الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل 23: في علم الكيمياء

504

وهو علم ينطر في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة ويشرح العمل الذي يوصل إلي ذلك فيتصفحون المكونات كلها بعد معرفة أمزجتها وقواها لعلهم يعثرون علي المادة المستعدة لذلك حتى من العضلات الحيوانية كالعظام والريش والبيض والعذرات فضلا عن المعادن ثم يشرح الأعمال التي تخرج بها تلك المادة من القوة إلى الفعل مثل حل الأجسام إلى أجزائها الطبيعية بالتصعيد والتقطير وجمد الذائب منها بالتكليس وإمهاء الصلب بالقهر والصلابة وأمثال ذلك وفي زعمهم أنه يخرج بهذه الصناعات كلهم جسم طبيعي يسمونه الإكسيرا وأنه يلقى منه على الجسم المعدني المستعد لقبول صورة الذهب أو الفضة بالاستعداد القريب من الفعل مثل الرصاص والقصدير والنحاس بعد أن يحمي بالنار فيعود ذهبا إبريزا ويكنون عن ذلك الإكسير رذا ألغزوا في آصطلاحاتهم بالروح وعن الجسم الذي يلقى عليه بالجسد فشرح هذه الاصطلاحات وصورة هذا العمل الصناعي الذي يقلب هذه الأجسام المستعدة رلى صورة الذهب والفضة هو علم الكيمياء وما زال الناس يؤلفون فيها قديما وحديثا وربما يعزى الكلام فيها إلى من ليس من أهلها وإمام المدونين فيها جابر بن حيان حتى إنهم يخصونها به فيسمونها علم جابر وله فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالالغاز وزعموا انه لا يفتح مقفلها إلا من أحاط علما بجميع ما فيها والطغراءي من حكماء المشرق المتأخرين له فيه دواوين ومناظرات مع أهلها وغيرهم من الحكماء وكتب فيها مسلمة المجريطي من حكماء الأندلس كتابة الذي سماه رتبة الحكيم وجله قرينا لكتابه الآخر في السحر والطلسمات الذي سماه غاية الحكيم وزعم أن هاتين الصناعتين هما نتيجتان للحكمة وثمرتان للعلوم ومن لم يقف عليهما فهو فاقد ثمرة العلم والحكمة أجمع وكلامه في ذلك الكتاب وكلامهم أجمع في تآليفهم هي زلغاز فهمها على من لم يعن اصطلاحاتهم في ذلك ونحن نذكر سبب عدولهم إلى هذه الرموز والألغاز ولا بن المغيربي من أئمة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف المعجم من أبدع ما يجي
505
في الشعر ملغوزة كلها لغز الأجاجي والمعاياة فلا تكاد تفهم وقد ينسبون للغزالي رحمه الله بعص التاليف فيها وليس بصحيح لأن الرجل لم لكن مداركه العالية لتقف عن خطأ ما يذهبون إليه حتى بنتحله وربما نسبوا بعض المذاهب والأوقوال فيها لخالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الحكم ومن المعلوم البين أن خالدا من الجيل العربي والبداوة إليه أقرب فهو بعيد عن العلوم والصنائع فكيف له بصناعة غربية المنحى مبنية على معرفة طبائع المركابت وأمزجتها وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تظهر بعد ولم تترجم اللهم إل أن يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشبه باسمه فممكن وأنا أنقل لك هنا رسالة أبي بكر بن بشرون لأبي السمح في هذه الصناعة وكلاهما من تلاميذ مسلمة فيستدل من كلامه فيها على ما ذهب إليه في شأنها إذا أعطيته حقه من التأمل قال ابن بشرون بعد صدر من الرسالة خارج عن الغرض والمقدمات التي