ابن الخياط الدمشقي

أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة التغلبي المعروف بابن الخياط الشاعر الدمشقي الكاتب؛ كان من الشعراء المجيدين، طاف البلاد، وامتدح الناس، ودخل بلاد العجم وامتدح بها، ولما اجتمع بأبي الفتيان ابن حيوس الشاعر المشهور بحلب وعرض عليه شعره قال: قد نعاني هذا الشاب إلى نفسي، فقلما نشأ ذو صناعة ومهر فيها إلا وكان دليلاً على موت الشيخ منأ بناء جنسه، ودخل مرة إلى حلب وهو رقيق الحال لا يقدر على شيء، فكتب إلى ابن حيوس المذكور يستمنحه شيئا من بره بهذين البيتين:

لم يبق عندي مـا يبـاع بـحـبة

 

وكفاك علما منظري عن مخبري

إلا بقية ماء وجـه صـنـتـهـا

 

عن أن تباع وأين أين المشتـري

 

فلما وقف عليهما ابن حيوس قال: لو قال وأنت نعم المشتري لكان أحسن.

 

ولا حاجة إلى ذكر شيء من شعره لشهرة ديوانه، ولو لم يكن له إلا قصيدته البائية التي أولها:

 

خذا من صبا نجد أماناً لقلبه

 

فقد كاد رياها يطير بلبـه

 

لكفاه، وأكثر قصائده غرر، وتتمة هذه القصيدة:

 

وإياكـمـا ذاك الـنـسـيم فـإنــه

 

متى هب كان الوجد أيسر خـطـبـه

خليلي لو أحببتـمـا لـعـلـمـتـمـا

 

محل الهوى من مغرم القلب صـبـه

تذكر والذكرى تشـوق وذو الـهـوى

 

يتوق ومن يعلق به الحـب يصـبـه

غرام علـى يأس الـهـوى ورجـائه

 

وشوق على بعد الـمـزار وقـربـه

وفي الركب مطوي الضلوع على جوى

 

متى يدعه داعـي الـغـرام يلـبـه

إذا خطرت من جانب الرمل نـفـحة

 

تضمن مـنـهـا داؤه دون صـحـبة

ومحتجـب بـين الأسـنة مـعـرض

 

وفي القلب من غراضه مثل حجـبـه

أغار إذا آنست في الحي أنة

 

حذراً وخوفاً أن تكون لحبه

 

وهي طويلة فنقتصر منها على هذا القدر.


ومن شعره أيضا قوله:

سلواً سيف الحاظه الممتشق

 

أعند القلوب دم لـلـحـق

أما من مـعـين ولا عـاذر

 

إذا عنف الشوق يوما رفـق

تجلى لنا صارم المقـلـتـي

 

ن مضنى الموشح والمنتظق

من الترك ما سهمه إذ رمى

 

بأفتك من طرفه إذ رمـق

ولـيلة وافـيتـــه زائراً

 

سمير السهاد ضجيع القلـق

دعتني المخافة من فتـكـه

 

إليه، وكم مقدم مـن فـرق

وقد راضت الكأس أخلاقـه

 

ووقر بالسكر منه الـنـزق

وحق العناق فـقـبـلـتـه

 

شهي المقبل والمعـتـنـق

وبت أخالـج فـكـري بـه

 

أزور طراً أم خيال طـرق

أفكر في الهجر كيف انقضى

 

وأعجب للوصل كيف اتفق

وللحب ماعز منـي وهـان

 

وللحسن ما جل منـه ودق

 

ويعجبني من شعره بيتان من جملة قصيدة، وهما في غاية الرقة:

 

وبالجزع حي كلما عن ذكرهم

 

أمات الهوى مني فؤاداً وأحياه

تمنيتهم بالرقمـتـين ودارهـم

 

بوادي الغضا يا بعد ما أتمناه

 

ومن شعره أيضاً يعتب على أهله وأصحابه:

 

يا من بمجتمع الشطين إن عصفت

 

بكم رياحي فقد قدمت أعـذاري

لاتنكرن رحيلـي عـن دياركـم

 

ليس الكريم على ضيم بصـبـار

 

وله أيضاً:

 

أتظـنـنـي لا أسـتـط

 

يع أحيل عنك الدهر ودي

من ظـن أن لابـد مـن

 

ه فإن مـنـه ألـف بـد

وكانت ولادته سنة خمسين وأربعمائة بدشق، وتوفي بها في حاي عشر شهر رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة، رحمه الله تعالى، وقيل: إنه مات في سابع عشر شهر رمضان، والول أصح.