الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل السادس عشر: في علم الهيئة

وهو علم ينظر في حرمات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيزة ويستدل من تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها لهذه الحركات المحسوسة بطرق هندسية كما يبرهن على أن مركز الأرض مباين لمركز فلك الشمس بوجود حركة الإقبال والإدبار وكما يستدل بالرجوع والاستقامة للكواكب على وجود افلاك صغيرة حاملة لها متحركة داخل فلكها الأعظم وكما يبرهن على وجود الفلك لثامن بحركة الكواكب الثابتة وكما يبرهن على تعدد الأفلاك للكواكب
488
الواحد بتعداد الميول له وامثال ذلك وإدراك الموجود من الحركات وكيفياتها وأجناسها إنما هو بالرصد فإنما هو الرصد فأنا علمنا حركة الأقبال والإدبار به وكذا تركيب الأفلاك في طبقاتها وكذا الرجوع والاستقامة وامثال ذلك وكان اليونانيون يعتنون بالرصد كثيرا ويتخذون له الآلات التي توضع ليرصد بها حركة الكواكب المعين وكانت تسمي عندهم ذات الحلق وصناعة عملها والبراهين عليه في مطابقته حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي الناس وأما في الإسلام فلم يقع به عناية إلا في القليل وكان أيام المأمون شيء منه وصنع لا له المعروفة للرصد المسماة ذات الحلق وشرع في ذلك فلم يتم مات ذهب رسمه وأغفل واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة وليست بمغنية لاختلاف الحركات باتصال الآحقاب وأن مطابقة حركة الآلة للرصد بحركة الأفلاك والكواكب الحقيقية بل إنما تعطي أن هذه الصور الهيئات للأفلاك لزمت عن هذه الحركات وأنت تعلم أنه لا يبعد أن يكون الشئ الواحد لازما لمختلفين وإن قلنا أن الحركات لازمة فهو استدلال باللازوم على وجود الملزوم ولا تعطي الحقيقة بوجه على أنه علم جليل وهو أخذ اركان التعاليم ومن أحسن التآليف فيه كتاب المحسطي لبطليموس وليس من ملوك اليونان الذين أسماؤهم بطليموس على ما حققه شراح الكتاب وقد اختصره الأئمة من حكماء الإسلام كما فعله ابن سينا وأدرجه في تعاليم الشفاء ولخصه ابن رشد أيضا من حكماء الأندلس وأبن السمح وأبن الصلت في كتاب الاقتصار ولأبن الفرغاني هيئة ملخصة قربها وحذف براهينها الهندسية والله أعلم الإنسان ما لم يعلم سبحانه لا إله إلا هو رب العالمين ومن فروعه علم الأزياج وهي صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب من طريق حركته وما أدري إليه برهان الهيئة في وضعه من شرعته وبطء وأستقامة ورجوع وغير ذلك يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فرض من قبل حسان حركاتها على تلك القوانين المستخرجه من كتب الهيئة الصناعة قوانين كالمتقدمات والأصول لها في معرفة الشهور والأيام
489
والتواريخ الماضية وأصول متقررة من معرفة الأوج والحضيض والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض يضعونها في جداول مرتبة تسهيلا على المتعلمين وتسمى الأزياج ويمسى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلا وتقويما وللناس فيه تآليف كثيرة للمتقدمين والمتأخرين مثل البيتاني وابن الكماد وقد عول االمتأخرين لهذا العهد بالمغرب على ريج منسوب لأبن إسحق من منجمي يونس أول المائة السابعة ويزعمون أن إبن إسحاق عول فيه على الرصد وأن يهوديا كان بصقلية ماهرا في الهيئة والتعاليم وكان قد عني بالرصد وكان يبعث إليه بما يقع في ذلك من أحوال الكواكب وحركاتها فكان أهل المغرب لذلك عنوا مبناه على ما يزعمون ولخصه ابن البناء في آخر سماه المنهاج فولع به الناس لما سهل من الأعمال فيه وإنما يحتاج إلى مواضع الكواكب من الفلك لثنبني عليها الأحكام النجومية وهو معرفة الآبار التي تحدث عنها بأوضاعها في عالم الإنسان من الملك والدول والمواليد البشرية كما بينه بعد ونوضح فيه ادلتهم إن شاء الله تعالى والله الموفق لما يحبه ويرضاه لا معبود سواه