ابراهيم الصولي

إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول تكين الصولي، الشاعر المشهور؛ كان أحد الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر كله نخب، وهو صغير، ومن رقيق شعره:

دنت بأناس عن تـنـاءٍ زيارة

 

وشط بليلى عن دنو مزارهـا

وإن مقيمات بمنعرج الـلـوى

 

لأقرب من ليلى وهاتيك دارها

وله نثر بديع، فمن ذلك ماكتبه عن أمير المؤمنين، إلى بعض البغاة الخارجين يتهددهم ويتوعدهم، وهو أما بعد، فإن لأمير المؤمنين أناة، فإن لم تغن عقب بعدها وعيداً، فإن لم يغن أغنت عزائمه، والسلام وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع، فإنه ينشأ منه بيت شعر له أوله:  

أناة فإن لم تغن عقب بعـدهـا

 

وعيداً فإن لم يغن أغنت عزائمه

وكان يقول: ما اتكلت في مكاتبتي قط إلا على ما يجلبه خاطري ويجيش به صدري، إلا قولي: وصار ما يحرزهم يبرزهم، وما كان يعقلهم يعتقلهم، وقولي في رسالة أخرى: فأنزلوه من معقل إلى عقال، وبدلوه آجالاً من آمال فإني ألممت بقولي آجالا من آمال بقول مسلم بن الوليد الأنصاري، المعروف بصريع الغواني، وهو:

موف على مهج في يوم ذي رهج

 

كأنه أجل يسـعـى إلـى أمـل

وفي المعقل والعقال بقول أبي تمام:

فإن باشر الإصحار فالبيض والقنا

 

قراه، وأحواض المنايا مناهلـه

وإن يبن حيطانا عليه فـإنـمـا

 

أولئك عقالاتـه لامـعـاقـلـه

وإلا فأعلمـه بـأنـك سـاخـط

 

عليه فإن الخوف لاشك قاتـلـه

وهو ابن أخت العباس بن الأحنف الحنفي الشاعر المشهور.


ونسبته إلى جده صول المذكور، وكان أحد ملوك جرجان، وأسلم على يد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وقال الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان: الصولي جرجاني الأصل، وصول من بعض ضياع جرجان، ويقال لها جول، وهو عم والد أبي بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس الصولي، صاحب كتاب الوزراء وغيره من المصنفات، فإنهما يجتمعان في العباس المذكور.


وقد ذكره أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة فقال: إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول، بغدادى أصله من خراسان، يكنى أبا إسحاق، أشعر نظرائه الكتاب وأرقهم لساناً، وأشعاره قصار ثلاثة أبيات ونحوها إلى العشرة، وهو أنعت الناس للزمان وأهله غير مدافع، وأصله تركي، وكان صول وفيروز وأخوين ملكا جرجان، تركيان، تمجسا وصارا أشباه الفرس، فلما حضر يزيد بن المهلب بن أبي صفرة جرجان أمنهما، فلم يزل صول معه، وأسلم على يده حتى قتل معه يوم العقر.


وكان أبو عمارة محمد بن صول أحد جلة الدعاة، وقتله عبد الله بن علي العباسي، عم السفاح والمنصور، لما خلع مع مقاتل بن حكيم العكي وغيره.


واتصل إبراهيم وأخوه عبد الله بذي الرياستين الفضل بن سهل، ثم تنقل في أعمال السلطان ودواوينه إلى أن توفي وهو يتقلد ديوان الضياع والنفقات بسر من رأى للنصف من شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

 

قال دعبل بن علي الخزاعي: لو تكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا في غير شيء، هذا آخر ما نقلته من كتاب الورقة.


وقد وقفت على ديوانه، ونقلت منه أشياء، منها قوله، وهذان البيتان يوجدان في ديوان مسلم بن الوليد الأنصارى، والله أعلم:

لايمنعنك خفض العيش في دعة

 

نزوع نفس إلى أهل وأوطـان

تلقى بكل بلاد إن حللت بـهـا

 

أهلاً بأهل وجيراناً بـجـيران

وله - ويقال: إنه مارددهما من نزلت به نازلة إلا فرج الله تعالى عنه -:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى

 

ذرعاً وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

 

فرجت وكان يظنها لاتفرج

ومن شعره:

أولى البـرية طـراً أن تـواسـيه

 

عند السرور الذي واسك في الحزن

إن الكرام إذا ما أسهـلـوا ذكـروا

 

من كان يألفهم في المنزل الخشـن

وله - ويقال: إنه كتبها إلى محمد بن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم -:

وكنت أخي بإخاء الزمان

 

فلما نباصرت حرباعوانا

وكنت أذم إليك الـزمـان

 

فأصبحت منك أذم الزمانا

وكنت أعدك للـنـائبـات

 

فها أنا أطلب منك الأمانا

وله أيضاً:

كنت السواد لمقلتـي

 

فبكى عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت

 

فعليك كنت أحـاذر

وأورد له أبو تمام الطائي في كتاب الحماسة في باب النسيب:

ونبئت ليلى أرسلت بـشـفـاعة

 

إلي، فهلا نفس ليلى شفيعـهـا

أأكرم من ليلى علي فتبتـغـي

 

به الجاه أم كنت امرءاً لاأطيعها

وله كل مقطوع بديع، والاختصارأولى بالمختصر.

وسيأتي ذكر ابن أخيه بن يحيى الصولي في المحمدين، إن شاء الله تعالى.

توفي إبراهيم الصولي المذكور منتصف شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائتين بسر من رأى، رحمه الله تعالى.