرض الذي هو لغة التقدير أو القطع وما كان المراد به في إطلاقه إلا جميع الفروض كما قلناه وهي حقيقته الشرعية فلا ينبغي أن يحمل إلا على ما كان يحمل في عصرهم فهو أليق بمرادهم منه والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق