الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل الخامس عشر: في العلوم الهندسية

هذا العلم هو النظر في المقادير أما المتصلة كالخط والسطح والجسم وإما المنفصلة كالأعداد وفيما يعرض لها من العوارض الذاتية مثل إن كل مثلث فزواياه مثل قائمتين ومثل أن كلا من خطين متوازيين لا يلتقيان في وجه ولو خرجا إلى غير نهاية ومثل أن كلا خطين متقاطعين فالزوايتان المتقابلتان منهما متساويتان ومثل أن الأربعة مقادير المتناسبة ضرب الأول منها في الثالث كضرب الثاني في الرباع وأمثال ذلك والكتاب المترجم لليوناننين في هذه الصناعة كتاب أو قلديس ويسمى
486
كتب الأصول وكتاب الأركان وهو أبسط ما وضع فيها للمتعلمين وأول ما ترجم من كتبا اليونانين في الملة أيام أبي جعفر المنصور ونسخه مختلفة باختلاف المترجمين فمنها لحنين بن إسحاق ولثابث بن قرة وليوسف بن الحجاج ويشتمل على خمس عشرة مقالة أربع في السطوح وواحدة في الأقدار المتناسبة وأخرى في نسب السطوح بعضها إلى بعض وثلاث في العدد والعاشرة في المنطقات والقوى على المنطقات ومعناه الجذور وخمس في التجسمات وقد اختصره الناس اختصارات كثيرة كما فعله ابن سينا في تعاليم الشفاء أفرد له جزءا منها أختصه به وبذلك ابن الصلت في كتاب الاقتصار وغيرهم آخرون شروحا كثيرة وهو مبتدأ العلوم الهندسية بإطلاق واعلم أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقاله واستقامة في فكره لأن براهينها كلها بينة الانتظام جلية الترتيب لا يكاد الغلط يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها فيبعد الفكر بممارستها على الخطأ وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع وقد زاعموا أنه كان مكتوبا على باب أفلاطون من لم يكن مهندسا فلا يدخل منزلنا وكان شيوخنا رحمهم الله يقولون ممارسة علم الهندسة للفكر بمثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه الأقذار وينفيه من الأوصار والأردان وإنما ذلك لما أشرنها إليه من ترتيبه وانتظامه ومن فروع هذال الفن الهندسة المخصوصة بالأشكال الكروية والمخروطات أما الأشكال الكروية ففيها كتابان من كتب اليونانيين لثاودوسيوس وميلاوش في سطوحها وقطوعها وكتاب ثادوسيوس مقد في التعليم على كتاب ميلاوش لتوقف كثير من براهينه عليه ولا بد منهما لمن يريد الخوض في علم الهيئة لأن براهينها متوقفة عليه فالكلام في الهيئة كله كلام في الكرات السماوية وما يعرض فيها من القطوع والدوائر بأسباب الحركات كما نذكره فقد يتوقف على احكام الأشكال الكروية سطوحها وقطوعها وأما المخروطات فهو من فروع الهندسة أيضا وهو علم ينظر فيما يقع في الأجسام المخروطة من الأشكال والقطوع وتبرهن على ما يعرض لذلك من العوارض ببراهين هندسية متوقفة على التعلينم الأول وفائدتها تظهر في الصنائع العملية التي موادها الأجسام مثل النجارة والبناء وكيف تصنع التماثيل والهياكل وكيف يتحيل على جر الأثقال ونقل الهياكل
487
بالهندام والميخال وأمثال ذلك وقد أفرد بعض المؤلفين في هذا الفن كتابا في الحيل العلمية يتضمن من الصناعات الغريبة والحيل المستطرفة كل عجيبة وربما استغلق على المفهوم لصعوبة براهينه الهندسية وهو مأخوذ بأيدي الناس ينسبونه إلى بني شاكر والله تعالى أعلم ومن فروعه الهندسة المساحة وهو فن يحتاج إليه في مسح الأرض ومعناه استخراج مقدار من الأرض المعلومة بنسبة شبر أو ذراع أو غيرهما ونسبة أرض من أرض إذ قويست بمثل ذلك يحتاج إلى ذلك في توظيف الخراج على المزارع والفدن وبساتين الغراسة وفي قسمة الحوائط والأراضي بين الشركاء أو الورثة وأمثال ذلك وللناس فيها موضوعات حسنة وكثيرة والله الموفق للصواب بمنة وكرمه المناظرة من فروع الهندسة وهو علم يتبين به اسباب الغلط في الإدراك البصري بمعرفة كيفية وقوعها بناء على أن إدراك البصر يكون بمخروط شعاعي راسه يقطعه الباصر وقاعدته المرئي ثم يقع الغلط كثيرا في رؤية القريب كبيرا والبعيد صغيرا أو كذا رؤية الأشباح الصغيرة تحت الماء ووراء الأجسام الشفافة كبيرة ورؤية انتقطه النازلة من المطر خطأ مستقيما والسلقة دائرة وأمثال ذلك فيتبين في هذا العلم اسباب ذلك وكيفاته بالبراهين الهندسية ويتبين به ايضا اختلاف المنظر في القمر باختلاف العروض الذي ييبني عليه معرفة رؤية الأهلة وحصول الكشوفات وكثير من أمثال هذا وقد ألف كثير من اليونانين واشهر من الف فيه من الإسلاميين ابن الهيثم ولغيره أيضا تآليف وهو من هذه الرياضة وتفاريعها