أبو الصلت الأندلسي

أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي الداني؛ كان فاضلاً في علوم الآداب، صنف كتابه الذي سماه الحديقة على أسلوب يتيمة الدهر للثعالبي، وكان عارفاً بفن الحكمة، فكان يقال له: الأديب الحكيم، وكان ماهراً في علوم الأوائل، وانتقل من الأندلس وسكن ثغر الإسكندرية، وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وذكر شيئاً من نظمه، ومن جملة ما ذكر له قوله لمن جاد عليه قبل مدحه:

لا غرو أن سبقي يداك مدائحي

 

فتدفقت جدواك مثل إنـائهـا

يكسى القضيب ولم يحن إثماره

 

وتطوق الورقاء قبل غنائهـا

 

ولأبي جعفر الجزار البظرني في ابن عباد:

 

وما زلت أجني منك والدهر ممحل

 

ولا ثمر يجنى ولا زرع يحصـد

ثمار أياد دانـياتٍ قـطـوفـهـا

 

لأغصانها ظل عـلـي مـمـدد

يرى جارياً ماء المكارم تحتـهـا

 

وأطيار شكري فوقهـن تـغـرد

 

ولأبي الصلت المذكور:

 

إذا كان أصلي من تراب فكلهـا

 

بلادي وكل العالمين أقـاربـي

ولا بد لي أن أسأل العيس حاجةً

 

تشق على شم الذرى والغوارب

 

ولم أر هذين البيتين في ديوانه، وأورد له أيضاً:

 

وقائلة ما بال مثـلـك خـامـلاً

 

أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز

فقلت لها ذنبي إلى القوم أنـنـي

 

لما لم يحوزوه من المجد حـائز

وما فاتني شيء سوى الحظ وحده

 

وأما المعالي فهي عندي غـرائز

 

ولا وجدت هذا المقطوع أيضاً في ديوانه، والله أعلم، وله أيضا:

 

جد بقلبـي وعـبـث

 

ثم مضى وما اكترث

واحربا مـن شـادن

 

في عقد الصبر نفث

يقتل من شاء بـعـي

 

نيه ومن شاء بعـث

فأي ود لـم يخــن

 

وأي عهد ما نكـث

 

وله أيضاً:

 

دب العذار بخده ثـم انـثـنـى

 

عن لثم مبسمه البرود الأشنـب

لاغرو أن خشي الردى في لثمه

 

فالريق سم قاتل للـعـقـرب

 

ومن شعره أيضاً:

 

ومهفهفٍ شركت محاسن وجهه

 

ما مجه في الكأس من إبريقه

ففعالها من مقلتيه ولـونـهـا

 

من وجنتيه وطعمها من ريقه

 

أخذ هذا المعنى من ابن حبوس حيث يقول:

 

وممنطق يغني بلحظ جفونـه

 

عن كأسه الملأى وعن إبريقه

فعل المدام ولونها ومذاقـهـا

 

في مقلتيه ووجنتـيه وريقـه

 

وأورد له أيضاً في كتاب الخريدة في ترجمة الحسن بن أبي الشخباء العسقلاني:

 

عجبت من طرفك في ضعفه

 

كيف يصيد البطل الأصـيدا

يفعل فينا وهو في غـمـده

 

ما يفعل السـيف إذا جـردا

 

وشعره كثير وجيد، وكان قد انتقل في آخر الوقت إلى المهدية وتوفي بها يوم الاثنين مستهل سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وقيل: في عاشر المحرم سنة ثمان وعشرين. وقال العماد في الخريدة: أعطاني القاضي الفاضل كتاب الحديقة وفي آخرها مكتوب: إنه توفي يوم الاثنين ثاني عشر المحرم سنة ست وأربعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى، والصحيح هو الأول، فإن أكثر الناس عليه، وهو الذي ذكره الرشيد بن الزبيرفي الجنان، ومات بالمهدية، ودفن بالمنستير - وسيأتي ذكرها في ترجمة الشيخ هبة الله البوصيري إن شاء الله تعالى، ونظم ابياتا، وأوصى أن تكتب على قبره، وهي آخر شيء قاله، وهي:

 

سكنتك يادار الفناء مـصـدقـاً

 

بأني إلى دار البقـاء أصـير

وأعظم مافي الأمر أني صـائر

 

إلى عادل في الحكم ليس يجوز

فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها

 

وزادي قليل والذنوب كـثـير

فإن أك مجزياً بذنبي فـإنـنـي

 

بشر عقاب المذنـبـين جـدير

وإن يك عفو منه عني ورحمة

 

فثـم نـعـيم دائم وســرور

 

ولما اشتد مرض موته قال لولده عبد العزيز:

 

عبد العـزيز، خـلـيفـتـي

 

رب السماء عليك بـعـدي

أنا قد عـهـدت إلـيك مـا

 

تدريه فاحفظ فيه عـهـدي

فلئن عـمـلـت بـه فـإن

 

ك لا تزال حـلـيف رشـد

ولئن نكثـت لـقـد ضـلـل

 

ت وقد نصحتك حسب جهدي

 

ثم وجدت في مجموع لبعض المغاربة ان أبا الصلت المذكور مولده في دانية مدنية من بلاد الأندلس في قران سنة ستين وأربعمائة، وأخذ العلم عن جماعة من أهل الأندلس، كأبي الوليد الوقشي قاضي دانية وغيره، وقدم الإسكندرية مع أمه في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ونفاه الأفضل شاهنشاه من مصر في سنة خمس وخمسمائة، وتردد بالإسكندرية إلى أن سافر في سنة ست وخمسمائة فحل بالمهدية، ونزل من صاحبها علي بن يحيى بن تميم ابن المعز بن باديس منزلة جليلة، وولد له بها ولد سماه عبد العزيز، وكان شاعراً ماهراً، له في الشطرنج يد بيضاء، وتوفي هذا الولد ببجاية في سنة ست وأربعين وخمسمائة.


قلت: وهو الذي غلط فيه العماد الكاتب فيما نقله عن القاضي الفاضل واعتقد أن أباه مات في هذا التاريخ.


وصنف أمية وهو في اعتقال الأفضل بمصر رسالة العمل بالأصطرلاب، وكتاب الوجيز في علم الهيئة، وكتاب الأدوية المفردة وكتاباً في المنطق سماه تقويم الذهن وكتاباً سماه الانتصار في الرد على علي بن رضوان في رده على حنين بن إسحاق في مسائله، ولما صنف الوجيز للأفضل عرضه على منجمه أبي عبد الله الحلبي، فلما وقف عليه قال له: هذا الكتاب لاينتفع به المبتدي ويستغني عنه المنتهي.


وله من أبيات:

 

كيف لاتبلى غلائلـه

 

وهو بدر وهي كتان

وإنما قال هذا لأن الكتان إذا تركوه في ضوء القمر بلي. وكان مرضه الاستسقاء، والله أعلم.