لهذه الصناعة الكريمة قد ذكرها الأولون واقتص جميعها أهل الفلسفة من معرفة تكوين المعادن وتخلق الأججار والجواهر وطباع البقاع والأماكن فمنعنا اشتهارها من ذكرها ولكن أبين لك من هذه الصنعة ما يحتاج إليه فتبدأ بمعرفته فقد قالوا ينبغي لطلاب هذا العلم أن يعلموا أولا ثلاث خصال أولها هل تكون والثانية من أي تكون والثالثة من أي كيف تكون فإذا عرف هذه الثلاثة وأحكمها فقد ظفر بمطلوبه وبلغ نهايته من هذا العلم وأما البحث عن وجودها والاستدلال عن كونها فقد كفينا كه بما بعثنا به إليك من الإكسير وأما من أي شيء تكون فإنما يريدون بذلك البحث عن الحجر الذي يمكنه العمل وإن كان العمل موجودا من كل شيء بالقوة لأنها من الطبائع الأربع منها تركبت ابتداء وإليها ترجع انتهاء ولكن من الأشياء ما يكون فيه بالقوة ولا يكون بالفعل وذلك أن منها ما يمكن تفصيلها تعالج وتدبر وهي التي تخرج من القوة إلي الفعل والتي لا يمكن تفصيلها لا تعالج ولا تدبر لأنها فيها بالقوة فقط وإنما لم يمكن تفصيلها لاستغراق طبائعها في بعض وفضل قوة الكبير منها علي الصغير فينبغي لك وفقك الله أن يعرف أوفق الأحجار المنفصلة التي يمكن فيها العمل وجنسه وقوته وعمله وما يدبر من الحل والعقد
506
والتنقية والتكليس والتنشيف والتقليب فإن من لم يعرف هذه الأصول التي هي عماد هذه الصنعة لم ينجح ولم يظفر بخير أبدا وينبغي لك أن تعلم هل يمكن أن يستعان عليه بغيره أم يكتفي به وحده وهل هو واحد في الابتداء أو شاركه غيره فصار في التدبير واحدا فسمي حجرا وينبغي لك أن تعلم كيفية عمله ومكمية أوزانه وأزمانه وكيف تركيب الروح فيه وإدخال النفس عليه وهل تقدر النار على تفصيلها منه بعد تركيبها فإن لم تقدر فلأي علة وما السبب الموجب لذلك فإن هذا هو المطلوب فافهم واعلم أن الفلاسفة كلها مدحت النفس وزعمت أنها المدبرة للجسد والحاملة له والدافعة عنه والفاعلة فيه وذلك أن الجسد إذا خرجت النفس منه مات وبرد فلم يقدر على الحركة والمتناع من غيره لأنه لا حياة فيه ولا نور وأنما ذكرت الجسد والنفس لأن هذه الصفات سشبيهة بجسد الإنسان الذي تركيبه على الغذاء والعشاء وقوامه وتمامه بالنفس الجية النورانية التي بها يفعل العظائم والأشياء تركيب طبائعه ولو اتفقت طبائعه لسلمت من الأعراض والتضاد ولم تقدر النفس على الخروج من بدنه ولكن خالدا باقيا فسبحان مدبر الأشياء تعالى واعلم أن الطبائع التي يحدث عنها هذا العمل كيفية دافعة في الابتداء فيضيه محتاجة إلى الانهاء وليس لها إذا صارت في هذا الحد أن تستحيل إلى ما منه تركبت كما قلناه آفنا في الإنسان لأن طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضا وصارت شيئا واحدا شبيها بالنفس في قوتها وفعلها وبالجسد في تركيبه ومجسته بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانها فيا عجبا من أفاعيل الطبائع إن القوة للضعيف الذي يقوى على تفصيل الأشياء وتركيبها وتمامها فلذلك قلت قوي وضعيف وإنما وقع التغيير والفناء في التركيب الأول للاختلاف وعدم ذلك في الثاني للإتفاق وقد قال بعض الأولين التفصيل والتقطيع في هذا العمل حياة وبقاء والتركيب موت وفناء وهذا الكلام دقيق المعنى لأن الحكيم أراد بقوله حياة وبقاء خروجه من العدم إلى الوجود لأنه ما دام على تركيبه الأول فهو فان لا محالة فإذا ركب التركيب الثاني عدم الفناء والتركيب الثاني لا يكون رلا بعد التفصيل والتقطيع فإذا التفصيل والتقطيع في هذا العمل خاصة فإذا بقي الجسد
