الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل السابع عشر: في علم المنطق

وهو قوانين يعرف بها الصحيح من الفاسد في الحدود المفرفة للماهيات والحجج المفيدة للتصديقات وذلك أن الأصل في الإدراك إنما هو المحسوسات بالحواس الخمس وجميع الحيوانات مشتركة في هذا الإدراك من الناطق وغيره وإنما يتميز الإنسان عنها بإدراك الكليات وهي مجردة من المحسوسات وذلك بإن يحصل في الخيال من الأشخاص المتفقة صورة منطبقة على جميع الأشخاص المحسوسة وهي الكلي ثم ينظر الذهن بين تلك الأشخاص المتفقة وأشخاص أخرى توافقها في بعض فيحصل له صورة تنطبق أيضا عليهما باعتبار ما أتفقنا فيه ولا يزال يرتقي في التجريد إلى الكل الذي لا يجد كليا آخر معه يوافقه فيكون لأجل ذلك بسيطا وهذا مثل ما يجرد من أشخاص الإنسان صورة النوع المنطبقة عليها ثم ينظر بينه
490
وبين الحيوان ويجرد صورة الجنس المنطبقة عليها ثم بينهما وبين النبات إلى أن ينتهي إلى الجنس العالي وهو الجوهر في شيء فيقف العقل هنالك عن التجريد ثم إن الإنسان لما خلق الله له الفكر إلى به يدرك العلوم والصنائع وكان العلم إما تصورا للماهيات ويعني به إدراك ساذج من غير حكم معه وإما تصديقا أي حكما بثبوت أمر لأمر فصار سعي الفكر في تحصيل المطلوبات إما بأن تجمع تلك الكليات بعضها إلى بعض على جهة التأليف لتحصل صورة في الذهن كلية منطبقة على أفراد في الخارج فتكون تلك الصورة الذهنية مفيدة لمعرفة ماهية تلك الأشخاص وأما بأن يحكم بأمر على أمر فيثبت له ويكون ذلك تصديقا وغايته في الحقيقة راجعة إلى التصور لأن فائدة ذلك إذا حصل إنما هي معرفة حقائق الأشباه التي هي مقتضى العلم وهذا السعي من الفكر قد يكون بطريق صحيح وقد يكون بطريق فاسد فاقتضى ذلك تمييز الطريق الذي يسعى به الفكر في تحصيل المطالب العلمية ليتميز الصحيح من الفاسد فكان ذلك قانون المنطبق وتكلم فيه المتقدمون أول ما تكلموا به جملا جملا ومفترقا ولم تهذب طرقه ولم تجمع مسائلة حتى يظهر في يونان أرسطوا فهذب مباحثه ورتب مسائله وفصوله وجعله أول العلوم الحكمية وفاتحها ولذلك يسمى بالمعلم الأول وكتابه المخصوصة بالمنطق يسمى النص وهو يشتمل على ثمانية كتب أربعة منها في صورة القياس وأربعة في مادته وذلك أن المطالب التصديقية على أنحاء فمنها ما يكون المطلوب فيه اليقين بطبعه ومنها ما يكون المطلوب فيه الظن وهو على مراتب فينظر في القياس من حيث المطلوب الذي يفيده وما ينبغي أن تكون مقدماته بذلك الاعتبار ومن أي جنس يكون من العلم الذي يفيده وما ينبغي أن تكون مقدماته بذلك الأعتبار ومن أي جنس يكون ومن أي جنس يكون من العلم أو من الظن وقد ينظر في القياس لا باعتبار مطلوب مخصوص بل من جهة إنتاجه خاصة ويقال للنظر وقد ينظر في القياس لا باعتبار مطلوب بل من جهة إنتاجه خاصة ويقال للنظر الأول إنه من حيث المادة وتغني به المادة النتجة للمطلوب المخصوص من يقين أو ظن ويقال للنظر الثاني إنه من حيث الصورة وإنتاج القياس على الإطلاق فكانت لذلك كتب المنطق ثمانية الأول في الأجناس العالية التي ينتهي ليها تجريد المحسوسات وهي التي ليس فوقها جنس ويسمى كتاب المقولات والثاني في القضايا التصديقية وأصنافها ويمسى كتاب العبارة والثالث في القياس وصورة إنتاجه على
