الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل 43: في ان اهل الأمصار على الاطلاق قاصرون في تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم ومن كان منهم ابعد عن اللسان العربي كان حصولها له اصعب واعسر

و السبب في ذلك ما يسبق الى المتعلم من حصول ملكة منافية للملكة المطلوبة بما سبق اليه من اللسان الحضري الذي افادته العجمة حتى نزل بها اللسان عن ملكته الأولى الى ملكة اخرى هي لغة الحضر لهذا العهد و لهذا نجد المعلمين يذهبون الى المسابقة بتعليم اللسان للولدان و تعتقد النحاة ان هذه المسابقة بصناعتهم و ليس كذلك وانما هي بتعليم هذه الملكة بمخالطة اللسان و كلام العرب نعم صناعة النحو اقرب الى مخالطة ذلك و ما كان من لغات اهل الأمصار اعرق في العجمة وابعد عن لسان مضر قصر بصاحبه عن تعلم اللغة المضرية و حصول
565
ملكتها لتمكن المنافاة حينئذ واعتبر ذلك في اهل الأمصار فاهل افريقية والمغرب لما كانوا اعرق في العجمة وابعد عن اللسان الأول كان لهم قصور تام في تحصيل ملكته بالتعليم و لقد نقل ابن الرفيق ان بعض كتاب القيروان كتب الى صاحب له يا اخي و من لا عدمت فقده اعلمني ابو سعيد كلاما انك كنت ذكرت انك تكون مع الذين تأتي وعاقنا اليوم فلم يتهيأ لنا الخروج و اما اهل المنزل الكلاب من من امر الشين فقد كذبوا هذا باطلا ليس من هذا حرفا واحدا و كتابي اليك و انا مشتاق اليك ان شاء الله و هكذا كانت ملكتهم في اللسان المضري شبيه بما ذكرنا و كذلك اشعارهم كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطبقة و لم تزل كذلك لهذا العهد و لهذا ما كان بأفريقية من مشاهير الشعراء الا ابن رشيق و ابن شرف و اكثر ما يكون فيها الشعراء طارئين عليها و لم تزل طبقتهم في البلاغة حتى الان مائلة الى القصور و اهل الاندلس اقرب منهم الى تحصيل هذه الملة بكثرة معاناتهم و امتلائهم من المحفوظات اللغوية نظما ونثرا وكان فيهم ابن حيان المؤرخ إمام أهل الصناعة في هذه الملكة و رافع الراية لهم فيها و ابن عبد ربه و القسطلي و امثالهم من شعراء ملوك الطوائف لما زخرت فيها بحار اللسان و الادب و تناول ذلك فيهم مئين من السنين حتى امكن الانقضاض و الجلاء ايام تغلب النصرانية و شغلوا عن تعلم ذلك و تناقص العمران فتناقص لذلك شان الصانع كلها فقصرت الملكة فيهم عن شانها حتى بلغت الحضيض و مكان من اخرهم صالح بن شريف و مالك بن مرجل من تلاميذ الطبقة كالاشبيليين بسبتة و كتاب دولة بني الاحمر في اولها و القت الاندلس افلاذ اكبادها من اهل تلك الملكة الى الجلاء الى العدوة لعدوة الاشبيلية الى سبتة و من شرقي الاندلس الى افريقية و لم يلبثوا الى ان انقرضوا و انقرض و انقطع سند تعليمهم في هذه الصناعة لعسر قبول العدوة لها و صعوبتها عليهم بعوج السنتهم و رسوخهم في العجمية البربرية و هي منافية لما قلناه ثم عادت الملكة من بعدها ذلك الى الاندلس كما كانت و نجم بها ابن شيرين و ابن جابر و ابن الحياب و طبقتهم ثم ابراهيم الساحلي الطريحي و طبقته و قفاهم ابن الخطيب من بعدهم الهالك لهذا العهد شهيدا بسماية اعدائه و كان له في اللسان ملكة لا تدرك و اتبع اثره تلميذه و بالجملة
566
فشان هذه الملكة بالاندلس اكثر و تعليمها ايسر و اسهل بما لهم فيها عليه لهذا العهد كما قدمناه من معاناة علوم اللسان و محافظتهم عليها و على علوم الادب و سند تعليمها و لان اهل اللسان العجمي الذين تفسد ملكتهم انما هم طارئون عليهم و ليست عجمتهم اصلا للغة اهل الاندلس و البربر في هذه العدوة و هم اهلها و لسانهم لسانها الا في الامصار فقط و هم فيها منغمسون في بحر عجمتهم و رطانتهم البربرية فيصعب عليهم تحصيل الملكة اللسانية بالتعليم بخلاف اهل الاندلس و اعتبر ذلك بحال اهل المشرق لعهد الدولة الاموية و العباسية فمكان شانهم شان اهل الاندلس في تمام هذه الملكة و اجادتها لبعدهم لذلك العهد عن الاعاجم و مخالطتهم الا في قليل فكام امر هذه الملكة في ذلك العهد عن الاعاجم و مخاطتهم الا في القليل فكان امر تلك الملكة في ذلك العهد اقوم و فحول الشعراء و الكتاب اوفر لتوفر العرب و ابنائهم بالمشرق و انظر ما اشتمل عليه كتاب الاغاني من نظمهم و نثرهم فان ذلك الكتاب هو كتاب العرب و ديوانهم و فيه لغتهم و اخبارهم و ايامهم و ملتهم العربية و سرتهم و اذار خلفائهم و ملوكهم و اشعارهم و غناؤهم و سائر معانيهم له فلا كتاب اوعب منه لاحوال العرب و بقي امر هذه الملكة مستحكما في المشرق في الدولتين و ربما كانت فيهم ابلغ من سواهم من كان في الجاهلية كما نذكره بعد حتى تلاشى امر العرب و درست لغتهم و فسد كلامهم و انقضى امرهم و دولتهم و صار الامر للاعاجم و الملك في ايديهم و التغلب لهم و ذلك في دولة الديلم و السلجوقية و خالطوا اهل الامصار و الحواضر حتى بعدوا عن اللسان العربي و ملكته و صار متعلمها منهم مقتصرا عن تحصيلها و على ذلك نجد لسانهم لهذه العهد في فني المنظوم و المنثور و ان كانوا مكثرين منه و الله يخلق ما يشاء و يختار و الله سبحانه و تعالى اعلم و به التوفيق و لا رب سواه