507
المحلول انبسط فيه لعدم الصورة لأنه قدذ صار في الجسد بمنزلة النفس التي لا صورة لها وذلك أنه لا وزن له فيه وسترى ذلك إن شاء الله تعالى وقد ينبغي لك أن تعلم أن اختلاط بالطيف باللطيف أهون من اختلاط الغليظ بالغليظ وإنما أريد بذلك التشاكل في الأرواح والأجساد لأن الأشياء تتصل بأشكالها وذكرت لك ذلك لتعلم أن العمل أوفق وأيسر من الطبائع اللطائف الروحانية منها من الغليظة لجسمانية وقد يتصور في العقل أن الأحجار أقوى وأصبر على انار من الأرواح كما ترى الذهب والحديد والنحاس أصبر على النار من لكبريت والزئبق وغيرهما من الأرواح فأقول إن الأجساد قد كانت أرواحا بدنها فلما أصابها حر الكيان قلبها أجسادا لزجة غليظة فلم تقدر النار على أكلها لإفراط غلظها وتلزجها فإذا افرطت النار عليها صيرتها أرواحا كما كانت أول خلقها وإن تلك الأرواح اللطيفة رذا أصابتها النار أبقت ولم تقدر على البقاء عليها فينبغي لك أن تعلم ما صير الأجساد في هذه الحالة وصير الأرواح في هذه الحال فهو أجل ما تعرفه أقول إنما أبقت تلك الأرواح لاشتعالها ولطافتها وإنما اشتعلت لكثرة رطوبتها ولأن النار إذا أحست بالرطوبة فعلقت بها لأنها هوائية تشاكل النار ولا تزال تغتذي بها إلى أن تفنى وكذلك الأجساد إذا أحست بوصول النار إليها لقلة تلزجها وغلظها وإنما صارت تلك الأجساد لا تشتعل لأنها مركبة من أرض وماء صابر على النار فلطيفه متحد بكثيفة لطول الطبخ اللبن المازج للأشياء وذلك أن كل متلاش إنما يتلاشى بالنار لمفارقة لطيفه من كثيفة ودخول بعضه في بعض على غير التحليل والموافقة فصار ذلك الانضمام والتداخل مجاورة لا ممازجة فسهل بذلك افتراقهما كالماء والدهن وما أشبههما وإنما وصفت ذلك ذلك لتستدل به على تركيب الطبائع وتقابلها فإذا علمت ذلك علما شافيا فقد أخذت حظك منها وينبغي لك أن تعلم أن الاخلاط التي هي طبائع هذه الصناعة موافقة بعضها لبعض مفصلة من جوهر واحد يجمعها نظام واحد بتدبير واحد لا يدخل عليه غريب في الجزء منه ولا في الكل كما قال الفيلسوف إنك إذا أحكمت تدبير الطبائع وتآليفها ولم تدخل عليها غريبا فقد أحكمت ما أردت إحكامه وقوامه إذا الطبيعة واحدة لا غريب فيها فمن أدخل عليها غريبا
508
فقد زاغ عنها ووقع في الخطإ واعلم أن هذه الطبيعة إذا حل لها جسد من قرائنها على ما ينبغي في الحل حتى يشاكلها في الرقة واللطافة انبسطت فيه وجرت معه حيثما جرى لأن الاجساد ما دامت غليظة جافية لا تنبسط ولا تتزاوج وحل الاجساد لا يكون بغير الأرواح فافهم هداك الله هذا القول واعلم هداك الله أن هذا الحل في جسد الحيوان هو الحق الذي لا يضمحل ولا ينقص وهو الذي يقلب الطبائع ويمسكها ويظهر لها ألوانا وأزهارا عجيبة وليس كل جسد يحل خلاف هذا هو الحل التام لأنه مخالف للحياة وإنما حله بما يوافقه ويدفع عنه حرق النار حتى يزول عن الغلظ وتنقلب