الحسن بن علي بن أبي طالب

أو بمحمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمه فاطمة صلوات الله عليها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بويع له يوم مات أبوه رضي الله عنه، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بالكوفة إلى شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقتل عبد الرحمن بن ملجم، يقال إنه ضربه بالسيف فاتقاه بيده فندرت وقتله، ثم سار إلى معاوية فالتقيا بمسكن من أرض الكوفة، فاصطلحا وسلم إليه الأمر وبايعه لخمس بقين من شهر ربيع الأول، ويقال إنه أعطاه خمس آلاف درهم ورجع إلى المدينة، وقال قوم انه صالحه بأذرح في جمادى الأولى وأخذ مائة ألف دينار، روى ذلك كله الدولابي. وكانت خلافته ستة أشهر وخمسة أيام؛ روى الشعبي قال: أنا شهدت خطبة الحسن-يعني حين سلم الأمر إلى معاوية-: قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، إن أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إنما هو حق لامرئ كان أحق بحقه مني أو حق لي تركته لمعاوية إرادة لصالح الأمة وحقنا لدمائهم، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

روى سفينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخلافة بعدي ثلاثون عاماً ثم تكون ملكاً أو ملوكاً. وكان آخر ولاية الحسن رضي الله عنه تمام ثلاثين سنة وثلاثة عشر يوماً من أول خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ولم يزل الحسن بالمدينة إلى أن مات بها في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وله سبع وأربعون سنة، وقيل مات سنة خمسين، وهو أشبه بالصواب، وصلى عليه سعيد بن العاص ودفن بالبقيع، ويقال إنه دفن مع أمه صلوات الله عليها. وقال القتبي: يقال ان امرأته جعدة بنت الأشعث سمته ومكث شهرين، وأنه ليرفع من تحته كل يوم كذا وكذا طست من دم. وكان يقول: سقيت السم مراراً ما أصابني ما أصابني في هذه المرة. وخلف عليها رجل من قريش فأولدها غلاماً، فكان الصبيان يقولون له: يا ابن مسمة الأزواج.

ولما كتب مروان إلى معاوية بشكاته كتب إليه أن أقبل المطي إلي بخبر الحسن؛ ولما بلغه موته سمع تكبيراً من الحضر، فكبر أهل الشام لذلك التكبير فقالت فاخته زوجة معاوية: أقر الله عينك يا أمير المؤمنين، ما الذي كبرت له؟ قال: مات الحسن، قالت: أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟ قال: والله ما كبرت شماتة بموته ولكن استراح قلبي. وكان ابن عباس بالشام، فدخل عليه فقال: يا ابن عباس، هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ قال: لا أدري ما حدث إلا أني أراك مستبشراً وقد بلغني تكبيرك وسجودك، قال: مات الحسن، قال: إنا لله، يرحم الله أبا محمد، ثلاثاً؛ ثم قال: والله يا معاوية لا تسد حفرته حفرتك ولا يزيد نقص عمره في يومك، وإن كنا أصبنا بالحسن لقد أصبنا بإمام المتقين وخاتم النبيين، فسكن الله تلك العبرة وجبر تلك المصيبة وكان الله الخلف علينا من بعده.

وكان أوصى لأخيه الإمام الحسين: إذا أنا مت فادفني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، وإن منعوك فادفني ببقيع الغرقد، فلبس الحسين ومواليه السلاح وخرجوا ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مروان بن الحكم في بني أمية فمنعوهم من ذلك.

وقيل: لما احتضر الحسن رضي الله عنه قال: أخرجوني إلى الصحراء لعلي أنظر في ملكوت السموات، يعني الآيات؛ فلما أخرج قال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي، فكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه.

ومن طريف أخباره ما ذكره أبو العباس المبرد أن مروان بن الحكم قال يوماً: إني مشغوف ببغلة الحسن، فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجة؟ قال: نعم، قال: فإذا اجتمع الناس عندك العشية فإني آخذ في مآثر قريش ثم أمسك عن الحسن، فلمني على ذلك؛ فلما أخذ القوم مجالسهم أفاض في أولية قريش؛ قال له مروان: ألا تذكر أولية أبي محمد وله في هذا ما ليس لأحد؟ قال: إنما كنا في ذكر الأشراف ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدمنا ما لأبي محمد؛ فلما خرج ليركب تبعه ابن أبي عتيق فقال له الحسن وتبسم: ألك حاجة؟ قال: نعم، البغلة، فنزل عنها ودفعها إليه.

وذكر ابن عائشة أن رجلاً من أهل الشام قال: دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام فرأيت رجلاً راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه، فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل: هذا الحسن بن علي ابن أبي طالب، فامتلأ قلبي له بغضاً وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت له: أأنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال: أنا ابنه، قلت: فعل بك وبأبيك-أسبهما؛ فلما انقضى كلامي قال لي: أحسبك غريباً؟ قلت: أجل، قال: مل بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاوناك؛ قال: فانصرفت عنه وما على الأرض أحب ألي منه وما فكرت فيما صنع وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي.

وحكى صاحب العقد قال: بينا معاوية جالس في أصحابه إذ قيل له: الحسن بالباب، فقال معاوية: إنه إن دخل علينا أفسد ما نحن فيه، فقال له مروان بن الحكم: ايذن له فإني أسأله عما ليس عنده فيه جواب، قال معاوية: لا تفعل فإنهم قوم ألهموا الكلام، وأذن له، فلما دخل وجلس قال له مروان: أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن، إن ذلك من الخوف، قال الحسن: ليس كما بلغك ولكنا معشر بني هاشم طيبة أفواهنا، عذبة شفاهنا، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن وقبلهن، وأنتم معشر بني أمية فيكم بخر شديد، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن عنكم إلى أصداغكم، فإنما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك؛ قال مروان: أما إن فيكم يا بني هاشم خصلة سوء، قال: ما هي؟ قال: الغلمة، قال: أجل، نزعت الغلمة من نسائنا ووضعت في رجالنا ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم، فما قام لأموية إلا هاشمي؛ فغضب معاوية وقال: قد كنت أخبرتكم فأبيتم حتى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم وافسد مجلسكم؛ فخرج الحسن رضوان الله عليه وهو يقول:

ومارست هذا الدهر خمسين حجة

 

وخمساً أرجي قابلاً بعد قـابـل

فما أنا في الدنيا بلغت جسيمـهـا

 

ولا في الذي أهوى كدحت بطائل

وقد أشرعت في المنايا أكفـهـا

 

وأيقنت أني رهن موت معاجـل

قال الحسن رضي الله عنه لحبيب بن مسلمة الفهري: رب مسير لك في غير طاعة الله، قال: أما مسيري إلى أبيك فلا، قال: بلى، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك، فلو كنت إذ فعلت شراً قلت خيراً كنت كما قال الله تعالى: (خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا). ولكنك كما قال الله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).

وقيل: دار بين الحسن والحسين كلام فتقاطعا فقيل للحسين: لو أتيت أخاك فهو أكبر سناً منك، فقال: إن الفضل للمبتدئ وأنا أكره أن يكون لي الفضل على أخي، فبلغ ذلك الحسن فأتاه.

وكان الحسن إذا فرغ من الوضوء تغير لونه، فقيل له في ذلك فقال: حق على من أراد أن يدخل على ذي العرض أن يتغير لونه.