الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل الرابع عشر: في العلوم العددية

482

وأولها الأرتماطيقي وهو معرفة خواص الأعداد من حيث التأليف إما على التوالي أو بالتضعيف مثل إن الأعداد إذا توالت متفاضلة بعدد واحد فإن جمع الطرفين منها مساو لجمع كل عددين بعدهما من الطرفين بعد واحد ومثل ضعف الواسطة إن كانت عدة تلك الأعداد فردا مثل الأفراد على تواليها والأزواج على تواليها ومثل أن الأعداد إذا توالت على نسبة واحدة يكون أولها نصف ثانيها وثانيها نصف ثالثها الخ أو يكون إذا أولها ثلث ثانيها وثانيها وثلث ثالثها الخ فإن ضرب الطرفين أحدهما في الأخر كضرب كل عددين بعدهما من الطرفين بعد واحد أحدهما في الآخر ومثل مربع الواسطة إن كانت العدة فردا وذلك مثل أعداد زوج الزوج المتوالية من اثنين فأربعة فثمانية فستة عشر ومثل ما يحدث من الخواص العددية في وضع المثلثات العددية والمرتعات والمخمسات والمسدسات إذا وضعت متتالية في سطورها بأن يجمع من الةاحد إلى العدد الأخير فتكون مثله وتتوالى المثلثات هكذا في سطر تحت الأضلاع ثم تزيد على كل مثلث ثلث الضلع الذي قبله فتكون مرتعة وتزيد على كل مرتع مثلث الضلع الذي قبله فتكون بخمسة وهلم جرا وتتوالى الأشكال على توالي الأضلاع ويحدث جدول ذو طول وعرض ففي عرضه الأعداد على تواليها ثم المثلثات على تواليها ثم المربعات ثم المخمسات الخ وفي طوله كل عدد وأشكاله بالغا ما بلغ وتحدث في جمعها وقسمة بعضها على بعض طولا وعرضا خواص غريبة استقريت منها وتقررت في دواوينهم مسائلها كذلك ما يحدث للزوج والفرد وزوج الزوج وزوج الفرد وزوج الفرد الزوج والفرد فإن لكل منها خواص مختصة به تضمنها هذا الفن وليست في غيره وهذا الفن أول أجزاء التعاليم واثبتها ويدخل في براهين الحساب وللحكماء المتقدمين والمتأخرين فيه تىليف وأكثرهم يدرجونه في التعاليم ولا يفردونه بالتآليف فعل ذلك ابن سبنا في كتاب الشفاء والنجا وغيره من المتقدمين وأما المتأخرين فهو عندهم مهجور إذ هو غير متداول ومنفعة في البراهين لا في الحساب فهجروه لذلك بعد أن استخلصوا زبدته في البراهين الحسابية
483
كما فعله ابن البناء في كتاب رفع الحجاب والله سبحانه وتعالى أعلم ومن فروع علم العدد صناعة الحساب وهي صناعة علمية في حساب الأعداد بالضم والتفريق فالضم يكون في الأعداد وبالأفراد وهو الجمع أو بالتضعيف تضاعف عددا بآحاد عدد آخر وهذا هو الضرب والتفريق أيضا يكون في الأعداد إما بالإفراد مثل إزالة عدد من عدد ومعرفة الباقي وهو الطرح أو تفصيل عدد بأجزاء متساوية وتكون عدتها محصلة وهو القسممة وسواء كان هذا الضم والتفريق في الصحيح من العدد أو الكسر ومعنى الكسر نسبة عدد إلى عدد وتلك النسبة تسمى كسرا وكذلك يكون بالضم والتفريق في الجذور ومعناها العدد الذي يضرب في مثله فيكون منه العدد المرتع فإن تلك الجذور أيضا يدخلها الضم والتفريق وهذه الصناعة حادثة احتج إليها للحساب في المعاملات وألف الناس فيها كثيرا وتداولوها في الأمصار بالتعليم للولدان ومن أحس التعليم عندهم الأبتداء بها لأنها معارف متضحة وبراهين منتظمة فينشأ عنها في الغالب عقل مضيء ودرب على الصواب وقد يقال من أخذ نفسه بتعليم الحساب أول أمره إنه يغلب عليه الصدق لما في الحساب من صحة المباني ومناقشة النفس فيصير ذلك حقا ويتعود بالصدق ويلازمه مذهبا ومن أحسن التآليف المبسوطة فيها لهذا العهد بالمغرب كتاب الحصار الصغير ولأبن البناء المراكشي فيه تلخيص ضابط لقوانين أعمال مفيد ثم شرحه بكتاب سماه رفع الحجاب وهو مستغلق على المبتدئ بما فيه من البراهين الوثيقة المباني وهو كتاب جليل القدر أدركنا المسيحة تعظيمه وهو كتاب جديد بذلك وإنما جاءه الاستغلاق من طريق البرهان ببيان علوم التعاليم لأن مسائلها وأعمالها واضحة كلها وإذا قصد شرحها فإنما هو إعطاء العلل في تلك الأعمال وفي ذلك العسر على الفهم مالا يوجد في إعمال المسائل فتأمله والله يهدي بنوره من يشاء وهو القوي المتين ومن فروعه الجبر والمقابلة وهي صناعة يستخرج بها العدد المجهول من قبل المعلوم المفروض إذا كان بينهما نسبة تقتضي ذلك فاصطلحوا فيها على أن جعلوا للمجهولات مراتب من طريق التضعيف بالضرب أولها العدد لأنه به يتعين المطلوب المجهول باستخراجه من نسبة المجهول إليه وثانيها الشيء لأن كلا مجهول فهو من جهة إبهامه وهو أيضا جذر لما يلزم من تضعيفه