الطبائع عن حالاتها إلى ما لها أن تنقلب من اللطافه والغلظ فإذا بلغت الأجساد نهايتها من التحليل والتلطيف ظهرت لها هنالك قوة تمسك وتغوص وتقلب وتنفذ وكل عمل لا يرى له مصداق في أوله فلا خير فيه وأعلم أن البارد من الطبائع هو يبس الاشياء ويعقد رطوبتها والحار منها يظهر رطوبتها ويعقد بها وإنما أفردت الحر والبرد لأنهما فاعلان والرطوبة واليبس منفعلان وعلى انفعال كل واحد منهما لصاحبه تحدث الاجسام وتتكون وإن كان الحر أكثر فعلا في ذلك من البرد لأن البرد ليس له نقل الاشياء ولا تحوكها والحر هو علة الحرة ومتى ضعف علة الكون وهو الحرارة لم يتم منها شيء أبدا كما أنه إذا أفرطت الحرارة على شيء ولم يكن ثم برد أحرقته وأهلكته فمن أجل هذه العلة احتيج إلى البارد في هذه الاعمال ليقوى به كل ضد على ضده ويدفع عنه حر النار ولم يحذر الفلاسفة أكبر شيء إلا من النيران المحرقة وأمرت بتطهير الطبائع والأنفاس وإخراج دنسها ورطوبتها ونفي آفاتها وأوساخها عنها على ذلك استقام رأيهم وتدبيرهم فإنما عملهم إنما هو جمع النار أولا وإليها يصير أخيرا فلذلك قالوا إياكم والنيران المحرقات وإنما أرادوا بذلك نفي الآفات التي معها فتجمع على الجسد آفتين فتكون أسرع لهلاكه وكذلك كل شيء إنما يتلاشى ويفسد من ذاته لتضاد طبائعه واختلافه فيتوسط بين شيئين فلم يجد ما يقويه ويعينه إلا قهرته الآفة وأهلكته وأعلم أن الحكماء كلها ذكرت ترداد الأزواج على الاجساد مرارا ليكون ألزم إليها وأقوى على قتال النار إذا هي باشرتها عند الإلفة أعني بذلك النار العنصرية فاعلمه ولنقل الآن على الحجر الذي
509
يمكن منه العمل على ما ذكرته الفلاسفة فقد اختلفوا فيه فمنهم من زعم أنه في الحيوان ومنهم من زعم أنه في النبات ومنهم من زعم أنه في المعادن ومنهم من زعم أنه في الجميع وهذه الدعاوى ليست بنا حاجة إلى استقصائها ومناظرة أهلها عليها لأن الكلام يطول جدا وقد قلت فيما تقدم إن العمل يكون في كل شيء بالقوة والفعل فتقصد إلى ما قاله الحراني إن الصبغ كله أحد صبغين إما صبغ جسد كالزعفران في الثوب الأبيض حتى يحول فيه وهو مضمحمل منتقض التركيب والصبغ الثاني تقليب الجوهر من جوهر نفسه إلى جوهر غيره ولونه كتقليب الشجر بل التراب إلى نفسه وقلب الحيوان والنبات إلى نفسه حتى يصير التراب نباتا والنبات حيوانا ولا يكون إلا بالروح الحي والكيان الفاعل الذي له توليد الاجرام وقلب الأعيان فإذا كان هذا هكذا فنقول إن العمل لا بد أن يكون إما في الحيوان وإما في النبات وبرهان ذلك أنهما مطبوعان على الغذاء وبه قوامهما وتمامهما فأما النبات فليس فيه ما في الحيوان من اللطافة والقوة ولذلك فل خوض الحكماء فيه وأما الحيوان فهو آخر الاستحالات الثلاث ونهايتها وذلك أن المعدن يستحيل نباتا والنبات يستحيل حيوانا والحيوان لا يستحيل إلى شيء هو الطف منه إلا ان ينعكس راجعا إلى الغلظ وأنه أيضا لا يوجد في العالم شيء تتعلق فيه الروح الحية غيره والروح الطف ما في العالم ولم تتعلق الروح بالحيوان إلا بمشاكلته إياها فأما الروح التي في النبات فإنها يسيرة فيها غلظ وكثافة وهي مع ذلك مستفرقة كامنة فيه لغلظها جسد النبات فلم يقدر على الحركة لغلظه وغلظ روحه والروح المتحركة الطف من الروح الكامنة كثيرا وذلك أن المتحركة لها قبول الغذاء والتنقل والتنفس وليس للكامنة غير قبول الغذاء وحده ولا تجري إذا قيست بالروح الحية إلا كالأرض عند الماء كذلك النبات عند الحيوان فالعمل في الحيوان أعلى وأرفع وأهون وأيسر فينبغي للعاقل اذا عرف ذلك أن يجرب ما كان سهلا ويترك ما يخشى فيه عسرا واعلم أن الحيوان عند الحكماء ينقسم أقساما من الأمهات التي هي الطبائع والحديثة التي هيا لمواليد وهذ معروف متيسر الفهم فلذلك قسمت
510
الحكماء العناصر والمواليد أقساما حية وأقساما ميتة فجعلوا كل متحرك فاعلا حيا وكل ساكن مفعولا ميتا وقسموا ذلك في جميع الأشياء وفي الاجساء الذائبة وفي العقاقير المعدنية فسموا كل شيء يذوب في النار ويطير ويشتعل حيا وما كان على خلاف ذلك سموه ميتا فأما الحيوان والنبات فسموا كل ما انفصل منها طبائع أربعا حيا وما لم ينفصل سموه ميتا ثم إنهم طلبوا جميع الاقسام الحية فلم يجدوا لوفق هذه الصناعة مما ينفصل فصولا أربعة ظاهرة للعيان ولم يجدوا غير الحجر الذي في الحيوان فبحثوا عن جنسه حتى عرفوه وأخذوه ودبروه فتكيف لهم منه الذي أرادوا وقد يتكيف مثل هذا في المعادن والنبات بعد جمع العقاقير وخلطها ثم تفصل بعد ذلك فأما النبات فمنه ما ينفصل ببعض هذه الفصول مثل الاشتان وأما المعادن ففيها أجساد وأرواح وأنفاس إذا مزجت ودبرت كل منها ماله تأثير وقد دبرنا كل ذلك فكان الحيوان منها على وأرفع وتدبيره أسهل وأيسر فينبغي لك أن تعلم ما هو الحجر الموجود في الحيوان وطريق وجوده إنا بينا أن الحيوان أرفع المواليد وكذا ما تركب منه فهو ألطف منه كالنبات من الأرض وإنما كان النبات ألطف من الارض لأنه إنما يكون من جوهر والصافي وجسده اللطيف فوجب له بذلك اللطافة والرقة وكذا هذا الحجر الحيواني بمنزلة النبات في التراب وبالجملة فانه ليس من الحيوان شيء ينفصل طبائع أربعا غيره فافهم هذا القول فإنه لا يكاد يخفى إلا على جاهل بين الجهالة ومن لا عقل له فقد أخبرتك ماهية هذا الحجر وأعلمتك جنسه وأنا أبين لك وجوه تدبيره وحتى يكمل الذي شرطناه على انفسنا من الإنصاف إن شاء الله سبحانه التدبير على بركة الله خذ الحجر الكريم فأودعه القرعة والإنبيق وفصل طبائعه الأربع التي هي النار والهواء والارض والماء وهي الجسد والصبغ فإذا عزلت الماء عن التراب والهواء عن النار فارفع كل واحد في إنائه على حدة وخذ الهابط أسفل الإناء وهو الثفل فاغسله بالنار الحارة حتى تذهب النار عنه سواده ويزول غلظه وجفاؤه وبيضه تبيضا محكما وطير عنه فضول الرطوبات المستجنة فيه فإنه يصير عند ذلك ماء أبيض لا ظلمة فيه ولا وسخ ولا تضاد ثم أغمد إلى تلك الطبائع الأول الصاعدة منه فطهرها أيضا من السواد والتضار وكرر عليها الغسل والتصعيد
511
