بديع الزمان الهمذاني

أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمذاني، الحافظ المعروف ببديع الزمان؛ صاحب الرسائل الرائقة، والمقامات الفائقة، وعلى منواله نسج الحريري مقاماته واحتذى حذوه واقتفى أثره، واعترف في خطبته بفضله، وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج، وهو أحد الفضلاء الفصحاء، روى عن أبي الحسين احمد بن فارس صاحب"المجمل"في اللغة وعن غيره، وله الرسائل البديعة والنظم الميح، وسكن هراة من بلاد خراسان. فمن رسائله: الماء إذا طال مكثه، ظهر خبثه. وإذا سكن متنه، تحرك نتنه. وكذلك الضيف يسمج لقاؤه، إذا طال ثواؤه، ويثقل ظله، إذا انتهى محله. والسلام.

 

ومن رسائله: حضرته التي هي كعبة المحتاج، لاكعبة الحجاج. ومشعر الكرم، لا مشعر الحرم. ومنى الضيف، لا منى الخيف. وقبلة الصلات، لاقبلة الصلاة.


وله من تعزية: الموت خطب قد عظم حتى هان، ومس قد خشن حتى لان. والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت اخف خطوبها، وجنت حتى صار أصغر ذنوبها. فلتنظر يمنة، هل ترى إلا محنة؟ ثم انظر يسرة هل ترى إلا حسرة؟.


ومن شعره من جملة قصيدة طويلة:

 

وكاد يحكيك صوب الغيث منسكـبـاً

 

لو كان طلق المحيا يمطر الذهـبـا

والدهر لولم يخن، والشمس لو نطقت

 

والليث لو لم يصد والبحر لـوعـذا

ومن شعره في ذم همذان، ثم وجدتهما لأبي العلاء محمد بن علي بن حسول الهمذاني:

همذان لي بلد أقول بفضلـه

 

لكنه من أقبـح الـبـلـدان

صبيانه في القبح مثل شيوخه

 

وشيوخه في العقل كالصبيان

وله كل معنى مليح حسن من نظم ونثر.

وكانت وفاته سنة ثمان وتسعين وثلثمائة مسموماً بمدينة هراة، رحمه الله تعالى.

ثم وجدت في آخر رسائله التي جمعها الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن دوست ما مثاله: هذا آخر الرسائل، وتوفي رحمة الله تعالى بهراة يوم الجمعة الحادي عشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وثلثمائة؛ قال الحاكم المذكور: وسمعت الثقات يحكون أنه مات من السكنة وعجل دفنه، فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل، وأنه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر.