الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل 22: في علوم السحر والطلسمات

وهي علوم بكيفية استعدادات تقتدر البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية والأول هو السحر والثاني هو الطلسمات ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقودة بين الناس
497
إلا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام مثل النبط والكلدانيين فإن جمع من تقدمه من الأنبياء يشرعوا الشرائع ولا جاءوا بالأحكام إنما كانت كتبهم مواعظ وتوحيدا لله وتذكيرا بالجنة والنار وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين وفي أهل مصر من القبط وغيرهم وكان لهم فيها التآليف والآثار لم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل مثل الفلاحة النبطية من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم وتفننوا فيه ووضعت ذلك الأوضاع مثل مصاحف الكواكب السبعة وكتاب طمطم الهندي في صور الدرج والكواكب وغيرها ثم ظهر بالكشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب القوم واستخراج الصناعة وغاص في زبدتها واستخراجها ووضع فيها غيرها من التآليف وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها لأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه ثم جاء مسلمة بن أحمد المجربطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتب وهذبها وجمع طرفها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده ولنقدم هنا مقدمة يتبين بها حقيقة السحر وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص وهي أصناف كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف لآخر وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها فنفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لها خاصة تستعد بها للمعرفة والربانية ومخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله سبحانه وتعالى كما ومر وما يتسع في ذلك من التأثير في الأكوان واستحلاب روحانية الكواكب للتصرف فيها والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصية ربابية ونفوس الكهنة لها خاصية الإطلاع على المغيبات بقوى شيطانية وهكذا كل صنف مختص بخاصية ولا توجد في الآخر والنفس الساحرة على مراتب ثلاث يأتي شرحها فأولها المؤثرة بالهمة فقط منن غير آله ولا معين وهذا هو تسمية الفلاسفة السحر الثاني بمعين من مزاج الأفلاك والعناصر أو خواص الأعداد يسمونه
498
الطلسمات وهو أضعف من الأول والثالث تأثير في القوى المختلفة يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقى فيها أنواعا من الخيالات والمحاكاة مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسية المؤثرة فيه فينظر الراون كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك كما يحكى عن بعضهم أنه يرى البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك وتسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة هذا تفصيل مراتبه ثم هذه تفصيل مراتبة ثم هذه الخاصية تكون في الساحر بالقوة شأن القوى البشرية كلها وإنما يخرخ إلى الفعل بالرياضة ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجيه إلى الإفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بإنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلل فهي لذلك وجه إلى غير الله وسجود له والوجهة إلى غير الله كفر لهذا كان السحر كفرا والكفر من مواده وأسبابه كما رأيت ولها اختلفت الفقهاء في قتل الساحر هل الكفرة السابق على فعله أو لتصرفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكل حاصل منه ولما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لها حقيقة في الخارج والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها اختلفت العلماء في السحر هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل فالقائلون بأن له حقيقة نظروا إلى المرتبتين الأوليين والقائلون بأن لا حقيقة له نظروا إلأى المرتبة الثالثة الأخيرة فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنما جاء من قبل اشتباه وهذا المراتب والله أعلم واعلم أن وجود السحر لإمرية فيه من بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه وقد نطق به القرآن قال الله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله وسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله وجعل سحره في مشط ومشاقة وجف طلعه ودفن في بئر ذر وأن فانزل الله عز وجل عليه المعوذتين ومن شر النفاثات في العقد قالت عائشة رضي الله عنها كان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا وانحلت وأما وجود السحر في أهل بابل وهو الكلدانييون من النبط والسريانيين
499
فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الاخبار وكان للسحر في باب ومصر أزمان بعثه موسى عليه السلام أسواق نافقة ولهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون ويتنازعون فيه وبقي من آثار ذلك في البراري بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك ورأينا بالعيلن من يصور صورة الشخص المسحور بخواص اشياء مقابلة لما نواه وحاوله موجودة بالمسحور وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجثماء في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد واللزام وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعارا للعزيمة بالعزم ولتلك البينة والأسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر وشاهدنا أيضا من المنتحلين للسحر وعمله من يشير إلى كساء أو جلد ويتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع متخرق ويشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج فرذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتا وينقلب عن قلبه فلا يوجد في حشاه ويشير إلى الرمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء وكذلك سمعنا أن بأرض السودان وأرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة وهي ر ك ر ف د أحد العددين مائتان وعشرون والآخر مائتان وأربعة وثمانون ومعنى المتحابة أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان متساويا للعدد الآخر صاحبه فتسمى لأجل ذلك المتحابة ونقل أصحاب الطلسمات أن لتلك الأعداد أثرا في الإلفة بين المتحابين واجتماعهما إذا وضع لهما مثالان أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول ويجعل طالع الثاني سابع الأول ويضع على أحد التمثالين أحد العددين والآخر على الآخر ويقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك
500