حتى تلطف وترق وتصفو فإذا فعلت ذلك فقد فتح الله عليك فابدأ بالتركيب الذي عليه مدار العمل وذلك أن التركيب لا يكون إلا بالتزويج والتعفين فأما التزويج فهو اختلاط اللطيف بالغليظ وأما التعفين فهو التمشيه والسحق حتى يختلط بعضه ببعض ويصير شيئا واحدا لا اختلاف فيه ولا نقصان بمنزلة الامتزاج بالماء فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللطيف وتقوى النفس على الغوص في الاجساد والدبيب فيها وإنما وجد ذلك بعد التركيب لأن الجسد المحلول لما أزدوج بالروح مازجه بجميع أجزائه ودخل بعضها في بعض لتثاكلها فصار شيئا واحدا ووجب من ذلك أن يعرض للروح من الصلاح والفساد والبقاء والثبوت وما يعرض للجسد لموضع الامتزاج وكذلك النفس إذا امتزجت بهما ودخلت فيهما بخدمة التدبير اختلطت أجزاؤها بجميع أجزاء الآخرين أعني الروح والجسد وصارت هي وهما شيئا واحدا لا اختلاف فيه بمنزلة الجزء الكليالذي سلمت طبائعه واتفقت أجزاؤه فإذا ألقى هذا المركب الجسد المحلول وألح عليه النار وأظهر ما فيه من الرطوبة على وجه ذاب في الجسد المحلول ومن شأن الرطوبة الاشتعال وتعلق النار بها فإذا أرادت النار التعلق بها منعها من الاتحاد بالنفس ممازجة الماء لها فإن النار لا تتحد بالدهن حتى يكون خالصا وكذلك الماء من شأنه النفور من النار فإذا الحت عليه النار وأرادت تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جوفه فمنعه من الطيران فكان الجسد علة لإمساك الماء والماء علة لبقاء الدهن والدهن علة لثبات الصيغ والصيغ علة لظهور الدهن واظهار الدهنية في الاشياء المظلمة التي لا نور لها ولا حياة فيها فهذا هو الجسد المستقيم وهكذا يكون العمل وهذه التصفيه التي سألت عنها وهي التي سمتها الحكماء بيضة وإياها بعنون لا بيضة الدجاج وأعلم أن الحكماء لم تسمها بهذا الاسم لغير معنى بل أشبهتها ولقد سألت مسلمة عن ذلك يوما وليس عنده غيري فقلت له ايها الحكيم الفاضل أخبرني لاي شيء سمت الحكماء مركب الحيوان بيضة اختيارا منهم لذلك أم لمعنى دعاهم اليه فقال بل لمعنى غامض فقلت أيها الحكيم وما ظهر لهم من ذلك من المنفعة والاستدلال على الصناعة حتى شبهوه وسموها بيضة فقال لشبهها وقرابتها من المركب ففكر فيه فإنه سيظهر لك معناه
512
فبقيت بين يديه منكرا لا اقدر على الوصول إلى معناه فلما رأى ما بي من الفكر وأن نفسي قد مضت فيها أخذ بعضدي وهزني هزة خفيفة وقال لي يا أبا بكر ذلك للنسبة التي بينهما في كمية الألوان عند امتزاج الطبائع وتأليفها فلما قال ذلك أنجلت عني الظلمة وأضاء لي نور قلبي وقوي عقلي على فهمه فنهضت شاكرا الله عليه إلى منزلي وأقمت على ذلك شكلا هندسيا يبرهن فيه على صحة ما قاله مسلمه وأنا واضعه لك في هذا الكتاب مثال ذلك أن المركب إذا تم وكمل كان نسبة بما فيه من طبيعة الهواء كنسبة ما في المركب من طبيعة النار إلى ما في البيضة من طبيعة النار وكذلك الطبيعتان الأخريان الارض والماء فأقول إن كل شيئين متناسبين على هذه الصفه هما متشابهان ومثال ذلك أن تجعل لسطح البيضة هزوح فإذا أردنا ذلك فإنا نأخذ أقل طبائع المركب وهي طبيعة اليبوسة ونضيف إليها مثلها من طبيعة الرطوبة وندبرهما حتى تنشف طبيعة اليبوسة طبيعة الرطوبة وتقبل قوتها وكأن في هذا الكلام رمزا ولكنه لا يخفى عليك ثم نحمل عليهما جميعا مثليهما من الروح وهو الماء فيكون الجميع ستة أمثال ثم تحمل على الجميع بعد التدبير مثلا من طبيعة الهواء التي هي النفس وذلك ثلاثة أجزاء فيكون الجميع تسعة أمثال اليبوسة