الفصل السادس: في العلوم واصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الاحوال وفيه مقدمة ولواحق - الفصل 49: في ترفع اهل المراتب عن انتحال الشعر

اعلم ان الشعر كان ديوانا للعرب فيه علومهم و اخبارهم و كحمهم و كان رؤساء العرب منافسين فيه و كانوا يقفون بسوق عهكاظ لانشاده و عرض كل واحد منهم
581
ديباجته على فحول الشان و اهل البصر لتمييز حوله حتى انتهى انتهوا الى المعاناة في تعليق اشعارهم باركان البيت الحرام موضع حجهم و بيت ابراهيم عليه السلام كما فعل امرؤ القيس ابن حجر و النابغة الذبياني و زهير ابي سلمى و عنترة بن شداد و طرفة بن العبد و علقمة بن عبدة و الاعشى و غيرهم ما اصحاب المعلقات السبع فانه كما كان يتوصل الى تعليق الشعر كان له قدروة على ذلك بقومه و عصبيته و مكانه مضر على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلقات ثم انصرف العرب عن ذلك اولالاسلام بما شغلهم من امر دينهم و النبوة و الوحي و ما ادهشهم من اسلوب القران العظيم و نظمه فاخرسوا عن ذلك و سكتوا عن الخوض في النظر و المنثر زمانا ثم استقر ذلك و اونس الرشد من الملة و لم ينزل الوحي في تحريم و حظره و سمعهخ النبي صلى الله عليه و سلم و اثاب عليه فرجعوا حينئذ اللى ديدنهم و منه و كان لعمر ابن ابي ربيعة كبير قرؤيش لذلك العهد مقامات فيه عالية و طبقة مرتفعة و طكان مثيرا ما يعرض شعره شعره على ابن عباس فيقف لاستماعه معجبا به ثم جاء من بعد ذلك الملك و الدولة العزيزة و تقرب اليهم العرب في اشعارهم يمتدحونهم و يجزيهم الخلفاء باعظم الجوائز على نسبة الجودة في اشعارهم و ككانهم من قومعهم و يحرصون على استهداء اشعارهم يطلعون منها على الاثار و الاخبار و اللغة و شرف اللسان و العرب يطالبون ولدهم بحفظها و لم يزل هذا الشان ايام بني امية و صدرا من دولة بني العباس و انظر ما نقله صاحب العقد في مسامرة الرشيد لاصمعي في باب الشعر و الشعراء تجد ماكنا عليه الرشيد من المعرفة و رسوخ في و العناية بانتحاله و التنبصير بجيد و الكلام و رديئه و كثرة محفوظه منه ثم جاء خلق من بعدهم لم يكن اللسان لسانهم من اجل العجمة و تقصيرها باللسان و انما تعلموه صناعة ثم مدحوا باشعارهم امراء العجم الذي ليس لسانهم اللسان لهم طالبين معروفهم فقط لا سوى ذلك من الاغراض كما فعله حبيب و البحتري و المتنبي و ابن هخانئ و من بعدهم و هلم جرا فصار غرض الشعر في الغالب انما هو الكذب و الاستجداء لهاب النافع التي كانت فيه للاولين كما ذكرناه انفا و انف منه لذلك اهل الهمم و المراتب من المكتاخرين و تغير الحال و اصبح تعاطيه هجنة في الرئاسة و مذمة لاهل المناصب الكبيرة و الله مقلب الليل و النهار