484
في المرتبة الثانية وثالثها المال وهو أمر مبهم وما بعد ذلك فعلى نسبة الأس في المضروبين ثم يقع العمل المفروض في المسألة فتخرج إلى معادلة بين مختلفين أو أكثر من هذه الأجناس فيقابلون بعضها ببعض ويجبرون ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحا ويحطون مراتب إلى أقل الأسوس إن أمكن حتى يصير إلى الثلاثة التي عليها مدار الجبر عندهم وهي العدد والشيء والمال فإن كانت المعادلة بين واحد تعين فالمال والجذر يزول بمعادلة العدد ويتعين والمال إن عادل الجذور فيتعين بعدتها وإن كانت المعادلة بين واحد واثنين أخرجه العمل الهندسي من طريق تفصيل الضرب في الأثنين وهي مبهمة فيعينها ذلك الضرب المفضل ولا يمكن المعادلة بين اثنين واثنتين وأكثر ما انتهت المعادلة بينهم إلى ست مسائل لأن المعادلة بين عدد وجذر ومال مفردة أو مركبة بجيء ستة وأول من كتب في هذا الفن أبو عبد الله الخوارزمي وبعده أبو كامل شجاع بن أسلم وجاء الناس عللى أثره فيه وكتابه في مسائله الست من أحسن الكتب الموضوعة فيه وشرحه كثير من أهل الأندلس فأجادوا ومن أحسن شروحاته كتاب القرشي وقد بلغنا أن بعض أئمة التعاليم من اهل المشرق وأنهى المعاملات إلى أكثر من هذه الستة ألجناس وبلغها إلى فوق العشرين واستخراج لها كلها أعمالا وأتبعه لببراهين هندسية والله يزيد في الخلق ما يشاء سبحانه وتعالى ومن فروعه أيضا المعاملات وهو تصريف الحساب في معاملات المدن في البياعات والمساحات والزكوات وسائر ما يعرض فيه العدد من المعاملات يصرف في صناعتنا ذلك بحساب في المجهول والمعلوم والكسر والصحيح والجذور وغيرها والغرض من تكثير المسائل المفروضة فيها حصول المران والدرابة بتكرار العمل حتى يرسخ الملكة في صناعة الحساب ولأهل الصناعة الحسابية أهل الأندلس تآليف فيها متعددة من أشهرها معاملات الزهراوي وأبن السمح وأبي مسلم بن خلدون من تلميذ مسلمة المجر يطي وأمثالهم ومن فروعه أيضا الفرائض وهي صناعة حسابية في تصحيح السهام لذوي الفروض في الورثات إذا تعددت وهلك بعض الوارثين وانكسرت سهامه على ورثته أو زادت الفروض عند إجتماعها على المال كله أو كان في الفريضة إقرار
485
وإنكار من بعض الورثة فتحتاج في ذلك كله إلى عمل يعين به سهام الفريضة من كم تصح وسهام الورثة من كل بطن مصححا حتى تكون حظوظ الوارثين من المال على نسبة سهامهم من جملة سهام الفريضة فيدخلها من صناعة الحساب جزء كبير من صحيحه وكسره وجذور معلومة ومجهولة وترتيب على ترتيب أبواب الفرائض الفقهية ومسائلها فتشمل حينئذ هذه الصناعة على جزء من الفقه وهو أحكام الوراثة من الفروض والعول والإقرار والإنكار والوصايا والتدبير وغير ذلك من مسائلها وعلى جزء من الحساب وهو تصحيح السهمان باعتبار الحكم الفقهي وهي من أجل العلوم وقد يورد أهلها أحاديث نبوية تشهد بفضلها مثل الفرائض ثلث العلم وأنها أول ما يرفع من العلوم وغير ذلك وعندي أن ظواهر تلك الأحاديث كلها إنما هي في الفرائض العينية كما تقدم لا فرائض الوراثات فإنها أقل من أن تكون في كميتها ثلث الفرائض وأما الفرائض العينية فتكثره وقد الف الناس في هذا الفن قديما وحديثا وأوعيوا ومن أحسن التآليف فيه على مذهب مالك رحمه الله كتاب أبن ثابت ومختصره القاضي أبي القاسم الحوفي وكتاب أبن المنمر والجعدي والصردي وغيرهم لكن الفضل للحوفي فكتابة مقدم على جمعها وقد شرحه من شيوخنا أبو عبد الله سليمان الشطي كبير مشيخة فارس فأوضح وأوعب الإمام الحرمين فيها تآليف على مذهب الشافعي تشهد باتساع باعة في العلوم ورسوخ قدمه وكذا للحنفية والحنابلة ومقامات الناس في العلوم مختلفة والله يهدي من يشاء بمنه وكرمه لا رب سواه