بالقوة وتجعل تحت كل ضلعين من المركب الذي طبيعته تحيطه بسطح المركب طبيعتين فتجعل أولا الضلعين المحيطين بسطحه طبيعة الماء وطبيعة الهواء وهما ضلها اح د وسطح ابجد وكذلك الضلعان المحيطان بسطح البيضة اللذان هما الماء والهواء ضلعا هزوح فأقول إن سطح ابجد يشبه سطح هزوح طبيعة الهواء التي تسمى نفسا وكذلك بج من سطح المركب والحكماء لم تسم شيئا باسم شيء إلا لشبهه به والكلمات التي سألت عن شرحها الأرض المقدسة وهي المنعقدة من الطبائع العلوية والسفلية والنحاس هو الذي أخرج سواده وقطع حتى صار هباء ثم حمر بالزلج حتى صار نحاسيا والمغنيسيا حجرهم الذي تجمد فيه الارواح وتخرجه الطبيعة العلوية التي تستجن فيها الأرواح لتقابل عليها النار والفرفرة لون أحمر فان يحدثه الكيان والرصاص حجر له ثلاث قوى مختلفة الشخوص ولكنها متشاكلة ومتجانسة فالواحدة روحانية نبرة صافية وهي الفاعله والثانية نفسانية وهي متحركة حساسة
513
غير أنها اغلظ من الأولى ومركزها دون مركز الأولى والثالثة قوة أرضية حاسة قابضة منعكسة إلى مركز الأرض لثقلها وهي الماسكة الروحانية والنفسانية جميعا والمحيطة بهما وأما سائر الباقية فمبتدعة ومخترعة إلباسا على الجاهل ومن عرف المقدمات استغنى عن غيرها فهذا جميع ما سألتني عنه وقد بعثت به إليك مفسرا ونرجو بتوفيق الله أن تبلغ أملك والسلام أنتهى كلام ابن بشرون وهو من كبار تلاميذ مسلمة المجريطي شيخ الاندلس في علوم الكيمياء والسيمياء والسحر في القرن الثالث وما بعده وأنت ترى كيف صرف ألفاظهم كلها في الصناعة إلى الرمز والالغاز التي لا تكاد تبين ولا تعرف وذلك دليل على أنها ليست بصناعة طبيعية والذي يجب أن يعتقد في أمر الكيمياء وهو الحق الذي يعضده الواقع أنها من جنس آثار النفوس الروحانية وتصرفها في عالم الطبيعة إما من نوع الكرامة إن كانت النفوس خيرة أو من السحر إن كانت النفوس شريرة فاجرة فأما الكرامة فظاهرة وأما السحر فلأن الساحر كما ثبت في مكان تحقيقه يقلب الاعيان المادية بقوته السحرية ولا بد له مع ذلك عندهم من مادة يقع فعله السحري فيها كتخليق بعض الحيوانات من مادة التراب أو الشجر والنبات وبالجملة من غير مادتها المخصوصة بها كما وقع لسحرة فرعون في الحبال والعصي وكما ينقل عن سحرة السودان والهنود في قاصبة الجنوب والترك في قاصية الشمال أنهم يسحرون الجو للأمطار وغير ذلك ولما كانت هذه تخليقا للذهب في غير مادته الخاصة به كان من قبل السحر والمتكلمون فيه من أعلام الحكماء مثل جابر ومسلمة ومن كان قبلهم من حكماء الأمم إنما نحو هذا المنحي ولهذا كان كلامهم فيه ألغازا حذرا عليها من إنكار الشرائع على السحر وأنواعه لا أن ذلك يرجع إلى الضنانة بها كما هو رأي من لم يذهب إلى التحقيق في ذلك وأنظر كيف سمى مسلمة كتابه فيها رتبة الحكيم وسمى كتابه في السحر والطلسمات غاية الحكيم إشارة إلى عموم موضوع الغاية وخصوص موضوع هذه لأن الغاية أعلى من الرتبة فكأن مسائل الرتبة بعض من مسائل الغاية وتشاركها في الموضوعات ومن كلامه في الفنين بتبين ما قلناه ونحن نبين فيما بعد غلط من يزعم أن مدارك هذا الأمر بالصناعة
514
الطبيعية والله العليم الخبير