الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل 25: في ابطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها

هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع
520
الكائنات الكلية والشخصية فالمتقدمون منهم يرون أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها بالتجربة وهو أمر تقصر الأعمار كلها لو اجتمعت عن تحصيله إذ التجربة إنما تحصل في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنها العلم أو الظن وأدوار الكواكب منها ما هو طويل الزمن فيحتاج تكرره إلى آملد وأحقاب متطاولة يتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العالم وربما ذهب ضعفاء منهم إلى أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها كانت بالوحي وهو رأى قائل وقد كفونا مؤنة إبطاله ومن أوضح الأدلة فيه أن تعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبعد الناس عن الصنائع وأنهم لا يتعرضون للاخبار عن الغيب إلا أن يكون عن الله فكيف يدعون استنباطه بالصناعة ويشيرون بذلك لتابعيهم من الخلق وأما بطليمس ومن تبعه من المتأخرين فيرون أن دلالة الكواكب على ذلك دلالة طبيعية من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصرية قال لأن فعل النيرين وأثرهما في العنصريات ظاهو لا يسع أحدا جحده مثل فعل الشمس في تبدل الفصول وأمزجتها ونضج الثمار والزرع وغير ذلك وفعل القمر في الرطوبات والماء وإنضاج المواد المتعفنة وفواكة الفناء وسائر افعاله ثم قال ولنا فيما بعدها من الكواكب طريقان الأولى التقليد لمن نفل ذلك عنه من أئمة الصناعة إلا أنه غير مقنع للنفس الثانية الحدس والتجربة بقيلس كل واحد منها إلى النبر الأعظم الذي عرفنا طبيعته وأثره معرفة ظاهرة فتنظر هل يزيد لك الكوكب عند القران في قوته ومزاجه فتعرف موافقته له في الطبيعة أو ينقص عنها فتعرف مضادته ثم إذا عرفنا قواها مفردة عرفناها مركبة وذلك عند تناظرها بأشكال التثليث والتربيع وغيرهما ومعرفة ذلك من قبل طبائع البروج بالقياس أيضا إلى النبر الأعظم وإذا عرفنا قوى الكواكب كلها فهي مؤثرة في الهواء وذلك ظاهر والمزاج الذي يحصل منها للهواء لما تحته من المولدات وتتخلق به النطف والبزر فتصير حالا للبدن المتكون عنها وللنفس المتعلقة به الفائضة عليه المكتسبة لما لها منه ولما يتبع النفس والبدن من الأحوال لأن كيفيات البزرة والنطفة كيفيات لما يتولد عنهما وينشأ منهما قال وهو مع ذلك ظني وليس هو أيضا من القضاء الإلهي يعني القدر إنما هو من جملة الأسباب
521
الطبيعية للكائن والقضاء الإلهي سابق على كل شيء هذا محصل كلام بطليمس وأصحابه وهو منصوص في كتابه الأربع وغير ومنه يتبين ضعف مدرك هذه الصناعة وذلك أن العلم الكائن أو الظن به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل والقابل والصورة والغاية على ما يتبين في موضعه والقوى النجومية على ما قرروه إنما هي فاعل فقط والجزء العنصري هو القابل ثم إن القوى النجومية ليست هي الفاعل بجملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة معها في الجزء المادي مثل قوة التوليد للأب والنوع التي في النطفة وقوى الخاصة التي تميز بها صنف من النوع وغير ذلك فالقوى النجومية إذا حصل كمالها وحصل العلم فيها إنما هي فاعل واحد من جملة الاسباب الفاعلة للكائن ثم إنه يشترط مع العلم بقوى النجوم وتأثيراتها مزيد حدس وتخمين وحينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن والحدس والتخمين قوى للناظر في فكره وليس من علل الكائن ولا من أصول الصناعة فإذا فقد هذا الحدس والتخمين رجعت أدراجها على الظن إلى الشك هذا إذا حصل العلم بالقوى النجومية على سداد ولم تعترضه آفة وهذا معوز لما فيه من معرفة حسبانات الكواكب في سيرها لتتعرف به أوضاعها ولما أن اختصاص كل كوكب بقوة لا دليل عليه ومدرك بطليمس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف لأن قوة الشمس غالبة لجميع القوى من الكواكب ومستولية عليها فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند المقارنة كما قال وهذه كلها فادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عالم العناصر بهذه الصناعة ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتها باطل إذ قد تبين في باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله بطريق استدلالي كما رأيته واحتج له أهل علم الكلام بما هو غني عن البيان من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول الكيفية والعقل على ما يقضى به يظهر بادىء الرأي من التأثير فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف والقدرة الإلهية رابطة بينهما كما ربطت جميع الكائنات علوا وسفلا سيما والشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى ويبرا مما سوى ذلك والنبؤات أيضا منكرة لشأن النجوم وتأثيراتها واستقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا
