ابن مسكين

أبو عمر الحارث بن مسكين المصري مولى محمد بن زياد بن عبد العزيز بن مروان؛ رأى الليث بن سعد وسأله وسمع سفيان بن عيينة الهلالي وعبد الرحمن ابن القاسم العتقي وعبد الله بن وهب القرشي وروى عنه كافة المصريين. وكان فقيهاً على مذهب مالك بن أنس رضي الله عنه، وكان ثقة في الحديث ثبتاً، حمله المأمون إلى بغداد في ايام المحنة وسجنه لأنه لم يجب إلى القول بخلق القرآن، فلم يزل ببغداد محبوساً إلى أن ولي جعفر المتوكل فأطلقه وأطلق جميع من كان في السجن.

حدث الحارث ببغداد ورجع إلى مصر وكتب إليه المتوكل بعهده على قضاء مصر فلم يزل يتولاه من سنة سبع وثلاثين ومائتين إلى أن صرف في سنة خمس وأربعين. ولما خرج الحارث من بغداد إلى مصر اغتنم عليه أبو علي ابن الجوري غماً شديداً، فكتب إلى سعدان بن يزيد وهو مقيم بمصر يشكو ما نزل به من غم لفقد الحارث بن مسكين، وكان كتب في أسفل كتابه:

من كان يسليه نأي عن أخـي ثـقة

 

فإننـي غـير سـال آخـر الأبـد

ففرقت بيننا الأقدار واضطـربـت

 

بالوجد والشوق نار الحزن في الكبد

فأجابه سعدان بن يزيد:

أيها الشاكي إلينا وحشة

 

من حبيب نأيه عنه بعد

حسبك الله أنـيسـاً فـبـه

 

يأنس المرء إذا المرء سعد

كل أنـس بـسـواه زائل

 

وأنيس الله في عز الأبـد

وكانت ولادة الحارث بن مسكين في سنة أربع وخمسين ومائة، وتوفي لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمسين ومائتين، وصلى عليه يزيد بن عبد الله-أمير كان على مصر-وكبر عليه خمساً، رحمه الله تعالى.