491
الإطلاق ويسمى كتاب القياس وهذا آخر النظر من حيث الصورة ثم الرابع كتاب البرهان وهو النظر في القياس المنتج لليقين وكيف يجب أن تكون مقدماته يقينية ويختص بشروط أخرى لإقادة اليقين مذكورة فيه مثل كونها ذاتية وأولية وغير ذلك وفي هذا الكتاب الكلام في المعرفات والحدود إذ المطلوب فيها إنما هو الليقين لوجود المطابقة بين الحد والمحدود لا يحتمل غيرها فلذلك اختصت عند المتقدمين بهذا الكتاب والخامس كتاب الجدل وهو القياس المفيد قطع المشاغب وإفحام الخصم وما يجب أن يستعمل فيه من المشهورات ويختص أيضا من جهة إفادته لهذا الغرض بشروط أخرى من حيث إفادته لهذا الغرض وهي مذكورة هناك وفي هذا الكتاب يذكر المواضع التي يستنبط منها صاحب القياس قياسه وفيه عكوس القضايا والسادس كتاب السفسطة وهو القياس الذي يفيد خىف الحق ويغالط به المناظر صاحبه وهو فاسد وهذا إنما كتب ليعرف به القياس المفيد ترغيب الجمهور وحملهم على المراد منهم وما يجب أن يستعمل في ذلك من المقالات والثامن كتاب الشعر وهو القياس الذي يفيد التمثيل والتشبيه خاصة للأقبال على الشيء أو النفرة عنه وما يجب أن يستعمل فيه من القضايا التخيلية هذه هي كتب المنطق الثمانية عند المتقدمين ثم إن حكماء اليونانين بعد أن تهذبت الصناعة ورتبت رأوا أنه لا بد من الكلام في الكليات الخمس المفيدة للتصور فاستدركوا فيها مقالة تختص بها مقدمة بين يدي الفن فصارت تسعا وترجمت كلها في الملة الإسلامية وكتبها وتداولها فلاسفة الإسلام بالشرح والتلخيص كما فعله الفارابي وابن سبنا ثن ابن رشد من فلاسفة الأندلس ولأبن سينا كتاب الشفاءا استوعب فيه علوم الفلسفة السبعة كلها ثم جاء المتأخرون فغيروا اصطلاح المنطق وألحقوا بالنظر في الكليات الخمس ثمرته وهي الكلام في الحدود والرسوم نقلوها من كتاب البرهان وحذفوا كتاب المقولات لأن نظر المنطقي فيه بالعرض لا بالذات أو الحقوا في كتاب العبارة الكلام في العكس لأنه من توابع الكلام في القضايا ببعض الوجوه ثم تكلموا في القياس من حيث إنتاجه للمطالب على العموم لا بحسب مادة وحدقوا النظر فيه
492
بحسب المادة وهي الكتب الخمسة البرهان والجدل والخطابة والشعر والسفسطة وربما يلم بعضهم باليسير منها إلماما واغفلوها كان لم تكن هي المهم المعتمد في الفن ثم تكلموا فيها وضعوه من ذلك كلام مستبحرا ونظروا فيه من حيث إنه فن برأسه لا من حيث إنه آلة للعلوم فطال الكلام فيه واتسع وأول من فعل ذلك الإمام فخر الدين بن الخطيب ومن بعده أفضل الدين الخونجي وعلى كتبه معتمد المشاقة لهذا العهد وله في هذه الصناعة وله في هذه الصناعة كتاب كشف الأسرار وهو طويل واختصر فيها مختصر الموجز وهو حسن في التعليم ثم مختصر الجمل في قدر أربعة أوراق أخذ بمجامع الفن وأصوله فتداوله المتعلمون لهذا العهد فينتفعون به وهجرت كتب المتقدمين وطرفهم كأن لم تكن وهي ممتلئة من ثمرة المنطق وفائدته كما قلناه والله الهادي للصواب