522
لحياته وفي قوله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب الحديث الصحيح فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع وضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل مع مالها من المضار في العمران الإنساني بما تبعث من عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين أتفاقا لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق فيدهج بذلك من لا معرفة له ويظن أطراد الصدق في سائر أحكامها وليس كذلك فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها ثم ما ينشأ عنها كثيرا في الدول من توقع القواطع وما بعث عليه ذلك لتوقع من تطول الاعداء والمتربصين بالدولة إلى الفتك والثورة وقد شاهدنا من ذلك كثيرا فينبغي أن تخظر هذه الصناعة على جميع أهل العمران لما ينشأ عنها من المضار في الدين والدول ولا يقدح في ذلك كون وجودها طبييعا للبشر بمقتضى مداركهم وعلومهم فالخير والشر طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما وإنما يتعلق التكليف بأسباب حصولهما فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه ودفع أسباب الشر والمضار هذا هو الواجب على من عرف مفاسد هذا العلم ومضاره وليعلم من ذلك أنها وإن كانت صحيحة في نفسها فلا يمكن أحدا من أهل الملة تحصيل علمها ولا ملكتها بل إن نظر فيها ناظر وظن الاحاطة بها فهو في غاية القصور في نفس الامر فإن الشريعة لما حظرت النظر فيها فقد الاجتماع من أهل العمران لقراءتها والتحليق لنعليهما وصار المولع بها من الناس وهم الأقل من الأقل إنما يطالع كتبها ومقالاتها في كسر بيته متسترا عن الناس وتحت ريقه الجمهور مع تشعب الصناعة وكثرة فروعها واعتياصها على افم فكيف يحصل منها على طائل ونحن تجد الفقه الذي عم نفعه دينا ودنيا وسهلت مآخذه من الكتاب والسنة وعكفت الجمهور على قراءته وتعليمه ثم بعد التحقيق والتجميع وطول المدارسة وكثرة المجالس وتعددها إنما يحذف فيه الواحد بعد الواحد في الاعصار والاجيال فكيف يعلم مهجور للشريعة مضروب دونه سد الخطر والتحريم مكتوم عن الجمهور صعب المآخذ محتاج بعد الممارسة والتحصيل لاصوله وفروعه إلى مزيد حدس وتخمين
523
يكتنفان به من الناظر فأين التحصيل والحدق فيه مع هذه كلها ومدعى ذلك من الناس مردود على عقبه ولا شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة وقلة حملته فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم بالغيب فلا يظهر على غيبة احدا ومما وقع في هذه المعنى لبض أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أبي الحسن وحاصروه بالقيروان وكثر ارجاف الفريقين الأولياء والاعداء وقال في ذلك أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس استغفر الله كل حين قد ذهب العيش والهناء اصبح في تونس وأمسى والصبح لله والمساء الخوف والجوع والمنايا يحدثها الهرج والوباء والناس في مرية وحرب وما عسى ينفع المراء فأحمدي يرى عليا حل به الهلك والتواء وآخر قال سوف يأتي به اليكم صبا رخاء والله من فوق ذا وهذا يقضي لعبديه ما يشاء يا راصد الخنس الجواري ما فعلت هذه السماء مطلتمونا وقد زعمتم أنكم اليوم أملياء مر خميس على خميس وجاء سبت وأربعاء ونصف شهر وعشر ثان وثالث ضمه القضاء ولا نرى غير زور قول أذاك جهل أم أزدراء إنا الى الله قد علمنا أن ليس يستدفع القضاء رضيت بالله لي إلها حبسكم البدر أو ذكاه ما هذه لأنجم السواري إلا عباديد أو إماء يقضي عليها وليس تقضي ومالها في الورى اقتضاء ضلت عقول ترى قديما ما شأنه الجرم والفناء وحكمت في الوجود طبعا يحدثه الماء والهواء لم تر حلوا إزاء مر تغذوهم تزية وماء
524
الله ربي ولست أدري ما الجوهر الفرد والخلاء ولا الهيولى التي تنادي ما لي عن صورة عراء ولا وجود ولا انعدام ولا ثبوت ولا انتفاء والكسب لم ادر فيه إلا ما جلب البيع والشراء وإنما مذهبي وديني ما كان للناس أولياء إذ لا فصول ولا أصول ولا جدال ول رياء ما تبع الصدر وافتفينا يا حبذا كان الافتاء كانوا كما يعلمون منهم ولم يكن ذلك الهداء يا أشعري الزمان اني أشعرني الصيف والشتاء لم أجز بالشر غير شر والخير عن مثله جزاء وإنني إن أكن مطيعا فلست أعصى ولي رجاء وإنني تحت حكم بر أطاعه العرش والثراء ليس انتصار بكم ولكن أتاحه الحكم والقضاء لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء لقال أخبرهم بأني مما يقولونه براء