من التألف العظيم بين المتحابين ما لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر قاله صاحب الغاية وغيره من أئمة هذا الشأن وشهدت له التجربة وكذا طابع الأسد ويسمى أيضا طابع الحصى وهو أن يرسم في قالب هند اصبع صورة أسد شائلا ذنبه عاضا على حصاة فد قسمها بنصفين وبين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها فيه وعلى ظهره صورة عقرب تدب ويتحين برسمه حلول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الاسد بشرط صلاح النيرين وسلامتهما من النحوس فإذا وجذ ذلك وعثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب وغمس بعد في الزعفران محلولا بماء الورد ورفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم وخدمتهم وتسخيرهم له ما لا يعبر وكذلك للسلاطين فيه من القوة والعز على من تحت أيديهم ذكر ذلك أيضا أهل هذا الشأن في الغاية وغيرها له التجربة وكذلك وفق المسدس المختص بالشمس ذكروا أنه يوضع عند الشمس في شرفها وسلامتها من النحوس وسلامة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة وقبول ويصلح فيها ما يكون من مواليد المملوك من الأدلة الشريفة ويرفع في خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب فزعموا أن له أثرا في صحابة الملوك وخدمتهم ومعاشرتهم وأمثال ذلك كثير وكتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدونة هذه الصناعة وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها وذكر لنا أن الامام الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك وسماه بالسر المكتوم وأنه بالمشرق يتداوله أهله ونحن لم نقف عليه والامام لم يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن ولعل الأمر بخلاف ذلك وبالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون وهم الذين ذكرت أولا أنهم يشيرون الى بطون الغنم بالبعج فتبعج ويسمى أحدهم لهذا العهد باسم البعاج لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الانعام يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم مستترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام لقيت منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة
501
خاصة بدعوات كفرية وإشراك الروحانيات الجن والكواكب فيها صحيفة عندهم تسمى الخريرية يتدارسونها وأنهم بهده الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم وأن التأثير الذي لهم فيما سوى الإنسان الحر من المتاع والحيوان والرفيق ويعبرون عن ذلك بقولهم إنما نفعل فيما تمشي فيه الدراهم أي ما يملك ويباع ويشتري من سائر المتملكات هذا ما زعموه وسألت بعضهم فأخبرني به وأما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك هذا شأن السحر والطلسمات وأثارهما في العالم فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية واستدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبيعي وأسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور وبين جهة النصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم فإن الماشي على حرف حائط أو على حبل منتصب اذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك ولهذا نجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السقوط فثبت أن ذلك من اثار النفس الإنسانية وتصورها للسقوط من أجل الوهم وإذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غير حالة في البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلسمات فهو أن السحر لايحتاج الساحر فيه إلى عين وصاحب الطلسمتات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون ويقولون السحر اتحاد روح بروح والطلسم اتحاد روح بجسم ومعناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية والطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب ولذلك يستعين صاحب في غالب الأمر بالنجامة والساحر عندهم غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير والفراق عندهم
502
بين المعجزة والسحر أن المعجزة قوة إلهية تبعث على النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك والساحر إنما يفعل ذلك من لدن نفسه وبقوته النفسانية وبإمداد الشياطين في بعض الأحوال فبينهما الفرق في المعقولية والحقيقة والذات في نفس الأمر وإنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة وهي وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير وللنفوس المثمحصة للخير والتحدي بها على دعوى النبؤة والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداد وأمثال ذلك وللنفوس المتمحصة للشر هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأثير أيضا في أحوال العالم وليس معدودا من جنس السحر وإنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم ونحلتهم من آثار النبؤة وتوابعها ولهم في المدد الإلهي حفظ على قدر حالهم وإيمانهم وتمسكهم بكلمة الله وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر لا يأتيها لأنه متقيد فيما يأتيه يذره للأمر الإلهي فما لا يقع لهم فيه الإذن لا ياتونه بوجه ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق وربما سلب حاله ولما كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهية فلذلك لا يعارضها شيء من السحر وانظر شأن سحره فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا به يأفكون وذهب سحرهم واضمحل كان لم يكن وكذلك لما أنزل على النبي صلى اله عليه وسلم في المعوذتين ومن شر النفاثات في العقد قالت عائشة رضي الله عنها فكان لا يقرأها على عقدة من العقد التي سحر فيها إلا انحلت فالسحر لا يثبت مع اسم الله وذكره وقد نقل المؤرخون أن زركش كاويان وهي رواية كسرى كان فيها الوفق المئيني العددي منسوجا بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم وهو فيما تزعم أهل الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب وأن الراية التيي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقد سحري ولم يثبت وبطل ما كانوا يعملون وأما الشريعة فلم تفرق بيبن السحر والطلسمات وجعلته كله بابا واحدا محظورا
503
لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا وما لا يهمنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرار أو نوع ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع ويلحق به الطلسمات لأن أثرهما واحد وكالمجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته في الضرر وإن لم يكن مهما علينا ولا فيه ضرر فلا أقل من تركه قربة إلى الله فإن من حسن إسلام المرء تركه مالا يعينه فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات والشعوذة بابا واحدا لما فيها من الضرر وخصته بالحظر والتحريم وأما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه قالوا والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فلا يقع منه ووقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية لأن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذي لاستحال الصادق كاذبا وهو محال فرذا لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق وأما الحكماء فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين فالسحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر وكأنهما علي طرفي النقيض في أصل فطرتهما والله يهدي من يشاء وهو القوي العزيز لا رب سواه ومنم قبيل هذه التأثيرات النفسية الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات أو الأحوال ويفرط في استحسانه وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده وهو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين والفرق بينهما وبين التأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب فصدورها راجع إلى اختيار فاعلها والفطري منها قوة صدورها ولهذا القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل والقاتل بالعين لا يقتل وما ذلك رلا أنه ليس مما يريده ويقصده أو يتركه وإنما هو مجبور في صدوره عنه والله أعلم بما في الغيوب ومطلع على ما في السرائر